الأحساء (واس) احتضنت واحة الأحساء أسماء شعراء بارزين، منذ العصر الجاهلي إلى الوقت الحاضر، حتى وصفت بـ"ولَّادة الشعراء"، و"أن شعراءها بعدد نخيلها"، ومن أبرزهم الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد.
22 شوال 1446هـ 20 أبريل 2025م
ولمع اسم الشاعر "طرفة" من خلال قصيدته لـ"خولة أطلال ببرقة ثهمد"، وهي إحدى المعلقات المشهورة، وتتميز بتعدد الأغراض والأفكار، إذ يبتدئ الشاعر بها كغيره من شعراء عصره بالأطلال، فيقف واصفًا أطلال محبوبته خولة، فتظهر عليه علامات الحزن، حتى يكاد يهلك من الأسى.
وبحسب رئيس لجنة التراث ورئيس منتدى الأدب الشعبي بـ "جمعية الثقافة والفنون" بالأحساء راشد بن عبدالرحمن القناص السبيعي، فإن ولادة "طرفة" كانت في صحراء الأحساء، وكانت حياته قصيرة لم تتجاوز عشرين عامًا، لكنها مليئة بالأحداث، أبرزها خصومته مع ابن عمه "عبد عمرو بن مرثد" زوج أخته، وصداقته مع ملك الحيرة: "عمرو بن هند"، ويروى أن عمره حين موته كان 20 سنة، ويقال 26 سنة.
وتحوط شاعرية طرفة مجموعة من الشُّعراء الذين كان لهم الأثر عليه، منها: أسرته، وعمه: المرقّش الأصغر، وعم أبيه: المرقّش الأكبر، وأخته من أمه الشاعرة: الخرنق بنت بدر، وخاله: المتلمّس، حيث يتميز شعره بوصف دقيق للناقة، والحكم النافعة، والمعاني الكثيرة التي تصف طبيعة وصور الحياة في ذلك الزمن.
وتشهد هذه الأبيات على حكمته رغم صغر سنه:
فَكَيفَ يُرَجّي المَرءُ دَهرًا مُخَلَّدًا وَأَعمالُهُ عَمّا قَليلٍ تُحاسِبُه
أَلَم تَرَ لُقمانَ بنَ عادٍ تَتابَعَت عَلَيهِ النُسورُ ثُمَّ غابَت كَواكِبُه
وَلِلصَعبِ أَسبابٌ تَجُلُّ خُطوبُها أَقامَ زَمانًا ثُمَّ بانَت مَطالِبُه
إِذا الصَعبُ ذو القَرنَينِ أَرخى لِواءَهُ إِلى مالِكٍ ساماهُ قامَت نَوادِبُه
يَسيرُ بِوَجهِ الحَتفِ وَالعَيشُ جَمعُهُ وَتَمضي عَلى وَجهِ البِلادِ كَتائِبُه
ويقف الأدباء إكبارًا وتقديرًا لذلك الشاعر العشريني الذي يقدم الوصف التصويري لتلك الناقة فيقول في معلقته:
وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِه بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي
ففي هذا البيت الشعريّ يصف طرفة الناقة التي يركبها، حيث تمتاز بالسرعة في سيرها، وأنها تصل الليل بالنهار لشدة نشاطها.
أمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نصاتها عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ
أما هذا البيت يقدم لنا صورة الناقة التي يأمنها من أن تتعثر به في سيرها، كما أنه شبّه عرض عظامها بألواح التابوت العظيم.
جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ
ويستعرض الشاعر هنا جمال الناقة فيقول إنها مكتنزة اللحم تشبه الجمل في وثاقة الخلق، وشبّهها بالنعّامة.
وقال عنه ابن قتيبة "أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276هـ)" في كتابه الشعر والشعراء: "هو أجود الشعراء قصيدة وله بعد المعلقة شعر حسن"، ويكفي طرفة بن العبد من الفضل ما ذكره أئمة المؤرخين والعلماء بحقه، وهو الفتى اليافع الذي أتحف خزانة الأدب بهذا التراث العظيم .

مواقع النشر