يوسف الديني (الشرق الأوسط) انبعاث الإرهاب في العالم مسألة وقت في ظل عدم التفريق بين كونه نتيجة وليس سبباً؛ وبالتالي تولد النتائج مع تجدد الأسباب وغياب المعالجة المستدامة، وهو الأمر الذي تنبَّه له بيان الرئاسة المصرية عقب عقد اجتماع عسكري رفيع المستوى مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي سمّى الأشياء بمسمياتها، وأطلق عملية تطهير ضد المجتمعات الإرهابية التي تكونت مناطقياً في سيناء بسبب تضخم خزان إمداد الإرهاب وهو «التكفير»، وقرينه لدى بعض السذج من المتململين من استهداف الأفكار المتطرفة وهو «التبرير» الذي لا يقل خطوة عن التكفير.
الهجوم الإرهابي في سيناء أسفر عن استشهاد 11 من قوات الجيش المصري، بعد استهدافهم من قِبل عناصر تكفيرية وخلايا إرهابية حاولت الترصد لعملية أكبر تسعى إلى تجفيف منابع الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، لكن بمقاربة جديدة صلبة وهي الاستعانة بالمكونات الاجتماعية المضادة للتطرف، من الأهالي الذين وصفهم البيان بـ«الشرفاء» والذين يريدون ألا تقف هذه المجموعات حجر عثرة أمام المشروعات القومية العملاقة التي تعيشها مصر، وبات يقدّرها الشعب المصري والمحبون لأرض الكنانة، العمق الأهم للتضامن العربي والإسلامي، وكان من تقدير هذا العمق البيان الموفق الذي أصدره رئيس هيئة علماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، الذي أكد فيه، أن «هذا الاعتداء الإرهابي لن يزيد مصر إلا عزيمة وقوة على مواجهة الإرهاب واستئصاله»، مشدداً على «التضامن الكامل مع مصر في حربها ضد الإرهاب، وضد كل ما يهدد أمنها واستقرارها».
عودة الاهتمام بالإرهاب والتطرف في الطرح الإعلامي هو مرتبط بالأحداث أكثرَ من كونه جزءاً من المعالجة الفكرية في فهم جذوره وأسبابه ونقاشها في الهواء الطلق مع الخبراء والمختصين، لا سيما أن ظاهرة الإرهاب معقدة ومتشابكة، ولا تقبل اجترار الكليشيهات الصحافية التبسيطية وهي تتناول أكثر ظواهر العصر الحديث تركيباً وتعقيداً، لا سيما العنف الدموي الموجه أحياناً والعبثي والفوضوي أحايين كثيرة والمناطقي المرتبط بتضخم مجموعات متطرفة فكرياً تحاول أن تعيد خلق عزلتها بعيداً في الأطراف والمناطق المهمشة بهدف الاستقطاب والتجنيد واللعب على وتر المظلومية أو نقص الخدمات واهتمام المركز.
- الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة - الأهرام
ما يحدث في سيناء اليوم أكبر من مجرد حادثة إرهابية عابرة، وهي منذ أكثر من عقدين كانت هدفاً للجماعات التكفيرية والجهادوية ثم «القاعدة»، ولاحقاً «داعش» الذارع التي نشطت إلى الحد الذي خصصت جزءاً من بروباغندا الإعلام لديها لسيناء، معتبرة إياها «الولاية» الأنشط، ومع كمون التنظيم لم تزل رواسب الامتداد المجتمعي للفكر التكفيري لأسباب تتصل بجغرافيا المكان والتاريخ والسيسيولوجيا (المجتمع السيناوي)، وصولاً إلى علاقة الدولة المصرية التي تسعى اليوم إلى حملة «التطهير»، مستعينة فيه بأعيان وشرفاء المنطقة.
