بعد أن كثر السؤال عن علاقة العلوم بالإيمان والإلحاد
مفكرون: الاكتشافات العلمية ستقود إلى موجات تديّن لا إلحاد



عمرو محمد- الرياض
ظهرت كتابات صحفية وعلمية عديدة في الآونة الأخيرة تتخوف ان تؤدي الاكتشافات العلمية الهائلة والمتزايدة التي حدثت خلال هذه السنوات الى ظهور موجات جديدة من الإلحاد شبيهة بالتي شهدها العالم إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث أدت التطورات العلمية آنذاك الى حدوث ارتباك كبير في أوساط مؤمني الديانات السماوية أدت ببعضهم الى الإلحاد التام بوجود الخالق عز وجل، ومع ان هذه الكتابات تتخوف من التأثير الذي يمكن ان تحدثه الكشوف العلمية إلا ان علماء ومفكرين بارزين تحدثت إليهم (الدين والحياة) أكدوا في تصريحات خاصة ان الإلحاد وان تزامن انتشاره في وقت سابق مع التطورات الكبيرة التي شهدها العلم إلا ان الثورات العلمية والتكنولوجية الأخيرة لا يمكن ان تقود الى الإلحاد مجددا مشيرين الى ان العصر الحالي هو عصر التدين والعودة الى الإيمان. في اتصال هاتفي مع الدكتور نعمان السامرائي أوضح ان الإلحاد كان بالفعل موجة مصاحبة للانجازات العلمية الضخمة التي حصلت في المائتي عام الماضية وذكر انه في ذلك الحين كان العالم يعتقد وخصوصا في القرنين السابع عشر والثامن عشر بأنه توصل الى إيجاد حلول لكل المشكلات المستعصية التي تواجه البشرية وأصبح قادرا على فك الأسرار والألغاز ولم يتبق شيء لم يستطع العلم فهمه أو تفسيره، ويضيف السامرائي ان هذه النظرة كانت سائدة عند السواد الأعظم من مفكري وعلماء تلك الفترات في الغرب، بيد ان الإيمان بان هناك أشياء غيبية يصعب على العقل المجرد إيجاد تفسيرات لها كان أيضا بارزا وله محله في الخارطة الفكرية وهناك الكثير من العلماء من كان يعترف بذلك ولم ينجر وراء موجة الإلحاد هذه وكان يعمل باستمرار على التأكيد على ان العلم قاصر عن التوصل الى تفسير بعض الظواهر الطبيعية بل حتى في داخل الإنسان نفسه، ومضى الدكتور نعمان قائلا: ومع التطور الذي حدث في العلم بعد ذلك بدأ الشك يتغلغل في العقول الغربية التي كانت تؤمن إيمانا قاطعا بأن العلم اكتشف كل شيء ووصل إلى نهاية الإدراك والمعرفة، فقد تبين لهم ان هناك الكثير من الأسرار التي لم تكتشف بعد وكانت أعمالهم وخلاصة إنتاجهم العلمي يؤكد لهم ذلك كلما توصلوا الى جديد في دنيا العلم،.
ورأى الشيخ نعمان السامرائي ان طبيعة الحياة هو ان تبقى على الدوام أسرارا عصية على الكشف ومهما توصل الإنسان بعقله الى بعض أو الكثير من الانجازات العلمية واستطاع فك الأسرار التي تتحداه، وجد ان هناك الكثير من الأسرار الأخرى التي لا يستطيع لها كشفا، مضيفا ان ذلك هو ما يدفع الباحثين الى مواصلة البحث بجد ودأب للمعرفة لكنهم –يقول السامرائي- يجب ان يكونوا معترفين وموقنين بأن ما يكتشفونه ليس إلا قطرة في محيط العلم الواسع (الذي لا قرار له)، موضحاً ان وظيفة العلم تكمن في تفسير الظواهر وإعطاء الأجوبة عن حوادث واقعة ومشاهدة في الواقع المعاش للناس، لكنه مع ذلك ينبغي ان نعرف ان للعلم مدى معينا بعده يكون قاصرا عن إعطاء الأجوبة المطلوبة وانه –وبشكل مؤكد تماما- لن يستطيع ان يحل كل شيء في هذا الكون أو يعطي تفسيرا علميا ومنطقيا له لأن هذا يكون فوق طاقته.
