الكويت (الأنباء) : فوجئ العالم بالتفشي السريع لڤيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» على نحو هائل في مختلف البلدان الكبرى والصغرى، ليتحول إلى جائحة، نظرا لما فرضته العولمة وواقعها الحالي من شدة اختلاط وتداخل بين مختلف بقاع الأرض جعلت العالم قرية صغيرة، فبات الوباء الذي يحتاج سنوات لينتشر، يصل أقصى بقاع الدنيا خلال أيام.
- في دراسة أعدها مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط عن تداعيات الجائحة
وانعكس هذا التفشي للڤيروس على أنشطة الدول والشركات والأفراد مع اجراءات العزل الصحي والحجر المفروض في مختلف الأرجاء، فبدأ انهيار اقتصادي ملحوظ وظهر النزاع بين كبرى الدول والاتهامات المتبادلة حول من المسؤول عن الوباء (مثلا صراع الصين وأميركا واتهامات الرئيس دونالد ترامب لمنظمة الصحة العالمية وغيرها).
وتفرض هذه الأمور سؤالا جوهريا حول ما إذا كان وباء كورونا نقطة مفصلية وتاريخية بين نظامين عالميين، وهل سيترك أثرا لا يختفي على المسرح العالمي بمختلف قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
تحاول الدراسة الإجابة عن هذا السؤال، بحيث تدرس تأثير الوباء على المنظومة العالمية الحالية وما تسبب فيه من شروخ في بنية النظام العالمي الحالي، وتوصف آثار الجائحة عالميا خاصة في منطقة الشرق الأوسط، كما تحاول الدراسة استشراف المستقبل القريب ما بعد وباء كورونا المستجد.
أولا: لماذا كورونا؟
شهد العالم أوبئة وجائحات كثيرة وأزمات متنوعة انعكست نتائجها على المسيرة البشرية في التاريخ، وإن كان كثيرون لا يقارنون ما جرى في التاريخ بجائحة كورونا، ويستندون في ذلك إلى تجارب ڤيروسات سابقة ظهرت قبل انحصار تأثيرها الطبي والجيو- سياسي في نطاق المنطقة التي انتشرت فيها كحالتي ڤيروس سارس وإيبولا، حيث انحصر الأول في الصين وما حولها والثاني بقي حبيس أفريقيا التي ظهر فيها.. ليجعل دول العالم الأول بمنأى عن تأثيرات تلك الأمراض المميتة.
إن الإشكالية الرئيسية المرتبطة بڤيروس (كوفيد ـ 19) ترتبط بسرعة انتشاره الرهيبة التي غطى فيها قارات العالم، فلم يستثن دولا متقدمة وأخرى فقيرة بل أصبح أبرز مثال على العولمة، وعدم معرفة الماهية الحقيقية للوباء، من حيث الأعراض أو التأثير أو نسبة الإصابات الحقيقية، كما لم يتوافر علاج ناجع أو لقاح فعال بل لم تعرف بعد ما الفترة المتوقعة التي سيبقى فيها هذا الوباء ضيفا ثقيلا على كوكب الأرض.
يضاف إلى ذلك، ما راج من اتهامات بين الغرب والشرق حول المسؤولية عن صنع الڤيروس ونشره، مما فتح الباب واسعا لنظريات المؤامرة وباتت أسئلة من قبيل هل الڤيروس طبيعي أم تصنيعه في مختبر جزءا من السجال المحتدم في مختلف المنصات وكواليس السياسة والإعلام لتبقى في الأذهان أن الصراع بين الدول الكبرى قد يقود البشرية إلى كارثة شبيهة بأزمة كورونا، عبر تقنيات الحرب البيولوجية في ظل توازن الرعب النووي الذي تمتلكه كل دولة في مواجهة الدولة الأخرى.
