بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
شاهدت في طريقي بين الريض والطائف موقع سوق عكاظ الحالي وهو تحديدا جهة العرفا التي تبعد عن الطائف مسافة غير قليله
ولكن موقع سوق عكاظ التاريخي ليس في العرفا بل في سهل منبسط بين مكة المكرمة والطائف حسب المراجع والروايات التاريخيه
فما كان أسهل الأمر وأيسره على الناس وخاصة الذين يجهلون ماهية سوق عكاظ فلو أعيد إحيائه في مكانه التاريخي لكان ذلك أيسر لفهم العامة الذين يمرون عليه في طريقهم بين مكة المكرمة والطائف فيدفعهم فضولهم لدخوله الذي سيزيد من زخمه الجماهيري بين متسوق ومسوق وبالتالي رفع مستوى الوعي التاريخي لدى الناس
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ييسر وصول المثقفين إليه ويرفع من أعداد الزوار والمهتمين بدلا من العرفا التي لاتتصل بسوق عكاظ من قريب أو بعيد وليس بينها وبينه صلة رحم أو نسب من قريب أو بعيد أدبيا أو تاريخيا بل إن أهالي الطائف سيحجمون عن زيارته لبعده عن الطائف نسبيا وربما أحجم بعض المثقفين عن ذلك للأسباب نفسها وعدم قناعتهم بموقعه في غير مكانه التاريخي
ومن المعروف أن سوق عكاظ التاريخي هو سوق جامع لكل القيم والآداب فكل مايصدر منه يعتبر وثيقة تاريخية ففيه ومنه تصدر وتعطى الإستحقاقات في الألقاب والصفات الشرفية العليا في كل المجالات ولا لقب ولاصفة لأي كان مالم تكن وشاحا موثقا من سوق عكاظ
سوق عكاظ الذي يجتمع فيه الأعيان والشعراء والحكماء وعامة القوم على مختلف مستوياتهم حيث يعرض كل بضاعته الأدبية أو العينية وكماهو سوق للأدب والشعر فهو أيضا سوق للسلع ومتجات الحرف إنه سوق العام لكل عام
وقد سمي عكاظ لأن الناس كانت تجتمع فيه فيعكض بعضهم بعضا بالمفاخرة أي يقهره ويغلبه، ويُقال: فلان يعكظ خصمه بالخصومة: يمعكه معكا
فقد اشتق اسمها من المعاكظة وهي المحاجة في المفاخرة التي كانت إحدى نشاطات ذلك السوق، ولقد تحدث عن ذلك اللغويون الخليل بن أحمد مثلاً يقول: (وسُمّي به لأن العرب كانت تجتمع فيه كل سنة فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة والتناشد : أي يُدعك ويُعرك، وفلان يعكظ خصمه بالخصومة : يمعكه).
ويقول ابن دريد: (عكظت الرجل أعكظه عكظًا إذا رددت عليه وقهرته بحجتك، وعكاظ بهذا سُمّي، وهو مواضع لمواسم العرب كانوا يتعاكظون فيه بالفخر). ويقول ابن سيدة: (عكظ دابته يعكظها: حبسها، وعكظ الشيء يعكظه: عركه، وعكظ خصمه يعكظه عكظًا: عركه وقهره، وتعاكظ القوم: تعاركوا وتفاخروا). ويقول الليث: (سُمّيت عكاظ لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة أي يدعك، وعكظ فلان خصمه باللدد والحجج عكظًا). وينقل ياقوت عن السهيلي قوله: (كانوا يتفاخرون في سوق عكاظ إذا اجتمعوا، ويُقال: عكظ الرجل صاحبه إذا فاخره وغلبه بالمفاخرة، فسُمّيت عكاظ بذلك)
تلتقي القبائل والعشائر في سوق عكاظ، فيدير شؤون كل قبيلة شيوخُها ورؤساؤها. ويقضي بين الناس إذا تنازعوا قضاة معترف بهم، من أشهرهم أكثم حكيم العرب من تميم، وكان يُضرب فيه المثل في النزاهة وحب الخير والحكمة، و عامر بين الظَّرِب من بني عَدْوان من قيس عيلان، و حاجب بن زرارة ، و عبد المطلب ، و أبو طالب ، والعاص بن وائل، و العلاء بن حارثة من بني قريش ، و ربيعة حُذار من بني أسد.
