السلام عليكم
يؤلم كل غيور على دينه وأمته ما يجري الآن من أحداث دامية على أرض فلسطين, أشلاء ممزقة, ودماء متناثرة, صواريخ وقاذفات, ورشاشات ومدافع, وطائرات وهجوم عشوائي..
وفوق ذلك كله البرد القارس, وعدم وجود الكهرباء, ونقص المواد الغذائية والعلاجية, وفوق هذا وذاك الخوف والقلق, فالشعب المجاهد هناك ينتظر في أية لحظة صاروخا ساقطا يفجر المكان, صراخ الأطفال مأساة فوق المأساة, فهذا فاقد أمه وآخر من هول صدمته عجز حتى عن البكاء..
أضف إلى ذلك صمت عربي مخزٍ , وجهود لاتزال أقل من مستوى الحدث, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
في ظل هذه الأزمة كلها كان لابد على الأمة الإسلامية أن تقرأ هذا الحدث بعيدا عن كل التحليلات السياسية الهزيلة, بل يجب قراءة الحدث وفق المنهج القرآني وعلى ضوء سنة النبي صلى الله عليه وسلم لتكون القراءة متوافقة مع سنن الله الكونية في الأرض, وليتميز المسلم عن غيره في رؤيته لما يدور حوله فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ( وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .
العقيدة أولا:
إن كل أمة لاتهتم بأمر عقيدتها فهي ولاشك أمة كتبت على نفسها الذل والهوان, إن شأن العقيدة عظيم جدا, ولايمكن أن تقوم قائمة أمة الإسلام مالم تتمسك بهذا الركن الركين والأصل العظيم.
لقد وعد الله تعالى عباده بالنصر, ولكن!! لمن هذا النصر؟
( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ )
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )
لابد من اليقين الجازم والاعتقاد الراسخ بأن ما يجري اليوم من كيد وقتل وهجوم شرس من الكفار على بلدان المسلمين فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته، قال الله عز وجل: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:12].
وقال سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253].
ومشيئته سبحانه ليست مجردة عن حكمته. بل له سبحانه الحكم البالغة في خلقه وأمره والعارفون لربهم عز وجل يعلمون ذلك ولذا فهم يحسنون الظن بربهم ويوقنون أن عاقبة هذه الأحداث التي يقدرها الله عز وجل هي خير ومصلحة ولطف بالموحدين إن شاء الله تعالى. ومع أن المعركة مع الكفار لا زالت في بدايتها. ومع أنها موجعة وكريهة إلا أننا نلمس لطف الله عز وجل وحكمته ورحمته في أعطافها.
إن من حكم الله عز وجل البالغة في هذه الأحداث أن يعرفنا على سننه سبحانه التي لا تتبدل ولا تتحول وبمعرفة هذه السنن الإلهية يتضح الطريق المستقيم ويهتدي المسلم فيه ويوفق إلى الموقف الحق والمنهج الصائب. يقول الله عز وجل آمراً لنا بالنظر في سننه سبحانه المطردة: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137) [آل عمران:137].
وقال سبحانه: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر:43].
لذا وجب على المسلمين بعامة وعلى دعاة الحق والمجاهدين في سبيل الله عز وجل بخاصة أن يقفوا طويلاً مع كتاب الله عز وجل وما تضمن من الهدى والنور؛ ومن ذلك ما تضمنه من السنن الربانية المستوحاة من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ وذلك لأن في معرفتها والسير على هداها أخذًا بأسباب النصر والتمكين والفلاح، ونجاة مما وقع فيه الغير من تخبط وعناء، بخلاف من يجهل مصدر الأحداث؛ فإن الذي يعلم تكون لديه بصيرة وطمأنينة، أما الذي يجهل فليس لديه إلا الحيرة والخوف والقلق.
واعتصموا بحبل الله جميعا
قال تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
إن مشهد أن يقاتل الحمساوي الفتحاوي والعكس, مشهد يصيب بالحسرة, فكيف يتقاتل الأخ مع أخيه بل كيف يرفع الأخ السلاح على أخيه, إن واجب الفلسطينين أن يترفعوا عن أي منازعات اليوم مهما كانت ليكون الهدف الأوحد لهم جميعا القضاء على العدو الظالم اليهودي. فالأرض واحدة والدم الزاكي يفوح في كل الطرقات, فمن العار إغلاق أبواب التآخي لأجل مطامع الدنيا أو زخارفها.
على أنه ينبغي أن لانكون ممن يتأثر بالوسائل الإعلامية بأن أحدا هو المسؤول عما يجري, فهذا ليس وقت الكلام عنه الآن بل حديثنا الآن هو الوقوف بحزم وشجاعة أما عدوان يهود.
كالجسد الواحد
إن هذه الأمة كيان واحد لاينفك بعضه عن بعض قال عليه الصلاة والسلام" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وعلينا أن نشعر بمعاناة إخواننا هناك, وأن نشركهم في دعائنا وتقديم كل مايمكن أن نقدمه نصرة لإخواننا هناك من الدعم المالي أو فائض اللباس والبطانيات وإرسال ذلك للجهات الرسمية التي تتولى مهمة إيصاله إلى من يستحقه.
وهذا من أقل الواجب ولايعذر أحد بتركه.
حتى يغيروا ما بأنفسهم
قال تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
واجبنا اليوم أن نرجع إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة والخضوع, فالأمة تصاب بذنوب أفرادها ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وهذه حقيقة لايجب أن نغفلها أو نتجاهلها.
وقد كتبت هذه الكلمات وأرجو من الله تعالى أن تكون نافعة لصاحبها وقارئها وناقلها, وأن تكون حجابا لنا من عذاب الله , وسببا لنصرة إخواننا, إنه جواد كريم...
مواقع النشر