المدينة المنورة - واس : يتميز الغطاء النباتي النامي بالمناطق الجافة وشبه الجافة بأنه يتحمل العوامل المورفولوجية والفسيولوجية التي تجعله قادرا على مقاومة ظروف الجفاف وارتفاع وتدني درجات الحرارة وتحمل الأشعاع الشمسي العالي .
ووفقا لتقرير وزع على هامش ندوة عن ظاهرة الاحتطاب والإتجار بالحطب والفحم المحلي عقدت بالمدينة المنورة الأسبوع الماضي إلى جانب خلاصة ماطرح في تلك الندوة من أوراق عمل فإنه ينمو في المملكة العربية السعودية 87 نوعا من الأشجار تنتشر بأودية وفياض ورياض المملكة , وتقدر الكثافة الشجيرية والشجرية العالية في الوديان بنحو 20 شجرة وشجيرة في الدونم الواحد .
وتبرز أهمية هذه الاشجار والشجيرات في حفظ التوازن البيئي وتوفير الغذاء للحيوانات المستأنسة والبرية والمحافظة على التنوع الحيوي بالإضافة الى أنها تستخدم كمصدات للرياح , وشكلت الممارسات البشرية المفرطة أهم الأسباب والعوامل المصيرية التي أدت الى تدهور الغطاء النباتي من الرعي والاحتطاب الجائر .
وتتكاثر أشجار السمر بمنطقة المدينة المنورة حيث تبرز أهميتها التنسيقية واستخداماتها لأنها من أنسب الأشجار للظروف البيئية نظرا لقلة احتياجاتها للماء، وتعتبر مصدر غذاء للحيوانات حيث تحتوي أوراقها على نسبة جيدة من البروتين، كما تعمل على حماية التربة من الانجراف ومكافحة التصحر، ويستخدم خشبها لصناعة أجود أنواع الفحم، ويعتبر مصدرا جيدا لرحيق الازهار الذي يستخدمه نحل العسل في إنتاج أجود أنواع العسل ,كما أن أوراقها والقلف والبذور والصمغ الأحمر تستخدم في أغراض الطب الشعبي.
وفي المدينة المنورة خصوصا والمملكة عموما تتعرض أشجار السمر التي توصف بأنها لؤلؤة الأشجار البرية إلى الاحتطاب الجائر مما يهدد بقائها كما أن رعيها الجائر بواسطة الجمال خاصة جعلها تدافع عن ذاتها بظهور تاج بديل يمتد جذعه من وسط الشجرة إلى أعلى لتحاشى رقاب الجمال , كما تكثف الشجرة من إنتاج الأشواك في المناطق السفلى للتاج لمنع الرعي بواسطة الأغنام والماعز وأيضاً الجمال في محاولة للبقاء .
ويمثل الاحتطاب أحد أهم العوامل التي تؤدي لتدهور الغطاء النباتي في المملكة بمعدلات سريعة مما ينتج عنه مشاكل جمة تتعلق بالتصحر وتدهور بيئة الإنسان والتنوع الحيوي , كما يتسبب في حدوث تعرية هوائية ومائية للتربة وانخفاض في كمية المياه التي تغذي الطبقات الحاملة للمياه الجوفية وما ينتج عن ذلك من زيادة معدل حدوث الفيضانات والسيول الجارفة التي قد تسبب خسائر بشرية واقتصادية .
كما أن الاحتطاب قد يؤدي إلى تزايد معدلات زحف الرمال مسببة خسائر كبيرة للمنشآت والمزارع وتزايد مساحات الأراضي المتصحرة مايؤدي بطريقة غير مباشرة إلى رفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع في معدل درجات الحرارة ليسهم ذلك في التأثير على التغير المناخي بوجه عام .
وقد شددت وزارة الزراعة على أهمية إحكام الرقابة في جميع مناطق المملكة على مزاولة نشاط الاحتطاب بجميع مراحله بما في ذلك النقل والبيع ومن ذلك منع بيع الحطب والفحم المحلي في أسواق الحطب والفحم والاكتفاء بالمستورد .
وأبرزت الوزارة جهودها في هذا الشأن بأن قامت بتحديث نظام المراعي والغابات عام 1425هـ ليتماشى مع المستجدات ولوضع أسس قانونية لتوضيح الأعمال المحظورة في مواقع الغابات والمراعي وما يترتب على ذلك من عقوبات , كما تم إيقاف إصدار تراخيص الاحتطاب والتفحيم ونقلهما ابتداء من عام 1419هـ وكذلك منع تصدير الحطب والفحم من داخل المملكة إلي خارجها منعاً باتاً.
وعملت الوزارة على تعيين أكثر من 110 حراس غابات والتعاقد مع إحدى الشركات الأمنية المتخصصة لتوفير 112 حارسا ومراقب غابات مع تزويدهم بالسيارات وأجهزة الاتصال اللازمة , كما صدر مرسوم ملكي كريم عام 1423هـ يقضي بإعفاء الحطب والفحم المستوردين من الرسوم الجمركية .