إن المناوشات وتبادل الاتهامات خاصة بين الولايات المتحدة والصين، لا يمكنها حسم فكرة المؤامرة حول ڤيروس كورونا.. لاسيما أن الدراسات الطبية تكاد تجمع أن الڤيروس ذو منشأ طبيعي وقد تحور جينيا بفعل طفرة، فهو غير مرتبط بمفهوم الحرب البيولوجية والحروب الهجينة، مما يؤكد أمرين:
وفي خضم تناقض الدول في مواجهة ظهور ڤيروس كورونا، تتوجه الأنظار الى الدول العظمى التي تقود العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، في طريقة تعاملها مع هذه الجائحة الڤيروسية، حيث كان في السابق ينظر الى عظمة الدول من مفهوم جيو-سياسي بحت، ولآن الدولة العظمى هي الولايات المتحدة كما هو معلوم، فمن باب أولى نرى أنها المفروض تكون الدولة الأعلى شأنا في تعاطيها الإيجابي مع مواجهة هذا الڤيروس، إلا أن الصادم في الأمر بات واضحا مدى ضعف الكثير من الدول في مواجهة هذا الڤيروس ومن ضمنها الولايات المتحدة، نحن نعلم جليا أن النظام الرأسمالي تجاوز النظام الاشتراكي بأشواط وجعله ينهار أمامه بانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أنه بعد 3 عقود من هذا الانهيار نجده يصطدم بجدار آخر خفي بيولوجي وهو ڤيروس كورونا، ليوقظ تنين النظام الاشتراكي الصيني الذي قد يكون سببا مباشرا لظهور قيادة عالمية جديدة بعد تعددية قطبية مهدت لذلك.
ثانيا: آثار الجائحة الأثر الاقتصادي
عبث الوباء منذ تفشيه في الاقتصاد العالمي فدمره وأصابه بالشلل، حيث عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر أرجاء العالم، وأضعف الطلب والاستهلاك العالمي، كما عزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، ودولا أخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
وجاء تأثير ڤيروس (كوفيد-19) من خلال ثلاثة أبعاد، فتسبب أولا بضرب التبادل التجاري عبر إعاقته للإنتاج وعرقلة الوباء الواضحة للطلب العالمي واستهلاك المنتجات (حالة أسواق النفط دليل واضح)، ثم تسبب الڤيروس بانهيار واضح في أسواق المال العالمية زاد عن انهيارها جراء أزمة الرهن العقاري عام 2008، ليضاف لذلك كله ما تركه الڤيروس من تأثير على قطاعي السياحة والنقل بعد أن خفض معدل الرحلات العالمية وأغلق الطرق والمطارات ما انعكس على العرض والطلب العالميين.
ونتيجة لذلك، يتجه الاقتصاد العالمي الى تراجع يتوقع أن يصل درجة الانكماش الحاد، حيث تشير التوقعات الأولية إلى انخفاض النمو بحدود 0.9 - 0.5% إلى 1.5% هذا العام، بل قد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، وفقا لمنظمة التعاون.
لذلك فالعالم متجه ـ وفقا للخبراء ـ لأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، في ظل انتظار استمرار انتشار الوباء وتوسعه وما يرتبط به من أزمات ومتى ستتم السيطرة على الجائحة.
واعتبرت مجلة «foreign affairs» في تقرير لها أن الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئا وحادا بسبب تفشي ڤيروس كورونا، متوقعة أن تكون النتائج مؤثرة لعقود قادمة.
الأثر الإقليمي
مما لا شك فيه أن تأثير وباء كورونا المستجد يحمل بعدا خاصا في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لما تعانيه من أزمات سابقة لأزمة الوباء، يضاف لها هشاشة الوضع الاقتصادي في معظم بلدان المنطقة.
كما ان الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط والأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين التي يسببها الصراع، هي أكبر مشكلة في المنطقة التي تواجه الآن انتشار الوباء، ونظرا إلى الغموض المتعلق فعليا بمستقبل الڤيروس وتفشيه عالميا وإقليميا حيث يرى البعض أن الانتشار في مراحله الأولى، ما يوحي أن الشرق الأوسط مهيأ لأن يغرق في فوضى أكبر إذا ما تواصلت تعقيدات الڤيروس.
ثالثا: المستقبل ما بعد كورونا
إن قضايا مشابهة لازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وآليات العمل عن بعد والمراقبة، وارتفاع ما يعرف بعدم الثقة الاجتماعية والسياسية - أمور كانت موجودة بالفعل قبل كورونا ـ إلا أن القرائن توحي بأنها ستتسارع بشكل كبير بسببه.
وعليه فمن المتوقع أنه بعد انتهاء التفشي، من غير المرجح أن تعود 100% من هذه الأدوار والأنماط، بكل بساطة، إلى ما كانت عليه.
