سعود الزاهد - العربية: كشفت وثائق مسربة عن موقع "ويكيليكس" أن إيران تسير في طريق توريث الحكم لنجل المرشد الأعلى علي خامنئي، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول العربية، التي حاولت ففشلت غالبيتها، ونجحت محاولة واحدة في سوريا التي أصبح فيها الوريث على حافة الخطر.
وسلط الكاتب الصحافي الإيراني شاهين فاطمي الضوء من خلال وثائق ويكيليكس على موضوع لم يكن جديداً للإيرانيين، بل يؤكد ما يتردد في الأوساط السياسية منذ سنوات بخصوص محاولات المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي توريث الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى نجله الثالث مجتبى خامنئي، الذي يحظى بسلطات غير محدودة من خلال مكتب والده، الذي يعرف في إيران باسم "بيت القائد المعظم".
ففي العالم العربي أفشلت الشعوب مخططات توريث الحكم في مصر لصالح جمال مبارك، وفي ليبيا لصالح سيف الإسلام، وفي اليمن لصالح أحمد علي عبدالله صالح، لكن فشلت كل هذه المحاولات بفعل الربيع العربي، وقد يكون الرئيس الوحيد الذي استلم الحكم بالتوريث هو بشار الأسد الذي يواجه هو الآخر هذه الأيام تحدياً حقيقياً في الشارع السوري.
وفي أعقاب المظاهرات التي انطلقت في مختلف المدن الإيرانية بعيد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009، كانت الشعارات المضادة لمحاولات التوريث تتردد بين الحين والآخر، ومن ضمنها "فلتمت يا مجتبى قبل أن تصبح قائداً".
مجتبى.. سيف الإسلام الإيراني
وكتب شاهين فاطمي بهذا الخصوص يقول: "هناك كم هائل من الوثائق التي كشف عنها ويكيليكس، تحمل معلومات من داخل النظام الإيراني، ننشرها على موقع (إيران والعالم)"، لكن المثير للاهتمام في هذه الوثائق ما يتعلق بـ"السيد مجتبى خامنئي" الذي يعتبر نجل و"ولي عهد" مرشد نظام الجمهورية الإسلامية، نقلاً عن طبيب قريب من التيار المحافظ الذي يحكم إيران، طبقاً للوثيقة التي تحمل رقم (PR100716ZMAY07).
وجاء في هذه الوثيقة أن طيباً إيرانياً يقول استناداً إلى تقارير يتلقاها الأصوليون المحافظون تزعم أن مجتبى نجل القائد يحمل آراء وعقائد متطرفة، ويحظى بنفوذ واسع في إدارة مكتب القائد، مضيفاً أنه يستمد قوته هذه مكانة والده، ويعمل حالياً على ترسيخ أسس سلطاته.
تجدر الإشارة أن الوثيقة لم تذكر اسم هذا الطبيب حفاظاً على حياة المصادر الاستخباراتية الأمريكية، إلا أنه يشار إليه بالطبيب الأصولي القريب من وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي، الذي يعمل حالياً مستشاراً لآية خامنئي في الشؤون الخارجية.
وقال الطبيب لدى مراجعته الممثلية الأمريكية في دبي، إن ابن المرشد الأعلى يلعب دوراً مباشراً في اتخاذ القرارات السلبية، من قبيل اعتقال موسوي المفاوض الإيراني في الملف النووي.
تأثير نجل المرشد على والده
ما أشير اليه آنفاً تم خلال مراجعتين للطيب المذكور، أما خلال المراجعة الثالثة للممثلية الأمريكية فقد كشف عن تأثير مجتبى خامنئي على والده، قائلاً "إن مجتبى يبلغ من العمر 33 عاماً، وهو الابن الثالث بين أربعة أبناء، وله نزعة أصولية متطرفة، وهو تلميذ سابق لحسين الله كرم زعيم جماعة أنصار حزب الله. إنه يدرس في الوقت الراهن الفقه ويرتدي زي رجال الدين، وهو الابن الوحيد المهتم بالسياسة".
