الضحك المعتدل بلسم للروح ودواء للنفس وراحة للخاطر المكدود وبعد الجد والعمل. والمقتصد منه دليل علي الأريحية وآية علي اعتدال المزاج وعلامة صفاء الطوية.
وكان رسولنا صلي الله عليه وسلم مع أهله إذا دخل عليهم ضاحكاً بساماً يمازح زوجاته ويلاطفهن ويؤنسهن ويحادثهن حديث الود والحب والحنان والعطف. لأنه بعث رحمة للعالمين. وأحق الناس بهذه الرحمة أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه. وكانت تعلو محياه الطاهر البسمة المشرقة الموحية. فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم أسراً فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه يبتسم عن مثل البرد في وجهه أبهي من الشمس. وجبين أزهي من البدر وفم أطهر من الأقحوان. وخلق أندي من الرياض. وود أرق من النسيم. يمزح ولا يقول إلا حقاً. فيكون مزحه علي أرواح أصحابه أهني من قطرات الماء علي كبد الصادي وألطف من يد الوالد الحاني علي رأس ابنه الوديع. يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم. فلا والله ما يريدون الدنيا كلها في جلسة واحدة من جلساته. ولا والله لا يرغبون في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته.
يقول جرير بن عبدالله البجلي: ما رآني رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي وجرير يفتخر بهذا العطاء ويعلن هذا السخاء. فهذه البسمة الوارفة الدافئة الصادقة أجل عند جرير من كل الذكريات وأسمي من كل الأمنيات.
يبتسم في وجهه فكفي يملأ روحه براً وحناناً ولطفاً. ويشبع قلبه سماحة ورحمة ووداً. ولا تظن المسألة عادية أو أن الموقف سهل بسيط لأنك ما عشت الحدث وما لابست القضية.
والرسول صلي الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جف خلقه وتجهم محياه وعبس وجهه. وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة. فكان صلي الله عليه وسلم يضحك في مناسبات حتي تبدو نواجذه. ولكنه لم يستغرق في الضحك حتي يهتز جسمه أو يتمايل أو تبدو لهواته. وهي أقصي الحق.