بيروت - ليلى بسام (رويترز) - على ناصية اليقظة يدخل الكاتب اللبناني عبده وازن مدنا متخيّلة ويرسم على جدرانها أحلاما متحيرة تقيم على جسر يربط الواقع بحافة هاوية مفتوحة على ليل ونهار.
يلعب وازن على تخدير الوقت ليصنع منه كتابا ينتصف الضوء ويشكل قوس قزح بألوان جديدة ممتطيا غيمة ستكون عنوانا لكتاب "غيمة أربطها بخيط" الصادر عن دار نوفل هاشيت -أنطوان بيروت.
والكتاب عبارة عن نصوص تجمع بين الشعر والسرد التخيلي. ويصنفه الكاتب على أنه أشبه بمدونة كتب فيها أحلاما أبصرها.. منها ما ينتمي إلى أحلام الليل ومنها ما ينتمي إلى أحلام اليقظة.
وقال وازن لرويترز "انطلقت في تأليف هذا الكتاب من تجربة ذاتية وخاصة. لم أجد ما أستند إليه من مرجع أدبي قائم على ما يسمى النص الحلمي... فشئت أن أكتب ما يمكن تسميته أدب الحلم وليس مجرد تدوين أحلامي كما هي."
وأضاف "انطلقت من الأحلام ورحت أكتب نصوصا قائمة على بعد فني وتقني وقد اعتمدت تقنية جديدة في كتابتها مستندا إلى الآلية التي قال بها عالمان كبيران هما سيجموند فرويد وكارل يونج. وبدت هذه النصوص بعدما جمعتها أنها متراوحة بين القصص القصيرة وقصائد النثر."
ومضى يقول "كل نصوص هذا الكتاب الذي يمكن وصفه بأنه ‘المفتوح‘ هي أحلام عكفت على تدوينها طوال أعوام. ومن بينها أحلام أبصرتها منذ سنوات وظللت أتذكرها جراء أثرها فيّ أو حبي لها أو خوفي منها. في أحيان أسرد الحلم كما هو وفي أحيان أخرى أنطلق من أضغاث حلم لأنسج حوله نصا. ولكن ما من نص كُتب خارج الحلم.. حلم ليل أو حلم يقظة. وفي كلا الحالين يغدو الحلم الذي أبصره مختلفا عن الحلم الذي أكتبه علما أنني عندما أعيد كتابة الحلم أبدو كأنني أحلمه مرة أخرى ولكن عبر الكلمات. إبصار الحلم أمر وكتابته أمر آخر."
يقع الكتاب في 253 صفحة وتحمل كل صفحة منه قصة أو حلما أو متخيلة أو صرخة واقع تريد ماضيها. ومما جاء في إحدى الفقرات تحت عنوان البئر "البئر التي جف ماؤها راحوا يرمون فيها كتبا ودفاتر حتى امتلأت. لم يرم ِأحد فيها حجرا. مددت يدي لآخذ كتابا فوجدته أخضر مثل ورقة دلب."
ويدخل الصحفي سمير قصير الذي اغتيل في بيروت عام 2005 إلى حلم عبده وازن فيقرع بابه ويسأله وازن "كيف كان وقع الانفجار عليك في السيارة؟ قال: لم أحسّ شيئاً. أبصرت ما يشبه البرق ثم لا أذكر ما حصل. لكنني عندما فتحت عيني أبصرتني منحيا على مقود السيارة التي كانت تحترق ومن حولي أناس لم أعرف من أين أتوا... رحت أضحك. ظنّوا أنني فارقت الحياة. ثم رفع كأسه وقال: هيا نحتفل الليلة. السلام حل على العالم."
ويفسر وزان مرامي كتاباته فيقول "لست راوي أحلام. إنني كاتب أحلام أو حالم داخل اللغة نفسها. حالم أحلام أبصرتها. وكم من أحلام تفوتنا فننساها ولا تبقى منها ملامح ولو ضئيلة. وكم من أحلام تتكرر وكأنها تصر على طرق أبواب النوم لغايات غير واضحة. وكان لا بد من أن أكرر بضعة أحلام راودتني مرارا."
