فيصل المالكي مصور سعودي عالمي. شاب نشيط ومبدع شارك في معارض في مختلف البلدان وفاز بجوائز عالمية. يكتب الآن أول مقال له عن مشكلة التصوير في المملكة بالرغم من السماح الرسمي به منذ عام عام 1427هـ من الهيئة العليا للسياحة والآثار. فيتحدث عن تجاربه في التصوير خارج وداخل البلاد.
فيبدأ المقال بتصور:
تصور معي…
تقود سيارتك بكل نظام، ويتم فجأة ايقافك عن القيادة. رجل الأمن يعترف بأن قيادتك نظامية، وأوراقك سليمة، ولكنه ليس متأكداً بأن قيادة السيارات مسموحة في السعودية، ولعدم المخاطرة، سيتم احتياطاً ارسالك لقسم الشرطة للتحقيق معك لأنك ضبطت متلبساً بقيادة السيارة في وضح النهار وأمام مرئى الناس. وسيتم حجر سيارتك وتفتيشها لنفس الأسباب.
هذا هو احساسي بالضبط، التعجب، عند سماع الكثير من الحكايات عن ايقاف مصورين، هواة أو محترفين، في أماكن عامة ومفتوحة في السعودية – من سواحل وحدائق الى أبراج وأسواق، بـ “تهمة” التصوير. وتبدأ الأسئلة: “ليش معاك كاميرا؟ وليش تصور؟ وايش تصور؟”. في كثير من الحالات يتم أيضاً تفتيش الكاميرا – وأحياناً حذف الصور منها، وأخذ المصور الى قسم الشرطة للتحقيق – وفي حالات حجزه.
سبب مقارنتي للتصوير بشي بسيط ونظامي ومعروف كقيادة السيارة – للرجل – هو استمرار وتكاثر حالات “منع التصوير” رغم صدور قرار “تنظيم” التصوير قبل 6 سنوات في العام هـ1427. صدر “تنظيم التصوير في الأماكن العامة” بمجهود رائع من الهيئة العليا للسياحة و وزارة الثقافة والإعلام، وقرار سامي من مجلس الوزراء السعودي ومن لجنة مؤلفة من وزارة الداخلية، رئاسة الحرس الوطني، وزارة الدفاع والطيران، رئاسة الاستخبارات العامة، بالاضافة إلى وزارة الثقافة والإعلام والهيئة العليا للسياحة.
(رابط لنسخة من القرار)
مجهود رائع وتوقيت ممتاز لهذا التنظيم، خصوصاً مع تنامي أدوات الاتصال والتوثيق وقنواتهم، في نفس الوقت الذي أصبح فيه التصوير الفوتوغرافي أكثر شهرة وسهولة (بتوفر امكانيات أكبر وأسعار أقل مع ثورة التصوير الرقمي) انشترت الصورة أكثر في العالم وعبر الانترنت لتصبح هي الموثق والمعرف بأي شخص أو مكان في العالم.
كل منا الآن، وخلال دقائق بسيطة – يستطيع التعرف على أي مكان في العالم – بعاداته وجمالياته وحكاياته بدون أي مجهود. بعد أن كان المرجع هو كتب من صفحات كثيرة لوصف مكان أو زمان، أصبحنا الآن نعيش المكان بصوره. وأنت في بيتك ، وعن طريق الصور فقط، تستطيع التعرف على أحياء ايطاليا القديمة، احساس الفرح وألوانه في كرنفالات ديزني لاند، كل تفاصيل ومحتويات قصور بريطانيا القديمة، منتجات وحرف سوريا، طبيعة سويسرا، ثلوج كندا، زحمة نيويورك، وحتى تجاعيد وجه بائع العصير المسن في شوارع اسطنبول القديمة.
ولكن، يظل توثيق جمال وعادات بلادنا طريق صعب، لأنه وبرغم كل هذه المجهودات لدعم هذا الفن وما يمكن أن يساهم به في توثيق وتصوير البلد، اللا أن القرار لا يزال في مرحلة التفعيل – لسبب أو آخر رغم مرور السنين ومحاولات من نوادي أو جمعيات تصوير رسمية أو غير رسمية. و رغم اعتماد القرار من كل الجهات الرسمية اللا أن كل حالات التوقيف والتحقيق والاعتراض هي لأفراد من رجال الأمن أو موظفي الأمن في بعض المباني والأماكن والذين لم يسمعوا بهذا القرار، ولعدم تأكدهم من نظامية التصوير، يصبح المنع هو الحل الأسلم، رغم انتشار الكاميرات في الكثير من الهواتف والأجهزة على أية حال.
