الحلقة الثالثه
الملائكة
يؤمن المسلمون بالملائكة ، ككائنات نورانية لطيفة مطيعة لله ليس لديها شهوات ولا أهواء ، ولهم وظائف عديدة بجانب كونهم مجبولين علي القيام بأنواع من العبادات لله ، فهم لهم أعمال مرتبطة بالوجود البشري علي الأرض ، مثل تسجيل أعمال الناس ، وتوصيل الرسالات من الله للأنبياء ، وتبشير البعض ، وتثبيت قلوب المؤمنين في أوقات الشدة و إنزال عقوبات علي العصاة والقرى الظالمة الخ .
وجبريل رئيس الملائكة مذكور في القرآن كما هو مذكور في الكتاب المقدس ، وفي الإيمان الإسلامي أخبار عن اتصاله بهاجر لما عطشت هي وولدها ، وكذلك اتصاله بزكريا ، واتصاله بمريم لتبشيرها بأنها ستحبل وتلد المسيح ، كما انه كان الواسطة في إبلاغ محمد( ) بالقرآن من لدن الله .
وتتفق الأديان الثلاثة علي أن الملائكة يمكن ان تتجسد بأمر الله في شكل آدمي وذلك لتبليغ رسالة لنبي في أغلب الأحيان ، وقد أتي جبريل لمحمد ( ) أحيانا في شكل رجل مرئي يلحظه صحابة محمد في شكل رجل وضئ لا يعرفونه ولا يبدو عليه وعثاء سفر في نفس الوقت يكلم محمدا ( ) ثم يمضي ، وقد كان اتصاله بمريم عن طريق التشكل في شكل رجل أيضا ، ونجد في سفر يشوع ( وحدث لما كان يشوع عند أريحا أن رفع عينيه ونظر وإذا رجل واقف قبالته وسيفه مسلول فسار يشوع إليه وقال له : هل لنا أنت أو لأعدائنا ؟ فقال : كلا بل أنا رئيس جند الرب ) (1)
وجبريل يطلق عليه أيضا في العهد القديم روح الرب ، فنجد في إشعياء ( ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب ) (2)
ويسمي ايضا في العهد القديم بالروح القدس فنجد في المزامير (لا تطرحني من قدام وجهك و روحك القدوس لا تنزعه مني ) (3)
يمكن الإطمئنان بأن جبريل أو ( رجل الرب ) كما تفسر القواميس أسمه هو ملاك الرب وهو روح الرب وهو الروح القدس حسب الفهم اليهودي ، وهو نفسه الفهم الإسلامي ، وطبيعة الروح القدس من ضمن الإختلافات العميقة بين اليهود والمسيحيين ، وبين المسلمين والمسيحيين .
اليهود ينظرون للروح القدس كروح مخلوقة لله وليست روحه هو ذاته
وقد لفت نظري أن إنجيل برنابا والذي هو حسب الإعتقاد المسيحي إنجيل مدسوس ، وبناءا عليه فمن لفقه حاول التشكيك في العقيدة المسيحية ، لفت نظري أن صاحب الإنجيل وضع علي لسان المسيح براءة ممن ادعو له الإلوهية ، ولكنه لم يشر من أي طرف لإلوهية الروح القدس ،
رغم أن كل الرافضين للإيمان المسيحي ينددون بعقيدة التثليث مما يستلزم التعريض بإلوهية الروح القدس ، وهذا التعريض مما لا يمكن توقع إغفاله من أي رجل يفكر في مهاجمة المسيحية بصرف النظر عن مستوي إلمامه بالثقافة المسيحية ، فما بالنا بعمق ثقافة صاحب إنجيل برنابا ، هذا ما سيمر عليه الكل بشكل عميق أو عابر ،
والدفع الوحيد في هذه الحالة لتأكيد ان الإنجيل مزور هو القول بان الرجل كان ذكيا وحصيفا وعلي دراية عميقة بتطور العقيدة والحياة الدينية في القرون الأولي لذا كان حذرا ولم يتورط في نفي إلوهية الروح القدس لأنه لم يثبت لديه أنه قد ادعي أحد ما إلوهية الروح القدس في القرن الميلادي الأول
وبناءا عليه لم يندد بها علي لسانه هو أو علي لسان المسيح ، ومن المحرج أن نضطر للقول أن رجلا حصيفا عميق الدراسة ثبت عنده أنه لم يشاع في القرن الأول وفي حياة المسيح و لبضعة سنوات بعد صعوده أي مقولة عن إلوهية الروح القدس وبناء عليه عن التثليث .
لقد تم إقرار إلوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381 م ، وفي هذا المجمع وبناءا علي استدلال نظري وليس بناءا علي مخطوطات ظهرت تعضد الفكرة ، في هذا المجمع تم إعلان أن الروح القدس هو روح الله ، وهي حياته فهي من اللاهوت الإلهي ، ولُعن مكدونيوس وأشياعه وكل من يخالف هذا القرار من البطاركة . والبعض يظن ان ظهور قرار إيماني بإلوهية الروح القدس في هذا المجمع كان لتثبيت عقيدة موجودة ومستقرة ، وللعن بعض المخالفين الذين طفت فكرتهم فجأة ، وصاحب هذا الظن معذور كل العذر إذا لم يكن علي اطلاع علي ما حدث في مجمع نيقية الذي نص من ضمن ما نص عليه علي ترك الحرية للناس في الإختلاف علي الروح القدس .
يذكر أن جبريل من أسمائه في القرآن ( الروح القدس ) مثل التوراة ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) (4)
وهذا نص عن الروح القدس (فلما سمعت اليصابات سلام مريم. ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس ) (5) ، هنا نحن أمام إمرأة عاقر وعجوز أي أن حملها إعجازي أيضا ، بل لا مجال لأقاويل خبيثة بشأنه ، وأمام جنين سيكون نبيا تقيا زاهدا هو يوحنا المعمدان سيتعمد المسيح منه ، وهنا أيضا الروح القدس ، المعطيات جيدة جدا !
وقد كان يوحنا الذي سبق المسيح في الدعوة خارج المدرسة العلمية التقليدية اليهودية يل خرج للناس من البرية عابدا زاهدا منقطعا عن السلك البيروقراطي الديني ، حتى أنه يمكن التفكير في كون يوحنا النبي العظيم وسيلة لتنظيم الإنتباه والمشاعر تجاه المسيح حين يدعو ، فالناس معظمهم قد ينتظرون خروج نبي من داخل الهيكل ، وبذا قد لا يلتفتون للمسيح فجاءت دعوة يوحنا ليحدث الإنتباه ، كما أن ميلاد يوحنا الإعجازي ربما كان من المفترض أن ينظم المشاعر تجاه المسيح العدائية والٌمحِبًة علي حد سواء ، وهذا لا يزيد عن كوني أفكر بصوت عالٍ .
وهنا نقول عن روح الحق في هذا النص أنه الروح القدس " وأما متى جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع به ويخبركم بأمور آتية " (6)
فهذا لا يجعل روح الحق والذي يعني لدينا روح القدس لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع به ، وفي هذه فعلا وعندما اقبل تماما الظن بأن المقصود بروح الحق هو روح القدس فأتعجب من كونه مبلًغ بما يسمع كأي مأمور
واجد صعوبة ما في التوفيق بين هذا المعني الواضح والإعتقاد في أنه روح القدس بالفهم المسيحي
________________________________________
(1) يشوع 5 :13-14 (2) اشعياء 11 : 2
(3) مزامير 51 : 11 (4) البقرة 87
(5) لوقا 1 : 41 (6) يوجنا 16 :13
مواقع النشر