مسقط - بدر الرشدي (البلــــد) : إن الصرخة التي أطلقتها الكاتبة عذراء حمود في مقالها “يا محطمي الأجيال كفى ضربا بالعصا” ينبغي أن تكون كافية لتوقظ ضمير المربين و صناع القرار و القانونيين لينظروا بعمق لهذه المسألة، و إن كان البعض قد وجد في مقال الكاتبة و ما تبعه من تعميم إداري قسوة و شدة ضد المعلم، إلا أنني أراها قسوة لها ما يبررها من الواقع الذي نعيشه و ما يبررها من الأبحاث التربوية و النفسية و ما يبررها أيضا من القوانين و التشريعات الدولية، التي تنص بشكل لا يقبل أي نوع من التهاون في منع أي شكل من أشكال العنف البدني تحت أي مسمى كان سواء ضربا تأديبيا أو من أجل ضبط السلوك العام أو غيره.
المدارس هي البيئة الأهم التي ينبغي أن يصب عليها الجهد، لتكون واحة للإبداع و العلم، بل و ملجأ نفسيا لأي طفل يعاني من أسرته و مجتمعه، فيجد في المدرسة أخصائيا اجتماعيا يرشده و معلما يضمد جراحه النفسية و يعينه على مواجهة صعوبات الحياة، و لكن للأسف عوضا عن ذلك أصبحت “بعض ” المدارس ثكنات عسكرية لا تسمع فيها إلا لغة الأوامر فضلا عن لغة الشكليات التي طغت على كل نواحي الحياة المدرسية، فلم يعد الطالب هو مركز الاهتمام، فيتم إخضاعه بأي طريقة و يمارس عليه أي نوع من الضغوط ليتماشى مع ما يراد منه، ثم يأتي من يقول أن جيل اليوم غير طبيعي و مشاغب و لا يحترم الأنظمة؟!
و كما يقال ليس أسوأ من الخطأ سوى تبريره، لذا فإن التبريرات التي تساق اليوم عندما يناقش الضرب في المدارس يمكن أن نجملها في التالي:
أبرز حجة تساق لتبرير الضرب هي أننا تربينا على الضرب كأسلوب تربوي و نشأنا بدون عقد نفسية كما يقال اليوم. و الأعجب أن يسوق هذه الحجة من المربين و المثقفين الذي يفترض أنهم يدركون حركة المجتمعات الإنسانية و كيف تجدد نفسها و أساليبها في التربية و الحياة، فما كان يجدي لزمان قد لا ينفع لغيره، مع أن التسليم أن الضرب قديما لم يؤدِّ إلى نتائج سيئة هو ليس سوى افتراض لا تثبته دراسة نفسية و لا تربوية سوى ما يرويه البعض عن تجاربهم الخاصة، فضلا عن أن واقعنا الحالي لا يعطينا الأحقية في التعالي كثيرا على جيل اليوم، فما يراد منه أكبر مما نعيشه من واقع صعب، فالتحديات الثقافية و العلمية و الاجتماعية و الاقتصادية تحيط ببلداننا لذا فنحن بحاجة لجيل جديد ينتشلنا من هذه الورطة الحضارية لا أن نعيد إنتاج نفس الجيل.
المعلم يقع تحت ضغط شديد ناتج من عدد الطلاب في الفصل الواحد والنظام التعليمي برمته يفرض عليه استخدام العقاب البدني لضبط الطالب. و مع اتفاقنا التام مع وضع النظام التعليمي، إلا انه لا يسوغ أبدا استعمال الضرب في المدارس، و لا أجد علاقة قوية بينهما، فالخطأ لا يعالج بخطأ آخر.
من يقولون بخطورة الضرب في المدارس لا يدركون مشاكل النظام التعليمي و ما يعانيه المعلم مع الطلاب. و هذه مرتبطة بالنقطة السابقة، مع أن وظيفة المعلم ليست سرية حتى لا يدركها أحد سواه، فالتعليم هي قضية الجميع، و كل الدراسات النفسية و التربوية و كل الخبراء التربويين الذين بحثوا في الموضوع و أقروا بخطورة الضرب بالتأكيد يدركون عن ماذا يتحدثون.