رابعا: نظام عالمي جديد
شاعت افتراضات حول انهيار وشيك في بنية المنظومة الدولية والنظام العالمي الحالي بفعل تأثير أزمة كورونا، بحيث عززت تلك الفرضيات وتغذت على نظرية المؤامرة عبر تصنيع مسبق للڤيروس، وبغض النظر عن ذلك، فإن العالم يعيش في مرحلة مفصلية من التغيرات الكبرى والتي زادت مؤشراتها قبل ظهور الوباء أصلا، وما التنافس الأميركي ـ الصيني سوى مظهر من تلك المظاهر، ومع ثورة التكنولوجيا وتطور التقنية وتعزز العالم الافتراضي وظهور أبعاد أمنية جديدة كمفهوم الأمن السيبراني وحروب الجيل الرابع والخامس.. وهي تقاطعات تعزز فرضية أن وباء كورونا المستجد قد يعزز ويسرع الانتقال نحو مفاهيم عالمية جديدة لكن ليس بالضرورة أن يكون هو المسبب لها أو أن تلك التغيرات حتمية وسريعة وفورية بعد انزياح الأزمة.
مجلة «Foreign Affairs» الأميركية اعتبرت في تقرير لها أن ڤيروس كورنا يمكن أن يؤدي الى إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تقوم الصين بالمناورة من أجل قيادة العالم في لحظة يتداعى فيه دور الولايات المتحدة بشكل حاد.
وذكر التقرير، أن التداعيات الجيو-سياسية لانتشار الوباء على المدى الطويل ستكون مترابطة، خاصة فيما يتعلق بالوضع العالمي وموقف الولايات المتحدة، ذلك أن الأنظمة العالمية تتغير بصورة تدريجية في البدء ومن ثم وبشكل مفاجئ يتغير الأمر كله، وأشارت الى أن القيادة العالمية للولايات المتحدة على مدار العقود السبع المنصرمة لم تقتصر في الواقع على الثروة والنفط وحسب، بل على الشرعية التي تكتسبها من الحكم الداخلي في الولايات المتحدة والقدرة والإمكانية والاستعداد على قيادة وتنسيق استجابة المجتمع الدولي للأزمات.
لكن اليوم يتراجع دور واشنطن وتنكفئ الإدارة الأميركية إلى الداخل في هذا الأزمة، في حين تقوم بكين بالتحرك بصورة سريعة للاستفادة من الانفتاح الذي خلفته مجمل الأخطاء الأميركية وملأت الفراغ من أجل تنصيب نفسها قائدا عالميا في التعامل مع الجائحة، لذا وجدنا الصين قدمت مساعدات طبية وصحية لدول ومنظمات كثيرة، وبهذا يمكن ان ينظر إلى بكين على أنها تأخذ موقع الريادة وينظر إلى واشنطن أنها ليست لها القدرة او حتى الرغبة في القيام بهذا الأمر.
ووفق هذا التصور يمكن أن يغير ذلك بشكل أساسي كل مواقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية، حيث تحل الصين محلها، كما أن ميزة بكين في تقديم المساعدات المادية للعديد من الدول جاءت من خلال واقعة معروفة بأن الكثير مما يعتمد عليه العالم في مواجهة الوباء يتم صناعته في الصين، فهي المنتج الاساسي للأدوات الصحية، في حين تفتقر الولايات المتحدة الأميركية على القدرة على تلبية الكثير من المتطلبات الصحية في داخلها، فكيف بتقديم المساعدات في مناطق الأزمات.
الخلاصة والاستنتاجات
محمد خليف الثنيان..
رئيس مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط
- في دراسة أعدها مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط عن تداعيات الجائحة
- اتهامات بين الغرب والشرق حول المسؤولية عن صنع الڤيروس.. وشروخ في بنية النظام العالمي
- تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة انعكس بالسلب على مكانتها في العالم
وانعكس هذا التفشي للڤيروس على أنشطة الدول والشركات والأفراد مع اجراءات العزل الصحي والحجر المفروض في مختلف الأرجاء، فبدأ انهيار اقتصادي ملحوظ وظهر النزاع بين كبرى الدول والاتهامات المتبادلة حول من المسؤول عن الوباء (مثلا صراع الصين وأميركا واتهامات الرئيس دونالد ترامب لمنظمة الصحة العالمية وغيرها).