وقد ساهم سوق عكاظ كونه ملتقى للشعراء وحاضناً لهم ومنبعاً لقرائحهم- ساهم في إخراج عدد من الأسماء والقصائد الشعرية الكبيرة في تاريخ الأدب العربي، وهناك كانوا يتبايعون ويتعاكظون، ويتفاخرون، ويتحاججون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم، كقول حسان:
سأنشرُ إن حييتُ لهم كلاماً يُنشرُ في المجامع من عكاظ
وممن برز فيه وعلا فيه شأنه النابغة الذبياني ، الذي ترأس سوق عكاظ، وفي ذلك يقول الأصمعي : كان النابغة يُضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها.
وفيها كان يخطب كل خطيب مصقع، ومنهم قس بن ساعدة الأيادي؛ إذ خطب خطبته الشهيرة هناك، وهو على جمله الأورق؛ والتي جاء فيها: "أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليلٌ داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تُركوا فناموا، يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه، إن لله ديناً هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً".
وفيه عُلّقت القصائد السبع الشهيرة افتخاراً بفصاحتها على من يحضر الموسم من شعراء القبائل إلى غير ذلك، وكان كل شريف إنما يحضر سوق بلده إلاّ سوق عكاظ، فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل جهة، فكان يأتيها قريش، وهوازن، وسليم، والأحاشيش، وعقيل، والمصطلق، وطوائف من العرب.
ومن كان له أسير سعى في فدائه، ومن كانت له حكومة ارتفع إلى الذي يقوم بأمر الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة في هذه السوق أناس من بني تميم، وكان أحدهم الأقرع بن حابس، ولما كانت هذه السوق مجمع القبائل، قال طريف بن تميم العنبري:
أوَ كلما وردتْ عكاظَ قبيلةٌ بعثوا إليّ عريفَهم يتوسمُ
وكانت بعكاظ وقائع مرة بعد مرة، ولذلك يقول دريد بن الصمة:
تغيّبتُ عن يومي عكاظ كليهما وإنْ يكُ يـومٌ ثالثٌ أتغيبُ وإنْ يكُ يـومٌ رابعٌ لا أكن به وإنْ يكُ يومٌ خامسٌ أتجنبُ
استمرت سوق عكاظ أكثر من قرنين، والمرجح أنها بدأت قبل الهجرة بسبعين سنة، واستمرت في الإسلام حتى سنة 149هـ حين نهبها الخوارج.
وسكان سوق عكاظ الأوائل هم قبيلة هوازن وعدوان التي قيل عنها ذو الاصبع العدواني أحد المعنيين بالسوق و هوازن وهم قبيلة دريد من الصحة وتسكن قرب السوق قبيلة من قريش وجماعة من الأشراف ذوي جود الله. >
وفي زمننا هذا وفي ظل تعالم ديننا الإسلامي الحنيف لامكان ولاوجود للتفاخر بالأنساب
والمكانة الإجتماعية فقد ولا عهد الظلام والعصبية القبلية المقيتة إلى غير رجعة وبقي التفاخر بالدين والإنتساب إليه
لقوله تعالى
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}الحجرات10
وما التعصب القبلي والتفاخر بالأنساب والألقاب إلا نوع من السخرية بالآخرين فجاء القرآن الكريم نابذا لذلك في قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11
فنسأل الله تعالى أن يبصرنا ويفقهنا في أمور ديننا ودنيانا
مواقع النشر