لائحة شؤون الطلاب غير حازمة في التعامل مع مشاكل الطلاب و بالتالي يحتاج المعلم للتدخل بالضرب. تتضمن اللائحة 8 إجراءات يمكن استخدامها في التعامل مع الطالب المخالف للنظام تتدرج من النصح للتنبيه حتى تصل في النهاية إلى نقل الطالب نقلا تأديبيا، فأجدها منصفة للجميع، و لو طبقت اللائحة لما وجدنا هذه المشاكل التي ما زالت المدارس تعاني منها بسبب استعمال الضرب، و لكن البعض يبحث عن أقصر الطرق ليصل إلى مراده.
الشريعة الإسلامية أجازت ضرب الطفل في حديث الرسول عليه الصلاة و السلام : “اضربوهم عليها لعشر”. و رغم أنني لا أريد الدخول في تفسير الحديث فذاك فن له رواده، و لكن ظاهر الحديث – إن صح – يجيز للمربي بضرب الطفل عند بلوغه عشر سنوات، يعني بحساب الصفوف الدراسية في الصف الرابع تقريبا، و بذنب ترك الصلاة، بينما الواقع اليوم غير ذلك، فطفل السابعة و الثامنة يضرب، و لأخطاء بسيطة كعدم إحضار الدفتر و عدم أداء فروضه المدرسية، و لا أنسى قصة المعلمة التي ضربت طالب في الصف الأول في أول أيام العام الدراسي لأنه يبكي! هل كان من المفروض عليه أن يأتي للمدرسة يرقص حتى يستوعبه قلب هذه المعلمة الحنون؟!
الغريب في الموضوع أنه مع كل النقاشات التي ثارت حول القضية، لا تجد من يعرض أي دراسات علمية أو بحوث تربوية يستند عليها في رأيه، و يستعاض عن كل ذلك بآراء و تجارب شخصية، مع أن التربية علم له علماءه و مختصوه، و لو رجعنا للبحوث العلمية في هذا الجانب لوجدنا أنها تأكد على أهمية حظر العقاب البدني في المدارس، و اتخاذ بدائل ايجابية للتعامل مع الطلاب و مستوياتهم الأكاديمية، ففي بحث قام به مختصون في علم النفس و طب الأطفال أشركوا فيه عدد من الجمعيات العالمية مثل الكلية الملكية لطب الأطفال (RCPCH) و الجمعية الامريكية لعلم النفس (APA) و الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) و غيرها من الجمعيات أكدت بشكل لا لبس فيه على علاقة العقاب البدني للأطفال بالسلوك العدواني الذي قد ينشئ لاحقا، كما أوضحت الدراسة أنه لا علاقة واضحة بين الضرب و تحسن المستويات الأكاديمية للطلاب أو تحسن سلوكهم، و في دراسة أخرى للأمم المتحدة صدرت في 2007 عرفت فيه العقاب البدني “بأنه أي عقاب تستخدم فيه القوة البدنية و يقصد به إحداث درجة ما من الألم أو عدم الراحة مهما كان خفيفا” و “ترى اللجنة أن عقوبة الإيذاء البدني أمر مهين في جميع الأحوال”.
إن أغلب دول العالم التي لديها أنظمة تعليمية متقدمة حظرت تماما العقوبات البدنية في المدراس، فدور المدرسة التنويري القائم على تحرير العقل للبحث و الاستكشاف يتناقض تماما مع العقوبات البدنية، سواء كانت لتقويم السلوك أم كانت لتحسين المستوى الأكاديمي، فكوريا الجنوبية مثلا التي تملك نظاما تعلميا متقدما حظرت استخدام الضرب في مدارسها منذ عام 2011، و في فنلندا التي حصلت على أفضل نظام تعليمي عام 2013 في تقرير بيرسون لأفضل الأنظمة التعليمية فإن العقاب البدني محظور في مدارسها منذ عام 1914 و اليابان حظرته منذ أربعينات القرن الماضي، و كذلك دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و أستراليا و أغلب الدول الأوربية، بينما بقي الضرب التأديبي في أنظمة و تشريعات الدول العربية باستثناء الإمارات التي ألغته قبل فترة قصيرة لتتساوق مع الاتفاقيات الدولية.