وتفرض هذه الأمور سؤالا جوهريا حول ما إذا كان وباء كورونا نقطة مفصلية وتاريخية بين نظامين عالميين، وهل سيترك أثرا لا يختفي على المسرح العالمي بمختلف قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
تحاول الدراسة الإجابة عن هذا السؤال، بحيث تدرس تأثير الوباء على المنظومة العالمية الحالية وما تسبب فيه من شروخ في بنية النظام العالمي الحالي، وتوصف آثار الجائحة عالميا خاصة في منطقة الشرق الأوسط، كما تحاول الدراسة استشراف المستقبل القريب ما بعد وباء كورونا المستجد.
أولا: لماذا كورونا؟
شهد العالم أوبئة وجائحات كثيرة وأزمات متنوعة انعكست نتائجها على المسيرة البشرية في التاريخ، وإن كان كثيرون لا يقارنون ما جرى في التاريخ بجائحة كورونا، ويستندون في ذلك إلى تجارب ڤيروسات سابقة ظهرت قبل انحصار تأثيرها الطبي والجيو- سياسي في نطاق المنطقة التي انتشرت فيها كحالتي ڤيروس سارس وإيبولا، حيث انحصر الأول في الصين وما حولها والثاني بقي حبيس أفريقيا التي ظهر فيها.. ليجعل دول العالم الأول بمنأى عن تأثيرات تلك الأمراض المميتة.
إن الإشكالية الرئيسية المرتبطة بڤيروس (كوفيد ـ 19) ترتبط بسرعة انتشاره الرهيبة التي غطى فيها قارات العالم، فلم يستثن دولا متقدمة وأخرى فقيرة بل أصبح أبرز مثال على العولمة، وعدم معرفة الماهية الحقيقية للوباء، من حيث الأعراض أو التأثير أو نسبة الإصابات الحقيقية، كما لم يتوافر علاج ناجع أو لقاح فعال بل لم تعرف بعد ما الفترة المتوقعة التي سيبقى فيها هذا الوباء ضيفا ثقيلا على كوكب الأرض.
يضاف إلى ذلك، ما راج من اتهامات بين الغرب والشرق حول المسؤولية عن صنع الڤيروس ونشره، مما فتح الباب واسعا لنظريات المؤامرة وباتت أسئلة من قبيل هل الڤيروس طبيعي أم تصنيعه في مختبر جزءا من السجال المحتدم في مختلف المنصات وكواليس السياسة والإعلام لتبقى في الأذهان أن الصراع بين الدول الكبرى قد يقود البشرية إلى كارثة شبيهة بأزمة كورونا، عبر تقنيات الحرب البيولوجية في ظل توازن الرعب النووي الذي تمتلكه كل دولة في مواجهة الدولة الأخرى.
إن المناوشات وتبادل الاتهامات خاصة بين الولايات المتحدة والصين، لا يمكنها حسم فكرة المؤامرة حول ڤيروس كورونا.. لاسيما أن الدراسات الطبية تكاد تجمع أن الڤيروس ذو منشأ طبيعي وقد تحور جينيا بفعل طفرة، فهو غير مرتبط بمفهوم الحرب البيولوجية والحروب الهجينة، مما يؤكد أمرين:
- سعي كل طرف للاستفادة من الوباء وربما البدء في تصفية الحسابات مع الآخرين.
- التأثير الواضح للوباء على مختلف أرجاء العالم مما يؤكد أن مرحلة ما بعد كورونا ليست كما قبلها.
- التأثير الواضح للوباء على مختلف أرجاء العالم مما يؤكد أن مرحلة ما بعد كورونا ليست كما قبلها.
