الزلفي، نورة عبد العزيز (درة) الضحِك انواع حسب الصوت، ومنها الضحكة الطويلة أو القهقهة، صوت الطف من صوت الكحة، قُصِد منها استدراج الآخر في المبالغة لكشف ما وراء حديثه، وفي التاريخ العربي صنعت رسوم (كليلة ودمنة) بداية النقد بالرسم على مستوى الملوك والسلاطين والحكام، ولكن بلسان حيوانات مثل محاورات الثعلب بمكرة، والأسد بقوته.



القهقهة في الضحك يعلوها صوت (الكركرة) التي ضُربت على اصحابها الأمثال بعد اعادة نسخ (كليلة ودمنة) وتوزيعه في الأمصار، وما لبثت ان تكررت محاولات من آخرين معتمدين برسوم توضيحية ضمن قصصهم كان معظمها ساخراً، وصلت هذه النسخ إلى ملوك الفرنجة (فرنسا)، اغضبت القليل من فرح الكثير، لتتحول إلى استنساخ مطبوعات مذهب النقد الهادف، تبعه المؤدلج فالسياسي بإسم نابع من (كركرة) الصوت بجميع اللهجات بإسم (كاريكاتير Caricatura)‏ مثل موسيني وجيان لورينزو برنيني 1665 في فرنسا.


رسم عربي لكتاب «كليلة ودمنة» سنة 1220م،
يصوّر كلاً من «كَلِيلَة» و«دِمْنَة»
اسمان أطلقا على اثنين من بنات آوى
قد ظهرا في عدد من قصص الكتاب

اما في السعودية، فلقد توشحت الصفحة الأخيرة من كل منها برسمات فنانها، واللاتي كن ينلن اولى المطالعات عند شرائها، اترككم مع ما قيل:



قصة انتقال رسام الكاريكاتير الأشهر من صحيفة الرياض إلى صحيفة «الجزيرة»
الرياض، خالد بن حمد المالك (الجزيرة) ذات يوم، من خريف عام 1385هـ أو صيفه -لا أتذكر- أطل رائد الرسومات الكاريكاتيرية في بلادنا الفنان الكبير، الأستاذ علي الخرجي على قرائه، وقد تزامنت تلك الإطلالة اليومية من خلال جريدة الرياض، مع صدورها جريدة يومية، ومع بدء تطبيق نظام المؤسسات الصحفية بعد صدوره.



كان هذا النوع من الخدمة الصحفية جديداً على القراء، ولابد من الاعتراف بريادة الفنان الخرجي وجريدة الرياض في اقتحام هذا المجال، وتوظيفه التوظيف الحسن الذي ما زال الناس يتحدثون عنه إلى اليوم.

أجل، أكثر من ثلاثين عاماً مضت وانقضت على بداية العلاقة الحميمة بين قراء الصحف السعودية ورسومات الكاريكاتير فيها، وما زالت الذاكرة تحتفظ بأجمل الصور والتعليقات والمعالجات الرائعة لمشكلات المجتمع وهموم العرب، بريشة فنان رائع، اسمه علي الخرجي، فقد كان وحيداً في الساحة لا ينافسه أحد، وما كان ينشر لغيره على استحياء إنما يصنف نتائجهم في قائمة المحاولات التي لم يكتب النجاح إلا للقليل منها، بعد أن كان هذا الفنان الموهوب قد تألق لسنوات طويلة سابقة لذلك.



كان علي الخرجي ينافس نفسه بنفسه، لخلو الساحة من منافسين حقيقيين، فما يبدعه اليوم إنما ينافس به ما كان قد تألق به أمس، وينافسهما بما سينشر له غداً، وهكذا كان، إنه -باختصار- صحيفة لوحده، أسر عقول القراء فأحبوه، ودخل إلى قلوبهم بتأشيرة رسوماته التي كانت تعبر عن وجدان أمته وهمومها، فإذا به -برسوماته- في كثير من الأحيان صوت هذه الأمة ولسان حالها والناطق باسمها.