ويتوقف وازن عند أمر ملّح يقترب إلى السؤال "هل تعني هذه الأحلام-النصوص القارئ حقاً؟ ماذا يعنيه أن يقرأ أحلاما أبصرها شخص سواه؟ هل يجد فيها نفسه؟ هل يجد فيها مثل صاحبها نافذة تطل على عالم آخر متوهم وحقيقي؟"
ويقول "أعترف أنني عندما كنت أكتب هذه الأحلام كان يخامرني شعور كأنني أكتب أجزاء أو مقاطع من سيرتي الذاتية ولكن بطريقة لاواعية مشرعة على المصادفات والمفاجآت. إنها سيرتي الذاتية المجهولة التي عشتها في ظلام الليل وعتمة الذات واللاوعي... هذا أنا أكتبني حالما نفسي وموقظا إياها في آن. هل أجمل من أن يكتب المرء سيرته وهو غائب فيها؟"
أما في شأن العنوان الذي يبدو عنوانا لديوان شعري أو لقصيدة فقال "إنما اخترته من طريق الحلم أيضا وبمحض المصادفة. حلمت ذات ليلة أنني أكتب قصيدة وعندما استيقظت لم أحفظ منها سوى سطر: ‘غيمة أربطها بخيط‘. لا أذكر كيف كنت أكتبها. لم يبق من القصيدة سوى هذا السطر بل لعلني كتبتها في الحلم ليبقى منها فقط هذا السطر. لا أعلم كيف حلت الغيمة بين يديّ وكيف ربطتها ولا أعلم من أين أتيت بالخيط."
ويقول وازن "إنني شخص حالم. أحلم في الليل عندما أغمض عيني وفي الصباح قبل أن أنهض متثاقلا من الفراش وفي أوقات ما بعد الظهيرة عندما يحل بي النعاس الذي يغدو كأنه نوم ويقظة في آن. ليس الحلم وجها من وجوه الحياة الحلم هو الحياة نفسها. الحياة بصفتها حياة أخرى. لا أستعير هنا المقولة الشهيرة ‘الحياة حلم‘ ولكن هذا ما لمسته خلال أعوام وعشته من دون أن أبرره أو أسعى إلى تأكيده. وما زلت أميل إلى نظرة الشعوب البدائية إلى الحلم وكذلك إلى التصورات التي ارتآها أهل الحضارات الغابرة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان والهند وكلها تلتقي حول الطابع الميتافيزيقي للحلم."
وترافقت النصوص الواردة في الكتاب مع دراسة مطولة حول مفهوم الحلم في نظريات العلماء وأبحاثهم التطبيقية مركزا على فرويد ويونج وهما من أشهر العلماء الذي اشتغلوا في هذا المضمار.
كما توقف الكاتب كثيرا عند أراء الفلاسفة العرب القدامى والفلاسفة الغربيين في قضية الأحلام لكنه ركز على عالمين مسلمين كبيرين هما ابن سيرين وعبد الغني النابلسي وقد وضع كل منهما كتابا في "تفسير الأحلام".
وتفصل بين هذين الكتابين الفريدين قرون.. فالإمام ابن سيرين ولد في أواخر خلافة عمر بن الخطاب في البصرة وتوفي قرابة عام 110 هجريا بينما عاش الشيخ النابلسي في العصر العثماني بعد نحو ألف عام.
ويتبدى الاختلاف بين الكتابين واضحا على رغم وحدة غاياتهما لاسيما في المفردات والمصطلحات وطريقة التفسير جراء اختلاف العصر والتقدم الذي حدث على مر العصور.
