أجمع خبراء اقتصاديون أن الأزمة المالية المقبلة قد تكون الأسوء عالميا، نظرا لما تمثله من خطورة على استقرار الأسواق وارتباطها ببعضها البعض، وحذروا من تداعيات قد يجرها الكساد المقبل على كيانات مالية، واتحادات قد تفقد تماسكها ووحدتها، وبحسب قولهم فالأزمة المالية في 2008 قد بدأت من الرهن العقاري، أما الأزمة المقبلة فهي ستضرب مقومات البشرية، كما أن الأبواب مفتوحة للمفاجآت إذا لم تسعى الدول الغربية لتصحيح خططها في تفادي الأزمة وتعمل على إيجاد حلول واقعية وجادة وليست حلولا ترقيعية.
ط®ط¨ط±ط§ط، ط§ظ‚طھطµط§ط¯.png
من جانب آخر طالب الخبراء في حديثهم لـ"العربية.نت" دول الخليج بالعمل على عدم التهاون في ما سيأتي من أزمات عالمية، وأكدوا على ضرورة الإسراع في الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة الإنفاق الاستثماري، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، والعمل وبسرعة على إطلاق العملة الخليجية الموحدة.
الأسوء قادم في الأزمة المقبلة
وفي تحليله لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يشير الخبير الاقتصادي محمد كركوتي لـ"العربية.نت"بالقول "لقد مرت ثلاث سنوات على أسوأ أزمة اقتصادية أصابت العالم. أما لماذا هي الأسوأ؟ فلأنها شملت دولاً قيل إنها لا تقهر، ومعها دول تقهر على أية حال. نشرت خراباً امتد من نيويورك، حيث المركز المالي العالمي الأقوى (وموقع الجريمة –الأزمة)، إلى قرية نائية تقبع في طرف العالم. لم تكن أزمة نخبوية، كانت أزمة عموم، ولم تكن أزمة محصورة، كانت أزمة مفتوحة بلا أبواب، وكانت الأزمة الاقتصادية الوحيدة في التاريخ الإنساني، التي كان لغياب الأخلاق الدور الأكبر في تفجرها. كانت باختصار، أزمة اقتصادية بمحركات سياسية، بوقود ثقافة تستند على المبدأ التضليلي غير الأخلاقي وهو "الأسواق لا تخطئ، وإن فعلت فإنها تصحح نفسها"! والنتيجة كانت مروعة. فلم تترك الأزمة معولاً اقتصادياً واحداً ينفع في عملية التصحيح الوهمية.
وقال إن الأزمة لم تترك شيئاً للتصحيح، والمعايير التي فرضتها على العالم تستوجب إعادة بناء اقتصاد عالمي جديد من الصفر، لا يشبه ذاك الاقتصاد الذي ساد الحياة البشرية، ما بعد الحرب العالمية الثانية وما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. وقد أخفقت الدول التقليدية الكبرى، على مدى السنوات الثلاث الماضية، في الاقتراب من صيغة جديدة لاقتصاد جديد، رغم سياسة "الإشراك" التي اعتمدتها هذه الدول، ليكون للدول الناشئة دور أساسي في عملية البناء.
التحذير من الانزلاق
وذكر كركوتي أن "الذي حدث بعد سنوات ثلاث من المصيبة الكبرى، هو تعاظم التحذيرات من انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود جديدة، لكن في الواقع لم يخرج هذا الاقتصاد من هذه الحالة أصلاً، كي يدخل فيها مجدداً. فلأول مرة في التاريخ، يخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية، بينما ينشغل الأوروبيون في حماية منطقة اليورو من الانهيار بفعل الديون السيادية الهائلة، لعدد كبير من الدول في الاتحاد، في حين مازالت مجموعة العشرين، التي استلمت زمام المبادرة بعد الأزمة، تناقش أسباب الأزمة، أكثر من تحركها لوضع آليات جديدة، تحصن البشرية من أزمة أخرى، قد تدفع العالم إلى "التندر" على "لطف" الأزمة الاقتصادية العالمية، التي انفجرت في هذا الشهر قبل ثلاثة أعوام.
اقتصادات الخليج ليست محصنة أيضاً
وحول تأثير هذه الأزمة المقبلة على اقتصادات الخليج، يرى الخبير السعودي د. احسان بوحليقة في حديثه لـ"العربية.نت" ان منطقة الخليج ليست بعيدة عن آثار الأزمات، بحكم ارتباطها الوثيق بالاقتصاد العالمي، كما أن احتياطياتها لازالت بالدولار، كما أن دخلها القومي من النفط هو بالعملة ذاتها، فضلا عن ذلك فمعظم الاستثمارات الخليجية هي في سندات الدين الأمريكي أيضا.