المشكلة الأخرى هي وأنه مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعية والإعلامية، انتشرت معهم صور عديدة من السعودية – في الغالب أخذت بأجهزة تليفون – لتوثيق الشكاوي والمشاكل والأحداث، في حين غيّب منع التصوير الفني ظهور الكفة الأخرى للسعودية في صور تظهر جماليات وعادات وثقافة وعمران وتطور وحكايات هذا البلد وأهله.
كنت في زيارة لبريطانيا مؤخراً والتي يزدهر فيها التصوير كفن وهواية وحرفة – خصوصاً لو عرفنا مثلاً بأن جمعية التصوير البريطانية هي معتمدة ملكياً والتي انشئت من أكثر من مائة وخمسون عاماً! في السنوات الأخيرة ومع تزاي القلق الأمني في العالم وصدور قرارات حماية الدولة من الارهاب، أصبح لرجال الأمن الحق في ايقاف المصورين ولكن فقط اذا كان موقع التصوير مشبوه أو حيوي، وحتى عند الايقاف يكون السؤال فقط عن الهوية وسبب التصوير بدون الحق للقبض أو حتى مسح أي صورة من الكاميرا. ورغم هذا القرار العادل، اللا أن مصوري بريطانيا اعترضوا على بعض حوادث الايقاف والاستجواب. أثناء زيارتي الأخيرة، تصدر غلاف جريدة “الاندبندنت” البريطانية موضوع رئيس عن غضب المصورين من هذه “الانتهاكات” والتي كانت في حالات معدودة مزعجة للبعض. ما فاجئني أكثر من أن يتصدر موضوع كهذا غلاف الجريدة، هو سرعة التصرف من جهاز الأمن. في نفس اليوم، وفي أخبار المساء، ظهر رئيس شرطة بريطانيا ليعتذر عن بعض الحوادث أو المبالغة في تطبيق القرار، ووعد المصورين براحة أكثر وأكد بأنه تم نشر تعميم على كل أقسام الشرطة للتخفيف عن المصورين – رغم اسمترار المخاوف الأمنية.
كان لي، مثل غيري من مصورين السعودية، شرف الحضور بأعمالي في بعض أكبر مجلات ومعارض التصوير في العالم. في مجلة جي بي جي الأميركية (بصورة من اسطنبول وأخرى من باريس) ومجلة بي دي ان الأميركية (بصورة من بيروت وأخرى من ايطاليا) وفي مجلة بوبيولار فوتوغرافي (بصورة من باريس وأخرى من اسطنبول والقاهرة) وفي مجلة ديجيتال كاميرا البريطانية (بصور من بريطانيا وايطاليا). في معرض نيويورك عرضت لي صورة من الكويت، وفي معرض اسطنبول عرضت لي صورة من لندن. وفي معرضي الشخصي الأخير في مدينة بادوفا الايطالية عرضت مجموعة صور من مختلف دول العالم – لتوثيق مواقف وحياة الشارع فيهم، كان نصيب السعودية منهم صورتين فقط.
ورغم محاولاتي ومحاولات غيري من المصورين لتصوير كل ما نستطيع تصويره هنا بدون حرج أو تعرض لمشاكل (في الغالب خارج المدن أو مناسبات وأماكن معدودة تشجع التصوير)، كلي أمل في ان أمشي وغيري من المصورين قريباً في شوارع وأحياء مدن السعودية بكاميراتنا لايصال صور جمالية وحقيقية لمشاهد وحكايات لا يعرفها العالم، عن نهضة العمران، ثراء الثقافة والعادات، جمال الطبيعة وغيرهم الكثير من جماليات هذا البلد – دون التخفي أو الخوف من الايقاف والاستجواب لفعل يوازي في قانونيته وشريعته الآن قيادة السيارة.
المصدر - الهتلان بوست