وعبده وازن شاعر وروائي وناقد لبناني يتولى حاليا إدارة القسم الثقافي في صحيفة الحياة اللندنية. وقد منحه نادي دبي للصحافة جائزة الصحافة الثقافية لعام 2005.
يلعب وازن على تخدير الوقت ليصنع منه كتابا ينتصف الضوء ويشكل قوس قزح بألوان جديدة ممتطيا غيمة ستكون عنوانا لكتاب "غيمة أربطها بخيط" الصادر عن دار نوفل هاشيت -أنطوان بيروت.
والكتاب عبارة عن نصوص تجمع بين الشعر والسرد التخيلي. ويصنفه الكاتب على أنه أشبه بمدونة كتب فيها أحلاما أبصرها.. منها ما ينتمي إلى أحلام الليل ومنها ما ينتمي إلى أحلام اليقظة.
وقال وازن لرويترز "انطلقت في تأليف هذا الكتاب من تجربة ذاتية وخاصة. لم أجد ما أستند إليه من مرجع أدبي قائم على ما يسمى النص الحلمي... فشئت أن أكتب ما يمكن تسميته أدب الحلم وليس مجرد تدوين أحلامي كما هي."
وأضاف "انطلقت من الأحلام ورحت أكتب نصوصا قائمة على بعد فني وتقني وقد اعتمدت تقنية جديدة في كتابتها مستندا إلى الآلية التي قال بها عالمان كبيران هما سيجموند فرويد وكارل يونج. وبدت هذه النصوص بعدما جمعتها أنها متراوحة بين القصص القصيرة وقصائد النثر."
ومضى يقول "كل نصوص هذا الكتاب الذي يمكن وصفه بأنه ‘المفتوح‘ هي أحلام عكفت على تدوينها طوال أعوام. ومن بينها أحلام أبصرتها منذ سنوات وظللت أتذكرها جراء أثرها فيّ أو حبي لها أو خوفي منها. في أحيان أسرد الحلم كما هو وفي أحيان أخرى أنطلق من أضغاث حلم لأنسج حوله نصا. ولكن ما من نص كُتب خارج الحلم.. حلم ليل أو حلم يقظة. وفي كلا الحالين يغدو الحلم الذي أبصره مختلفا عن الحلم الذي أكتبه علما أنني عندما أعيد كتابة الحلم أبدو كأنني أحلمه مرة أخرى ولكن عبر الكلمات. إبصار الحلم أمر وكتابته أمر آخر."
يقع الكتاب في 253 صفحة وتحمل كل صفحة منه قصة أو حلما أو متخيلة أو صرخة واقع تريد ماضيها. ومما جاء في إحدى الفقرات تحت عنوان البئر "البئر التي جف ماؤها راحوا يرمون فيها كتبا ودفاتر حتى امتلأت. لم يرم ِأحد فيها حجرا. مددت يدي لآخذ كتابا فوجدته أخضر مثل ورقة دلب."
ويدخل الصحفي سمير قصير الذي اغتيل في بيروت عام 2005 إلى حلم عبده وازن فيقرع بابه ويسأله وازن "كيف كان وقع الانفجار عليك في السيارة؟ قال: لم أحسّ شيئاً. أبصرت ما يشبه البرق ثم لا أذكر ما حصل. لكنني عندما فتحت عيني أبصرتني منحيا على مقود السيارة التي كانت تحترق ومن حولي أناس لم أعرف من أين أتوا... رحت أضحك. ظنّوا أنني فارقت الحياة. ثم رفع كأسه وقال: هيا نحتفل الليلة. السلام حل على العالم."
ويفسر وزان مرامي كتاباته فيقول "لست راوي أحلام. إنني كاتب أحلام أو حالم داخل اللغة نفسها. حالم أحلام أبصرتها. وكم من أحلام تفوتنا فننساها ولا تبقى منها ملامح ولو ضئيلة. وكم من أحلام تتكرر وكأنها تصر على طرق أبواب النوم لغايات غير واضحة. وكان لا بد من أن أكرر بضعة أحلام راودتني مرارا."