وفي خضم تناقض الدول في مواجهة ظهور ڤيروس كورونا، تتوجه الأنظار الى الدول العظمى التي تقود العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، في طريقة تعاملها مع هذه الجائحة الڤيروسية، حيث كان في السابق ينظر الى عظمة الدول من مفهوم جيو-سياسي بحت، ولآن الدولة العظمى هي الولايات المتحدة كما هو معلوم، فمن باب أولى نرى أنها المفروض تكون الدولة الأعلى شأنا في تعاطيها الإيجابي مع مواجهة هذا الڤيروس، إلا أن الصادم في الأمر بات واضحا مدى ضعف الكثير من الدول في مواجهة هذا الڤيروس ومن ضمنها الولايات المتحدة، نحن نعلم جليا أن النظام الرأسمالي تجاوز النظام الاشتراكي بأشواط وجعله ينهار أمامه بانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أنه بعد 3 عقود من هذا الانهيار نجده يصطدم بجدار آخر خفي بيولوجي وهو ڤيروس كورونا، ليوقظ تنين النظام الاشتراكي الصيني الذي قد يكون سببا مباشرا لظهور قيادة عالمية جديدة بعد تعددية قطبية مهدت لذلك.
ثانيا: آثار الجائحة الأثر الاقتصادي
عبث الوباء منذ تفشيه في الاقتصاد العالمي فدمره وأصابه بالشلل، حيث عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر أرجاء العالم، وأضعف الطلب والاستهلاك العالمي، كما عزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، ودولا أخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
وجاء تأثير ڤيروس (كوفيد-19) من خلال ثلاثة أبعاد، فتسبب أولا بضرب التبادل التجاري عبر إعاقته للإنتاج وعرقلة الوباء الواضحة للطلب العالمي واستهلاك المنتجات (حالة أسواق النفط دليل واضح)، ثم تسبب الڤيروس بانهيار واضح في أسواق المال العالمية زاد عن انهيارها جراء أزمة الرهن العقاري عام 2008، ليضاف لذلك كله ما تركه الڤيروس من تأثير على قطاعي السياحة والنقل بعد أن خفض معدل الرحلات العالمية وأغلق الطرق والمطارات ما انعكس على العرض والطلب العالميين.
ونتيجة لذلك، يتجه الاقتصاد العالمي الى تراجع يتوقع أن يصل درجة الانكماش الحاد، حيث تشير التوقعات الأولية إلى انخفاض النمو بحدود 0.9 - 0.5% إلى 1.5% هذا العام، بل قد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، وفقا لمنظمة التعاون.
لذلك فالعالم متجه ـ وفقا للخبراء ـ لأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، في ظل انتظار استمرار انتشار الوباء وتوسعه وما يرتبط به من أزمات ومتى ستتم السيطرة على الجائحة.
واعتبرت مجلة «foreign affairs» في تقرير لها أن الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئا وحادا بسبب تفشي ڤيروس كورونا، متوقعة أن تكون النتائج مؤثرة لعقود قادمة.
الأثر الإقليمي
مما لا شك فيه أن تأثير وباء كورونا المستجد يحمل بعدا خاصا في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لما تعانيه من أزمات سابقة لأزمة الوباء، يضاف لها هشاشة الوضع الاقتصادي في معظم بلدان المنطقة.
كما ان الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط والأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين التي يسببها الصراع، هي أكبر مشكلة في المنطقة التي تواجه الآن انتشار الوباء، ونظرا إلى الغموض المتعلق فعليا بمستقبل الڤيروس وتفشيه عالميا وإقليميا حيث يرى البعض أن الانتشار في مراحله الأولى، ما يوحي أن الشرق الأوسط مهيأ لأن يغرق في فوضى أكبر إذا ما تواصلت تعقيدات الڤيروس.
ثالثا: المستقبل ما بعد كورونا
- التساؤل الرئيس حول أثر جائحة كورونا الفعلي في الفترة القادمة، فهل ستستمر الأوضاع التي فرضها الڤيروس على العلاقات الاجتماعية، لاسيما إذ استمرت إجراءات الحجر فترة طويلة قد تنتج عادات جديدة.
