كان فوز برشلونة مساء أمس على اثلتيك بلباو 3/ صفر وإحرازه كأس ملك اسبانيا ، خير وداع لمسيرة بيبي جوارديولا المدرب العملاق والتاريخي للبارسا الذي أحرز معهم 14 لقبا في أربعة مواسم عبر 19 بطولة خاضها مع الفريق وبنسبة توازي 75 % من البطولات التي شارك فيها بمعدل 3 بطولات كل موسم .. وآخرها أربعة بطولات في موسم الوداع، وهي بطولة السوبر الاوروبي والسوبر الاسباني وكأس العالم للاندية وأخيرا كأس الملك .
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت خسارته المزدوجة قبل ختام الموسم للقب الدوري الاسباني مصحوبا بهزيمة غير معتادة في الكلاسيكو امام الريال ، ثم تلاها مباشرة خروجه من الدور قبل النهائي في دوري ابطال اوروبا امام تشيلسي الانجليزي ، لتضيع البطولتين الأهم ، وتضيع معهما ثلاث القاب أخرى محتملة ومترتبة عليهما وهي لقب السوبر الاوروبي وكأس العالم للاندية والسوبر المحلي .
** أختلف مع يوهان كرويف أسطورة كرة القدم الهولندية، عندما اعتبر أن قرار جوارديولا بالرحيل كان صائبا، وقد أوافقه الرأي ان العمل الذي قام به كان منهكا للغاية وأنه أدى ما عليه بشكل استثنائي"، ولكن الواقع ورغم ان بيب كرر ذلك في مؤتمره الصحفي الاخير أمس عقب مباراة الكأس ، متعللاً بالإرهاق وحاجته للراحة ، فإنني أؤكد رواية والده فالنتي جوارديولا، عندما قال في حوار إذاعي ل(راديو كاتالونيا) أن نجله "كان يفكر في كرة القدم 24 ساعة باليوم، وكان يتحمل المسئولية على أكمل وجه ويبذل فوق طاقته لإرضاء الجماهير حتى خارت قواه"، مشيراً إلى أن الضغط العصبي الذي تعرض له ، كان وراء قرار الرحيل .. وأعتقد ان الانهيار العصبي الحاد الذي أصابه عقب خسارة لقبي "الليجا والتشامبيونز ليج " بالذات كان وراء رحيله ، وليس الإرهاق ، وإلا فماذا كان سيصبح قراره إذا كان قد فاز باللقبين المحلي والاوروبي ، ومن بعدهما كأس الملك ؟ .. هل كان سيرحل في ذلك الوقت رغم مضاعفة التعب والارهاق؟! .. بالطبع لا !
** جوارديولا الذي اعتاد النجاح والتتويج وامتاع الجماهير بالعروض والالقاب ، لم يحتمل الخسارة وكان يحتاج إلى دعم ورعاية طبيب نفسي لتحمل بعض الهزائم وسماع انتقادات إعلامية وجماهيرية وربما إدارية من إداره النادي، حول أخطاء عديدة ارتكبها هذا الموسم فنياً وإداريا ، سواء بتقصيره في طلب التعاقد مع بعض اللاعبين المميزين في المراكز الاساسية في الهجوم ، وبالذات في مركز رأس الحربة، وبعض مراكز أخرى في الدفاع مثل قلبي الدفاع والظهيرين ، لقد فشل جوارديولا في إنجاز مثل هذه التعاقدات وخاصة مع الاصابات المتكررة لبويول وبيكيه وكسر قدم رأس الحربة ديفيد فيا وعدم تعويض الظهير الايسر المريض ابيدال.
