الرياض - واس : تُعد دارة الملك عبد العزيز مرجعاً تاريخياً للبحوث والدراسات والمخطوطات، وتشهد مرحلة تطويرية شاملة ومواكبة لمستقبل المملكة التنموي، بفضل ما تلقاه من دعم ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ رئيس مجلس الإدارة، وتحفظ أكثر من أربعة ملايين وثيقة وخمسة آلاف مخطوط وخمسة آلاف مصدر شفوي وأربعمائة إصدار وخمس عشرة مكتبة خاصة.



ورأس خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ، مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز وأصدر المجلس عدداً من القرارات التي يأتي في مقدمتها تطوير أعمال الدارة والأخذ بكل جديد وحديث في الجوانب المختلفة لأنشطتها وأهدافها ورؤيتها المستقبلية، وإن كانت الدارة في حالة تطوير مستمرة في ظل توجيهاته ورعايته ـ حفظه الله ـ فإن تأكيد ذلك يجعل منها مؤسسة متطورة ومتأهبة، وستحظى الدارة بتطلعاته إن شاء الله ضمن ما تحظى به الدولة من التطوير والتحديث العملي والتقني.

فدارة الملك عبد العزيز التي تعد أول مؤسسة سعودية رسمية، تعنى بالمصادر التاريخية تمثل دلالة على السمات العلمية والسجايا الوطنية في شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ ومنها رعايته لمشاهد الحركة العلمية والبحثية وعناصرها بأسمائها ومؤسساتها وجوائزها، ودرايته الدقيقة بكل ما يمت بصلة للتاريخ الوطني والتاريخ العربي والإسلامي.

واليوم المفصلي في تاريخ دارة الملك عبد العزيز الذي يتذكره المؤرخون والباحثون هو صدور قرار مجلس الوزراء في 28 / 12 / 1417هـ بإعادة تشكيل مجلس إدارة الدارة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ فقد أعطى هذا الأمر زخماً كبيراً للدارة ولفت الأنظار لها لدى كثيرين من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فمضت تنمو وتتطور أعمالها وتتراكم تجربتها مع مرور الوقت ويتزايد إنتاجها وتتصاعد فاعليتها في المشهد المعرفي فأصبحت في وقت قصير مآلاً للباحثين ومأوى للمصادر التاريخية، وبدأت شخصيتها تتبلور بشكل أوضح وأكثر فاعلية، من خلال عمل مؤسساتي منظم صنع لها رسالة تمزج بين العلمية الموضوعية والوطنية التي أنشئت من أجلها، فقد أعاد خادم الحرمين الشريفين ـ رعاه الله ـ إبراز الدارة وبث فيها روح العمل النشط والثقة العلمية من خلال مكتسبات عدة من أهمها احترام الوقت، وهذا انعكس على شخصية الدارة اليومية، فمنذ انعقاد الاجتماع الأول لمجلس الإدارة الجديد عام 1418هـ حتى اليوم وخلال خمسة وأربعين اجتماعاً لم يتأخر ـ حفظه الله ـ عن اجتماع واحد لحرصه على دقائق العمل في الدارة.



ومن أولى ملامح المرحلة الجديدة خروج الدارة من حيز الإدارة إلى المجتمع، ومشاركة أصحاب الوثائق همومهم، وأصحاب المخطوطات عناءهم، ومساندة كل الباحثين من الداخل والخارج في جهودهم وتهيئة كل ما يدعم طموحاتهم ومشروعاتهم المتخصصة، حتى أصبحت تحفظ كنزاً علمياً متعدد المصادر التاريخية وصل إلى أربعة ملايين وثيقة تاريخية، وخمسة آلاف تسجيل صوتي وفلمي لروايات شفهية، وما يقارب أربعمائة إصدار، وخمسة آلاف مخطوط، وأكثر من مائتي ألف صورة فوتوغرافية، وتسعة آلاف مادة فلمية، وخمس عشرة مكتبة خاصة على رأسها مكتبة الملك عبد العزيز الخاصة ومكتبة الملك سعود بن عبد العزيز، حفظت وصنّفت بأسماء أصحابها وملاكها، ولم يتهيأ لها ذلك إلا بتوجيه ودعم من لدن خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ الذي أسهم في تعاون المواطنين والجهات ومكونات حركة النشر مع تطلعاتها، فكانت بمنزلة شراكة بين جميع فئات المجتمع.