- في الجانب الاقتصادي، حيث استفادت قطاعات من تفشي الوباء كصناعة الأدوية والمعقمات والمطهرات والكمامات في حين تضررت قطاعات السياحة والسفر والمصانع وما إلى ذلك، يبقى السؤال: ما مدى انعكاس زوال هذه الأزمة على تلك الأنشطة؟
- أما الشق السياسي فيحمل طابعا ذا أهمية أكبر نظرا لارتباط الوباء ومختلف الأنشطة بالجوانب السياسية لمختلف القوى والفواعل، فقرار منع التمويل الأميركي لمنظمة الصحة العالمية قرار سياسي ذو بعد عالمي، وتركيز الدعم المالي للأنشطة العسكرية ـ قبل الجائحة ـ على حساب دعم القطاع الطبي هي قرارات ترتبط بالسياسات العامة للدولة وتتعلق باستراتيجيتها، يضاف لذلك هشاشة البنية الدولية ما قبل كورونا وكثرة الصدامات بين لاعبيها الكبار، مما يبعث على التساؤل الجدي حول أثر هذا الڤيروس على المنظومة العالمية ككل وعلى توازنات القوى الدولية مع الاصطفافات العالمية؟
- في الجانب الاقتصادي، حيث استفادت قطاعات من تفشي الوباء كصناعة الأدوية والمعقمات والمطهرات والكمامات في حين تضررت قطاعات السياحة والسفر والمصانع وما إلى ذلك، يبقى السؤال: ما مدى انعكاس زوال هذه الأزمة على تلك الأنشطة؟
- أما الشق السياسي فيحمل طابعا ذا أهمية أكبر نظرا لارتباط الوباء ومختلف الأنشطة بالجوانب السياسية لمختلف القوى والفواعل، فقرار منع التمويل الأميركي لمنظمة الصحة العالمية قرار سياسي ذو بعد عالمي، وتركيز الدعم المالي للأنشطة العسكرية ـ قبل الجائحة ـ على حساب دعم القطاع الطبي هي قرارات ترتبط بالسياسات العامة للدولة وتتعلق باستراتيجيتها، يضاف لذلك هشاشة البنية الدولية ما قبل كورونا وكثرة الصدامات بين لاعبيها الكبار، مما يبعث على التساؤل الجدي حول أثر هذا الڤيروس على المنظومة العالمية ككل وعلى توازنات القوى الدولية مع الاصطفافات العالمية؟
إن قضايا مشابهة لازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وآليات العمل عن بعد والمراقبة، وارتفاع ما يعرف بعدم الثقة الاجتماعية والسياسية - أمور كانت موجودة بالفعل قبل كورونا ـ إلا أن القرائن توحي بأنها ستتسارع بشكل كبير بسببه.
- يرى البعض أن العديد من الأدوار، التي كانت تشهد انتقالا تدريجيا ورفضا مجتمعيا يقاومها، جرى دفعها إلى الأمام في غضون أسابيع، فقد تم دفع جيل كامل بسرعة إلى التعلم والعمل عن بعد، كما نشرت استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية الروبوتات، في أدوار تتراوح من مراقبة تفشي الوباء، إلى أخذ مكان طواقم التنظيف البشرية في كل مكان، من محطات مترو الأنفاق إلى المستشفيات.
وعليه فمن المتوقع أنه بعد انتهاء التفشي، من غير المرجح أن تعود 100% من هذه الأدوار والأنماط، بكل بساطة، إلى ما كانت عليه.
رابعا: نظام عالمي جديد
شاعت افتراضات حول انهيار وشيك في بنية المنظومة الدولية والنظام العالمي الحالي بفعل تأثير أزمة كورونا، بحيث عززت تلك الفرضيات وتغذت على نظرية المؤامرة عبر تصنيع مسبق للڤيروس، وبغض النظر عن ذلك، فإن العالم يعيش في مرحلة مفصلية من التغيرات الكبرى والتي زادت مؤشراتها قبل ظهور الوباء أصلا، وما التنافس الأميركي ـ الصيني سوى مظهر من تلك المظاهر، ومع ثورة التكنولوجيا وتطور التقنية وتعزز العالم الافتراضي وظهور أبعاد أمنية جديدة كمفهوم الأمن السيبراني وحروب الجيل الرابع والخامس.. وهي تقاطعات تعزز فرضية أن وباء كورونا المستجد قد يعزز ويسرع الانتقال نحو مفاهيم عالمية جديدة لكن ليس بالضرورة أن يكون هو المسبب لها أو أن تلك التغيرات حتمية وسريعة وفورية بعد انزياح الأزمة.
مجلة «Foreign Affairs» الأميركية اعتبرت في تقرير لها أن ڤيروس كورنا يمكن أن يؤدي الى إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تقوم الصين بالمناورة من أجل قيادة العالم في لحظة يتداعى فيه دور الولايات المتحدة بشكل حاد.
