آفاق البيئة والتنمية : تتسبب آلاف أطنان النفايات الخطرة المتراكمة سنويا في المنازل الفلسطينية، والناتجة عن استعمال المواد الكيميائية المختلفة، في مخاطر بيئية لا تلقى أي اهتمام أو معالجة مناسبة؛ فهناك العديد من السلع الكيميائية ومخلفاتها التي تحوي مواد خطرة تتراكم يوميا في المنازل، مثل مواد التنظيف، مخلفات الأدوية، بقايا الدهانات والمذيبات، بطاريات ومصابيح كهربائية وغير ذلك. وعلى سبيل المثال، تحوي هذه المخلفات مواد خطرة منوعة مثل الأحماض الكيميائية، المعادن السامة والأسمدة. ويصعب، في الواقع، الخروج بتقدير دقيق لحجم النفايات الخطرة المنزلية، نظرا لأنها غالبا ما تلقى في مكبات النفايات، مع سائر أنواع النفايات المنزلية. بل وأحيانا، تتدفق المخلفات المنزلية السائلة الخطرة في شبكات المجاري، كما حال النفايات الخطرة الصناعية في الضفة والقطاع أيضا.



وتستخدم المواد الخطرة في العديد من المنازل بالضفة الغربية وقطاع غزة، في غياب معايير تحديد وتصنيف النفايات الخطرة والسامة.

ومن نافل القول، إن دخول هذه المواد الخطرة إلى البيئة يعد مشكلة حقيقية. لذا، يتطلب الأمر تحركا رسميا وأهليا، في المستويات التوعوية والفنية والقانونية، لفرض معالجة ولو لبعض أنواع النفايات الخطرة. إلا أن التحرك باتجاه التأثير على البعد التربوي المتعلق بالأنماط الاستهلاكية التي تولد كميات كبيرة من النفايات، ربما يكون هو الأهم على المدى البعيد.

ولعل مخلفات الأدوية الملوثة لمصادر المياه هي الأكثر خطرا من بين مختلف أنواع النفايات المنزلية. كما أن تلويث البيئة من مخلفات الزئبق السام الموجود في بعض أنواع المصابيح الفلورسنتية الموفرة للطاقة، يعد أيضا مشكلة بيئية جدية لا بد من حلها.

وحاليا، لا يوجد أي معالجة لأي نوع من النفايات الخطرة المنزلية، كما لا يوجد قانون ملزم لمثل هذه المعالجة. فعلى سبيل المثال، تنعدم أي عملية جمع منفصلة للنفايات المنزلية الخطرة في حاويات خاصة في المدن والقرى والمخيمات؛ وبالتالي فإن آلاف أطنان مخلفات الأدوية والبطاريات والمصابيح الموفرة للطاقة التي تحوي معدن الزئبق السام تصل سنويا إلى مكبات النفايات في الضفة والقطاع، وتدفن مع سائر النفايات العادية دون أي معالجة.

وتبرز خطورة هذه المعطيات على ضوء التقدم الكبير الذي حدث في السنوات الأخيرة بالدول الأوروبية وشمال أميركا في مجال معالجة النفايات المنزلية الخطرة. ففي العديد من المدن في أوروبا والولايات المتحدة، أقيمت منشآت خاصة لجمع النفايات الخطرة التي تدفن بشكل آمن، أو يعاد تدوير بعضها قدر الإمكان. كما توفر بعض الدول محفزات مالية للهيئات المحلية التي تعمد إلى جمع النفايات المنزلية الخطرة؛ بل إن كندا فرضت على بعض المنتجين مهمة جمع تلك النفايات.



البطاريات المستعملة والمخلفات الإلكترونية تقدر الكمية المستخدمة من البطاريات في الضفة الغربية وقطاع غزة بمئات الأطنان سنويا؛ ويجد معظمها طريقه إلى المكبات؛ مما يهدد المياه الجوفية ويسبب تلوثا بيئيا خطيرا . تكمن المخاطر الأساسية لنفايات البطاريات في معاملة الأخيرة والتخلص منها بشكل غير صحيح؛ الأمر الذي يتسبب في سيلان سوائل متآكلة، قد تؤدي إلى حروقات كيماوية وإتلاف تشكيلة كبيرة من المواد. وتعد المعادن الموجودة في البطاريات موادّ سامة، وهي تشمل الرصاص والزئبق والكادميوم. إن التخلص غير الصحيح من البطاريات في المكبات يمكن أن يؤدي إلى إطلاق سوائل متآكلة ومعادن ذائبة إلى المياه الجوفية والبيئة، وتبقى هذه المواد الكيماوية طويلا في البيئة. ولا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخلص الآمن من البطاريات بحيث لا تسبب ضررا للبيئة.