كما أن توجيهه ـ أيده الله ـ، بتكوين مجلس إدارة جديد يكون أعضاؤه من المؤسسات التعليمية والثقافية ذات العلاقة حتى تسهل عملية تبادل المعلومات، وتوجيهه ـ حفظه الله ـ بنقل الدارة من مقرها السابق إلى مركز الملك عبد العزيز التاريخي بجوار قصر المربع في حي المربع الذي افتتحه الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ عام 1419هـ بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية؛ أدى إلى استظهار طاقات دارة الملك عبد العزيز العلمية، وبثّ تغييراً إيجابياً في أعمال الدارة.



وكان الاختبار الذي عرضه خادم الحرمين الشريفين للدارة حين وضعها ـ حفظه الله ـ بصفته رئيس اللجنة العليا للاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية أمام مسؤولياتها، ووجه ـ حفظه الله ـ بأن تكون مشاركاً فاعلاً في النشاط العلمي ضمن تلك المناسبة المئوية المهمة وكان ذلك عام 1419هـ أي بعد المرحلة الانتقالية للدارة بسنتين فقط، وأن تقوم بطبع إصدارات المناسبة بعد مراجعتها ودراستها، والتنظيم للندوة العلمية للمناسبة التي شارك فيها أكثر من مائتي باحث وباحثة من الداخل والخارج، وهذا ما صقل تجربتها وعدد من مهاراتها التنظيمية.

وأيضاً السمة البحثية الدؤوبة في شخصية خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ من خلال رئاسته لمجلس إدارة الدارة قدمت نموذجاً عملياً للعاملين في المجال ومنها الدارة فقد كان وما زال ـ حفظه الله ـ فاعلاً في أعمالها لتعلقه بالبحث العلمي، حتى أنه ـ أيده الله ـ في عام 1418هـ أهدى الدارة مخطوطةً نادرة بعنوان (المقنع في الفقه) نسخت عام 1220هـ وكانت نواة لما حصل جمعه وحفظه من المخطوطات الأصلية التي تجاوزت 5,000 مخطوط، وكذلك قدّم للدارة ـ حفظه الله ـ وثيقة أصلية هي رسالة من الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى سليمان باشاً نسخت في عام 1225هـ، ضارباً بذلك ـ حفظه الله ـ مثالاً للمواطنين من ملاك المخطوطات والوثائق، لإيداع ما لديهم من مصادر تاريخية في الدارة، وبالفعل بدأ المواطنون بتقديم ما لديهم من المصادر التاريخية إلى الدارة، وكان يوجه بإيداعها باسم صاحبها بحيث يحق له الرجوع إليها، وفي هذا السياق ما زال الجميع يتذكر المحاضرات الثلاث المتخصصة في التاريخ الوطني التي ألقاها ـ حفظه الله ـ التي تُعدَ شاهداً موثقاً لشخصيته ـ حفظه الله ـ البحثية، حيث كانت أولى هذه المحاضرات في جامعة أم القرى عام 1429هـ بعنوان (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز) وكانت المحاضرة الثانية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام1432هـ بعنوان (الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية)، وطبعتها الدارة حرصاً على استحضار الجميع لها ودعم المكتبة التاريخية الوطنية، أما محاضرته الثالثةـ حفظه الله ـ فكانت في جامعة الملك سعود ممثلة في كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز للدراسات الحضارية والتاريخية عام 1433هـ بعنوان (الجوانب الإنسانية والاجتماعية في تاريخ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود).



وجانب أخر يدلل على اهتمامه ـ حفظه الله ـ بدارة الملك عبد العزيز هو الإسهام بافتتاح المراكز الجديدة وتدشين الموسوعات والأطالس والمشروعات العلمية الكبيرة على مستوى الوطن، فحين شعر ـ حفظه الله ـ بحاجة الوثائق والمخطوطات في المملكة العربية السعودية إلى مركز متخصص وبأحدث الطرق والوسائل، افتتح ـ رعاه الله ـ مركز الملك سلمان بن عبد العزيز للترميم والمحافظة على المواد التاريخية عام 1425هـ فكانت هذه الرعاية دفعة قوية للمركز ليكون من أكبر المراكز المتخصصة في مجاله في المنطقة حيث يرتبط المركز حالياً بأكثر من ست جهات حكومية لترميم وثائقها ، وينظم دورات متقدمة في مجال الترميم وكشف التزوير والتثقيف بشكل عام حول المصادر التاريخية القديمة ، كما دشن ـ حفظه الله ـ موسوعة المملكة العربية السعودية في مائة عام وغيرها من الموسوعات والأطالس والقواميس كان آخر الموسوعات التي دشنها معجم البلدان والقبائل في شبه الجزيرة العربية والعراق وجنوبي الأردن وسيناء الذي يقع في (12مجلداً) وموسوعة الملك فهد بن عبد العزيز في عشرة مجلدات.

