ذات الأثافي «أثيفيات، أثيفية، أثيثية»
مستوع الآثار القديمة
ومسقط رأس الشاعر الكبير جرير
الرياض (الجزيرة) معنى الاسم: أثيفيات بالضم ثم الفتح وياء ساكنة ثم فاء مكسورة، تصغير )أثفيات( جمع اثفية في القلة وجمع الكثرة في الأثافي، وهي الحجارة التي يوضع عليها القدر للطبخ.
قال الشاعر الراعي النميري:
دعونا قلوبنا بأثيفيات
والحقنا قلائص يعتلينا
أثيفية: بضم اوله وفتح ثانية وياء ساكنة وفاء مكسورة وياء خفيفة، تصغير أثفية القدر، وأثيفية، وأثيفيات وذات الاثافي كلها بمعنى واحد، وتسميها العوام (
أثيثية).
واثيفية قرية أثرية قديمة جدا ومعروفة قبل الاسلام والدليل الى ذلك انها كانت لبني كليب بن يربوع من تميم ومن المعلوم تاريخيا أن قبائل بني تميم سكنت منطقة نجد قبل الاسلام بزمن بعيد وهي في الغالب قبائل متحضرة سكنت المدن والقرى قبل ظهور الاسلام.
الموقع: تقع بلدة أثيفية على خط طول 09َ 25ْ، ودائرة عرض 23َ 45ْ وترتفع عن سطح البحر حوالي 8792 قدم. حيث تقع في الجهة الجنوبية الغربية من اقليم الوشم في قلب نجد في المملكة العربية السعودية، وهي الى اليسار من خط الحجاز القديم للمتجه الى مدينة شقراء، وتبعد عن طريق الحجاز مسافة ثلاثة اكيال مسفلتة، وتقع الى الجنوب من مدينة شقراء والمسافة بينهما حوالي 25 كيلاً. وتبعد عن مدينة الرياض حوالي 170 كيلاً وهي تابعة اداريا لمركز مرات التابع لامارة منطقة الرياض.
كانت بلدة (ذات الأثافي أو أثيفية) في عصر الجاهلية قرية صغيرة يسكنها بنو كليب بن يربوع من تميم واكثر من يملكها هم أبناء واحفاد الشاعر الكبير جرير.
وقد لا يستبعد انها عمرت وسكنت من قبل اقوام عديدة قبل بني تميم بسنين عديدة، ولكن المصادر التاريخية عن هذه البلدة لا تمدنا بشيء يذكر عن من سكنها قبل بني تميم. وربما بعد اكتشاف الاثار المدفونة فيها من فخار وزجاج واحجار وابار وقنوات وخزف.. الخ. سوف نعرف الشيء الكثير عن تاريخها وتاريخ البلدان القريبة منها.
وفي هذه القرية الجميلة الوادعة بين احضان الأثافي الشامخة شموخ الأهرامات ولد الشاعر الكبير جرير بن عطية الخطفي وهو من فحول الشعراء العرب. برز بروزا كبيرا في الهجاء ولكنه مع ذلك شاعر بليغ ذو عفة، ودين، وحسن خلق، ورقة طبع، وجودة متناهية في الغزل، والنسيب.
ولا يستغرب ذلك كله لان نجدا هي منبع وموطن الابداع الشعري في جميع اغراض الشعر وفنونه وقد توفي جرير في عام 114هـ تقريبا. ويعتقد ان قبره في بلدة أثيفية.
ولجرير حفيد اسمه عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يعتبر شاعرا فحلا من كبار شعراء العرب في عصر الاسلام. له ديوان مشهور، كان عالما بأيام العرب، وأشعارها.
وكان أديبا. ومنزله في بلدة أثيفية، كان النحويون في البصرة يأخذون اللغة الفصحى عنه. وقد ولد عمارة في عام 182هـ وتوفي في عام 239هـ في العراق.
الآثار الموجودة في بلدة أثيفية:
إن المصادر التاريخية، والجغرافيا، وكذلك الادبية لا تمدنا الا بمعلومات قليلة جدا عن تاريخ هذه البلدة فيما قبل الاسلام وما بعده الى عصرنا الحاضر.
واقليم الوشم في منطقة نجد كان منذ عصر الجاهلية الى زمننا الحاضر مسكنا لبني تميم. ولكننا لا نستطيع تحديد التاريخ الزمني لاستيطان بني تميم في اقليم الوشم، ولا نعرف القبائل ايضا التي سكنت الوشم قبل بني تميم؟ وسبب ذلك هو قلة او شح المعلومات المدونة عن تاريخ اقليم الوشم من الناحية الاستيطانية والحضارية.