ويتوقف وازن عند أمر ملّح يقترب إلى السؤال "هل تعني هذه الأحلام-النصوص القارئ حقاً؟ ماذا يعنيه أن يقرأ أحلاما أبصرها شخص سواه؟ هل يجد فيها نفسه؟ هل يجد فيها مثل صاحبها نافذة تطل على عالم آخر متوهم وحقيقي؟"
ويقول "أعترف أنني عندما كنت أكتب هذه الأحلام كان يخامرني شعور كأنني أكتب أجزاء أو مقاطع من سيرتي الذاتية ولكن بطريقة لاواعية مشرعة على المصادفات والمفاجآت. إنها سيرتي الذاتية المجهولة التي عشتها في ظلام الليل وعتمة الذات واللاوعي... هذا أنا أكتبني حالما نفسي وموقظا إياها في آن. هل أجمل من أن يكتب المرء سيرته وهو غائب فيها؟"
أما في شأن العنوان الذي يبدو عنوانا لديوان شعري أو لقصيدة فقال "إنما اخترته من طريق الحلم أيضا وبمحض المصادفة. حلمت ذات ليلة أنني أكتب قصيدة وعندما استيقظت لم أحفظ منها سوى سطر: ‘غيمة أربطها بخيط‘. لا أذكر كيف كنت أكتبها. لم يبق من القصيدة سوى هذا السطر بل لعلني كتبتها في الحلم ليبقى منها فقط هذا السطر. لا أعلم كيف حلت الغيمة بين يديّ وكيف ربطتها ولا أعلم من أين أتيت بالخيط."
ويقول وازن "إنني شخص حالم. أحلم في الليل عندما أغمض عيني وفي الصباح قبل أن أنهض متثاقلا من الفراش وفي أوقات ما بعد الظهيرة عندما يحل بي النعاس الذي يغدو كأنه نوم ويقظة في آن. ليس الحلم وجها من وجوه الحياة الحلم هو الحياة نفسها. الحياة بصفتها حياة أخرى. لا أستعير هنا المقولة الشهيرة ‘الحياة حلم‘ ولكن هذا ما لمسته خلال أعوام وعشته من دون أن أبرره أو أسعى إلى تأكيده. وما زلت أميل إلى نظرة الشعوب البدائية إلى الحلم وكذلك إلى التصورات التي ارتآها أهل الحضارات الغابرة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان والهند وكلها تلتقي حول الطابع الميتافيزيقي للحلم."
وترافقت النصوص الواردة في الكتاب مع دراسة مطولة حول مفهوم الحلم في نظريات العلماء وأبحاثهم التطبيقية مركزا على فرويد ويونج وهما من أشهر العلماء الذي اشتغلوا في هذا المضمار.
كما توقف الكاتب كثيرا عند أراء الفلاسفة العرب القدامى والفلاسفة الغربيين في قضية الأحلام لكنه ركز على عالمين مسلمين كبيرين هما ابن سيرين وعبد الغني النابلسي وقد وضع كل منهما كتابا في "تفسير الأحلام".
وتفصل بين هذين الكتابين الفريدين قرون.. فالإمام ابن سيرين ولد في أواخر خلافة عمر بن الخطاب في البصرة وتوفي قرابة عام 110 هجريا بينما عاش الشيخ النابلسي في العصر العثماني بعد نحو ألف عام.
ويتبدى الاختلاف بين الكتابين واضحا على رغم وحدة غاياتهما لاسيما في المفردات والمصطلحات وطريقة التفسير جراء اختلاف العصر والتقدم الذي حدث على مر العصور.
وعبده وازن شاعر وروائي وناقد لبناني يتولى حاليا إدارة القسم الثقافي في صحيفة الحياة اللندنية. وقد منحه نادي دبي للصحافة جائزة الصحافة الثقافية لعام 2005.