وذكر التقرير، أن التداعيات الجيو-سياسية لانتشار الوباء على المدى الطويل ستكون مترابطة، خاصة فيما يتعلق بالوضع العالمي وموقف الولايات المتحدة، ذلك أن الأنظمة العالمية تتغير بصورة تدريجية في البدء ومن ثم وبشكل مفاجئ يتغير الأمر كله، وأشارت الى أن القيادة العالمية للولايات المتحدة على مدار العقود السبع المنصرمة لم تقتصر في الواقع على الثروة والنفط وحسب، بل على الشرعية التي تكتسبها من الحكم الداخلي في الولايات المتحدة والقدرة والإمكانية والاستعداد على قيادة وتنسيق استجابة المجتمع الدولي للأزمات.
لكن اليوم يتراجع دور واشنطن وتنكفئ الإدارة الأميركية إلى الداخل في هذا الأزمة، في حين تقوم بكين بالتحرك بصورة سريعة للاستفادة من الانفتاح الذي خلفته مجمل الأخطاء الأميركية وملأت الفراغ من أجل تنصيب نفسها قائدا عالميا في التعامل مع الجائحة، لذا وجدنا الصين قدمت مساعدات طبية وصحية لدول ومنظمات كثيرة، وبهذا يمكن ان ينظر إلى بكين على أنها تأخذ موقع الريادة وينظر إلى واشنطن أنها ليست لها القدرة او حتى الرغبة في القيام بهذا الأمر.
ووفق هذا التصور يمكن أن يغير ذلك بشكل أساسي كل مواقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية، حيث تحل الصين محلها، كما أن ميزة بكين في تقديم المساعدات المادية للعديد من الدول جاءت من خلال واقعة معروفة بأن الكثير مما يعتمد عليه العالم في مواجهة الوباء يتم صناعته في الصين، فهي المنتج الاساسي للأدوات الصحية، في حين تفتقر الولايات المتحدة الأميركية على القدرة على تلبية الكثير من المتطلبات الصحية في داخلها، فكيف بتقديم المساعدات في مناطق الأزمات.
الخلاصة والاستنتاجات
- يبعث التفشي الخطير لوباء كورونا عالميا أسئلة جوهرية عن مستقبل السياسة والاقتصاد في مختلف أرجاء العالم، بحيث تبدو تغيرات عالم ما بعد الكورونا ماثلة للعيان، فتراجع السيطرة التي فرضتها العولمة وأنظمة السوق الحر بات سمة رئيسية لمرحلة الوباء ليبقى التساؤل حول مدى استمرارية الأنماط الجديدة في فترة ما بعد الوباء.
- إن الصدمة التي أصابت المجتمع الدولي خلال فترة انتشار الوباء زادت من تصدع بنية النظام الدولي، لكن هذه الصدمة جاءت ايضا نتيجة لتفشي عدم الثقة بين جميع دول العالم بالولايات المتحدة التي كانت تعتبر قائدة العالم والتي وجب أن يقع عليها مبادرات الأخذ بإجماع الدول على مكافحته بدلا من النأي بنفسها واتخاذ مبدأ العزلة الدولية في التعامل مع هذا الأمر، ما سمح للصين أن تخطف زمام المبادرة اعتقادا منها بأنها مؤهلة لهذا المنصب الكبير، ولأن بكين حاولت في واقع الأمر إبداء سلوك يحسب لها وتعاملت مع هذه الأزمة بقدر من المسؤولية الواضحة على حساب انحسار موقف الولايات المتحدة برغبتها، ليصبح العالم حاليا بحاجة الى قيادة جديدة ربما تكون من نوع آخر يترتب عليها توفير الوقت والمصالح المشتركة ودعم الدول ليكون الموضوع جماعيا في ميزان القوى العالمية ما بعد كورونا.
- أظهرت أزمة ڤيروس كورونا ملمحا جديدا للأزمات العالمية، تمثل في تصاعد أهمية البعد المجتمعي وتأثيره على إدارة الأزمات، خصوصا من خلال منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، حيث كان المجتمع طرفا أساسيا في الأزمة منذ اندلاعها، وذلك نتيجة للانتشار الواسع للمعلومات على الشبكة الإلكترونية التي منعت الصين مثلا من القدرة الكاملة على التحكم بنوعية كمية المعلومات المرافقة لانتشار الوباء بعد أن أطلق أطباء ونشطاء تحذيرات جدية أقلقت توجهات بكين.
