بيروت - رويترز : يرى الباحث العراقي الدكتور عبد الله ابراهيم انه ان الاوان لتحريك جدل ثقافي يستعيض عن تعبير "كتابة المهجر" بتعبير "كتابة المنفى" لخلو الاول من المعاني التي رأى انها يجب ان ترتبط به. ورأى ان هناك فرقا كبيرا بين ادب المنفى وأدب المهجر. كان عبد الله ابراهيم يتحدث في كتابه الصقيل "السرد والاعتراف والهوية" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 350 صفحة كبيرة القطع.
ميخائيل نعيمه.jpg
ميخائيل نعيمه
وفي مقدمة الكتاب استهل الباحث الكلام فقال "يقترن ادب الاعتراف بالهوية.. سواء اكانت هوية فردية ام جماعية فلا يمكن انتزاع الكاتب من الحاضنة الاجتماعية والثقافية التي يشتبك بها ذلك لان ادبه يقوم بمهمة تمثيلها وبيان موقعه فيها فلا يطرح موضوع الهوية في السرد والاعتراف بها الا على خلفية مركبة من الاسئلة الشخصية والجماعية وتبادل المواقع فيما بينهما فالكاتب منبثق من سياق ثقافي وتجد الاشكاليات المثارة كافة في مجتمعه درجة من الحضور في مدونته السردية.
"لكن ادب الاعتراف محط شبهة وموضوع ارتياب لان الجمهور لم يتمرس في قبول الحقائق السردية والواقعية فيرى في جرأة الكاتب على كشف المستور سلوكا غير مقبول." وفي فصل عنوانه "المنفى والعودة المستحيلة" قال الباحث "تشكل قضية تخيل الاوطان والامكنة الاولى ومنها المدن وما يتصل بذلك من حنين وشقاء البؤرة المركزية لادب المنفى.. فثمة تزاحم بين الاوطان والمنافي في التخيلات السردية التي يكتبها المنفيون. ولكن من هو المنفي الذي ينتدب نفسه لهذه المهمة.."
الدكتور عبد الله إبراهيم.jpg
الدكتور عبد الله ابراهيم
اضاف "يعرف المنفي بأنه الانسان المنشطر بين حالين من الحنين الهوسي الى المكان الاول وعدم القدرة على اتخاذ القرار بالعودة اليه. وينتج هذا الوضع احساسا بالشقاء لا يدركه الا المنفيون الذين فارقوا اوطانهم ومكثوا طويلا مبعدين عنها فاقتلعوا من جذورهم الاصلية وأخفقوا في مد جذورهم في الامكنة البديلة فخيم عليهم وجوم الاغتراب والشعور المريع بالحس التراجيدي لمصائرهم الشخصية اذ عطبت اعماقهم جراء ذلك التمزق والتصدع وقد دفع الحنين الى المكان الاول رغبة عارمة لاستدعاء الذكريات الممزوجة بالتخيلات.
"فالمنفي وقد افتقد بوصلته الموجهة يستعيد مكانا على سبيل الافتراض ليجعل منه مركزا لذاته ومحورا لوجوده فيلوذ بالوهم بحثا عن توازن مفقود."
وتابع القول ان المنفى "يكرس شعورا من عدم الانتماء فالمنفى ليس مكانا غريبا فحسب انما هو مكان يتعذر فيه ممارسة الانتماء لانه طارىء ومخرب ومفتقر الى العمق الحميم بل انه يضمر قوة طاردة في العلاقات القائمة فيه بالنسبة للمنفي ويخيم عليه برود الاسى وضحالة المشاركة."
ورأى انه "من الحق ان توصف حال المنفي بأنها "شقاء اخلاقي" دائم فالمنفي هو من اقتلع من المكان الذي ولد فيه لسبب ما وأخفق في مد جسور الاندماج مع المكان الذي اصبح فيه فحياته متوترة ومصيره ملتبس وهو يتاكل باستمرار ولا يلبث ان ينطفىء بالمعنى المباشر ليتوهج مرة اخرى بالمعنى الرمزي."
وقال ابراهيم "وقد ان الاوان لتنشيط جدل ثقافي ينتهي باحلال عبارة "كتابة المنفى" محل "كتابة المهجر" لان الثانية تخلو من المحمول الذي جرى وصفه من قبل فيما الاولى مشبعة به فهو يترشح منها حيثما درست محتوياته الدلالية ووقع تأويله.. وعليه "فأدب المنفى" يختلف عن ادب المهجر اختلافا واضحا كون الاخير حبس نفسه في الدلالة الجغرافية فيما انفتح الاول على سائر القضايا المتصلة بموقع المنفي في العالم الذي اصبح فيه دون ان تغيب عنه قضايا العالم الذي غادره."
وقال ان فكرة المنفى تشدد دوما على "غياب الوطن وعلى النسيج الثقافي الذي شكل الذات الفردية ومن ثم فانها تتضمن تمزقا لا اراديا او مفروضا للعلاقة بين الذات الجمعية للثقافة الاصلية والذات الفردية. ان النوستالجيا الخاصة بالمنفى تدفع الفرد في العادة لكي يكون غير مبال بالقيم والخصائص المتعلقة بالثقافة المضيفة. ان المنفي يختار اذا كان بمقدوره ان يختار ان يعيش في سياق غير مرحب.. سياق يشبه الوطن."
وزاد على ذلك ان مفهوم ادب المنفى خضع "خلال الربع الاخير من القرن العشرين لتحولات وتعديلات عديدة حيث غادر معناه اللغوي الذي جعل منه دالا على ادب الغربة والهجرة والاقتلاع والتشرد فأصبح تجربة مجازية تدل على النظر بعيون جديدة الى العالم وتجارب البشر وتفاعل الثقافات ومفهوم الحرية والرؤية غير المتحيزة والابتعاد عن مفهوم الهوية المغلقة وطرح مفاهيم مثل الاصل والقومية والاداب الوطنية على بساط البحث مجددا."
مواقع النشر