هناك مجموعات تكفيرية تنبت في مواقع جغرافية غير متوقعة بسبب سهولة بناء مجتمع معزول في مناطق نائية، مستغلة الانشغال الأمني بملفات أخرى؛ مما يساهم في ولادة أجيال جديدة غير مرصودة لدى المخابرات والأمن، وهذا حدث في أكثر من منعطف تاريخي في البلدان الإسلامية وحتى أوروبا، وصولاً إلى قارة أفريقيا لدى عدد من الدول التي لا يظهر فيها أي نشاط متطرف أو لا تكون فيها أغلبية إسلاموية فاعلة، وكانت المحصلة في كل تلك التجارب محاولة استنساخ تجربة التكفير والهجرة والنمو التدريجي في المجتمع، كما قام به مصطفى شكري في البدايات، وهناك ظاهرة يعرفها المتخصصون في شؤون الجماعات المتطرفة تعرف بـ«العابرون»، وتشمل كل المجموعات التي انتقلت إلى التكفير أو ممارسة العنف المسلح من دون أن تتعمق أو تمر بتجربة تدين أو انتماء تدريجي حركي للتيارات التقليدية.
- مصر والسعودية «أيادي متكاتفة»
من يتابع نشاط «المحتوى» المتطرف، وهو أكبر وأوسع من التيارات والتنظيمات والأشخاص، على غرار مفهوم «ثورات بلا قيادة»، يدرك أنَّ ثمة نشاطاً كبيراً وتمدداً لخطابات الظل، بدءاً من فلول الإسلام السياسي الذين قرروا التحول إلى الاستراتيجية الثورية، بالإضافة إلى تكتلات اجتماعية من شباب عاطل «نسبة البطالة ما بعد تضخم الإرهاب في عدد من المناطق مرتفعة»، وبالتالي يتحول الاستقطاب والتجنيد لهذه الأجيال الجديدة إلى مجتمعات قابلة للتطرف والتأثر بالدعاية الفكرية المضللة، ومن هنا يحدث التحول ولا نكون حينها أمام إرهاب طارئ يزول برحيل تلك المجموعات أو مواجهتها عسكرياً، وإنما بنشأة أجيال وخطاب مجتمعي يرى في الإرهاب مخلصاً من مواجهتها للدولة أو رغبتها في الانفصال أو تسريعاً لتلبية مطالبها، وهي خيارات كارثية لا يمكن لأي نظام سياسي السكوت عنه، لكن الهروب إلى الأمام عبر التشخيص الخاطئ للمشكلة وترحيلها إلى السياق الإقليمي خطأ آخر لا يقل عن السكوت الإعلامي عن المناطق غير الملتهبة والمثيرة لشهية الإعلام.
وفي التفاصيل، فإن جزءاً كبيراً من ظاهرة المجموعات التكفيرية ذات الطابع الاجتماعي -السيسيولوجي كانت «جغرافيا المكان» بكل إملاءاتها من عزلة وغياب مؤسسات التأثير الدينية والسياسية والثقافية، مع حضور باهت للمؤسسات الأمنية، والتي لا يمكن أن تمارس دور المزاحمة لولادة تلك الأفكار وتغلغلها، في الأغلب ستكون مضطرة إلى المواجهة العسكرية بعد فوات الأوان، وتحول تلك المجموعات من مربع «التكفير» إلى «التفجير»، وهو بالضبط ما يحدث في المنطقة الصغيرة ضمن خريطة سيناء الكبيرة، التي حاولت في السابق كل التنظيمات بما فيها تنظيم «داعش» الاستفادة من ذلك الحراك المجتمعي ونمو المجموعات التكفيرية.
أمن سيناء اليوم هو جزء من سياق أكبر للأمن الفكري في المنطقة، في عالم مضطرب ومجتمع دولي لا يكترث بالتحديات والأزمات الداخلية، لا سيما مع تباينات وجهات النظر مع مقاربته للملفات الدولية؛ ولذلك فدعم مصر حكومة وشعباً خيار استراتيجي مستدام، وهو ما أكدته القيادة السعودية على أعلى مستوى، وجاء ذلك واضحاً في بيان وزارة الخارجية السعودية والذي أكد وقوف المملكة التام مع جمهورية مصر العربية تجاه كل ما يهدد أمنها واستقرارها، وتثمينها لدور القوات المسلحة المصرية في التصدي لمثل هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية. حفظ الله مصر وأهلها.
