بكين - عبد الرزاق طريبق (الصين اليوم) : إن تذكر أمام أي صيني اسم "هواشي"، البلدة التي كانت لزمن قريب قرية مقفرة تعيش الفقر والحرمان، إلا وتثير في من تخاطب حلم الثروة والغنى ورغد العيش؛ فتلك صفات أصبحت تمثلها هذه البلدة التي تثير نجاحاتها الاقتصادية الباهرة تنافس وحسد الكثير من البلدات الصينية.
قرية هواشي ببلدية هواشه بمدينة جيانغ يينغ التابعة لمقاطعة جيانغسو
هذه القرية، الواقعة في مقاطعة جيانغسو شرقي الصين، تعرف بأنها "القرية الأولى في الصين" و"قرية الأغنياء" و"القرية القابضة" وغيرها من الأسماء، التي تلخص تحولا بنيويا، نقلها في ظرف ثلاثين سنة من تجمع لمزارعي الأرز، إلى مجال معظم سكانه يقطنون فيلات بمسابح، ويركبون سيارات فاخرة، ويلبسون أحدث صيحات الموضة العالمية.
سكان هواشي، التي أصبحت مدينة بمواصفاة عالمية مرتبطة بشبكة طرق للسيارات والقطارات السريعة ويوجد بها مطار دولي يبعد بنحو 30 كلم عن وسطها، يرجعون سر نجاحهم إلى وو رن باو، الأمين السابق للجنة الحزب الشيوعي الصيني في بلدتهم، ومهندس تحولاتهم، تحت قيادة الحزب الشيوعي والنظريات المتعاقبة لقادته.
وما يزال وو رن باو، وهو يشارف على الثمانين من عمره، في قمة نشاطه. ورغم تخليه عن مناصبه لتقدمه في السن، يحرص يوميا على اللقاء بالسكان وحثهم على التمسك بقيم العمل، و"النوم المبكر والاستيقاظ المبكر والعمل بإخلاص وتفان".
ويحكي وو رن باو قصة نجاح قريته ويقول: "لم تكن بداية واحدة بل بدايات، ومحاولات مختلفة لتحسين أوضاع المزارعين، وتغيير نمط الزراعة التقليدي، بمداخيله الهزيلة". ويقول: "ثم وفقنا في سبعينيات القرن الماضي في إقامة مصنع للحديد والصلب، وآخر للغزل والنسيج وثالث لمواد البناء، وسارت التحولات كسيل جارف، وانخرط فيها سكان القرية". ويضيف أنه خلال عام 1978، السنة التي بدأت فيها الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، كان إجمالي الإنتاج الزراعي والصناعي في هواشي مليونا و50 ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات)، وفي سنة 2009 نتوقع تحقيق 22 مليار يوان. ويقول "إننا نحقق سنويا معدل نمو لا يقل عن 20 في المائة، ومنتجاتنا تصدر لأكثر من 40 دولة."
وفي نظر تشانغ لي، الشابة ذات الـستة والعشرين ربيعا، يمثل وو رن باو أحد النماذج الناجحة لسياسة الانفتاح الصيني، إذ تفوق في تحويل مجتمع قروي زراعي إلى مجتمع مدني صناعي، وأصبحت هواشي منطقة تصدير كبرى، دفع تطورها القرى المجاورة، فأضحت مراكز تصنيعية مرتبطة بأقطاب أكبر في المدن المجاورة، مثل شانغهاي التي تبعد عنها بنحو مائة كلم، وتغذي الأسواق العالمية في مختلف الأصقاع.
وتقول تشانغ لي، التي عادت للعمل في القرية بعد حصولها على شهادة في التدبير من جامعة بشانغهاي، إن مختلف السكان يشتغلون كما لو أنهم في شركة واحدة، فهم يحصلون على مرتبات شهرية ومرتبات تحفيزية حسب همتهم في العمل، يصرفون ثلثها، أما الثلثان فتخصص لهم بقيمتها أسهم في الأنشطة الاقتصادية بالقرية، ويحصلون على أرباح عنها كل سنة، لكن لا يمكنهم بيعها، وإذا غادروا القرية يفقدونها نهائيا ولا يمكنهم الحصول على تعويضات عنها.
ويوجد في هواشي حاليا، والتي أصبحت الآن "المجموعة القابضة لقرية هواشي"، تسع شركات كبرى تدير مجمعات تصنيعية ضخمة متخصصة في مختلف الصناعات، و60 شركة صغيرة قيمتها أكثر من 30 مليار يوان، وكل السكان مساهمون في هذه المجموعة القابضة، يحصلون كل سنة على اثنين من عشرة من الأرباح، في حين تبقى الثمانية من عشرة في حوزة المجموعة القابضة لتطوير أعمالها، وتحسين الخدمات الاجتماعية للقرية.
