بسم الله الرحمن الرحيم
د. النجيمي في رد على ابن بخيت:
منهجكم قاعدي ليبرالي إرهابي
قرأت تعقيباً للشيخ صالح الفوزان في يوم الجمعة 4-7-2008م على مقال عبدالله بن بخيت في زاويته (يارا) بتاريخ 2-7-2008م ثم قرأت تعقيب ابن بخيت على الشيخ صالح الفوزان 7-7- 2008م يقول ابن بخيت: (الإرهاب مثل الميكروبات المخادعة تعيد تشكيل نفسها، لا تلغيها المضادات الحيوية، لا يلغيها سوى البيئة المطهرة النظيفة. المعركة الحقيقية ليست بالسلاح وليست بالخطب والمواعظ وليست بالمناصحة). أقول لابن بخيت: فبأي شيء نكافح الإرهاب إذا لم تنفع الخطب والمواعظ والمناصحة والسلاح، وأكرر ما ذكرته في مقالات وردود سابقة من أن الإرهاب الديني يتفق مع الإرهاب التغريبي الليبرالي في ثلاثة أمور رئيسة أعيدها باختصار:
أولاً: التهوين من قدر العلماء وما يقومون به من دور في إصلاح الأمة فتراهم يكررون أن فتاواهم ومواعظهم وخطبهم ونصائحهم لا تثمر وكأنهم يريدون أن يقولوا يا أيها الناس هؤلاء نفعيُّون غير صادقين وإلا فلماذا لم تنفع خطبهم وفتاواهم.
وهذا واضح في مقال ابن بخيت بتاريخ 7-7- 2008م عندما يقول: (يا شيخنا الفاضل الفوزان أين العلماء الربانيون منذ عشرين عاماً) ثم استطرد يقول: (إذا كانت الشبهات لا يكشفها إلا العلماء الربانيون فأين هؤلاء العلماء الربانيون منذ أكثر من عشرين سنة عندما كان صغار السن يقادون إلى المقابر والاستراحات المشبوهة والتجمعات... إلى أن قال: وعندما كان الدعاة يحرضون الشباب على ولاة الأمر وعلى رجال الأمن وعلى المثقفين وعلى الأجانب)أ.هـ. كأن ابن بخيت يقول أنتم المسؤولون أيها العلماء عن هذا الغلو والتطرف، وقد سبقه إلى ذلك الذين اتهموا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه - ذا النورين وثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة والذي تستحي منه الملائكة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح - بأنه يحابي الأقارب وأنه لم يعدل في توزيع الأموال والثروة، فألبوا عليه العامة بعد أن هونوه في نظرهم؛ فأدى ذلك إلى الفتنة العظيمة فقتل عثمان، فهؤلاء يريدون أن يقتلوا هيبة العلماء كما فعل السيئون قبل ذلك، فاتهاماتك أنت وأمثالك خروج على الأمة وهذا منهج قاعدي ليبرالي إرهابي.
الثاني: اتهام العلماء من قبل القاعديين بأنهم رجال سلطة وعلماء سلطان وأنهم يسعون فقط للأموال، والتهمة نفسها يطلقها الليبراليون التغريبيون المتطرفون ولكن بأسلوب آخر من مثل قول ابن بخيت (أين العلماء الربانيون منذ عشرين عاما) وأرد عليك يا ابن بخيت بما رد به علي رضي الله عنه على أمثالك عندما سأله شخص: لماذا خرج الناس واختلفوا في عهدك وعهد عثمان ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال: إن الناس في عهد أبي بكر وعمر كانوا من أمثالي وأما في عهدي وعهد عثمان فمن أمثالك. ونقولها لك: كان الناس قبل عشرين عاما يصدرون عن رأي العلماء ويحترمونهم ويقدرونهم، ولكن لما أصبح الناس مثلك من المحرضين المؤلبين على العلماء والمتمردين على الهيئات الشرعية جاءنا الإرهاب وخرجت الرويبضة والغوغائيون وأصبحوا لا يصدرون عن كلام العلماء.
وأما اقتراحك بأن تغير هذه المراكز جذرياً وأن يلغى أي شيء اسمه محاضرة من برامجها وأن يكتفى فيها بالأنشطة الرياضية والفنية على أن تسند إدارتها بالكامل إلى الأندية الرياضية ورعاية الشباب.