- أكدت جائحة كورونا هشاشة الديموقراطيات الغربية الليبرالية وضعفها الهيكلي في ظل انتشار التيارات الشعبوية، من حيث ضعف اتخاذ تدابير لمواجهة انتشار الفيروس تحفظ صحة وسلامة أعداد كبيرة من البشر.
- رغم أنه يستبعد أن تكون أزمة ڤيروس كورونا سببا رئيسيا في تغييرات جذرية بالنظام الدولي الراهن، فإن هذه الحالة - وفق الخبراء - من انقسام النظام العالمي، ستعود إلى «مجالات نفوذ اقتصادي» في ظل السيطرة على الموارد الطبيعية واقتصاديات المعرفة والتكنولوجيا، حيث تهيمن على كل منها إحدى القوى الكبرى، في حين تسود بينها علاقات قائمة على عدم الثقة والتنافس، وهو ما يشكل نهاية المرحلة الحالية من العولمة.
- إن الصدمة التي أصابت المجتمع الدولي خلال فترة انتشار الوباء زادت من تصدع بنية النظام الدولي، لكن هذه الصدمة جاءت ايضا نتيجة لتفشي عدم الثقة بين جميع دول العالم بالولايات المتحدة التي كانت تعتبر قائدة العالم والتي وجب أن يقع عليها مبادرات الأخذ بإجماع الدول على مكافحته بدلا من النأي بنفسها واتخاذ مبدأ العزلة الدولية في التعامل مع هذا الأمر، ما سمح للصين أن تخطف زمام المبادرة اعتقادا منها بأنها مؤهلة لهذا المنصب الكبير، ولأن بكين حاولت في واقع الأمر إبداء سلوك يحسب لها وتعاملت مع هذه الأزمة بقدر من المسؤولية الواضحة على حساب انحسار موقف الولايات المتحدة برغبتها، ليصبح العالم حاليا بحاجة الى قيادة جديدة ربما تكون من نوع آخر يترتب عليها توفير الوقت والمصالح المشتركة ودعم الدول ليكون الموضوع جماعيا في ميزان القوى العالمية ما بعد كورونا.
- أظهرت أزمة ڤيروس كورونا ملمحا جديدا للأزمات العالمية، تمثل في تصاعد أهمية البعد المجتمعي وتأثيره على إدارة الأزمات، خصوصا من خلال منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، حيث كان المجتمع طرفا أساسيا في الأزمة منذ اندلاعها، وذلك نتيجة للانتشار الواسع للمعلومات على الشبكة الإلكترونية التي منعت الصين مثلا من القدرة الكاملة على التحكم بنوعية كمية المعلومات المرافقة لانتشار الوباء بعد أن أطلق أطباء ونشطاء تحذيرات جدية أقلقت توجهات بكين.
- أكدت جائحة كورونا هشاشة الديموقراطيات الغربية الليبرالية وضعفها الهيكلي في ظل انتشار التيارات الشعبوية، من حيث ضعف اتخاذ تدابير لمواجهة انتشار الفيروس تحفظ صحة وسلامة أعداد كبيرة من البشر.
- رغم أنه يستبعد أن تكون أزمة ڤيروس كورونا سببا رئيسيا في تغييرات جذرية بالنظام الدولي الراهن، فإن هذه الحالة - وفق الخبراء - من انقسام النظام العالمي، ستعود إلى «مجالات نفوذ اقتصادي» في ظل السيطرة على الموارد الطبيعية واقتصاديات المعرفة والتكنولوجيا، حيث تهيمن على كل منها إحدى القوى الكبرى، في حين تسود بينها علاقات قائمة على عدم الثقة والتنافس، وهو ما يشكل نهاية المرحلة الحالية من العولمة.
محمد خليف الثنيان..
رئيس مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط
مركز طروس في سطور: مركز طروس متخصص في دراسات الشرق الأوسط، ورسالته هي: توفير مصدر للمعلومات الأكثر موثوقية للمنظمات والأفراد لتعزيز الوعي الفكري والتاريخي وترشيد عملية اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي، وتنقيح تاريخ الشرق الأوسط من الوثائق البريطانية والعثمانية والمصادر العربية من خلال الدراسات والمؤتمرات والتدريب في المنطقة.