بسم الله الرحمن الرحيم


حدثني أحد الإخوة أن إحدى الكاتبات الداعيات إلى تغريب المرأة المسلمة في بلادنا متزوجة من أحد الأطباء النفسيين، فكانت إذا اتصلت به إحدى النساء تطلب رأيه أو استشارته في مشكلة ما ترفض هذه الكاتبة أن تسمح برد زوجها على النساء مباشرة إنما تكون وسيطًا بينهما ! كالمترجم!

حدثني بهذا الخبر الموثق -لأن بينه وبين الكاتبة نسبًا- وهو متعجب من هذا التناقض بين الفكرة والواقع الذي يعيشه هؤلاء.

فقلت له: لا تعجب! فبعض المنحرفين يعلم خطأ ما يقوم به أو يدعو إليه.. ولكنه ينساق مع شهوته -والعياذ بالله -.

فتجده يرضى للآخرين ما لا يرضاه لنفسه أو لأهله وأحبابه.

ولهذا تجد من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه من يريد الزنا أن ذكره بهذه القضية؛ وهي أنه لايرضى الزنا لأهله وقراباته؛ فانتهى الرجل.

وأضيف إلى هذا التناقض الذي يعيشه هؤلاء المفسدون هذين الخبرين اللذين رواهما شاهد عيان؛ وهو الصحفي الشهير مصطفى أمين الذي تربى منذ صغره في بيت سعد زغلول لقرابة بينهما:

الخبر الأول عن زوجة من يسمى (محرر المرأة)! قاسم أمين:

يقول مصطفى في كتابه "من واحد لعشرة" (ص 119-120) متحدثًا عن واقع بيت سعد زغلول الذي كان إسلاميًا ثم انتكس وتمت صناعته صناعة (عصرية) (تنويرية)!:

(كان غريباً في تلك الأيام أن يدعى رجل من غير أفراد الأسرة للجلوس على مائدة واحدة مع سيدات الأسرة، ولكن الفلاح الأزهري القديم سعد زغلول كان لا يجد غضاضة في أن يجلس أصدقاؤه المقربون مع أسرته لتناول الغداء والعشاء.

وكانت هذه ظاهرة غريبة في بيت سعد زغلول! إن معاصريه ما كانوا ليسمحوا لزوجاتهم برؤية أصدقائهم، ولا يذكر أحد من أصدقاء عدلي يكن باشا أنه رأى وجه زوجته، ولا يذكر أقرب صديق لحسين رشدي باشا أنه تناول معه الغداء في حضور زوجته.. بل الأغرب من هذا كله أن قاسم أمين زعيم تحرير المرأة، كان يتردد باستمرار على بيت سعد زغلول ويتناول الغداء معه ومع صفية، ولكن زوجة قاسم أمين لم تحضر هذا الغداء الدوري مرة واحدة!

ويذكر الطفلان (أي مصطفى أمين نفسه وأخاه علي أمين) بعد وفاة قاسم أمين بعشر سنوات أن زوجته كانت تأتي بين وقت وآخر لزيارة صفية زغلول، فلا تكشف وجهها أمامهما، بل إنها إذا تناولت الغداء مع صفية، كانت تُعد لهما مائدة في غرفة أخرى، وتُناول سعدًا الطعام وحده، ذلك أن قاسم أمين الرجل الذي دعا المرأة المصرية إلى نزع الحجاب فشل في إقناع زوجته بأن تنـزع حجابها، وظلت متمسكة بوضع الحجاب على وجهها).

الخبر الثاني: عن داعية شهيرة من داعيات تغريب المرأة (درية شفيق):

قال مصطفى الذي كان جارًا لهافي كتابه "شخصيات لا تنسى" (ص 257 وما بعدها) ونقله عنه صاحب "لماذا انتحر هؤلاء" (ص 113-118):

(صدرت جريدة "الأهرام" ذات صباح، وفي صدر الصفحة الأولى صورتان كبيرتان بعرض أربعة أعمدة بعنوان "قران سعيد"، ودهش القراء، فهذه أول مرة تنشر جريدة الأهرام صورة عروسين في الصفحة الأولى، حتى خبر زواج الملك فؤاد من الملكة نازلي نشرته جريدة الأهرام الوقورة في صفحة المحليات في داخل الجريدة.

