السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نسبه وكنيته

هو هارون ابن محمد ابن عبدالله ابن محمدابن على ابن عبد الله بن العباس وكنيته ابو جعفر وهو فى ترتيب الخلفاء العباسين الخامس
ولد سنة 148من الهجرة وتولى الخلافة بعد اخيه موسى الهادى سنة 170للهجرة الموافق768ميلادى
وتوفى رحمه الله ببطوس من خرسان فى الثالث من جمادى الاخرة سنة 193للهجرة الموافق809ميلادى عن عمر يناهز الخامسة والاربعين وصلى عليه ابنه صالح


سيرته

كان من احسن الناس سيرة فى نفسه وفى رعيته فكان يتصدق من ماله كل يوم بالف درهم وكان سريع العطاء جزيله يحب العلماء والفقهاء ومجالستهم لايضيع لديه بر ولا معروف وكان يصلى كل يوم مائة ركة تتطوعا الى ان فارق الحياةالا ان تعرض له علة
وكان يحج عاما ويجاهد فى سبيل الله عام واذا حج حج معه مائة من الفقهاء وابنائهم واذا لم يحج احج ثلاثمائة بالنفقة السابغة والكسوة التامة
هارون الرشيد غازيا ومجاهدا
شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود الى معاركه مع الروم فلما ولى الخلافة استمرت معاركه معهم كل عام تقريبا حتى انه اتخذ قلسونة مكتوبا عليها غازيا وحاج وقام بتنظيم الثغور المتاخمة لبلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل وعمرها بالجند وزاد فى تحصيناتها وعزلالجزيرة وقنسرين عن الثغور وجعلها منطقة واحدة وجعل عاصمتها انطاكية واطلق عليها اسم العواصم لتكون الخط الثانى للثغور المتاخمة للروم وكان لاهميتها لايولى عليها الا كبار القادة او اقرب الاقربين لديه مثل عبد الملك ابن صالح ابن عم ابو جعفر المنصور او ابنه المعتصم
وعمر الرشيد بعض مدن الثغور واحاط كثير منها بالقلاع والحصونوالاسوار والابواب الحديدية مثل قلطية وسيمساط و مرعش وكان الروم قد هدموها من قبل واحروقوها فاعاد الشيد بنائها عمرها واقام بها حامية كبيرة وبنا بها مدينة جديدة وسماها الهارونية
واعاد الرشيد الى اسطول الاسلامى حيويته ونشاطه ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة فى البحر الابيض المتوسط واقام دارا لصناعة السفن وفكر فى ربط البحر الاحمر بالمترسط
وعاد المسلمون الى غزو سواحل الشام ومصر ففتحو بعض الجزر واتخذوها قواعد لهم
اعادو فتح رودس سنة 175ه=791م وفتحو جزيرة كريت وقبرص سنة 181ه=806م
واضرت دولة الروم اما ضربات الرشيد المتلاحقة الى طلب الهدنة والمصالحة فعقدت ايرينى ملكة الروم
صلحا مقابل دفع الجزية السنوية فى سنة 181ه=806م وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها نقفور امبراطور الروم الذى خلف ايرينى فى سنة 186ه =802م وكتب الى هارون
من نقفور ملك الروم الى ملك العرب اما بعد.فان الملكة ايرينى التى كانت قبلى اقامتك مقام الاخ فحملت
اليك من اموالها ولكن ذالك من ضعف النساءوحمقهن فاذا قرات كتابى فاردد ماحصل من قبلك من
اموالها وافتدى بنفسك والا فالحرب بيننا وبينك
فلما قراء هارون الرشيد هذه الرسالة ثارت ثائرته وغضب غضبا شديدا وامر بقلم وكتب على ظهر الرسالة من هارون الرشيد امير المؤمنين الى نقفور كلب الروم قد قرات كتابك يا ابن الكافرة وجوابى
ان تراه دون ان تسمعه
وخرج هارون الرشيد بنفسه فى سنة 187ه=803م حتى وصل هرقلة وهى مدينة بالقرب من القسطنطينية واضر نقفور الى الهدنة والمصالحة وحمل مال الجزية الى الخليفة ولكنه نقض الصلح بعد عودة الرشيد فعاد الرشيد وهزمه هزيمة نكراء وقتل من جيشه اربعين الف وجرح نقفور نفسه واضر الى الهدنة وفى العام التالى حصل الفداء بين المسلمين والروم ولم يبق مسلم واحد فى الاسر وابتهج المسلمون لذالك
غير ان اهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت فى سنة 190ه=806م حين قاد جيشا ضخما عدته 135الف جندى الى نقفور الذى هاجم حدود الدولة العباسية فاستولى المسلمون على حصونا كثيرة كانت قد فقدت من ايام الدولة الاموية مثل طوانة بثغر المصيصة وحاصر هرقلة وضربها بالمنجنيق حتى استسلمت وعاد نقفور الى طلب الهدنة وخاطبه بامير المؤمنين ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر اهل بلدته واتفق على ان لايعمر هرقلة مرة اخرى
واتستعت رقعة الخلافة الاسلامية فى عصره حتى بلغت مشارق الارض ومغاربها وكانت الاموال تحمل من جميع الاقاليم بعد تكفية الجيوش الى بيت المال على بعد المسافة وكان يستلقى على الارض فينظر الى سحابة فيقول اذهبى الى حيث شئت فخراجك ياتينى باذن الله
حبه لمجالسة للفقهاء وتواضعه لاهل الدين
اما عن حبه لجالسة العلماء والصالحين وتواضعه للعلماء واهل الدين فحدث عنه ولا حرج وكان شديد البكاء اذا وعظ حتى انه احياننا يغشى عليه من الفرق
قصته مع ابو معاوية الضرير وكان عالما وفقيها
يقول ابو معاوية الضرير....ما ذكرت النبى صلى الله عليه وسلم بين يدى الرشيد الا يقول صلى الله على سيدى وحدثته بحديث النبى وددت لو اقاتل فى سبيل الله فاقتل ثم احى فاقتل فبكى الرشيد حتى انتحب
استدعانى الرشيد ليسمع منى الحديث فاذا قلت حديثا للنبى يقول صلى الله على سيدى وسلم واذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى واكلت عنده يوما فقمت لكى اغتسل فصب على يدى الماء ثم قال يابامعوية اتدرى من صب على يدك الماء فقلت لا فقال صب عليك امير المؤمنين فقال ابا معاوية فعوت له فقال اما الردت تعظيم العلم
هارون والفضيل ابن العياض وكان من السلف
قال لابن العياض يوما عظنى فقال الفضيل بن العياض ...............
يا حسن الوجه حساب الخلق كلهم عليك فجعل يبكى ويشهق فرددت عليه وهو يبكى
قال الفضيل ابن العياض استدعانى الرشيد يوما وقد زغرف منزله واكثر من الطعام والشراب واللذات ثم استدعى ابا العتاهية فقال له صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم فقال

