الطائف - مشعل الصاعدي (واس) : تحتضن أحياء وسط الطائف العديد من المباني التراثية العريقة التي تجسد مرحلة مهمة من تاريخ الإنسان الذي عاش في الطائف على مر التاريخ، ولاتزال تحتفظ ببريقها التراثي الأخاذ المتمثل في أبوابها ورواشينها الخشبية المزخرفة ومشربياتها وأقواسها وأعمدتها وتيجانها، مما جعلها تتحول إلى مزار سياحي مفتوح.



ويلاحظ أن العمارة التراثية في الطائف اهتمت بالشكل الخارجي للمبني ليكون متسقاً ومتناغماً مع المنازل المحيطة من حيث المظهر والارتفاع ومراعاة الطابع المعماري لتشكيل نسيج عمراني فريد يدعم التواصل الاجتماعي بين أهالي الطائف وساكنيها وزوارها.

وقال مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالطائف الدكتور علي آل زايد: إن الطراز المعماري المميز في المحافظة يبرز بشكل واضح في سلسلة من المباني القديمة والتي تحمل قيمة تاريخية عريقة، وتحمل قصر شبرا التاريخي، وبيت الكاتب،وبيت الكعكي أنواعاً مميزة من فنون العمارة الإسلامية التي امتزجت بفن العمارة الرومانية وفن العمارة التقليدية لمنطقة الحجاز بشكل عام.



وتكتنز القصور التراثية القديمة بالطائف مجسمات حجرية وجصية وآجورية متنوعة وبأشكال مختلفة، كما تتشكل على جدرانها رسومات وصور وأشكال هندسية تعبر عما تتمتع به البيئة الطبيعية للطائف من ثراء.
وباستخلاص مفردات البراعة المعمارية التراثية لهذه المباني يمكننا وصل الماضي والحاضر، إذ اعتمدت العمارة التراثية على أن تكون الغرف عميقة ومثل هذا الطراز يعرف عنه أنه يفتح علي فناء داخلي أو خارجي مع الاهتمام بالاستعمالات الداخلية لمرافق البناء، ومراعاة تحديد مساحات الغرف وفقا لاستعمالها، وبالقدر المناسب لحجم الأسرة ومركزها الاجتماعي، وسمحت العمارة التقليدية بالطائف بالمرونة في الاستخدام للمبنى للأغراض والمناسبات الاجتماعية المختلفة وتوفير الخصوصية اللازمة للرجال والنساء.

وتحتوي واجهات المباني التراثية القديمة على عناصر معمارية مختلفة ومنها البروز الواضح في استخدام الرواشين والأبنية علي الشارع، واستخدام فتحات أبواب ونوافذ مختلفة حسب الوظيفة، وكذلك استخدام المشربيات والشوابير علي أسطح المباني الخارجية.



وتؤمن النافذة الروشانية الرؤية الخارجية مع الحماية وعدم الكشف لداخل المبنى، وذلك باستخدام الفتحات والقلاليب (الجرائد)، فيما يعد قصر شبرا التاريخي مثالا لنمط العمارة التراثية في الطائف ويمتاز بروعة وفخامة التصميم، وتم البدء بإنشاء القصر عام 1323هـ، ومزج القصر بين الطابع المعماري الروماني والإسلامي وأساليب العمارة التقليدية لمنطقة الحجاز، ما جعله تحفة معمارية ذات جمال آسر.

واكتسب القصر أهمية تاريخية كونه أحد القصور التي سكنها الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - في بداية حكمه بعد أن وحد المملكة حيث كان يدير شؤون الحكم في تلك الدولة الفتية من هذا القصر التاريخي أثناء اقامته في موسم الصيف، كما سكنه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، وشغلته وزارة الدفاع والطيران زمنًا، ثم سلم عام 1407هـ إلى وزارة المعارف (وزارة التعليم)، ويتبع حالياً للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ويضم متحف شبرا الشهير.