لقد تميّز الخرجي ببساطة رسوماته وانسجام ملامح شخصياتها مع تعليقاته التي عادة ما تتسم بالسخرية، فضلاً عن انتقائه لكلماته من أفواه الناس انتقاء جيداً للتعبير عن فكرة، أو عند الحديث عن موقف أو في حالة إبداء وجهة نظر، وذلك في عبارات قليلة ومختصرة وساخرة، يخاطب بها عقول الناس فتفهمها كل شرائح المجتمع إلى الحد الذي كانت فيه جريدة الرياض تقرأ -أول ما تقرأ- بدءًا من رسومات علي الخرجي، وينتهي القارئ من قراءتها انتهاء بهذه الرسومات، إنه فنان لا يكرر نفسه، ومن الخطأ أن يتوقع المرء ما سيقدمه لقرائه في عدد الغد أو الذي يليه من جريدة الرياض لأن الجديد عنده مستمر ومتواصل، فقد كان في حالة تنافس جد شديد مع نفسه وبين رسوماته، وكان همه الكبير أن تستمر علاقته مع قرائه كما هي -وأقوى- وهذا يتحقق



-فقط- باحترام هذه المهنة والإخلاص لها، وهو ما سعى إليه هذا الفنان ونجح فيه لسنوات طويلة مع جريدة الرياض، ثم مع شقيقتها جريدة الجزيرة.

أكتب ما كتبت مقدمة من القلب لما سيأتي من كلام عن الفنان علي الخرجي استجابة لطلب مؤسسة الجزيرة بمناسبة تكريمه والاحتفاء به، مشاركة بين هذه المؤسسة وجمعية الثقافة والفنون، نظير ما قدمه للصحافة السعودية من جهد خلاق وإبداع لا يجارى فيه، فقد كان رائداً في الرسومات الكاريكاتيرية، ومدرسة مميزة في هذا المجال، ولابد لمن زامله -مثلي- أن يكون عنده ما يقوله عن هذا الفنان المبدع، ولن يكون ممكناً الحديث عن كل ما عندي، إذ إن هذا قد يأخذ من صفحات هذا الكتاب حيزاً يزيد عما هو محدد لي، ولهذا فسأقصر حديثي على جانب صغير من قصة الانتقال المثير لعلي الخرجي من جريدة الرياض إلى جريد الجزيرة في تسجيل أمين وصادق.



كان علي الخرجي ظاهرة في فن الكاريكاتير على مستوى صحافة المملكة، وكانت المنافسة على أشدها بين الجزيرة والرياض، وكان التميز للرياض على الجزيرة بالأقدمية في الصدور يومياً ثم بوجود زينتها ومبدعها علي الخرجي، ولم يثننا هذا عن بلوغ ما نسعى إليه، إذ ما كادت تمر فترة غير طويلة على صدور الجزيرة جريدة يومية، حتى أطل على قراء الجزيرة فنان موهوب ومجدد ومنافس كبير في فن الكاريكاتير هو الأستاذ محمد الخنيفر الذي استخدم ببراعة فائقة شخصية «سلطانة» في تقديم أروع الرسومات وأكثرها إثارة، وقام بدور مكمل ومنافس لأستاذه علي الخرجي، غير أن النجاحات الكبيرة والمميزة للفنان الثاني على مستوى المملكة في هذا النوع من الرسومات حال -مع الأسف الشديد- بينها وبين استمرارها كثرة أسفار صاحبها ثم إقامته الدائمة خارج المملكة، وهو ما أبقى الرياض، في غياب الخنيفر، وتوقف نشاطه، وحيدة بين الصحف السعودية في معالجة مشكلات المجتمع بريشة فنانها المبدع علي الخرجي.



من هنا، ولهذه الأسباب، بدأنا في الجزيرة ننسج خيوط قصة الانتقال المثير لعلي الخرجي من جريدة الرياض إلى جريدة الجزيرة، بعد أن تأكد لنا أن علي الخرجي بوعيه وسموه وحسه الوطني، ينظر إلى الصحيفتين على أنهما عيناه في رأسه، فالجزيرة والرياض صحافة وطنه، والوطن للخرجي كما هو لنا جميعاً، هو الحبيب الأول.



بدأت الاتصالات بيني وبينه مباشرة، ثم أشركت فيما بعد من أثق فيه للمشاركة معي في إقناعه وإنهاء المفاوضات معه، تدخل الشيخ عبد الله السديري رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة السابق في مرحلة من مراحل المفاوضات لإنهاء الموضوع على النحو الذي نريد، ثم شارك في وقت لاحق مدير عام المؤسسة الأسبق الأستاذ صالح العجروش فآخرون وآخرون، وأفضى بنا الحوار إلى قناعة تامة منه وترحيب كبير منا بانتقاله إلى الجزيرة، ثم أعلنا عن هذا الحديث -عن هذه المفاجأة- إلى قرائنا، واعتقدنا أن كل شيء قد انتهى وفقاً لما نريد وعلى ما نحب، ولكن كان للزملاء في جريدة الرياض كلام آخر، كما سأوضحه لكم فيما بعد، وللتاريخ فقد كان الخرجي إنساناً ضعيفاً في موقف كهذا كغيره من الناس، فكيف به وهو الفنان ذو الحس المرهف والمشاعر الرقيقة، إذ ما كاد يعطي موافقته على أن يحط رحاله وريشته وعقله وقلبه في جريدة الجزيرة، حتى رأيناه على غير ما عهدناه بعيون باكية تدمع أسى لفراق عشقه الأول وحبه الكبير، جريدة الرياض.