ومن بطون قبيلة بني تميم التي استوطنت في اقليم الوشم في منطقة نجد (بنو امرىء القيس، وبنو العنبر، وبنو يربوع، وبنو سعد)، ومنازلهم في البلدان التالية: "مرأة (مرات)، ثرمداء، أثيفية، ذات غسل، الوقف، شقراء، الفرعة، أشيقر، الحرّيق، المشاش، القصب"، ويذكر الأصفهاني ان اقليم الوشم هو اعظم بلاد بني تميم.
يوجد في بلدة اثيثية الكثير من الآثار المطمورة تحت الاتربة ومن اهمها الآبار والعيون وقنوات قديمة جدا، ومجموعة من التلال الاثرية المنتشرة، ويوجد في البلدة آبار مشهورة مثل بئر العُذيب وبئر عسيلة تقع جنوب البلدة القديمة، وهي آبار جاهلية قديمة، وهناك آبار مياه يبلغ عددها خمس آبار تصل اعماقها الى حوالي خمسة امتار تقريبا وهي مستطيلة الشكل مبنية من الحجارة، ويوجد في البلدة عدة آبار قديمة جدا.
التلال الأثرية:
يوجد في اثيثية تلال اثرية تنتشر على سطحها الكسر الفخارية والخزفية، والزجاجية، وقد تم تحديد تل يحوي وحدة معمار مستطيلة الشكل مكونة من مجموعة من الأسوار. ويوجد ايضا في هذه البلدة الاثرية القديمة العديد من القور مفردها قارة منها كبير الحجم وصغير الحجم.
قال ابن شميل: القارة جبيل مستدق ملموم في السماء لا يقود في الأرض كأنه حثوة وهو عظيم مستدير، وقال الاصمعي: (القارة من الجبل).
ومن اشهر القور المعروفة في بلدة اثيثية قارة كبيرة الحجم تسمى قارة (ابي الطير) وكذلك قارة تسمى قارة (عوانة) وهما من اكبر القور الموجودة في البلدة وتقع هاتان القارتان في الجهة الجنوبية الغربية منها.
وقد سبق لكاتب هذه السطور صعود قارة (ابي الطير) في عام 1399ه من جهتها الجنوبية وهي قارة عالية الارتفاع حيث يبلغ ارتفاعها 140 م تقريبا، وسطحها مستو يبلغ طوله من الغرب الى الشرق حوالي 200م تقريبا ومن الجنوب الى الشمال حوالي 50 م تقريبا. ولعوامل التعرية اثر واضح في النحت. وقد شاهدت على سطح هذه القارة اكثر من (50 محرابا) على شكل نصف دائرة من الاحجار المتوسطة والصغيرة الحجم، وجميع هذه المحاريب متجهة الى القبلة للصلاة. ولم اقف على اسباب وجود هذه المحاريب الكثيرة على سطح هذه القارة وغيرها من القور العالية الارتفاع مع صعوبة الصعود الى قمتها؟!
وكذلك لم اعرف من الذين كانوا يصعدون الى سطح هذه القارة ومن اين أتوا وفي اي زمن؟؟
واخيرا ان بلدة أثيثية وغيرها من بلدات اقليم الوشم تحوي كنوزاً ثمينة وكثيرة من الآثار منذ آلاف السنين وفي عصر الاسلام ايضا لان هذه البلدة وغيرها لا تزال بكرا لعدم البحث عن آثارها وتاريخها لانها لا تزال مطمورة تحت الاتربة والصخور والرمال، تنتظر بلهفة من يزيلها عنها لكي ترى الشمس ويراها الناس.
انني اتوجه الى علماء وطلبة قسم الآثار في جامعة الملك سعود وفي وكالة الآثار والمتاحف وعلى رأسهم اخي العزيز أ. د سعد بن عبدالعزيز الراشد الاهتمام بهذه البلدة الغنية بالآثار للتنقيب عن آثارها الثمينة لفصل تاريخ بلادنا القديم التليد بتاريخ بلادنا الحاضر المجيد.
المصادر:
1 ياقوت الحموي معجم البلدان.
2 احمد الهاشمي جواهر الأدب.
3 الاصفهاني بلاد العرب.
4 عبد الله بن سعد الراشد، ماجستير، دراسة اثرية للمواقع الاسلامية بمنطقة مرات في الفترة (1418هـ حتى 1419هـ)
مدير مكتبة وقاعة الملك عبد العزيز التذكارية في دارة الملك عبد العزيز سابقا
مواقع النشر