ومن الدعم الذي يقدمه خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ، لكل ما يخدم التاريخ الوطني والعربي وتاريخ الجزيرة العربية موافقته ـ حفظه الله ـ على دعم الدارة لبعض الجمعيات العلمية ذات العلاقة واستضافة أعمالها الإدارية اليومية مثل جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي والجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذا موافقته ـ حفظه الله ـ على دعم وافتتاح مركز تاريخ مكة المكرمة ومركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، ومركز تاريخ الطائف، ومركز تاريخ البحر الأحمر وغرب المملكة، ومركز تاريخ الخليج العربي وشرق المملكة، ومركز سارة السديري الثقافي، وأولاها جل اهتمامه، كما يحظى مشروع موسوعة الحج والحرمين الشريفين ومشروع الأطلس التاريخي للسيرة النبوية اللذين يمثلان الذراع التوثيقي للحرمين والأماكن المقدسة عبر العصور بعناية الدارة واهتمامها ليكون متاحاً لحركة البحوث والدراسات المقبلة.

كما وافق ـ أيده الله ـ على تنظيم الدارة جائزة ومنحة تقدم للباحثين والباحثات من جميع الأعمار ووافق ـ حفظه الله ـ على اقتران اسمه بالجائزة والمنحة فكانت (جائزة ومنحة الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية)، يضاف إلى ذلك دعمه للجائزة والمنحة حين تبرع ـ حفظه الله ـ بقيمتها من ماله الخاص، كما وافق ـ حفظه الله ـ على إقامة جائزة الملك عبد العزيز للكتاب التي تمنح للكتب المؤلفة والمحققة التي تتفق وأغراض الدارة، ومن ذلك أيضاً رعايته وحضوره ـ أيده الله ـ افتتاح فعاليات الندوات الملكية وفاءً لإخوانه الملوك وعرفاناً لدورهم في بناء الوطن ودعماً لهذه الفكرة العلمية التي اضطلعت بها الدارة، حيث تستعد دارة الملك عبد العزيز لتنظيم الندوة الخامسة من تلك الندوات عن الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بعد أن نظمت ندوات الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد ـ رحمهم الله -.



كما وجه خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ بعد توليه الحكم وزيارته الملكية للمدينة المنورة في شهر رمضان الماضي بأن تسهم دارة الملك عبد العزيز في دعم المكتبات الوقفية في المدينة المنورة بتنظيمها معرض المدينة المنورة للمخطوطات، ثم توجيهه ـ أيده الله ـ بإسهام الدارة في مجمع المكتبات الوقفية في المدينة المنورة الذي سيضم المكتبات التاريخية المتعددة التي عرفت بها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سواء الخاصة أو العامة لتقديم أفضل الخدمات لها ورعايتها حفظاً وصيانة ودراسة وتقديمها للعالم بصفتها مأثراً إسلامياً وعربياً زخرت به الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية، وضمت أول مخطوط إسلامي متكامل ،وهذا ما أيَد انضمامها مؤخراً إلى هيئة المخطوطات الإسلامية بلندن.

محطات عدة تشير إلى المنزلة المتصاعدة للدارة وما حظيت به من الدعم مثل بقية المؤسسات الثقافية والعلمية والمعرفية في بلادنا الغالية من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ وما قرار الاجتماع الأخير لمجلس إدارتها برئاسة خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ بمشاركتها في المكتبة الرقمية العالمية التي أنشأتها منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) مع مكتبة الكونجرس، إلا انعكاس لتلك المكانة والقيمة وقرار المجلس الموافقة على تنظيم الدارة المؤتمر العلمي الأول لتراث الجزيرة العربية المخطوط في العالم الذي سيشارك فيه باحثون ومؤسسات مختصة من دول العالم المختلفة، علاوة على ما قامت به الدارة من تنظيم مؤتمرات دولية سابقة إلا دليل آخر بضاف لرصيد ما تلقاه الدارة من عناية خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز ـ حفظهم الله ـ.

وانطلقت دارة الملك عبد العزيز من مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ في إحدى اللقاءات العلمية: (الدارة بيت للجميع) فكانت بمنزلة توجيه للمسؤولين في الدارة وتعبيراً للباحثين والباحثات عن أن هذه المؤسسة العلمية المتخصصة تحت خدمة الدراسات والبحوث، لتكون رافداً ومرجعاً في الوقت نفسه لحركة البحوث والدارسات ذات العلاقة، وهذا ما جعل كثيراً من الباحثين والباحثات يتفقون على أن خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ ذاكرة التاريخ الوطني ومرجعاً رئيساً في الشأن التاريخي الوطني.