اقتراحك هذا سبقكك إليه أساتذتك الناصريون والبعثيون والقوميون العرب وفلول اليسار في الخمسينات والستينات والسبعينات عندما ألغوا أي شيء له علاقة مع الدين وحولوا المراكز والمناشط لأندية رياضية وفنية أي الغناء والطرب، وكما فعل أتاتورك والشيوعيون وكأننا ناقصون فناً (وهز وسط)!! ألا تكفيك القنوات الغنائية التي امتلأ بها الفضاء؟ أم أنكم ترون أن التقدم والتطور كما اعتقد أسلافكم من فلول اليسار أنه في التفسخ والتحلل وما أسميتموه بالفن؟ يا ليتك قلت بالإضافة للمناشط الدينية يكون في هذه المراكز تعليم اللغات وصنعة يد يستفيد منها الطلاب والمنتسبون إلى هذه المراكز، وهو ما بدأت به فعلا فكان يجب أن تشكره وأن تؤيده، لكن هيهات أن يصدر منكم أي شيء فيه خير للأمة. إن شغلكم الشاغل وهمكم العظيم هو الفن والعفن.
وإذا كنت تعتقد يا ابن بخيت أن محاضرات العلماء وكشفهم لشبهات الغلاة لم تفد فأظنك لم تسمع بقرار مجلس الأمن الدولي في أغسطس 2007م عندما امتدح لجنة المناصحة السعودية ودعا إلى تعميمها عالمياً، كما أنه في عام 2005م في المؤتمر العالمي للإرهاب الذي عقد بمدينة الرياض قال نائبه رئيس مجلس الأمن القومي ونشر في جريدة الحياة إن علماء الدين في السعودية قد استطاعوا أن يردموا الهوة بينهم وبين الشباب بنسبة فاقت ثمانين بالمائة، وقالت إنها أعجبت برجال الدين السعوديين في المؤتمر عندما كانوا يفندون شبهات الإرهابيين.
وأعتقد لو أنك اطلعت على هذا لخجلت، لكن هل مثلك يخجل! وصدق المصريون عندما قولوا (إللي اختشوا ماتوا). وأنا أعترف أنك رجل تقدمي تريد إلغاء مدارس تحفيظ القرآن وإلغاء المراكز الصيفية وإلغاء الدعوة؛ لأنك ترى أن عندنا أزمة فنية وعندنا نقصاً في المطربين والمغنين والممثلين وهزات الوسط، فأنت تريد أن تحل هذه الأزمة لأنها هي طريقنا للتقدم وإلى الوصول للفضاء ونصبح دولا صناعية ودولاً راقية اقتصادية، لكن شرط أن تكون من أهل هز الوسط والمغنين حتى يقال في بعض دول العرب لو أراد أن لا يسكن إنسان في عمارة فيها فنانون وراقصات لما وجد عمارة فارغة، وعلى الرغم من هذا كله فهذه الدول لم تتقدم كما زعمت وأنت تريد أن نصعد فوق سطح القمر بعد أسطح بيوتنا لأنه في زمن أمثالك - إن شاء الله - لن نصل لسطح القمر وأنتم لا تعتنون إلا بالفن والرقص.
ولا أدري ما الذي دفعك أن تستدل بالشيخ ابن باز والشيخ محمد بن إبراهيم وأنت تعلم أنهما لو كانا حيين لما رضيا بهرطقتك ولكن هذا شأنكم تستدلون بالأموات وترفضون فتاوى الأحياء لعلمكم أن الأموات لن يخرجوا من قبورهم ليردوا عليكم.
ثم إن قولك إن الناس مسلمون بالفطرة وليسوا بحاجة للدعوة، نقول نعم هذا صحيح لو سكت أمثالك ممن يضلون الناس ويخوضون فيما لا علم لهم به، فلو سكت أهل الحق عن الدعوى لتخطفتهم الشياطين يوحون إليهم زخرف القول غروراً ليضلوا الناس ويغلفوا الحق بغلاف الباطل فيقع البلاء فلابد من البلاغ وقد حذر الله المؤمنين ليردوا على شبهات المشككين فقال عز من قائل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، ثم نقول: لماذا كان الذي يأمر الناس بتبليغ الدين فقال: بلغوا عني ولو آية. فنقول عفوا يا رسول الله - فإن ابن بخيت يقول لا داعي لهذا فالناس على الفطرة. وعندما قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}نقول عفوا ربنا إن ابن بخيت يقول لا حاجة لذلك، وعندما يقول تعالى (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله... الآية) نقول الآن: لا بل أحسن قولا وعملا وسلوكا وحضارة الداعي إلى هدى الفن وضياء الرقص وخفة الوسط وفقه العقل والسياسة وفقه الإقصائية والعلمنة ونترك فقهاء الحيض والنفاس، ثم إنك تقول يا ابن بخيت أنت تريد أن تكون علاقة الناس برجال الدين علاقة أبوية كالكنيسة لا علاقة قيادية فكرية. نقول لك هذه هي العلمانية التي طالما أنكرت أنك تروج لها، وهذا هو المنطق الفرنسي الذي خرج على الناس وقال اعدموا الاقطاعي بأمعاء القسيس، فنحن يا ابن بخيت لا علمنة في ديننا ولا قساوسة ولا رهبنة بل هُدى ووحي وإرشاد وبيان وقيادة للأمة نحو كل خير وسبيل حسن، قال عز من قائل: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} (41) سورة غافر {لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} (43) سورة غافر. فهذا هو الفارق بين علمائنا وقساوسة النصارى ودين النصارى الذي خرج عليه الناس وكرهوه، ففرق بين الدينين.
ثم إنك تقول بتاريخ 23 رجب 1429هـ: حتى الآن لم أجد علاقة بين ما أكتبه في هذه الجريدة وبين الدين، كل ما أتعرض له وأكتب عنه مجرد شؤون دنيوية... أقول مرة أخرى تثبت أنك ضالع في العلمنة إلى أخمص أذنيك، وإن كنت أعلم أنك تجهل هذا. ليس هناك شيء في الحياة ليس له علاقة بالدين خاصة فيما تتناوله أنت من موضوعات من مثل اتهامك للمراكز الصيفية والمخيمات بأنها تفرخ الإرهاب، فهذا طعن في ولاة الأمر أولاً وعلمائنا ثانيا فهذا له علاقة بالدين وهي حفظ الأمن وعدم الخروج عن ولي الأمر سواء العلماء أم الأمراء، فهذا من أخطر مواضيع الدين وتأليب العامة عليهم مما يوقع الفتنة والخراب وهو الإرهاب الذي تزعم أنك ضده.
وأما قولك إنها إدارات حكومية فلماذا يهب بعض الناس للدفاع عنها وكأنها خاصة بهم وكأنهم هم المتهمون. الجواب أنك لم تأت بدليل واحد يثبت ما تقول فهذا من الكذب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره .. الحديث) إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب.. الحديث.
ثم إن قولك: عندما أفند رأيا لفقيه أو أرد عليه دفاعا عن موقفي أعبر عن رأيي أين يكمن التعارض مع الدين. الذي أعرفه وأنطلق منه أن الإسلام لا يسمح لأتباعه بتأسيس نظام كهنوتي ومرجعيات مقدسة.. إلخ.. الجواب: أنك ما رددت عليهم في شيء يخصهم ويخص ذواتهم لكنك رددت عليهم فيما يخص اعتقادهم وفكرهم ودينهم وما يبلغونه عن رب العالمين، وأنت جاهل بكل ذلك، فكان الواجب البيان والإنكار حتى لا يلبس الحق لباس الباطل فيضل الناس.
وختاماً: أثبتت الدراسات التي أجرتها المراكز العلمية كمجلس الشورى وكثير من الباحثين في الإرهاب أن المساجد والمراكز الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن ليست سببا في انتشار الإرهاب والغلو لكنكم تتهمون بلا دليل وهو فعل أسلافكم، لكن غيرتم القبلة من موسكو لواشنطن وأصبحتم ليبراليين بدلا من يساريين قوميين ناصريين بعثيين، وأنتم لا تريدون الناس يرجعون لدينهم ويتذكرون مصادر وحيهم لأن هذا في زعمكم هو الإرهاب، وأما تساؤلك كيف نقضي على الإرهاب؟ فنقول: الإرهاب نوعان (أ) ديني (ب) ليبرالي تغريبي، ويقضى عليهما من خلال عودة الناس للعلماء والصدور عن رأيهم أولاً، وثانياً من خلال التوعية والإرشاد في المدارس والجامعات، وقبل ذلك أن تقوم الأسرة بدورها، وأولى من هذا كله عدم تشكيك الناس في ثوابتهم، وهذا يكون بإسكات أمثالكم من المشككين، لأنكم تستفزون الشباب بهجومكم على ثوابتهم فيحدث ردة فعلٍ شديدة عنيفة وهذا ما أثبتته دراسة مجلس الشورى فارجع إليها إن شئت، وأنا أعلم أنك ستصدم بها، فلا تردد علينا ما كتبه أسلافكم في الزمن الغابر، فأنت مجرد ناقل، فما قالوه في بلدانهم تأتي به إلينا، فالناس ليسوا سذجاً يغفلون عن أحوال التغريبيين المتطرفين.
كتبه أ. د. محمد بن يحيى النجيمي
مواقع النشر