الهجوم الإرهابي في سيناء أسفر عن استشهاد 11 من قوات الجيش المصري، بعد استهدافهم من قِبل عناصر تكفيرية وخلايا إرهابية حاولت الترصد لعملية أكبر تسعى إلى تجفيف منابع الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، لكن بمقاربة جديدة صلبة وهي الاستعانة بالمكونات الاجتماعية المضادة للتطرف، من الأهالي الذين وصفهم البيان بـ«الشرفاء» والذين يريدون ألا تقف هذه المجموعات حجر عثرة أمام المشروعات القومية العملاقة التي تعيشها مصر، وبات يقدّرها الشعب المصري والمحبون لأرض الكنانة، العمق الأهم للتضامن العربي والإسلامي، وكان من تقدير هذا العمق البيان الموفق الذي أصدره رئيس هيئة علماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، الذي أكد فيه، أن «هذا الاعتداء الإرهابي لن يزيد مصر إلا عزيمة وقوة على مواجهة الإرهاب واستئصاله»، مشدداً على «التضامن الكامل مع مصر في حربها ضد الإرهاب، وضد كل ما يهدد أمنها واستقرارها».
عودة الاهتمام بالإرهاب والتطرف في الطرح الإعلامي هو مرتبط بالأحداث أكثرَ من كونه جزءاً من المعالجة الفكرية في فهم جذوره وأسبابه ونقاشها في الهواء الطلق مع الخبراء والمختصين، لا سيما أن ظاهرة الإرهاب معقدة ومتشابكة، ولا تقبل اجترار الكليشيهات الصحافية التبسيطية وهي تتناول أكثر ظواهر العصر الحديث تركيباً وتعقيداً، لا سيما العنف الدموي الموجه أحياناً والعبثي والفوضوي أحايين كثيرة والمناطقي المرتبط بتضخم مجموعات متطرفة فكرياً تحاول أن تعيد خلق عزلتها بعيداً في الأطراف والمناطق المهمشة بهدف الاستقطاب والتجنيد واللعب على وتر المظلومية أو نقص الخدمات واهتمام المركز.
- الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة - الأهرام
ما يحدث في سيناء اليوم أكبر من مجرد حادثة إرهابية عابرة، وهي منذ أكثر من عقدين كانت هدفاً للجماعات التكفيرية والجهادوية ثم «القاعدة»، ولاحقاً «داعش» الذارع التي نشطت إلى الحد الذي خصصت جزءاً من بروباغندا الإعلام لديها لسيناء، معتبرة إياها «الولاية» الأنشط، ومع كمون التنظيم لم تزل رواسب الامتداد المجتمعي للفكر التكفيري لأسباب تتصل بجغرافيا المكان والتاريخ والسيسيولوجيا (المجتمع السيناوي)، وصولاً إلى علاقة الدولة المصرية التي تسعى اليوم إلى حملة «التطهير»، مستعينة فيه بأعيان وشرفاء المنطقة.
هناك مجموعات تكفيرية تنبت في مواقع جغرافية غير متوقعة بسبب سهولة بناء مجتمع معزول في مناطق نائية، مستغلة الانشغال الأمني بملفات أخرى؛ مما يساهم في ولادة أجيال جديدة غير مرصودة لدى المخابرات والأمن، وهذا حدث في أكثر من منعطف تاريخي في البلدان الإسلامية وحتى أوروبا، وصولاً إلى قارة أفريقيا لدى عدد من الدول التي لا يظهر فيها أي نشاط متطرف أو لا تكون فيها أغلبية إسلاموية فاعلة، وكانت المحصلة في كل تلك التجارب محاولة استنساخ تجربة التكفير والهجرة والنمو التدريجي في المجتمع، كما قام به مصطفى شكري في البدايات، وهناك ظاهرة يعرفها المتخصصون في شؤون الجماعات المتطرفة تعرف بـ«العابرون»، وتشمل كل المجموعات التي انتقلت إلى التكفير أو ممارسة العنف المسلح من دون أن تتعمق أو تمر بتجربة تدين أو انتماء تدريجي حركي للتيارات التقليدية.