سافرت إلى خارج المملكة، بعد اطمئناني على أن إنجازاً كبيراً قد حققناه للجزيرة، وأن الكلمة الأخيرة والنهائية في الموضوع قد حسمت انتقاله إلى الجزيرة، وأنه ليس أمام الزملاء في الشقيقة الرياض سوى التسليم والقبول بالأمر الواقع، غير أن ما حدث لاحقاً كان شيئاً آخر، فقد رمت مؤسسة اليمامة الصحفية التي تصدر عنها جريدة الرياض بثقلها للحيلولة دون انتقاله إلى الجزيرة، واستغلت الإنسان في شخصية علي الخرجي للتأثير على قراره وإقناعه بالعدول عنه، وهو ما نجحت فيه، ومثلما دمعت عيناه وهو يعطي قرار موافقته للعمل بالجزيرة، فقد بلغ تأثره مرحلة أشد وهو يبلغني بتراجعه عن كلمة شرف أعطاها للرجال الذين أحبهم وأحبوه، معتذراً وآسفاً ومؤكداً أنه الآن في موقف من لا يستطيع أن يتخذ قراراً يخصه، وأن الجزيرة كما الرياض هي حبه وعشقه ولكن (ما كل ما يتمنى المرء يدركه) قال ذلك أو ما في معناه..!



ومضت مدة فأخرى، شهور وشهور، ثم أيام معدودات وعيناي على رسوماتي علي الخرجي ومحاولاتي لم تتوقف لضمه إلى جريدة الجزيرة، كنت أدرك أن علي الخرجي يحتاج إلى من يساعده في اتخاذ القرار الصعب، فقد ارتبط وجدانياً مع جريدة الرياض، مع قرائها والمسؤولين فيها لسنوات طويلة، وإن تغيير الموقع وتغيير الرجال وتغيير القراء أمر لا يقدم عليه إلا الرجال الأشداء، وعلي الخرجي ليس من هؤلاء، فهو فنان مرهف الحس مثله مثل أي فنان في العالم، إذا ما ارتبط عاطفياً بأي شيء فلا المال ولا الصداقات ولا محاولات الإقناع المستمرة قادرة على تغيير مساره.



ومع هذا.. نجحنا أخيراً، نقلناه من الرياض إلى الجزيرة، ليبدأ الخرجي مع الجزيرة مرحلة أخرى وجديدة من حياته الصحفية التي امتدت لسنوات طويلة، ثم وحين تركت الجزيرة اقتفى هذا الفنان الكبير أثري وودعها وداع العاشق لمحبوبته وهو يردد كما جاء في تصريح نشر له في صحيفة المسائية: الله.. الله.. يا «أبو بشار» لم تدم عشرتنا ويا ليتها دامت قليلاً لأن تلك اللحظات التي بدأت العمل فيها معك في جريدة الجزيرة كانت كالفرحة المبتورة!!

هناك تفاصيل صغيرة في موضوع انتقال علي الخرجي، قد لا تهم القراء، ولكن من المهم أن أؤكد أن موضوع الماديات لم يكن أساسياً في مفاوضاتنا معه، غير أن «الجزيرة» تعودت أن تكافئ المميزين في أسرتها الصحفية، ولهذا فقد بدأ «الخرجي» العمل معنا بمرتب يزيد عما كان يتقاضاه رئيس التحرير -آنذاك- بأكثر من الضعف، وبمثل هذه المبادرات -وهي كثيرة- كانت الجزيرة وما زالت هي الحدث والحديث.


خالد بن حمد المالك

(*) هذا المقال نشر في كتاب صدر عن مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر بعنوان: (الخرجي 35 عاماً من العطاء) في يوم تكريم الفنان علي الخرجي الذي توفي في 1-5-1432هـ الموافق 16-11-2011م..