السلام عليكم
سألني أحدهم عن أحاديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة, ومن هي تلكم الفرقة أو الطائفة؟

ولما كنت أتبع قولا في هذه المسألة نقلت كلاما للشيخ سلمان العودة في هذا الباب

"بحث هذه المسألة لا بأس به ، فهي من المسائل العلمية التي لا يخلو تأملها من فائدة ، ولكنها ليست من المسائل الكبار ، بل هي من جنس بحث العلماء في التوفيق بين الأحاديث ، كما صنع الطحاوي وابن قتيبة وابن حجر وابن تيمية والنووي وغيرهم ، ومن جنس بحث المفسرين في دلالات الألفاظ القرآنية وتطابقها أو تفاوتها ، فإن أفراد هذه المسائل قد يعرض للناظر فيها بعض التردد ، أو الخطأ غير المقصود ، وهذا مرفوع حرجه عن الأمة ، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، والقائل فيه باجتهاد بين أجر وأجرين .


وقد تكلم أهل العلم فيما هو أولى بالنظر من ذلك كمسألة الفرق بين الإسلام والإيمان ، فمنهم من قال هذا هذا ، ومنهم من حمل كلاً على معنى ، ومنهم من فرق في حال دون حال ، وبكل قال أئمة ذوو قدر واعتبار ، ولا تعنيف على أحد منهم فيما ذهب إليه ؛ لأن المسألة علمية لها دقة وخصوص ، وقد بسط القول فيها ابن تيمية في كتاب الإيمان .
ومثله كلام المفسرين حول المقتصد والظالم لنفسه والسابق بالخيرات .


وما أبديته في بحثي المطبوع ضمن ( رسائل الغرباء ) هو نوع من التفسير للنص ، وهو عندي صواب يحتمل الخطأ ، وعند الأخ السائل خطأ لعله يحتمل الصواب إن شاء الله ، إذ لا قطعية في هذه المسألة ، وليست من معاقد الإجماع ، بل هي من موارد الظنون .


وكأن بعض الناس أطلق أنني أقول : هذه غير تلك ، ولم يفصح عن المعنى ، والحق أنني أذهب إلى العموم والخصوص ، وأزعم أن الطائفة المنصورة هي بعض الفرقة الناجية ، فالفرقة أعم ، والطائفة أخص ، والنجاة حاصلة لكثير من المسلمين ، ولو كانوا غير منصورين ، فالصحابة الذين اختلفوا وتنازعوا كلهم ناجون ، ومنهم المنصور ومنهم غير المنصور ، ويحسن مراجعة كلام ابن تيمية في هذا المعنى في الفتاوى ( 4/443 – 450 ، 467 – 470 ).


وهذا المعنى ثابت في الكتاب المنزل في قوله عز وجل : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "[التوبة : 122] .


فجعل الطائفة جزءاً من الفرقة وأخص منها ، وهذا معروف لغة أن الطائفة أقل ، حتى يقال : طائفة الثوب ، وطائفة النخل ، وقد يسمى الواحد طائفة كما في آية النور عند بعض المفسرين "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "[النور:2] .


وساعد على هذا القول أن اللفظين مختلفان في دلالتهما وفي وصفهما ، فهذه فرقة ، وتلك طائفة ، وهذه ناجية ، وتلك منصورة ، واختلاف المبنى يدل على تفاوت في المعنى ، وكان هذا هو الأصل ، والله أعلم .


وبكل حال يعلم بأنني لا أقول : إن هذه غير تلك كما قد يلتبس على قوم ، ولكنني أقول : هذه ( من ) تلك ، أي : بعضها ، فقد يقع لقوم النجاة من الانحراف دون النصرة ، ويقع لآخرين هذا وهذا .


وقد بسطت القول في غير هذا الموضع ، ولا أرى الإطالة في المسالة ، فهي مبحث عارض يحسن تجاوزه ، والقول بأنهما لفظان مترادفان لافرق بينهما البتة له وجه .


وقد علق على البحث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في سلسة الأحاديث الصحيحة (1/932 ) ( وأما ما أثاره في هذه الأيام أحد إخواننا الدعاة من التفريق بين (الطائفة المنصورة ) و ( الفرقة الناجية ) فهو رأي له لا أراه بعيداً عن الصواب
، فقد تقدم هناك النقل عن أئمة الحديث في تفسير الطائفة المنصورة أنهم أهل العلم بالحديث وأصحاب الآثار ،

وبالضرورة تعلم أنه ليس كل من كان من الفرقة الناجية هو من أهل العلم بعامة بل من أهل العلم بالحديث بخاصة .


ألا ترى أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين يمثلون الفرقة الناجية ؛ ولذلك أمرنا بأن نتمسك بما كانوا عليه ، ومع ذلك فلم يكونوا جميعاً علماء ، بل كان جمهورهم تابعاً لعلمائهم ؟


فبين ( الطائفة ) و (الفرقة ) عموم وخصوص ظاهران ، ولكني مع ذلك لا أرى كبير فائدة من الأخذ والرد في هذه القضية ؛ حرصاً على الدعوة ووحدة الكلمة ).


ويعلم أن بين اللفظين ترادفاً ظاهراً من حيث إن استجماع أسباب النجاة سبيل إلى تحصيل النصرة ، وأن النصرة لا تكون إلا لأهل النجاة ، وهذا قدر مشترك بينهما ، لكن هل يلزم من هذا الترادف التطابق التام من كل وجه ؟
هذا محل النظر .


إذ يمكن أن يكون بينهما تطابق محض كما اختاره بعض الإخوة ، ويمكن أن يكون بينهما عموم وخصوص كما أشرنا وأخترنا ، والعموم والخصوص لا ينافي الترادف والاشتراك العام .


وإذ قيل كما هو ظاهر مراد السائل : إن هذين الحرفيين ( النجاة ) و ( النصرة ) من قبيل المتواطئ ، فإن المترجح لدي أنها من قبيل ما يسميه العلماء بالمشكك ، ومعلوم عند كثير من المحققين من نظار أهل السنة وغيرهم أن المشكك داخل في المتواطئ لا يخرج عنه وهو باب واحد من الألفاظ المشتركة المناسبة لمعنى أو أكثر وتنوع مناسبته بحسب الإضافات فإن اللفظ المطلق ليس له حكم اللفظ المركب باتفاق أهل النظر .


والتفاوت في المقامات العلمية أو العملية هو من الأمور القطعية ، فالجنة درجات ، وأهلها متفاوتون بحسب مقاماتهم في الدنيا ، منهم النبيون ، ومنهم الصديقون ، ومنهم الشهداء ، ومنهم الصالحون ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم من يدخل بغير حساب ، ومنهم من يدخل النار ثم يخرج منها ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) .


ولأهل العلم مآخذ شتى في أقسام الناس وطبقاتهم ومنازلهم ، وقد صنف فيه أهل السلوك ، وتفاوتوا بحسب الخصال التي اعتمدوها ، وبحسب البسط أو الإيجاز وغير ذلك .


وهذا من أسرار الشريعة في العدل بوضع كل شيء في موضعه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وفي الترقي بالناس مرحلة بعد أخرى ، فالسائر كلما وصل مرحلة لاحت له معالم فوقها فتطلع إليها وجاهد في تحصيلها " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "[العنكبوت:69] .


وهذا لب المسألة أن يعظم حرص المرء على العلم الذي ينفعه في نفسه ، ولا يتحول العلم إلى خصومات بين أهله تقطعهم عن الطريق وتشغلهم عن الغاية ." اهـ.

والله تعالى أعلم,,,