دويتشه ﭭيله : ماتياس ريشاو الذي يملك شركة للوجبات السريعة العضوية يعمل من أجل عالم أفضل. فشل ماتياس في عالم الأعمال، وذلك ربما لأنه لم يقبل بالحلول الوسط، لكنه يواصل نضاله من أجل صحة المناخ عبر رسم خطوط خضراء على الوجوه.
أمر واحد لا يزال كما كان من قبل: ماتياس ريشاو يقطع ثمار التفاح والكمثرى إلى شرائح، وهو يعدها لاستقبال الزائرين ويضعها في وعاء على طاولة المطبخ. تماما كما كان الحال منذ ست سنوات، عندما افتتح ريشاو، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، أول متجر خاص به للوجبات السريعة المصنوعة من مواد غذائية عضوية، وهو الأول في برلين، وربما في ألمانيا أيضا. وبعد ذلك بفترة قصيرة تم افتتاح خمسة فروع أخرى. وهناك يقدم الطعام النباتي المعد من المنتجات المحلية حصرا. وقد هدف ريشاو من خلال ذلك إلى الحفاظ على صحة المناخ وكذلك استهلاك المواد الغذائية بأسلوب واع. وبعد ثلاث سنوات أعلنت شركته التي أطلق عليها اسم "الغوريلا Gorilla " إفلاسها. وربما كان السبب يعود إلى أن النجاح لم يحالف خطته لترويج الغذاء العضوي النباتي في برلين، وربما تتعلق الأسباب أيضا بموقفه الصلب الذي لا يعرف حلولا وسط حيال البيئة، أو ربما كانت الظروف في السوق لا تزال غير ناضجة لتنفيذ خطته بنجاح.
لا يزال ريشاو يرفض الحلول الوسط عندما يتعلق الأمر بحماية المناخ. وهو يقوم اليوم بالرسم على الوجوه بطريقة فنية كجزء المبادرة التي يقودها من أجل صحة المناخ. يصف ريشاو رسومه بأنها "رسوم حرب"، وكما يقول فإن الحرب التي يخوضها هي حرب من أجل حماية المناخ، وأسلحته هي الخطوط الخضراء التي يرسمها على الوجوه لتحريض الناس على فعل شيء ما من أجل حماية المناخ. وكما يقول، فإن الإنسان يجب أن يتعلم كيف يكون نموذجا يحتذى به، وهو يراهن على إمكانية مواجهة التغير المناخي بتغيير ثقافي.
ومنذ ذلك الحين وهو يقوم بالتعاون مع رفيقة مارتن فليغنتروي بتنظيم الفعاليات في الأماكن العامة، وبمساعدة بعض المتطوعين، يتم العمل على تحقيق هدفين: أولهما هو اقناع كل شخص بالقيام شخصيا بعمل مفيد من أجل صحة المناخ. أما الهدف الثاني فهو أن يقوم نفس الشخص بمحاولة إقناع شخص آخر بالفكرة نفسها، أي العمل كذلك من أجل المناخ ونشر الفكرة. ومؤخرا كان ريشاو ورفاقه يقفون أمام أحد مراكز التسوق في هامبورغ، مع صور مكبرة لكل من شارك سابقا في إطار هذه الفعالية، والتزام بالعمل من أجل صحة المناخ. ويرسم ريشاو خطا أخضرا على خد كل منهم، مقابل قطعهم وعدا مثلا بالتغيير إلى شركة كهرباء تعتمد في إمداداتها على الطاقات المتجددة، أو قطع وعد بأكل كمية أقل من اللحوم، أو كذلك بالتخلي عن استعمال الأكياس البلاستيكية. أما عند الوعد بإقناع صديق أو أحد المعارف أو الزملاء في العمل بالفكرة نفسها، فهناك شريط أخضر على الخد الآخر. وعلى الرغم من أن أي شخص يمكنه رسم هذه الخطوط الخضراء بنفسه، وبالرغم من أن ريشاو لا يستطيع التحقق من الوفاء بالوعود أو عدمه، إلا أنه واثق على كل حال من أن الناس يوفون بوعودهم التي قطعوها، وأنهم يسعون لأن يكونوا نموذجا لغيرهم. وهذا ما يسميه ريشاو بمبدأ "أنا أعمل - أنا أقنع" ، والذي يتبعه في مبادرته التي يطلق عليها "الممر الأخضر".
