كلنا سنصبح (دكاترة)



كلمة (دكتور) أتخمت المجتمع.. وصار مجتمعنا متخماً بالدكاترة.. الذين يحملون دكتوراه.

** ولست هنا لأقلل من شأن حملة الدكتوراة.. فهناك من حمل هذا اللقب بعد جهد علمي طويل، وبذل ودراسة وبحث وتمكن في التخصص.

** هناك بالفعل.. من جاهد لأكثر من عشرين عاماً.. وانقطع للدراسة والبحث حتى استحق لقب دكتور بجدارة.. ولست أتحدث عن هؤلاء أبداً.

** إنما أتحدث عمن صار ما بين يوم وليلة دكتور.. ومن جامعة مغمورة أو مجهولة

** اليوم.. صار أكثر الناس دكاترة.. هناك من اغتصب هذا اللقب العلمي الرفيع الكبير اغتصاباً.. واعتسف هذا اللقب اعتسافاً وصار دكتوراً وهو لا يستحق.

** اليوم هناك (سماسرة) في بعض الأماكن يعملون وسطاء بين جامعات مغمورة أو مجهولة.. ويعملون لك كل شيء.

** يأتون لك ويقولون.. نحن نحضر لك شهادة دكتوراة في أي تخصص تريد.. وهذا.. يذكرني ببعض مكاتب خدمات الطالب التي تعطيك أي بحث تريد.. وما على الطالب أو الطالبة.. إلا إعطاؤهم العنوان والباقي عليهم.

** وهناك من حصل على أكثر من شهادة دكتوراه.. وصاروا دكاترة و(النَّقْصَهْ على الجيب) كما يقول العوام.

** وهناك من حصل على شهادة من بلدان وهو لا يعرف لغة البلد أو اللغة الإنجليزية.. ولا ندري.. كيف حصل على هذه الشهادة.. مثل الذين حصلوا على شهادات من باكستان أو الهند أو روسيا أو ما شاكل ذلك.

** هناك شهادات بالمراسلة.. وهناك مكاتب علاقات عامة.. ومكاتب تعقيب يعمل بها بعض الوسطاء أو الذين يخدمونك حتى تصبح دكتوراً.

** عنوان البحث موجود.. وخطة البحث موجودة.. والباحث موجود.. والمناقشون معروفون.. والدرجة العلمية جاهزة.. يعني (مالك إلا ولد يقْْرا) وشهادة (كِبْر شماغك) مع مرتبة الشرف الأولى.

** هناك جامعات في شقق..

** وهناك جامعات رؤساؤها أو مديروها.. يعملون هنا.. يعني في ديرتنا والختم.. والشهادات المطبوعة معه.

** وهناك من تخصص في البكالوريوس وأخذ الدكتوراه في تخصص آخر بعيد كل البعد عنه.

** وهناك من كان (مْغَرِّز) في الكفاءة.. فصار اليوم دكتور.

** وهناك من حصل على الدكتوراه وعمره فوق 80 سنة.. وهذا بالطبع.. لا يريد منها.. إلا أن يقال فقط.. انتقل إلى رحمة الله (الدكتور) فلان.. بدلا من أن يترك اسمه هكذا بدون لقب.. يعني لقب (فَخْفَخَة) مثل لقب عميد الأسرة!

** يقول أحدهم.. إن شلة البلوت في الاستراحة.. صار ثمانية منه دكاترة.. وهم كلهم بسطاء.. وبعضهم (ينسى السرا) وكلهم أخذوا الدكتوراه بالطريقة الاعتسافية والقفز على هذا اللقب.

** وكل الذين سافروا للعل في الخارج عادوا دكاترة ومن جامعات مجهولة.

** والمشكلة أن الذي أخذ الدكتوراه بحق وبجهد وعرق واستحقاق لا يهتم أن يقال له دكتور.. أو لا يقال.. لأنه يعرف نفسه ويثق في نفسه وفي قدراته.

** أما الذي أخذها قفزاً واعتباطاً.. فالويل كل الويل للذي يناديه (حاف) هكذا بدون سعادة الدكتور.. وصدق من قال (سروق.. ووجهٍ قوي).


** إنني أتوقع مع موجة الدكتوراه هذه.. سيصبح مجتمعنا كله دكاترة.. لأن المسألة سهلة ولا تستوجب غير عشرة آلاف ريال.. يعني قيمة (حاشي) وتصير دكتور.. ويسبق اسمك.. حرف الدال.

** ويقال.. إن هناك من حصل على هذه (الدكتوراه) بهذه الطريقة ثم (فشل) أو (استحى) أو (انقطع وجهه) ولم يفصح عنها.. بمعنى.. أنه خسر عليها الآلاف ولكنه اكتشف أنها مثل (العياره) أو (التطنز).

** هل نصبح كلنا عن قريب دكاترة بهذه الطريقة البسيطة؟

** إنه استخفاف بهذا اللقب العلمي الكبير.. وما أكثر (فشايلنا) في كل شيء.. وفي كل مكان ولكن (وش نقول؟).


عبد الرحمن بن سعد السماري / جريدة الجزيرة