وتضاعفت دهشة القراء عندما قرأوا أن العريس هو الكاتب الشاب المحبوب أحمد الصاوي محمد، الذي يكتب باب "ما قلّ ودل" في الصفحة الأولى من الأهرام، وقد كان الصاوي يومئذ أحد نجوم الصحافة الموهوبين وكانت كتاباته وقصصه موضع إعجاب السيدات والآنسات فقد كان ينصر المرأة، ويؤيد تعليمها، ويحيي نجاحها في جميع الميادين، وكانت العروس هي الآنسة "درية شفيق" التي تحمل شهادة في الآداب والتي حصلت على (الليسانس) من جامعة السوربون في باريس، والتي تحدث المجتمع عن جمالها ونبوغتها.

ثم زاد ذهول القراء عندما قرأوا في النبأ أن حفلة عقد القران تمت في قصر السيدة "هدى شعراوي" زعيمة النهضة النسائية في مصر، وأن قيمة الصداق كانت خمسة وعشرين قرشاً مصرياً فقط!!

وكان هذا الزواج هو زواج الموسم وخاصة أن بطليه كانا من أنصار المطالبة بحقوق المرأة، وتم عقد الزواج بسرية تامة، ولم يتسرب النبأ أو الإشاعة إلى جريدة أو مجلة، وانفردت الأهرام وحدها بنشر الخبر الخطير.

ولكن الزواج الذي أحدث ضجة كبرى لم يستمر، بل حدث الطلاق قبل الزفاف، فقد كان أحمد الصاوي أوروبياً من الخارج وصعيدياً من الداخل (يعني مسلمًا!!)، ولد في مدينة أسوان وتعلم في باريس، فهو متحرر في كتابته ومحافظ في بيته، وكانت درية شفيق متأثرة بدراستها في السوربون، تطالب للمرأة المصرية بكل حقوق المرأة الفرنسية، تريدها ناخبة ونائبة ووزيرة، وكان الصاوي لا يمانع أن تكون كل امرأة في مصر وزيرة وسفيرة ما عدا زوجته هو فإن مكانها في البيت! وتم الطلاق، وعندما تزوج أحمد الصاوي محمد بعد ذلك بأكثر من عشر سنوات رفض أن تُنشر صورة زوجته في الصحف، ولم تظهر حتى الآن صورة زوجة الصاوي الثانية على صفحات الصحف، بينما مضى على زواجهما أكثر من خمسة وثلاثين عاماً!!

إلى أن يقول:

وذهلت درية في وحدتها: أنصارها تخلوا عنها، صديقاتها انقطعن عن زيارتها، والصحف منعت من ذكر اسمها حتى وهي تذكر القرار بمنح المرأة المصرية حق الانتخاب ودخول نائبات في البرلمان وتعيين وزيرة في الوزارة، نسي الناس اقتحامها البرلمان سنة 1951 مطالبة بحق المرأة في الانتخاب، ونسوا أنها فقدت حريتها وصحفها وما لها وزوجها لأنها طالبت بمزيد من الديمقراطية.

وبقيت درية شفيق شبه مسجونة في شقتها في الدور السادس بعمارة وديع سعد طوال 18 عاماً، لا تزور أحداً ولا يزورها أحد!

وكنتُ أراها من وقت لآخر في مصعد العمارة –لأنها كانت جارتي- بلا زينة ولا طلاء، في فستان قديم، وقد كانت قبل ذلك ملكة للجمال وملكة للأناقة، وجهها شاحب، عيناها تبكيان بلا دموع، شفتاها ترتعشان بلا نطق، قلبها ينـزف بلا دم، روحها تصرخ بلا صوت، كانت هذه المرأة أشبه بالشيخ، امرأة ميتة تمشي خرساء برغمها...

وبعد ظهر يوم 20 أيلول (سبتمبر) 1975 عدتُ إلى بيتي بعد أن تناولت الغداء في أحد الفنادق، وفي ردهة العمارة رأيت جمعاً من الناس يلتف حول ملاءة بيضاء، وسألت: ماذا حدث؟ قالوا: إن سيدة ألقت بنفسها من شرفة الطابق السادس.

ورفعتُ الملاءة البيضاء ووجدت جثة جارتي "درية شفيق"!).

انتهى كلام مصطفى أمين؛ وفيه عبرة وموعظة لما يعيشه هؤلاء من تناقض وصراع نفسي بين ما يعرفونه من دين الإسلام، وبين ما يشتهونه... قد يؤدي ببعضهم إلى ( الانتحار) - عياذًا بالله- (يذكر البعض أن قاسم أمين نفسه قد انتحر أيضًا) .

أسأل الله أن يتوفانا مسلمين، وأن يجنبنا حال دعاة الفساد.


سليمان بن صالح الخراشي