أما السلطنة فقد صدقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1996 التي تنص صراحة في مادتها التاسعة عشر على حظر “كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية و الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال و إساءة المعاملة و الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية و هو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته”، بينما نجد أن قانون الجزاء العماني الصادر في عام 1974 ما زال لا يعد “ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم أو أساتذتهم في حدود ما يبيجه العرف العام” جريمة! على الرغم من النصوص الواضحة في قانون الطفل الذي صدر في عام 2014 و الذي ينص على أن “للطفل الحق فـي الحماية من العنف ، و الاستغلال، و الإساءة ، وفـي معاملة إنسانية كريمة تحفظ له كرامته وسمعته وشرفه ، وتكفل له الدولة التمتع بهذا الحق بكل السبل المتاحة ”
لذا فالسلطنة ينبغي أن توفي بالتزاماتها الدولية، و ليس هذا فحسب، بل إن تطوير التشريعات و القوانين بهذا الاتجاه سيجعل السلطنة تواكب التطور الحضاري في العالم، و يساهم في إصلاح النظام التعليمي ليكون بيئة ماتعة جذابة للطفل و ليست منفرة بما تحمله من قسوة و ترهيب.
أخيرا نعترف جميعا أن النظام التعليمي يعاني الكثير من المشاكل، و من الخطأ أن نرمي كل مشاكله على المعلم وحده، فالجميع يتحمل المسؤولية، الأسرة تخلت عن دورها التربوي و رمت المهمة بأكملها على كاهل المعلم، و صناع القرار لا يجيدون قراءة الواقع التعليمي بشكل دقيق فيصدرون قراراتهم التي تشحن المعلم المشحون أصلا بالكثير من المهام و المتطلبات التي تتزايد كل يوم، و رغم كل ذلك أقول أن المعلم اليوم مطالب بأن يطور من مهاراته التربوية، و يكثف من قراءاته و يجدد من معلوماته بشكل مستمر – بالطبع كغيره من الناس – فالتربية ليس علما جامدا، بل تتطور بتطور المجتمعات الإنسانية و أساليب التربية تتغير باستمرار لتواكب هذه التطورات، و الواقع التعليمي شاهد على معلمين لم يستعملوا العقاب البدني يوما بل كانوا أقرب كأصدقاء مع طلابهم، استطاعوا أن يبنوا علاقة قوية قائمة على الاحترام و المحبة المتبادلة، و هذه ليست مثاليات بل واقع يرويه المعلمون بأنفسهم، لأنهم آمنوا منذ البداية بأن العصا لا تربي إنسانا سويا، و الحط من كرامة الطفل لا يجعل منه إنسانا أفضل، لذا فإننا نحتاج إلى قرار شجاع من كل معلم و معلمة أن يرمي العصا اليوم و يستبدله بأساليب تربوية حديثة تتناسب مع قدرات طلابه، فضلا عن تعمق أكثر في التربية النفسية و محاولة تشخيص المشاكل التربوية بشكل أعمق بدل استعمال أقصر الطرق إلى الحل و هي العصا، التي ليست أكثر من مسكن موضعي.
المدارس هي البيئة الأهم التي ينبغي أن يصب عليها الجهد، لتكون واحة للإبداع و العلم، بل و ملجأ نفسيا لأي طفل يعاني من أسرته و مجتمعه، فيجد في المدرسة أخصائيا اجتماعيا يرشده و معلما يضمد جراحه النفسية و يعينه على مواجهة صعوبات الحياة، و لكن للأسف عوضا عن ذلك أصبحت “بعض ” المدارس ثكنات عسكرية لا تسمع فيها إلا لغة الأوامر فضلا عن لغة الشكليات التي طغت على كل نواحي الحياة المدرسية، فلم يعد الطالب هو مركز الاهتمام، فيتم إخضاعه بأي طريقة و يمارس عليه أي نوع من الضغوط ليتماشى مع ما يراد منه، ثم يأتي من يقول أن جيل اليوم غير طبيعي و مشاغب و لا يحترم الأنظمة؟!
و كما يقال ليس أسوأ من الخطأ سوى تبريره، لذا فإن التبريرات التي تساق اليوم عندما يناقش الضرب في المدارس يمكن أن نجملها في التالي:
أبرز حجة تساق لتبرير الضرب هي أننا تربينا على الضرب كأسلوب تربوي و نشأنا بدون عقد نفسية كما يقال اليوم. و الأعجب أن يسوق هذه الحجة من المربين و المثقفين الذي يفترض أنهم يدركون حركة المجتمعات الإنسانية و كيف تجدد نفسها و أساليبها في التربية و الحياة، فما كان يجدي لزمان قد لا ينفع لغيره، مع أن التسليم أن الضرب قديما لم يؤدِّ إلى نتائج سيئة هو ليس سوى افتراض لا تثبته دراسة نفسية و لا تربوية سوى ما يرويه البعض عن تجاربهم الخاصة، فضلا عن أن واقعنا الحالي لا يعطينا الأحقية في التعالي كثيرا على جيل اليوم، فما يراد منه أكبر مما نعيشه من واقع صعب، فالتحديات الثقافية و العلمية و الاجتماعية و الاقتصادية تحيط ببلداننا لذا فنحن بحاجة لجيل جديد ينتشلنا من هذه الورطة الحضارية لا أن نعيد إنتاج نفس الجيل.