- مصر والسعودية «أيادي متكاتفة»
من يتابع نشاط «المحتوى» المتطرف، وهو أكبر وأوسع من التيارات والتنظيمات والأشخاص، على غرار مفهوم «ثورات بلا قيادة»، يدرك أنَّ ثمة نشاطاً كبيراً وتمدداً لخطابات الظل، بدءاً من فلول الإسلام السياسي الذين قرروا التحول إلى الاستراتيجية الثورية، بالإضافة إلى تكتلات اجتماعية من شباب عاطل «نسبة البطالة ما بعد تضخم الإرهاب في عدد من المناطق مرتفعة»، وبالتالي يتحول الاستقطاب والتجنيد لهذه الأجيال الجديدة إلى مجتمعات قابلة للتطرف والتأثر بالدعاية الفكرية المضللة، ومن هنا يحدث التحول ولا نكون حينها أمام إرهاب طارئ يزول برحيل تلك المجموعات أو مواجهتها عسكرياً، وإنما بنشأة أجيال وخطاب مجتمعي يرى في الإرهاب مخلصاً من مواجهتها للدولة أو رغبتها في الانفصال أو تسريعاً لتلبية مطالبها، وهي خيارات كارثية لا يمكن لأي نظام سياسي السكوت عنه، لكن الهروب إلى الأمام عبر التشخيص الخاطئ للمشكلة وترحيلها إلى السياق الإقليمي خطأ آخر لا يقل عن السكوت الإعلامي عن المناطق غير الملتهبة والمثيرة لشهية الإعلام.
وفي التفاصيل، فإن جزءاً كبيراً من ظاهرة المجموعات التكفيرية ذات الطابع الاجتماعي -السيسيولوجي كانت «جغرافيا المكان» بكل إملاءاتها من عزلة وغياب مؤسسات التأثير الدينية والسياسية والثقافية، مع حضور باهت للمؤسسات الأمنية، والتي لا يمكن أن تمارس دور المزاحمة لولادة تلك الأفكار وتغلغلها، في الأغلب ستكون مضطرة إلى المواجهة العسكرية بعد فوات الأوان، وتحول تلك المجموعات من مربع «التكفير» إلى «التفجير»، وهو بالضبط ما يحدث في المنطقة الصغيرة ضمن خريطة سيناء الكبيرة، التي حاولت في السابق كل التنظيمات بما فيها تنظيم «داعش» الاستفادة من ذلك الحراك المجتمعي ونمو المجموعات التكفيرية.
أمن سيناء اليوم هو جزء من سياق أكبر للأمن الفكري في المنطقة، في عالم مضطرب ومجتمع دولي لا يكترث بالتحديات والأزمات الداخلية، لا سيما مع تباينات وجهات النظر مع مقاربته للملفات الدولية؛ ولذلك فدعم مصر حكومة وشعباً خيار استراتيجي مستدام، وهو ما أكدته القيادة السعودية على أعلى مستوى، وجاء ذلك واضحاً في بيان وزارة الخارجية السعودية والذي أكد وقوف المملكة التام مع جمهورية مصر العربية تجاه كل ما يهدد أمنها واستقرارها، وتثمينها لدور القوات المسلحة المصرية في التصدي لمثل هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية. حفظ الله مصر وأهلها.
يوسف الديني
كاتب سعودي
كاتب سعودي