ويشرح الطبيب خلال مراجعته الرابعة للممثلية الأمريكية، أن مجتبى يحمل أفكاراً متطرفة، لذا من الصعوبة بمكان جعله براغماتياً أو إصلاحياً، وهو مسؤول عن الكثير من السلبيات التي تتسم بها السياسات الإيرانية.
مجتبى والعراق
وعندما سئل الطبيب من قبل مسؤول في الممثلية الأمريكية في دبي بخصوص مهاجمة القوات الأمريكية في العراق، أشار أن هناك احتمالاً منطقياً على أن مجتبى خامنئي يدير السياسات الإيرانية في العراق. ثم قارن بين القائد السابق للحرس الثوري رحيم صفوي، الذي وصفه بالبراغماتي، ومجتبى "الأصولي المتطرف".
وبعد الإشارة في المراجعة الخامسة للممثلية الأمريكية إلى أن المرشد الإيراني الأعلى يخضع للعلاج الكيميائي، أكد الطبيب أن مجتبى خامنئي يستمد قوته من والده، وسينتهي دوره في حال غياب المرشد الإيراني من الساحة.
لكن هذا المصدر الاستخباراتي أكد أن مجتبى قام خلال السنوات العشر الماضية بالكثير من أجل توطيد أسس سلطته السياسية، والعمل على استقرار القوى الموالية له في المواقع الحساسة من مدينة مشهد الدينية (شمال شرق) إيران إلى سائر المناطق، فهذه القوى وفية له ومدربة جداً حيث من الصعوبة بمكان استبدالها بأخرى.
الأوباش والشبيحة والبلطجية
ويضيف التقرير أنه وبالرغم من أن مجتبى خامنئي لا يحمل صفة رسمية أو دستورية، لكن كلما جاء الوزراء وكبار المسؤولين إلى مكتب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يظهرون له خشوعاً وخضوعاً كبيرين.
ويؤكد التقرير أن هذه المعلومات تعود إلى سنوات ماضية، لكن تثبت ما يحدث عملياً على الساحة الإيرانية. هذه الوثائق تتحدث عن مراجعة الطبيب إلى الممثلية الأمريكية في شهر مايو/أيار من عام 2007، إلا أن الأحداث التي شهدتها إيران، لا سيما بعد انتخابات 2009 المتمثلة في تعبئة قوات الباسيج وعناصر مدنية يطلق عليها الإيرانيون "أراذل وأوباش"، وهي عناصر مدنية موالية للنظام على شاكلة الشبيحة في سوريا والبلطجية في مصر؛ حيث تم استخدامها لقمع الاحتجاجات الشعبية.
توريث مجتبى
ومجتبى هو الابن الثالث للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي أعلن فيها فوز أحمدي نجاد، بات اسم مجتبى خامنئي يتردد أكثر من أي وقت مضى في الأوساط السياسية والشارع الإيراني، وتتهمه المعارضة بتنظيم الانقلاب على صناديق الاقتراع.
وهناك شائعات قوية ترى بأن المرشد يعمل على إنشاء مجموعة من رجال الدين الشباب الحائزين على درجة الاجتهاد بمساعدة مؤسسة آية الله مصباح يزدي، وربط هذه المجموعة بنجله مجتبى تمهيداً لإلحاق هؤلاء بمجلس خبراء القيادة كضمان لتأييد مجتبى في أن يصبح مرشداً للنظام بعده.
ويرى مصدر حوزوي مطلع في قم أن هناك أرضية تترجم هذه الشائعات إلى واقع، فوجود مجلس صيانة الدستور المعين من قبل المرشد، والذي يمتلك حق النقض وحق تحديد صلاحية المرشحين، بإمكانه أن ينظم اللعبة الانتخابية لمجلس خبراء القيادة بطريقة يصعد من خلالها الموالون لمجتبى إلى المجلس في الانتخابات ضماناً لتصديق المجلس على اختياره مرشداً للنظام بعد والده، لكن في ضوء الوضع الراهن في المجلس لا يمكن تحقيق ذلك، لأن الكثير من أعضائه أعلى درجة من المرشد نفسه من الناحية الدينية.