المعلم يقع تحت ضغط شديد ناتج من عدد الطلاب في الفصل الواحد والنظام التعليمي برمته يفرض عليه استخدام العقاب البدني لضبط الطالب. و مع اتفاقنا التام مع وضع النظام التعليمي، إلا انه لا يسوغ أبدا استعمال الضرب في المدارس، و لا أجد علاقة قوية بينهما، فالخطأ لا يعالج بخطأ آخر.
من يقولون بخطورة الضرب في المدارس لا يدركون مشاكل النظام التعليمي و ما يعانيه المعلم مع الطلاب. و هذه مرتبطة بالنقطة السابقة، مع أن وظيفة المعلم ليست سرية حتى لا يدركها أحد سواه، فالتعليم هي قضية الجميع، و كل الدراسات النفسية و التربوية و كل الخبراء التربويين الذين بحثوا في الموضوع و أقروا بخطورة الضرب بالتأكيد يدركون عن ماذا يتحدثون.
لائحة شؤون الطلاب غير حازمة في التعامل مع مشاكل الطلاب و بالتالي يحتاج المعلم للتدخل بالضرب. تتضمن اللائحة 8 إجراءات يمكن استخدامها في التعامل مع الطالب المخالف للنظام تتدرج من النصح للتنبيه حتى تصل في النهاية إلى نقل الطالب نقلا تأديبيا، فأجدها منصفة للجميع، و لو طبقت اللائحة لما وجدنا هذه المشاكل التي ما زالت المدارس تعاني منها بسبب استعمال الضرب، و لكن البعض يبحث عن أقصر الطرق ليصل إلى مراده.
الشريعة الإسلامية أجازت ضرب الطفل في حديث الرسول عليه الصلاة و السلام : “اضربوهم عليها لعشر”. و رغم أنني لا أريد الدخول في تفسير الحديث فذاك فن له رواده، و لكن ظاهر الحديث – إن صح – يجيز للمربي بضرب الطفل عند بلوغه عشر سنوات، يعني بحساب الصفوف الدراسية في الصف الرابع تقريبا، و بذنب ترك الصلاة، بينما الواقع اليوم غير ذلك، فطفل السابعة و الثامنة يضرب، و لأخطاء بسيطة كعدم إحضار الدفتر و عدم أداء فروضه المدرسية، و لا أنسى قصة المعلمة التي ضربت طالب في الصف الأول في أول أيام العام الدراسي لأنه يبكي! هل كان من المفروض عليه أن يأتي للمدرسة يرقص حتى يستوعبه قلب هذه المعلمة الحنون؟!
الغريب في الموضوع أنه مع كل النقاشات التي ثارت حول القضية، لا تجد من يعرض أي دراسات علمية أو بحوث تربوية يستند عليها في رأيه، و يستعاض عن كل ذلك بآراء و تجارب شخصية، مع أن التربية علم له علماءه و مختصوه، و لو رجعنا للبحوث العلمية في هذا الجانب لوجدنا أنها تأكد على أهمية حظر العقاب البدني في المدارس، و اتخاذ بدائل ايجابية للتعامل مع الطلاب و مستوياتهم الأكاديمية، ففي بحث قام به مختصون في علم النفس و طب الأطفال أشركوا فيه عدد من الجمعيات العالمية مثل الكلية الملكية لطب الأطفال (RCPCH) و الجمعية الامريكية لعلم النفس (APA) و الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) و غيرها من الجمعيات أكدت بشكل لا لبس فيه على علاقة العقاب البدني للأطفال بالسلوك العدواني الذي قد ينشئ لاحقا، كما أوضحت الدراسة أنه لا علاقة واضحة بين الضرب و تحسن المستويات الأكاديمية للطلاب أو تحسن سلوكهم، و في دراسة أخرى للأمم المتحدة صدرت في 2007 عرفت فيه العقاب البدني “بأنه أي عقاب تستخدم فيه القوة البدنية و يقصد به إحداث درجة ما من الألم أو عدم الراحة مهما كان خفيفا” و “ترى اللجنة أن عقوبة الإيذاء البدني أمر مهين في جميع الأحوال”.