الأديان لن تختفي
وقال السامرائي في تصريحاته لـ(الدين والحياة) ان المسلمين في سوادهم الأعظم لا يصلون الى الإلحاد بفضل أنهم يعرفون ان العلم لن يتمكن من حل كل شيء وهذه المعادلة يتوصل إليها حتى من كان كسبه في العلم والمعرفة بسيطا ولم يتعمق، أما العلماء فإنهم كلماعرفوا جديدا أو تكشف لهم حل لغز من الألغاز يزداد إيمانهم بعظمة الخالق عز وجل الذي أولا.. أبدع ما اكتشفوه، ثم ثانيا.. وضعهم أمام تحديات أخرى تتمثل في الألغاز التي لم يجدوا لها حلا أو عرفوا بها من خلال اكتشافهم الأول.
واقر الدكتور نعمان بأن موجات الإلحاد التي تظهر كلما تزايدت اكتشافات العلم لن تذهب وإنها ستبقى طالما كانت هناك أسرار تكتشف في الحياة البشرية، لكنه كذلك أكد ان الأديان بدورها لن تختفي ولن تذبل أو يعتدها ضعف أو وهن في أي من الفترات القادمة وان دورة الحياة ستكون مستمرة هكذا بين فريق يؤمن وفريق يلحد بغض النظر عن تمدد أيهما على حساب الآخر، وأشار هنا الى ان الغرب وفي هذا الوقت بالذات الذي تتعاظم فيه الكشوف العلمية من خلايا جذعيه الى اتصالات وعلوم الوراثة والجينات أصبح يقبل أكثر من أي فترة مضت على التنجيم والسحر وهي وان كانت بالنسبة للمسلمين أمورا محرمة إلا انه يمكن الاستدلال بها في حالة الغرب بكونها دليلا لتوصله بأن هناك أشياء فوق قدرته وعلمه وبالتالي هو يلجأ إليها للتغلب على هذه المشكلات أو معرفتها وهذا يعني ان الإلحاد حتى بالنسبة لغير المسلمين قد يكون محل شك في الفترات القادمة لكنه ليس دليلا على انتهائه أو أفوله. وجدد قوله بصعوبة ان تكون الحياة خالصة للدين أو للإلحاد واستدل بقوله تعالى (لا يزالون مختلفين) أي ان التباين في وجهات النظر ومدى الإيمان من عدمه سيكون موجودا ما بقيت الحياة.
المشكلة في فلسفة العلم
وأضاف السامرائي في تصريحاته ان المشكلة ليست في كون العلم يؤدي الى الإلحاد وإنما المشكلة الحقيقية في فلسفة العلم واستدل بذلك بمحاولة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وفي الأماكن الأخرى التي أحرزت فيها نفوذا، القضاء على الأديان بمعول العلم، لكنها شيئا فشيئا صارت هي نفسها (دينا) قبل ان تنهار كلية حتى في الدولة التي ابتكرتها ورعتها، وأكد ان حاجة البشر الى الدين تبقى أساسية وكذلك حاجته الى العلم ولكنه من الضروري الوصول إلى المعادلة الصحيحة والمتزنة الاقتران بينهما أما تفريقهما فانه إما ان يؤدي الى الإلحاد أو الى الجهل التام سواء بالدين أو بالعلم.
الإعجاز العلمي في القرآن
بدوره قال الدكتور حمد الماجد لـ(الدين والحياة) ان القفزات التي شهدها العلم كان لها مساران، مسار يؤدي الى الإيمان والاقتناع بأن هناك ما هو فوق العلم وان البشرية لم تزل بعد بعيدة كل البعد عن حل قضاياها بالعلم فقط، ومسار آخر يؤدي الى الإلحاد والشك في ان هناك قوى جبارة تسير الكون وهو عكس ما أدى إليه المسار الأول.