وقد أدى التطور التكنولوجي المتسارع إلى أن تصبح الحواسيب وأجهزة التلفزيون والأدوات الإلكترونية الأخرى من طراز قديم، بعد فترة زمنية قصيرة من استعمالها، وينبغي أن نستبدل بها أجهزة جديدة "لمجاراة العصر!" فالمنتجات الإلكترونية المختلفة من تلفزيونات وفيديوهات وحواسيب وطابعات وماكنات فاكس وهواتف، وغيرها من السلع الإلكترونية والتقنية، تتقدم بسرعة هائلة مخلفة كميات كبيرة من "النفايات" الإلكترونية. وتتراكم سنويا في الضفة والقطاع آلاف قطع السلع الإلكترونية والتقنية القديمة والمستهلكة، الناتجة من التجمعات السكنية؛ حيث يتم التخلص منها بشكل فوضوي من خلال وضعها على الأرصفة وجوانب الطرق. وغالبا ما تجد هذه المخلفات طريقها إلى مكبات النفايات دون أية معالجة. إلا أن بعض العاملين في القطاع غير الرسمي يجمعون أو يشترون هذه المخلفات من المنازل، ومن ثم يصلحون جزءا منها أو يعيدون تصنيعها وبيعها. والجدير ذكره أن المخلفات الإلكترونية تسبب ضررا بيئيا كبيرا، نظرا لاحتوائها على مواد خطرة وسامة مثل الزئبق والرصاص والكروم. فعلى سبيل المثال، تحوي ألواح الدوائر الكهربائية في السلع الإلكترونية على الكادميوم والرصاص السامين. كما يحتوي العديد من مفاتيح الأجهزة الإلكترونية وأجهزة التحكم عن بعد ("الرموت كونترول") على الزئبق. أما بطاريات الحواسيب فتحتوي على الكادميوم. يضاف إلى ذلك، أن جميع الأجهزة الإلكترونية تحتوي على ألواح الدوائر الكهربائية المطبوعة التي تعد مواد خطرة بسبب احتوائها على الرصاص والبروم وأكسيد الأنتيمون. إن التخلص العشوائي من النفايات الإلكترونية في المكبات قد يتسبب في تسرب الرصاص إلى المياه الجوفية. ومن المثير للاهتمام أن كمية الكادميوم الموجودة في بطارية هاتف نقال واحدة تكفي لتلويث 600 م3 من المياه. وتكمن الخطورة في أن مكبات النفايات الرسمية والعشوائية تحوي كميات لا يستهان بها من الكادميوم؛ وبالتالي فإن تلويثا ساما وخطِرا على البيئة والصحة العامة قد ينتج عن الآثار الحتمية، المتوسطة والبعيدة المدى، لتسرب الكادميوم إلى التربة المحيطة.



معظم المصابيح الموفرة تحوي الزئبق
تحوي معظم المصابيح الفلورسنتية الموفرة للطاقة سائل الزئبق الذي يعتبر معدنا ساما قد يتسبب في مشاكل بالتنفس.

لذا، عندما ينكسر المصباح الموفر للطاقة؛ يجب ترك الغرفة التي تحطم فيها المصباح سريعا، وذلك لمدة لا تقل عن خمس عشرة دقيقة. كما لا يجوز شفط القطع المكسورة بالمكنسة الكهربائية، كي لا تتناثر. ويجب ارتداء القفازات المطاطية لجمع تلك القطع بالمكنسة العادية والمجرود. ومن ثم وضعها في كيس محكم الإغلاق وإلقائها بسرعة في حاوية البلدية.

وبهدف الاستخدام الآمن لتلك المصابيح التي قد ينبعث منها بعض الأشعة؛ يوصي بعض الخبراء بعدم التعرض أكثر من ساعة يوميا لضوئها المباشر، من مسافة تقل ثلاثين سنتمتراً عنها. ويعود سبب ذلك إلى أن الشخص القريب من المصباح قد يتعرض للأشعة فوق البنفسجية التي تعد جزءا من أشعة الشمس الضارة التي قد تتسبب في سرطان الجلد.