ويتكون القصر من طابق قبو تعلوه أربع طوابق، إضافة لملاحق خارجية وحدائق، ويضم حوالي 150 غرفة، وله عدة مداخل حيث ان بوابته الرئيسة تقع في الجهة الغربية، وهي مصنوعة من الخشب المزخرف، وللقصر أربع واجهات متشابهة تتخللها أعمدة مصنوعة من النورة والحجارة، وفي القاعة الرئيسة في القصر يوجد سلم كبير مزدوج خشبي بديع أرضيته من المرمر المعروف بـ (السلملك)، يمتد حتى الدور الثاني الذي به جناحان يضمان غرفاً كبيرة وأخرى صغيرة.

وتتميز عقود جدرانها الداخلية والأعمدة والأركان بزخارف ملونة على شكل أوراق نباتية طليت أطرافها باللون الذهبي، ونوافذ القصر وأبوابه مصنوعة من الخشب المحفور بلمسات فنية مبهرة، وأسقف القصر خشبية مطرزة بأشكال زخرفية ونقوش، وينتهي سور سطح القصر بزخرفة يغلب عليها الطابع الروماني.

وعنيت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بتأهيل المواقع التراثية وتحويلها إلى قطاع اقتصادي منتج، وحظى التراث الحضاري باهتمام القيادة السعودية، تمثل بصدور عدد من القرارات التاريخية التي ساهمت بحفظه وتنظيمه والتعريف به.



وجاء برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة بوصفه مشروعاً تاريخياً وطنياً ذا أهمية عالية، ومن أهداف البرنامج المحافظة على مباني التراث العمراني وتنميتها،، وقد تبنت الهيئة عدداً من المهام والمشروعات والمبادرات للحفاظ على التراث العمراني وربطه بالبعد الثقافي والإنساني والحضاري والاقتصادي، وتطوير الأوعية التي يقدم فيها والموارد البشرية التي تعمل فيه.

وتم تنفيذ مشروع تطوير وإعادة تأهيل وتطوير أواسط المدن بشراكة بين الهيئة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة بالأمانات والبلديات كأحد أهم عناصر برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الهادفة إلى تطوير مراكز هذه المدن بما يواكب الحداثة ويحافظ على أصالة هذه المواقع كونها معالم حضارية تعكس تاريخ مناطق المملكة وتشكل هويتها، وتم انجاز مشروع (تطوير وتأهيل المنطقة التاريخية بوسط مدينة الطائف) لتحسين المنطقة من الناحية المعمارية والعمرانية، ومعالجة التلوث البصري والبيئي وتحسين الممرات ولقي المشروع رعاية ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.



وراعى المشروع تحسين جودة البيئة العمرانية في المنطقة التاريخية وتجميلها بما يتوافق مع تاريخ المنطقة العريق، وإعادة الطابع التاريخي للمباني بالمحاور والساحات بالتنسيق مع ملاك المباني والمحلات.

وكان فريق مختص من البنك الدولي قد قام بعدة زيارات للمعالم التراثية والتاريخية بالطائف بهدف تحليلها في والتقى الفريق مدير فرع الهيئة بالطائف وعدد من المختصين بالفرع، وذلك في إطار مشروع إعداد دراسة إحياء اقتصادية التراث العمراني الذي تنفذه هيئة السياحة والتراث الوطني بالتعاون مع البنك الدولي، وجرى تقييم وضع المباني التاريخية والتراثية لدعم التطلعات لتحويل هذه المناطق إلى نقطة جذب سياحي، ورافداً من روافد التنمية الاقتصادية والسياحية، كما تم مناقشة الفرص والمعوقات الاستثمارية للمواقع التراثية ذات الطابع العمراني القديم مثل المباني والقصور التراثية، والمساجد التاريخية، والمتاحف في ظل تنوع وثراء التراث العمراني بالمحافظة.


الأستاذ: مشعل الصاعدي