غير أن من يزور الأسواق المركزية في المدن الرئيسية تعتريه الدهشة من أحجام الأشجار المقطوعة وكمياتها، مما يوحي بأن هناك عملية استنزاف مستمرة ومركزة على الأنواع المشار إليها , لكثرة الطلب في السنوات الأخيرة على الحطب والفحم ونجاح التجارة بهما وذلك لأسباب عدة منها كثرة المطاعم والمقاهي التي تستخدم الحطب والفحم وكثرة الإستراحات والمخيمات داخل وخارج المدن وكثرة التنزه والرحلات البرية خاصة في موسم الشتاء التي يكثر فيها اشعال النار .
ويساهم استخدام التقنيات الحديثة مثل المناشير الآلية واستخدام السيارات الرباعية الدفع للوصول لمناطق بعيدة ونائية في التوسع في عمليات الاحتطاب , ثم يتم تسويق الحطب من خلال أسواق أولية قريبة من مواقع ألاحتطاب أومن خلال منافذ تسويقية تبيع الحطب الذي يتم جلبه من مواقع الإنتاج .
وقد أوضح النقيب خالد عابد الحسيوني من شرطة منطقة المدينة المنورة في ورقة عمل قدمها خلال الندوة أن وزارة الداخلية أعلمت إمارات المناطق والمحافظات بتبليغ الأمن العام وقوة أمن الطرق، بضبط من يقوم بنقل الحطب والفحم بين المدن والقرى دون الحصول على التصريح اللازم من وزارة الزراعة ومثيلاتها في المناطق والمحافظات، وفقا لإجراءات ضبط المخالفات لنظام المراعي والغابات .
ونبه مدير عام الإدارة العامة للشؤون الزراعية بمنطقة المدينة المهندس إبراهيم بن عبدالعزيز الحجيلي إلى أن الحفاظ على الثروة البيئية والغطاء النباتي واجب ديني، لافتا إلى أن نظرة الإسلام للبيئة ومواردها الطبيعية تقوم على أساس منع الإفساد، وحمايتها والمحافظة على مكتسباتها، وعد الاحتطاب أحد العوامل الرئيسة المهمة التي أثرت في الغطاء الشجري الطبيعي، وتسببت في تدهور التنوع الإحيائي ، وحدوث التعرية الهوائية والمائية للتربة، وانخفاض في كمية المياه التي تغذي الطبقات الحاملة للمياه الجوفية، كما نتج عنه زيادة معدل حدوث الفيضانات والسيول الجارفة التي قد تتسبب في حدوث خسائر بشرية واقتصادية كبيرة.
وأكد عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة الدكتور طاهر أبو ترعة أن الاحتطاب يتسبب في انقراض بعض الأنواع النادرة من الأشجار وانجراف التربة، وأنه يسهم في إحداث خلل في التوازن البيئي، مما يكون له مردود سلبي على الحياة الفطرية، فضلا عن أن قطع الأشجار يسبب ارتفاعا في درجة حرارة الأرض نتيجة لتدمير الغطاء النباتي وقلة خصوبة الأرض وزيادة في غاز أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري.
واستعرض رئيس المجلس البلدي بالمدينة المنورة الدكتور صلاح الردادي الإجراءات المتخذة لمنع نقل الحطب والفحم المحلي، مشددا على عدم التهاون وتشديد الرقابة في مراكز أمن الطرق ومراكز التفتيش لمنع تلك الظاهرة السيئة.
وبين أن الدراسات الحديثة تظهر حجم التدهور السنوي للغطاء النباتي الشجري نتيجة لاحتطاب أشجار السمر والتي تقدر بنحو 3376 هكتارا عام 2002 ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 13712 هكتارا بحلول عام 2023، فيما قدرت كمية حطب الغضاء المعروضة في أسواق المملكة سنويا بما يفوق 4 آلاف طن، أما كمية حطب الأرطى المعروضة في الأسواق فقد تجاوزت 4 آلاف طن سنويا.
وقدًر متوسط تكلفة إعادة زراعة أشجار السمر المدمرة على مدى خمس سنوات بـحولي 180 ريالا، أي أن إجمالي التكلفة الناتجة عن تدمير هذه المساحة ما يزيد عن 12 مليون ريال، مما يوضح حجم الخسارة التي يسببها الاحتطاب في نوع واحد من الأشجار المحتطبة محليا.
وخلص الدكتور الردادي إلى أن السوق السعودية تستورد احتياجها من الحطب والفحم عن طريق عدد من الشركات العالمية المصدرة للحطب، وتعتبر الدول الأوروبية وخاصة الشرقية منها، بالإضافة إلى دول جنوب شرقي آسيا وأميركا الجنوبية مصادر لتزويد السوق المحلية بحاجتها من تلك السلع.
مواقع النشر