وقال: رغم هذا الارتباط المالي إلا أن دول التعاون قادرة في الوقت ذاته على تحصين اقتصاداتها من آثار مباشرة من الأزمات، فهي لازالت تحتفظ بفوائض مالية ضخمة، كما أنها تتمتع باستقرار اقتصادي، بعكس اقتصادات آسيا والتي باتت تعاني من تتالي الأزمات والكوارث الطبيعية والاقتصادية التي مرت عليها، كما حال اليابان مثلا الذي عانى الأمرين من مشكلة الزلازل وشارفت بعض شركاته على حافة الإفلاس، ببسب تعطل الانتاج.
وبين في حديثه أن خيارات دول الخليج في مواجهة الأزمات اليوم باتت متعددة، ويمكنها للاسراع في مواجهة هذه الازمات السعي وراء إعادة هيكلة الاستثمارات الخارجية، وتوجيه رؤوس أموالها نحو الأصول الآمنة، إضافة إلى زيادة عجلة العمل نحو الإنفاق الاستثماري.
العملة الموحدة بسلة مختلفة
من جانب آخر طالب بو حليقة دول الخليج بالبدء وبسرعة في إطلاق العملة الموحدة، على ألا تكون هذه العملة مرتبطة بأي عملة أخرى، بل تستند على ما تنتجه دول مجلس التعاون الخليجي وعلى ثرواتها من الهيدروكربونات والتي تقدر قيمتها بعدة ترليونات.
وقال "ان العملة الموحدة ستكون قوية، لاستنادها على اقتصادات قوية، وعوائد مالية ضخمة". وقال "ان دول الخليج بدات مؤخرا في اجراءات من شانها تعزيز حصانة اقتصاداتها امام الازمات، حيث كشفت عن برامج هائلة لتشغيل المواطنين واستيعاب العاطلين عن العمل، فالمملكة العربية السعودية اطلقت أخيرا برامج لتشغيل المواطنين، ودعم العاطلين منهم عبر مساعدات مالية، فضلا عن تخصيص برامج تدريبية تؤهلهم لسوق العمل. كما اتخذت دول خليجية كقطر قرارات داعمة لرفع مستوى المعيشة برفع الرواتب.
وقال "ان الازمة المتوقعة في الأسواق العالمية ستكون أكبر من أزمة 2008، بسبب ترنح اقتصادات الدول الغربية وارتفاع معدل الدين السيادي وعدم القدرة على السداد، وقال "ان ازمة الدول الغربية القادمة سوف تستنزف احتياطياتها، بسبب عدم قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل، وترنح الدولار، والمخاوف بشان مستقبل مجموعة اليورو.
اقتصادات مكشوفة
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي ابراهيم خياط رئيس المركز الدولي للتحليل الاستراتيجي "ايكسانا" للعربية.نت ان الاقتصاد العالمي اليوم يشهد مقدمات هزة مقبلة، خصوصا وان الدول القوية اقتصاديا انكشفت بعد عجزها عن معالجة المشاكل الحقيقية، وحتى الحلول لم تعد تكفي، فالأزمة السابقة كانت أزمة بنوك، أما اليوم فهي أزمة ديون سيادية لحكومات عمدت لاقتراض أموال من الأسواق وبيعها عبر السندات، وبادرت من خلال هذه القروض لحقن اقتصاداتها بها، الا أن هذه الديون لم تصلح الخلل، مما زاد في تعميق المشكلة مع عجز الحكومات عن سداد هذه الديون.
وتوقع الخبير ابراهيم خياط ان تقود الأزمة المقبلة الى اعادة خريطة القوى الاقتصادية المهيمنة اليوم، ولم يستبعد انهيار المنظومة الاوروبية نتيجة تفاقم الازمة داخل دولها. وقال "ان المشهد الأوربي اليوم يشابه في ظروفه انطلاقة الحرب العالمية الثانية، وما بعدها حيث برزت قوى جديدة وانهارت قوى اخرى، وما حدث من تفكك في الاتحاد السوفيتي خلال فترة الثمانينات كان بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية وبعدها تغير العالم".
في الوقت ذاته نشهد صعود نجم الصين نحو المركز الاقتصادي الثاني عالميا، مما فاجأ المراقبين والذين كانوا يتوقعون بروزها في عام 2025، الا أنها تخطت هذه المرحلة اليوم وباتت تزاحم أمريكا على الصدارة.
المصدر : العربية نت - غالب درويش
مواقع النشر