شهر الله المحرم هو من الأشهر الحرم عند الله تعالى، روى أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) متفق عليه. وشهر الله المحرم من أعظم شهور السنة، عظمه الله، وشرفه من بين سائر الشهور، وأضافه إلى نفسه تشريفا له، وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله.


وقوله تعالى : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم بِالذِّكْرِ , وَنَهَى عَنْ الظُّلْم فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلّ الزَّمَان . [ الجامع لأحكام القرآن ( 4/473 ) ]والعرب كانت تعظمه في الجاهلية، وكان يسمى بشهر الله الأصم من شدة تحريمه. والراجح عند طائفة من العلماء أن محرم أفضل الأشهر الحرم. ولهذا، فان الصوم في شهر محرم من أفضل التطوع، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل)، ويقال ان جوف الليل أحسنه. والصوم فيه محمول على التطوع المطلق، وليس كالتطوع المقيد كصيام ست من شوال.

امَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ، قال السيوطي في " شرح سنن النسائي " ( 1613 ) : قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ، يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم .

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) . [ أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 1163 ) ]

( أَفْضَل الصِّيَام بَعْد شَهْر رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم ) : تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الْمَشْهُور لِلصَّوْمِ . وَأَمَّا إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحَرَّم فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدهمَا : لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْله فِي آخِر حَيَاته .

وَالثَّانِي : لَعَلَّهُ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار مِنْ سَفَر أَوْ مَرَض أَوْ غَيْرهمَا . كما في " عون المعبود " ( 2429 ) .




فلا رجَبــاً وافَيْتَ فـيه بِحَقِّـهِ *** ولا صُمتَ شهر الصوم صوماً مُتَمَّما
ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةِ الذي *** مضى كُنْتَ قَوَّاماً ولا كُنْتَ مُحْرِما
فَهَل لك أن تمحو الذُّنوب بِعَبرةٍ *** وتبكي عليهــا حسرةً وتنَدُّمـا
وتستقبلَ العــامَ الجديدَ بِتَوبةٍ *** لعلَّك أن تمحو بهـا مــا تَقَدَّمـا

يقول الأستاذ خالد بن سعود البليهد :

"،، والصوم في شهر محرم من أفضل التطوع فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل).

وهذا محمول على التطوع المطلق أما التطوع المقيد كصيام ست من شوال وغيره فهذا أفضل من صوم محرم لأنه يلتحق بصوم رمضان فهو بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة والسنة الراتبة مقدمة على النافلة المطلقة في باب العبادة. وكذلك صوم عرفة وغيره من السنن الرواتب أفضل من التطوع في محرم.

فيستحب للمسلم أن يكثر من الصيام في شهر محرم فإن لم يقدر على ذلك صام ما تيسر له. وقد أخذ الجمهور بظاهر اللفظ فقالوا يستحب صيام الشهر كاملا والذي يظهر أنه لا يستحب ذلك والمراد في الحديث مشروعية الإكثار من صومه من غير إتمام للشهر. قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان ) متفق عليه. ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صام المحرم كاملا بل المحفوظ عنه صوم عاشوراء. و لأن قاعدة الشرع التيسير في باب النافلة ولذلك شرع أياما يسيرة ورتب عليها أجرا عظيما. ونهى أيضا عن صوم الدهر. ويسر في صوم التطوع فجعل أكمله صيام داود صوم يوم وترك يوم. وكل هذا تخفيفا على المكلف ودفعا للمشقة حتى لا تمل النفس وتكل. فالذي يظهر أن صوم الشهر تاما من خصائص الفرض شهر رمضان وأنه ليس من السنة إتمام صوم شهر إلا رمضان حتى لا يشبه النفل بالفرض. لكن لو صام إنسان الشهر كله جاز ذلك ولا كراهة فيه وإن كان عمله خلاف الأولى.

ويتأكد صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم والسنة أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. وقد ورد في صومه فضل عظيم ف عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال: (يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية) رواه مسلم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين."


روابط تهمك :
الترغيب في صوم المحرم