ويطلق الخبراء الصينيون على هذا النظام في التدبير الاقتصادي اسم "النمو الدائري"، ويشبهونه بكرة الثلج التي تكبر بسرعة كلما تدحرجت بسرعة، ويعتبرونها أسلوبا فعالا للغنى والتحسين المستمر لمستوى المعيشة.
مشهد لتجفيف التمور تحت الشمس في شيهوو / يينبينغ / ساوتشوانغ / شاندونغ شرق الصين - شينخوا
"إننا نحب هذا النوع من الشيوعية".. تقول تشانغ لي. في هذه القرية تمتلك كل عائلة سكنها الخاص، وسيارات خاصة، وودائع مالية تتجاوز قيمتها، لكل عائلة في القرية، مليون يوان على الأقل.
وتضيف "ينتابني شعور بالفخر، لما نعيشه حاليا وأنا استمع لذكريات أبي كيف كان السكان قبل أربعين سنة يطوون دروب القرية بدراجاتهم الهوائية على طرقات وعرة. انظر الآن يوجد في هواشي أكبر نسبة لتكتل الفيلات السكنية مما يوجد في مختلف المدن الصينية، وأمام بواباتها سيارات فارهة، وكل السكان لديهم تأمين كامل عن المرض".
وانضم إلى القرية ما بين سنة 2001 وسنة 2004 ما مجموعه 16 قرية أخرى محيطة، في إطار سياسة تجميع القدرات الاقتصادية للبلدات الصينية، وأصبح عدد سكانها 30 ألف نسمة ومساحتها 30 كلم مربعا، بعد أن كانوا سنة 1978 ألفي نسمة فقط في أقل من كلم مربع.
في الساعة العاشرة ليلا تطفأ أضواء هواشي، وتغلق جميع المحال والمطاعم والملاهي أبوابها، تطبيقا لتعليمات وو رن باو، حتى يسمح للجميع بالنوم، ففي هواشي يعتبر العمل أمرا مقدسا، والعمل سبعة أيام في الأسبوع ولساعات قد تطول لأكثر من ثماني ساعات أمر عادي ومحبب.
إنها الصين الجديدة. لم تعد في الواقع هواشي سوى نقطة في فضاء فسيح، يتكون من مجموعة بلدات تصنيعية كبرى، ومدن مصانع، كل واحدة متخصصة في صناعة بذاتها. هذا هو شرقي الصين الممتد على شريط ساحلي طويل من المصانع والموانئ، التي تزود العالم يوميا بحاجياته من اللباس والآلات ووسائل الترفيه واللهو وحتى الطعام.
قرية هواشي ببلدية هواشه بمدينة جيانغ يينغ التابعة لمقاطعة جيانغسو
هذه القرية، الواقعة في مقاطعة جيانغسو شرقي الصين، تعرف بأنها "القرية الأولى في الصين" و"قرية الأغنياء" و"القرية القابضة" وغيرها من الأسماء، التي تلخص تحولا بنيويا، نقلها في ظرف ثلاثين سنة من تجمع لمزارعي الأرز، إلى مجال معظم سكانه يقطنون فيلات بمسابح، ويركبون سيارات فاخرة، ويلبسون أحدث صيحات الموضة العالمية.
سكان هواشي، التي أصبحت مدينة بمواصفاة عالمية مرتبطة بشبكة طرق للسيارات والقطارات السريعة ويوجد بها مطار دولي يبعد بنحو 30 كلم عن وسطها، يرجعون سر نجاحهم إلى وو رن باو، الأمين السابق للجنة الحزب الشيوعي الصيني في بلدتهم، ومهندس تحولاتهم، تحت قيادة الحزب الشيوعي والنظريات المتعاقبة لقادته.
وما يزال وو رن باو، وهو يشارف على الثمانين من عمره، في قمة نشاطه. ورغم تخليه عن مناصبه لتقدمه في السن، يحرص يوميا على اللقاء بالسكان وحثهم على التمسك بقيم العمل، و"النوم المبكر والاستيقاظ المبكر والعمل بإخلاص وتفان".
ويحكي وو رن باو قصة نجاح قريته ويقول: "لم تكن بداية واحدة بل بدايات، ومحاولات مختلفة لتحسين أوضاع المزارعين، وتغيير نمط الزراعة التقليدي، بمداخيله الهزيلة". ويقول: "ثم وفقنا في سبعينيات القرن الماضي في إقامة مصنع للحديد والصلب، وآخر للغزل والنسيج وثالث لمواد البناء، وسارت التحولات كسيل جارف، وانخرط فيها سكان القرية". ويضيف أنه خلال عام 1978، السنة التي بدأت فيها الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، كان إجمالي الإنتاج الزراعي والصناعي في هواشي مليونا و50 ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات)، وفي سنة 2009 نتوقع تحقيق 22 مليار يوان. ويقول "إننا نحقق سنويا معدل نمو لا يقل عن 20 في المائة، ومنتجاتنا تصدر لأكثر من 40 دولة."