ويدعو ريشاو المشاركين إلى إرسال صورة كل شخص ينجحون في اقناعه بالفكرة، وتوثيق اللحظة التي يرسم فيها الشريط الأخضر على كل خد، لدى قطع الوعد بالتزام السير على "الطريق الأخضر"، طريق حماية البيئة والمناخ.
الخطوط الخضراء على الخدين، تبدو وكأنها إشارة إلى رسوم الحرب التي يرسمها الهنود الحمر. الكفاح من أجل المناخ، يذكر ريشاو بغزو الغرب لمناطق الهنود الحمر وتدمير الثقافة الهندية. "الهنود الحمر أم رعاة البقر؟" هو يسأل الناس على الطريق، السؤال من زاوية مشابهة: حماية المناخ أم تدمير البيئة؟ ". لا أحد يرسم خطوطا على وجهه بسهولة على العيون كما يقول ريشاو، لكن ولذلك بالتحديد، تمثل الخطوط الخضراء "رمزا قويا" لكسب الناس من أجل الالتزام حيال حماية المناخ.
وردا على التساؤل عما إذا كان التزام الناس بالقيام بأعمال صغيرة من أجل المناخ مجديا، يقول ريشاو "إنه مثل مسرحية تقدم على خشبة المسرح، ويحضرها شخصان فقط، لكنهما يصفقان بحماس." وهو يضيف بأنه يفعل ما يفعله، لأنه مقتنع بأن هناك حاجة الى ثقافة جديدة لحماية المناخ، بالإضافة إلى أن المؤتمرات ليست كافية لتحقق هذا الهدف.
التغيير ضروري لخلق مثل تلك الثقافة الجديدة، ولكن هناك حاجة إلى من يكون قدوة يحتذي بها الآخرون، وأيضا إلى عمل تقارير حول ذلك في وسائل الإعلام، وعلى حد قوله، فإن "التقارير الإيجابية والقدوات الحسنة فيها شفاء للروح".
إن المطالب التي يتبناها ريشاو ليست بالجديدة، وطالما رفعها الناشطون في مجال حماية البيئة، ولكن هذا لا يقلل من أهميتها، ومنها مثلا المطالبة بالاعتماد في الغذاء على الزراعة المحلية، بدلا من الاعتماد على صناعة اللحوم العالمية، وأيضا استهلاك الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة، والاقتصاد في استهلاك الطاقة، استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة كالدراجات والقطارات بشكل أكبر، مقابل التقليل من ركوب السيارات والطائرات. من الصعب في الوقت الحاضر اتباع أسلوب حياة رفيق بصحة البيئة بنسبة 100 بالمائة، فالمشردون الذين لا مأوى لهم في برلين مثلا، يمكنهم استكشاف الغابة القريبة من المدينة، وأيضا اختيار الحياة بدون ممتلكات وبدون استهلاك للكماليات. وحتى علماء المناخ مثلا يقومون برحلات جوية في بعض الأحيان، ولكن المهم هنا هو القيام على الأقل، بتدابير للتعويض عن المساهمة في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، وفعل كل شيء للتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويرى الناشط المناخي ريشاو أن تحويل برلين إلى مدينة رفيقة بصحة المناخ هدف يستحق فعل كل شئ لتحقيقه، وهو سيواصل كفاحه من أجل المناخ بقناعة راسخة عبر رسم الخطوط الخضراء.
مواقع النشر