عش ما بدا لك سالما ....................فى ظل شاهقة القصور
تجرى عليك ما اشتيهت....................من الرواح الى البكور
فاذا النفوس تقعقت...................عن ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقننا.....................ما كنت الا فى غرور

فبكى الرشيد بكاء شديدا فقال الفضل ابن يحى دعاك امير المؤمنين لتسره فاحزنته فقال هارون دعه فانه رانا فى عمى فكره ان يزيدنا عمى
وقال مرة لابا العتاهية عظنى بابيات شعر واوجز فقال ابو العتاهية

لاتاتمن الموت فى طرف ولا نفس........................ولو تمعت بالحجاب والحرس
واعلم بان سهام الموت صائبة...........................لكل مدرع منها ومترس
ترجوالنجاة ولم تسلك مسالكها...........................ان السفينة لاتجرى على اليبس
فخر هارون الرشيد مغشيا عليه
هارون الرشيد وابن السماك
بعث هارن الرشيد الى ابن السماك وكان من ائمة السلف الصالح فدخل عليه وعنده يحى ابن خالد فقال يحى .ان امير المؤمنين بعث اليك لما بلغ اليه من صلاح حالك فى نفسك وكثرة ذكرك الى ربك ودعاءك للعامة فقال ابن السماك .اما ما بلغ امير المؤمنين من صلاح انفسنا فذالك من ستر الله علينا فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما اقدم قلب لنا على مودة ولا جرى لنا لسان بمدحة وانى اخاف ان اكون بالستر مغرورا وبمدح الناس مفتونا وانى اخاف ان اهلك بهما وبقلة الشكر عليهما وطلب الرشيد ماء ليشرب ثم قال لابن السماك عظنى فقال ..بالله عليك يامير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها قال بنصف ملكى قال لو منعت خروجها بكم تشتريه قال بنصف ملكى الاخر فقال ان ملكا قيمته شربتا ماء وبولة وانه لجدير ان لاينافس فيه فبكى هارون بكائا شديدا
وقال له ابن السماك....انك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك وتبعث وحدك فاحذر القام بين يدى الله عزوجل والوقوف بين الجنة والنار حين يؤخذ بالكظم وتزل القدم ويقع الندم فلا توبة تقبل ولاعثرة تقال ولايقبل فداء بمال فجعل الرشيد يبكى حتى انتحب فقال يحى ابن خالد لقد شققت على امير المؤمنين اليلة فقام ابن السماك وخرج من عنده وهو يبكى وينتحب
وفاة هارون الرشيد
فى عام 192ه=808م خرج الى خرسان لاخماد بعض الفتن التى اشتعلت ضد الدولة فلما بلغ طوس اشتدت به العلة ومرض مرض الموت ولما اذن هارون الرشيد بالرحيل واحس بدنو الاجل امر بحفر قبره فى حياته وحمل حتى نظر اليه الى هنا يصير ابن ادم وهو يبكى وامر ان يوسع عند صدره وان يمد فى رجليه ثم جعل يقول ما اغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه ويبكى وقيل انه لما احتضر قال الهم انفعنا بالاحسان واغفر لنا الاساء
وتوفى فالثالث من جمادى الاخرة 193ه=الرابع من ابريل 809م بد ان قضى فى الخلافة اكثر من ثلاث وعشرين سنة عدت العصر الذهبى للخلافة العباسية
ان فضائل هارون الرشيد كثيرة جدا وانما ذكرنا نموذجا من سيرته العطرة لتدل على ماثره العظيمة التى حفظها التاريخ فقد كان رجلا صالحا وليس كما ينشر عنه اهل الافك والبهتان من انه صاحب لهو ولعب ونساء ومجون
رحم الله هارون الرشيد