إن أغلب دول العالم التي لديها أنظمة تعليمية متقدمة حظرت تماما العقوبات البدنية في المدراس، فدور المدرسة التنويري القائم على تحرير العقل للبحث و الاستكشاف يتناقض تماما مع العقوبات البدنية، سواء كانت لتقويم السلوك أم كانت لتحسين المستوى الأكاديمي، فكوريا الجنوبية مثلا التي تملك نظاما تعلميا متقدما حظرت استخدام الضرب في مدارسها منذ عام 2011، و في فنلندا التي حصلت على أفضل نظام تعليمي عام 2013 في تقرير بيرسون لأفضل الأنظمة التعليمية فإن العقاب البدني محظور في مدارسها منذ عام 1914 و اليابان حظرته منذ أربعينات القرن الماضي، و كذلك دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و أستراليا و أغلب الدول الأوربية، بينما بقي الضرب التأديبي في أنظمة و تشريعات الدول العربية باستثناء الإمارات التي ألغته قبل فترة قصيرة لتتساوق مع الاتفاقيات الدولية.
أما السلطنة فقد صدقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1996 التي تنص صراحة في مادتها التاسعة عشر على حظر “كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية و الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال و إساءة المعاملة و الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية و هو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته”، بينما نجد أن قانون الجزاء العماني الصادر في عام 1974 ما زال لا يعد “ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم أو أساتذتهم في حدود ما يبيجه العرف العام” جريمة! على الرغم من النصوص الواضحة في قانون الطفل الذي صدر في عام 2014 و الذي ينص على أن “للطفل الحق فـي الحماية من العنف ، و الاستغلال، و الإساءة ، وفـي معاملة إنسانية كريمة تحفظ له كرامته وسمعته وشرفه ، وتكفل له الدولة التمتع بهذا الحق بكل السبل المتاحة ”
لذا فالسلطنة ينبغي أن توفي بالتزاماتها الدولية، و ليس هذا فحسب، بل إن تطوير التشريعات و القوانين بهذا الاتجاه سيجعل السلطنة تواكب التطور الحضاري في العالم، و يساهم في إصلاح النظام التعليمي ليكون بيئة ماتعة جذابة للطفل و ليست منفرة بما تحمله من قسوة و ترهيب.
أخيرا نعترف جميعا أن النظام التعليمي يعاني الكثير من المشاكل، و من الخطأ أن نرمي كل مشاكله على المعلم وحده، فالجميع يتحمل المسؤولية، الأسرة تخلت عن دورها التربوي و رمت المهمة بأكملها على كاهل المعلم، و صناع القرار لا يجيدون قراءة الواقع التعليمي بشكل دقيق فيصدرون قراراتهم التي تشحن المعلم المشحون أصلا بالكثير من المهام و المتطلبات التي تتزايد كل يوم، و رغم كل ذلك أقول أن المعلم اليوم مطالب بأن يطور من مهاراته التربوية، و يكثف من قراءاته و يجدد من معلوماته بشكل مستمر – بالطبع كغيره من الناس – فالتربية ليس علما جامدا، بل تتطور بتطور المجتمعات الإنسانية و أساليب التربية تتغير باستمرار لتواكب هذه التطورات، و الواقع التعليمي شاهد على معلمين لم يستعملوا العقاب البدني يوما بل كانوا أقرب كأصدقاء مع طلابهم، استطاعوا أن يبنوا علاقة قوية قائمة على الاحترام و المحبة المتبادلة، و هذه ليست مثاليات بل واقع يرويه المعلمون بأنفسهم، لأنهم آمنوا منذ البداية بأن العصا لا تربي إنسانا سويا، و الحط من كرامة الطفل لا يجعل منه إنسانا أفضل، لذا فإننا نحتاج إلى قرار شجاع من كل معلم و معلمة أن يرمي العصا اليوم و يستبدله بأساليب تربوية حديثة تتناسب مع قدرات طلابه، فضلا عن تعمق أكثر في التربية النفسية و محاولة تشخيص المشاكل التربوية بشكل أعمق بدل استعمال أقصر الطرق إلى الحل و هي العصا، التي ليست أكثر من مسكن موضعي.