وبالرغم من عدم إجراء أبحاث تتعلق بمدى انتشار سرطان الجلد لدى الذين تعرضوا لأشعة المصابيح الموفرة للطاقة؛ إلا أنه من المحبذ إتباع الحذر الوقائي. ويعكف حاليا منتجو المصابيح الموفرة للطاقة على تطوير تدريجي لمنتجاتها؛ إذ يضيف بعضهم عليها طلاءً زجاجيا إضافيا لمنع خطر الإشعاع. وتكمن المشكلة في أننا كمستهلكين، لا نستطيع، غالبا، معرفة ما إذا كان المصباح يحوي الطلاء الإضافي أو أنه يخلو من الزئبق. فالإشارة الواضحة لذلك على المصباح هي التي توضح لنا الأمر.

التعرض المباشر والقريب للمصابيح الموفرة للطاقة قد يتسبب في أوجاع بالرأس والعينين. ومن خلال مسح سريع أجرته آفاق البيئة والتنمية في حينه، لأنواع المصابيح الموفرة المتواجدة في السوق المحلي، تبين بأن بعض المنتجين والمستوردين لم يأخذوا توصيات الخبراء بالاعتبار ولم يذكروها على أغلفة المصابيح.

وقد سوقت مؤخرا شركة "سميكوم لكسيس" منتجا جديدا عبارة عن مصابيح موفرة خالية من الزئبق السائل. وتتكون المصابيح الجديدة من خليط من المعادن بديل للزئبق السائل. ولا تشكل تلك المصابيح أي خطر لدى تهشمها؛ وسعرها مساو، بل وأحيانا أقل من المصابيح الزئبقية. ولا يتسبب هذا الخليط المعدني بأي أذى صحي. وفي حال إلقائها في مكب النفايات أو عدم تدويرها؛ فلن تتسبب عندها أيضا بأي ضرر للمياه الجوفية.


اختلاط جميع أنواع النفايات المنزلية والدوائية والإلكترونية في مكب رام الله

مسؤولية المستوردين والمنتجين
على ضوء الواقع البيئي البائس في الضفة والقطاع، وبخاصة فيما يتعلق بتراكم كميات كبيرة سنويا من النفايات الخطرة في مكبات النفايات دون معالجة، أو في الأراضي المفتوحة، واحتمال تسرب عصارة هذه النفايات إلى المياه الجوفية؛ فيفترض بالجهات المعنية بالشأن البيئي، مثل سلطة جودة البيئية والحكم المحلي ووزارة الصحة والمنظمات الأهلية البيئية، أن تبادر إلى بلورة جملة من الخطوات القانونية الملزمة لمعالجة النفايات المنزلية الخطرة، بما في ذلك أن تجمع الصيدليات الأدوية المستعملة، فضلا عن سن قانون ينظم معالجة النفايات الإلكترونية، بما في ذلك البطاريات ومخلفات المصابيح المحتوية على الزئبق. بل وأكثر من ذلك؛ المطلوب إلقاء المسؤولية الأساسية لمعالجة النفايات الخطرة على المستوردين والمنتجين؛ وذلك من خلال توفيرهم مبلغا من المال لصالح صندوق خاص وظيفته تمويل منشآت مختصة بجمع ومعالجة النفايات الخطرة. كما يفترض بوزارة الحكم المحلي وسلطة جودة البيئة إلزام الهيئات المحلية على إقامة منشآت خاصة لجمع النفايات الخطرة أو معالجة بعضها.

مخاطر :
"الرموت كونترول" والمصابيح الموفرة للطاقة تحوي معدن الزئبق السام.

بطاريات الحواسيب تحوي الكادميوم.

ألواح الدوائر الكهربائية في السلع الإلكترونية تحوي الرصاص والبروم وأكسيد الأنتيمون والكادميوم

آلاف أطنان النفايات المنزلية الإلكترونية ومخلفات الأدوية والبطاريات والمصابيح الزئبقية السامة تُلْقى سنويا في مكبات النفايات والأراضي المفتوحة دون أي معالجة

كمية الكادميوم الموجودة في بطارية هاتف نقال واحدة تكفي لتلويث 600 م3 من المياه

____________

تعليق : هذا هو حال بلدات ومدن العالمم الثالث،، وخصوصا نحن في البلاد العربية، خصوصا دول النفط، حيث ثقافة تغيير الأجهزة الالكترونية (حسب صغر حجمها) التي يتم تغييرها مرارا كل سنة، وبطارياتها التي أخطر من سموم الأفاعي والتي لا يمكن للبيئة من التعافي من اضرارها - والمشكلة الأعظم عندنا هو في غياب أدواتنا الإعلامية عن تتبع مكبات نفايت مدننا بتغطيات صحفية (توعويا).