تونس - عبد الناصر الخنيسي (الشروق) : حرص الإسلام على تقوية العلاقات الطيبة بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبينهم وبين غيرهم من الجيران غير المسلمين حتى تسود المحبّة والتعاون والتكاتف بينهم لذلك جعل للجار حقوقا يجب على المسلم الوفاء بها، أوّلها الإحسان كما جاء في قوله تعالى ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ (النساء 36).
وتبرز مكانة الجار في السنّة الحميدة من خلال الحديث الذي أخرجه الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنّه سيورّثه.
والجيران ثلاثة: جار له حقّ واحد وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق، فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرحم فله حقّ الجوار وحقّ الإسلام وحقّ الرّحم، وأمّا الذي له حقّان فالجار المسلم له حقّ الجوار وحقّ الإسلام، وأمّا الذي له حقّ واحد فالجار المشرك. قال مجاهد: كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهوديّ.
فمن حقوق الجار على الجار في الإسلام أن يكثر السؤال عن حاله ويطعمه الطعام فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإهداء الجار ما تيسر من الطعام، فقال لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك». (رواه مسلم).
وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأنّ الذي لا يتفقد أحوال جاره ليطعمه إن كان جائعا فإيمانه في نقص، قال صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». (رواه الطبراني) فإذا كان جار الإنسان المسلم لا يجد ما يلبسه من ثياب تستره أو تجمّله، فلابد لجاره المتمكّن من ذلك أن يغطّي حاجته من ذلك حسب استطاعته.
كذلك أوجب الإسلام على الجار أن يعود جاره في المرض وأن يواسيه في المصيبة ويعزيه في الموت، ومن أبسط حقوق الجار الكلمة الطيبة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: « لا يحقرّن أحدكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق». (أخرجه مسلم).
والهدية بين الجيران تزيل السّخيمة من القلوب، وتؤصّل المحبة والألفة وتذهب الحقد والحسد. والجار يصفح عن زلات جاره ولا يؤذيه مستجيبا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره». (الصحيحين) وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كفّ الأذى عن الجار ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى من الجار.
لهذا ينبغي للمسلم أن يصبر على أذى الجار ولا يؤذيه ويكون بحال جار آمن منه. يحكى أنّ رجلا جاء ابن مسعود رضي الله عنه فقال له :إنّ لي جارا يؤذيني ويشتمني يضيّق عليّ فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه. وحتى نعيش في مجتمع قوي متماسك وراق كلّه احترام فلابد أن يلتزم كل جار بالحقوق التي جاء بها ديننا الحنيف.
بقلم: الشيخ عبد الناصر الخنيسي
مواقع النشر