وفي نظر تشانغ لي، الشابة ذات الـستة والعشرين ربيعا، يمثل وو رن باو أحد النماذج الناجحة لسياسة الانفتاح الصيني، إذ تفوق في تحويل مجتمع قروي زراعي إلى مجتمع مدني صناعي، وأصبحت هواشي منطقة تصدير كبرى، دفع تطورها القرى المجاورة، فأضحت مراكز تصنيعية مرتبطة بأقطاب أكبر في المدن المجاورة، مثل شانغهاي التي تبعد عنها بنحو مائة كلم، وتغذي الأسواق العالمية في مختلف الأصقاع.
وتقول تشانغ لي، التي عادت للعمل في القرية بعد حصولها على شهادة في التدبير من جامعة بشانغهاي، إن مختلف السكان يشتغلون كما لو أنهم في شركة واحدة، فهم يحصلون على مرتبات شهرية ومرتبات تحفيزية حسب همتهم في العمل، يصرفون ثلثها، أما الثلثان فتخصص لهم بقيمتها أسهم في الأنشطة الاقتصادية بالقرية، ويحصلون على أرباح عنها كل سنة، لكن لا يمكنهم بيعها، وإذا غادروا القرية يفقدونها نهائيا ولا يمكنهم الحصول على تعويضات عنها.
ويوجد في هواشي حاليا، والتي أصبحت الآن "المجموعة القابضة لقرية هواشي"، تسع شركات كبرى تدير مجمعات تصنيعية ضخمة متخصصة في مختلف الصناعات، و60 شركة صغيرة قيمتها أكثر من 30 مليار يوان، وكل السكان مساهمون في هذه المجموعة القابضة، يحصلون كل سنة على اثنين من عشرة من الأرباح، في حين تبقى الثمانية من عشرة في حوزة المجموعة القابضة لتطوير أعمالها، وتحسين الخدمات الاجتماعية للقرية.
ويطلق الخبراء الصينيون على هذا النظام في التدبير الاقتصادي اسم "النمو الدائري"، ويشبهونه بكرة الثلج التي تكبر بسرعة كلما تدحرجت بسرعة، ويعتبرونها أسلوبا فعالا للغنى والتحسين المستمر لمستوى المعيشة.
مشهد لتجفيف التمور تحت الشمس في شيهوو / يينبينغ / ساوتشوانغ / شاندونغ شرق الصين - شينخوا
"إننا نحب هذا النوع من الشيوعية".. تقول تشانغ لي. في هذه القرية تمتلك كل عائلة سكنها الخاص، وسيارات خاصة، وودائع مالية تتجاوز قيمتها، لكل عائلة في القرية، مليون يوان على الأقل.
وتضيف "ينتابني شعور بالفخر، لما نعيشه حاليا وأنا استمع لذكريات أبي كيف كان السكان قبل أربعين سنة يطوون دروب القرية بدراجاتهم الهوائية على طرقات وعرة. انظر الآن يوجد في هواشي أكبر نسبة لتكتل الفيلات السكنية مما يوجد في مختلف المدن الصينية، وأمام بواباتها سيارات فارهة، وكل السكان لديهم تأمين كامل عن المرض".
وانضم إلى القرية ما بين سنة 2001 وسنة 2004 ما مجموعه 16 قرية أخرى محيطة، في إطار سياسة تجميع القدرات الاقتصادية للبلدات الصينية، وأصبح عدد سكانها 30 ألف نسمة ومساحتها 30 كلم مربعا، بعد أن كانوا سنة 1978 ألفي نسمة فقط في أقل من كلم مربع.
في الساعة العاشرة ليلا تطفأ أضواء هواشي، وتغلق جميع المحال والمطاعم والملاهي أبوابها، تطبيقا لتعليمات وو رن باو، حتى يسمح للجميع بالنوم، ففي هواشي يعتبر العمل أمرا مقدسا، والعمل سبعة أيام في الأسبوع ولساعات قد تطول لأكثر من ثماني ساعات أمر عادي ومحبب.
إنها الصين الجديدة. لم تعد في الواقع هواشي سوى نقطة في فضاء فسيح، يتكون من مجموعة بلدات تصنيعية كبرى، ومدن مصانع، كل واحدة متخصصة في صناعة بذاتها. هذا هو شرقي الصين الممتد على شريط ساحلي طويل من المصانع والموانئ، التي تزود العالم يوميا بحاجياته من اللباس والآلات ووسائل الترفيه واللهو وحتى الطعام.
عبد الرزاق طريبق: مدير مكتب وكالة أنباء "المغرب العربي" في بكين.