** وبالاضافة لذلك ، استنزف جوارديولا طاقات وجهد مبدعي الفريق وخاصة ميسي وتشافي وانييستا ، حتى فقدوا ومضات إبداعهم في بعض المباريات الحاسمة التي خسرها الفريق او تعادل فيها ، وفوق ذلك وربما الأخطر، هو عناده وإصراره على الاعتماد على طريقة اللعب "الممتعة" وشبه الاستعراضية، التي تعتمد على الاستحواذ شبه المطلق والتمرير المتواصل والسيطرة على الكرة في كل المباريات، رغم أن العديد من الفرق المنافسة حفظت هذه الطريقة عن ظهر قلب ، وتصدت لها بالدفاع المتكتل ونجحت في ذلك 10 فرق ، سبعة منها حققت التعادل وثلاثة منهم هزمت الفريق الكبير، فخسر جراء ذلك 23 نقطة وأضاع الدوري ، وقد كان من الممكن لجوارديولا أن يتنازل قليلا عن قناعته وربما غروره ، ليقوم بتغيير طريقة وأسلوب اللعب في بعض المباريات او خلال اوقات معينة من تلك المباريات خاصة مع منافسين بحجم الريال وتشيلسي ، ولم يكن ليعيبه ان يرتد للدفاع او أن يعتمد أحيانا على الكرات الطولية العميقة ، أو يدرب لاعبيه على التسديد البعيد أو استخدام الجناحين بشكل أفضل ، وتغيير خطة اللعب ليس عيبا ، وإنما هي ميزة كبيرة تسمي فنيا " مبدأ المرونة التكتيكية "ولم يخسر البارسا بسبب ذلك بعض النقاط والمباريات والبطولات فقط ، بل خسر نجوما مثل فابريجاس الذي أصبح لاعبا عادياً في البارسا رغم أنه كان نجما عملاقا وقائدا للارسنال الانجليزي .
** لا أشكك في قدرات وإمكانات جوارديولا كمدرب كبير، ولكنني متأكد أنه وبعد هذه التجربة الاولى العملاقة مع البارسا ، فإنه لن يكون قادراً على تحقيق نصف ماحققه مع البارسا عندما سيقوم بتدريب أي فريق آخر في العالم .. إن أفكار وطريقة وخبرات بيبي مع البارسا ، لن يمكنه تطبيقها مع الميلان أو البلوز أو حتى مع البايرن ميونيخ .. ورغم إعلانه بالحاجة للراحة بعد سنواته الحافلة مع البارسا ، فإنني واثق أنه سيشعر بالندم في القريب العاجل ، لإنه استعجل بالرحيل وترك فرصة ذهبية محتملة في البارسا، لصنع المزيد من التاريخ والانجازات ، خاصة إذا ما أصلح أخطاءه ، وقام بتطوير أفكاره الفنية ونجح في القيام بالصفقات المطلوبة لإنقاذ الفريق وبدء عملية تجديد الصفوف في المرحلة الانتقالية الخطيرة للفريق التي أخشى أن جوارديولا ، أراد الهروب منها ، بعد أن استثمر من قبل عملية التجديد السابقة التي بدأها الهولندي رايكارد قبل أن تدير له الكرة الغدارة ظهرها ، ليغادر البارسا إلى تجارب عديدة حاصرها الفشل !.
** أخيراً .. وبعيداً عن المهاترات والمناوشات التي نشبت بينه وبين مورينيو قبل أسابيع شكك خلالها في جدارة ريال مدريد في الفوز بدوري الليجا الاسباني هذا الموسم بمجاملات تحكيمية - وهذا رأي يجافي الحقيقة - سيبقى جوارديولا واحداً من أهم المدربين الذي جاءوا في تاريخ برشلونة إنجازاً وأخلاقاً ، وقد تفوق في رصيد البطولات التي حققها على مدى السنوات الاربع التي قضاها مدربا للبارسا، على أي مدرب آخر خاصة أستاذه ومدربه السابق الهولندي كرويف .. وكما اخترع الهولنديون مع الجنرال رينوس ميتشيل أسلوب الكرة الشاملة ، طور جوارديولا أسلوب الاستحواذ والسيطرة الخاص بالبارسا ليصبح طريقة خاصة يمكن أن نسميها الكرة "الممتعة".. ومهما كان المستقبل الذي ينتظر جوارديولا ، فإنه سيبقى أستاذ المتعة الكروية ، الذي ربما لن يكرر ذلك خارج معاقل "الكامب نو" !!