وبين الماجد ان الاكتشافات العلمية المتوالية كانت في بعض الأحيان تسند آراء الملاحدة ويفرحون بها في حين يبدأ الطرف الآخر (المؤمن) في الارتباك تبعا لذلك، لكن عندما يأتي اكتشاف علمي معين ثم يتضح بعد ذلك انه له إشارات معينة في الكتاب والسنة فان الفريق المؤمن ترتفع إيمانياته أكثر فيما يرتبك الطرف الملحد وهكذا يكون التناوب بين الموقفين، وذكر الماجد ان طائفة من المفكرين الغربيين اخذوا يرددون ما ردده (هكسلي) فى القرن التاسع عشر من ان التقدم العلمي يشكل انفجارا معرفيا فى وجه الدين، من ثم توالت صيحات بعض العلماء التي تبشر بأن الدين لا مكان له مع التفسيرات العلمية لكل الظواهر الكونية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا كله كان من قبيل الترويج لأراء وأفكار لم تمحص بطريقة منهجية صحيحة.
وقال الدكتور حمد الماجد في تصريحاته ان القرن التاسع عشر والقرن العشرين- فى الغرب- شهد تحولات هائلة فى العلوم المختلفة، ترتب عليها تحولات كذلك فى العقائد والأفكار حتى وسم القرن التاسع عشر فى أوروبا بعصر الإلحاد، ثم اتسم القرن العشرون بأنه عصر الانفتاح وتقريب المسافات بين الأمم والشعوب حتى ظهر العالم فى آخر هذا القرن وكأنه قرية صغيرة. ثم كان للتقدم العلمي الهائل فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر والقرن العشرين أثره على الدين سلبا وإيجابا فى ان واحد. وأشار في هذا الصدد الى ان قضايا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كانت سببا في إيمان العديد من المفكرين الغربيين بالدين الإسلامي بعد اكتشافهم انه الحق وانه تمثلت لديهم الحقيقة الأكبر بأن هناك خالقا لهذا الكون يسيره وفق ما يشاء وان العلم ليس هو كل شيء مع الاعتراف بأهميته وقدرته على فك وتفسير الظواهر الطبيعية والكونية.
موقف الكنيسة وراء الإلحاد
وفي اتصال مع (الدين والحياة) قال الشيخ الدكتور عبد الرحمن الجرعي ان ارتباط تزايد الاكتشافات العلمية مع ظهور موجات الإلحاد ليست مسلمة وان كانت قد حدثت في فترة من فترات التاريخ فان هذا لا يعني إمكانية تكررها مرة ثانية خاصة مع ظهور الإعجاز العلمي في القرآن الذي قاد الكثيرين حتى وان لم يسلموا، إلى الاقتناع بأن هناك إلها واحدا لهذا الكون يسيره بمشيئته وان الكثير من الأسرار ما يزال غامضا بعد.
وذكر الشيخ الجرعي ان الموقف الحقيقي والصحيح هو ان يدفع العلم الى الإيمان فالإنسان كلما اكتشف مجهولا معينا اكتشف معه الكثير غيره مما لم يتمكن من كشفه بعد ولهذا يقال ان الإنسان (الطبيعي) كلما علم أكثر تزايدت معرفته بمقدار جهله، واعتبر ان ظهور موجات الإلحاد في فترات سابقة من تاريخ الغرب الفكري كان بسبب سيطرة الكنيسة وطريقة تقديمها للدين المسيحي وتصوراتها عن الإله حتى أصبح الخروج عن ربقة هذه الكنسية وتعاليمها هو هروب الى الأمام والتقدم، وتساءل هل إذا قدم الدين المسيحي في الغرب بالطريقة الصحيحة كان سيحدث مداً كبيراً في تيارات الإلحاد؟.


عكاظ

((( التعليق )))


{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ }

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي