"إنهاك مطبخي .."
عادت الأم منهكةً من العمل ، و تلقتها أيدي العمل المطبخي .. بدأ رب الأسرة في سلسلة غير منتهية من
الطلبات .
" يا أم عبدالله .. نبي اليوم مرقوقة ، و لقيمات ، و شوربة دجاج , .. و .. , .. إلى آخر القائمة الفندقية ."
و تلاه الأبناء ..
كل طلب وجبته المفضلة ، و الأم بين قعقعة القدور و جلبة الأواني ، و مع مدفع الإفطار ، تعبر قدماها عتبة باب المطبخ لتلقي بتأوهات تعبها على سجادة الصلاة ، في أول استراحة لها بعد يوم شاق ، و في المقابل طعام فائض عن الحاجة يلقى في القمامة ، و ربما شكوى من قلة الملح في الحساء .
"صلاة "
أنهت وجبة الفطور ، ارتفعت أصوات المؤذنين لصلاة العشاء و التراويح ، أسرعت إلى غرفتها ، ارتدت عباءتها الضيقة ، و أرخت " الشيلة " على رأسها ، تتطاير من منافذها شعرات ملونة " بأصباغ " " غريبة " ، اغتسلت بزجاجة العطر ، و خرجت تتمايس في مشيتها إلى المسجد ، و عبق عطرها يجذب الأنظار إليها .
حينها .. تساءلت - ببراءة - طفلة صغيرة رأتها : " ماما فيه عرس في المسجد ؟
"مأدبات .."
" ريم .. نورة .. حنان ..
يالله .. السايق برة ينتظر .. تأخرنا على العزيمة .."
أنهت الأم زينتها ، و نادت بناتها اللاتي تأهبن للخروج ، تلبية لدعوة من إحدى القريبات لتناول السحور ، و كانت الرحلة بقيادة ذاك السائق الأجنبي ، ثم انتهت في وقت متأخّر من الليل ، بينها و بين الأذان الأول دقائق معدودات ، عادت الأم و الفتيات لوحدهن برفقة ذاك الأجنبي ، أضعن يومهن في الزينة و الحديث و الطعام ، تناسين أنه شهر العبادة و الصلاة .
" خادمة.."
خادمة مسلمة ابيضت شفتاها من شدة التعب و الإنهاك ، تسعي في تنظيف البيت و إعداد وجبة الإفطار ، أخطأت في أحدى المرات ، سقط طبق الطعام من بين يديها ، و أصابتها الإغماءة ، فتهاوى جسدها الضعيف إلى الأرض ، حاولت الوقوف على قدميها ، تفاجأت بركلة سيدتها تعيدها مسقطة على الأرض تارة أخرى ، و أتبعته بسيل من الشتائم .
ترفع رأسها إلى السماء و تنطق بها " أستغفر الله .. اللهم تقبل مني "
و كثير من نسق تلك المشاهد .
"رمضان متهم .."
في إحدى الوزارات المكتظة بالموظفين و العملاء ، تواترت إلى أسماع الحضور ، كلمات نابية و شتائم مزرية ، تراشق بين أحد العملاء و بين أحد الموظفين بالسّئ من الألفاظ ، تلاها اشتباك بالأيادي ، إلى أن انفض العراك على تمتمة كل منها : " اللهم إني صائم " .
و المتهم الأول في هذه القضية هو الصيام .
" معاكسات.. و مواعيد "
أصرت على والدها أن يذهب بها إلى المسجد لصلاة التراويح ، تجهزت ، و أخذت هاتفها الجوال ، ما إن وصلت و فارقت والدها إلى قسم النساء حتى ضربت بأزرار الهاتف ...
" ألو .. هلا .. أنا جيت مع أبوي .. و بخرج الحين من المصلى أقابلك في سوق "***" الي جنب المسجد..
و عادت بعد انتهاء الصلاة إلى حيث تركها أبوها ، و كأنها لم تضرب موعدا لمقابلة الصديق ، و كأنها ما جنت شيئا .
" قرقيعان "
في الخامس عشر من شهر رمضان الكريم .
وصلت مجموعة من أكياس صنعت من القماش الغالي ، إلى بيت بو خالد ، تضم بين أجنابها المخملية قطعا من الشوكولاتة الملكية الدسمة ، يطل منها مظهر الترف الباذخ ، و عليها بطاقة مذهبة " عساكم من العايدين " .
تساءل رب الأسرة ما مناسبة هذه الحلوى ، ردت عليه أم خالد : " إيييييه .. تذكرت ، اليوم القرقيعان يا بوخالد .. يا حسرة علي و على عيالي ، من وين لنا نسوي زي هذا .. إيييه خلها على الله " و قلبت يديها ، وسط نظرات زوجها المستغربة ، فأشاح عنها بوجهه ، "عادات انقلبت إلى إسراف ".
"العيد .."
اقترب العيد ، و الناس في غمرة مشتغلون ، بين عابد متهجّد في الليالي العشر ، و بين متسوق في أرجاء المدينة , و الأسرة منهمكة في البحث عن أجود الثياب و أرقاها، إلى ساعات الفجر البيضاء ، و تتردد الأصوات المتداخلة في جو مزحم مشحون بالأشواق إلى يوم العيد ..
" يمة .. أبي يكون فستاني أحلى فستان في العيد ،
و ترد الأم .. و الله تعبت معكم لا خليتونا نصلي القيام و لا ريحتوني بعد الفطور "
و هذا حالهن طوال العشر الأواخر إلى أن يأتي العيد و تبدأ الهدنة مع النفس ، و قد رحلت العشر الأواخر ، و لم يشعرن بمرورها .
هذه مشاهد رمضانية ، التقاطات الكاميرا اليومية ، نراها أمامنا ، من أناس نعرفهم ، و قد لا نعرفهم ..
و قد تصدر منا نحن ..
تتكرر في كل عام ، و تنتهي أحيانا بانتهاء هذا الشهر ، ننتقدها في بواطننا ، و نجهر بانتقادها أحيانا ..
و لكننا نتساءل ..
ترى هل تناسب هذه السلوكيات مكانة هذا الشهر ؟
هل هذا ما ينبغي لنا القيام به في هذه المناسبة ؟
ماذا أعددنا لاستقبال شهرنا الفضيل غير الطعام و الشراب ؟
هل خرجنا منه و نحن مغفور لنا ، هل ارتفعت منزلتنا ، هل زادت حسناتنا .؟
كلها أمور ينبغي لنا أن نأخذها بعين الاعتبار و أن تكون تحت المجهر
مواقع النشر