القاهرة - سهام أشطو (دويتشه ﭭيله) : بعد عقود من الانتظار صدر أخيرا قانون ينظم بناء الكنائس في مصر، لكن القانون يثير جدلا وانقساما بين الأقباط، ففي الوقت الذي يعتبره البعض قفزة كبيرة إلى الأمام، يرى فيه آخرون تكريسا للتمييز ضد الأقباط.
خرج أخيرا إلى العلن قانون خاص ببناء وترميم الكنائس في مصر، الذي يعتبر من طرف البعض أنه جاء متأخرا بمائة وستين سنة. وجاء القانون بعد سلسلة مفاوضات بين ممثلي الكنائس المسيحية الثلاث في مصر والحكومة المصرية عرفت الكثير من الصعوبات والتعديلات لمسودة القانون المقترحة. وبينما يرى البعض أن إصدار القانون في ذاته يشكل انتصارا لأقباط مصر ومكسبا كبيرا بعد عقود من المطالبة بقانون ينظم بناء وترميم كنائسهم، يرى فيه حقوقيون مصريون تكريسا للتمييز الممارس ضد أقباط مصر. فهل يسعى النظام المصري من خلال هذا القانون التقرب من الإسلاميين المتشددين؟ وهل يساهم القانون الجديد في رفع شعبية الرئيس المصري التي عرفت تراجعا في الآونة الأخيرة؟
انقسام في صفوف الأقباط
يشكل المسيحيون نحو 10 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم قرابة 90 مليون نسمة حسب تقديرات غير رسمية. ويوجد في مصر 2869 كنيسة بحسب أرقام رسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2011. ولطالما شكل موضوع ترخيص المباني والشهادات المطلوبة له أبرز نقاط الخلاف بين الدولة والكنائس في مصر، وهي النقطة نفسها التي أثارت جدلا في القانون الجديد أيضا، حيث ينص هذا القانون الذي يتكون من تسعة مواد أصلية وثلاث مواد تمهيدية، على أن يتقدم الممثلون القانونيون للطوائف المسيحية المعترف بها في مصر، وأبرزها الأرثوذكسية، بطلبات البناء أو الترميم أو التوسيع أو التعلية إلى المحافظ الذي يقع الطلب في محافظته. وبينما حظي القانون بترحيب رجال الدين المسيحيين، فإنه لقي معارضة وانتقادات شديدة من نواب مسيحين في مجلس النواب الذي أصدر القانون، حيث وصفه أحد النواب المسيحيين ب"السم القاتل".
ويقول إسحاق ابراهيم وهو خبير في الشأن القبطي وباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في مقابلة أجرتها معه DWعربية، إن على القانون تحفظات كثيرة من طرف الأقباط، سواء على طريقة إخراجه أو مواده. ويشرح أن القانون صدر دون إجراء حوار مجتمعي حوله، حيث تم الاكتفاء بمناقشات طويلة سرية بين رجال الدين والحكومة وأحيل مشروع القانون على مجلس النواب ليتم إصداره بعد ثلاثة أيام من ذلك.
القانون الجديد يسهل عملية الترخيص لبناء وترميم الكنائس في مصر
قانون طائفي
وبينما يرى بعض المتفائلين أن القانون سيزيل الكثير من المشكلات الطائفية لأن بناء وترميم الكنائس سيكون في إطار قانون واضح وليس في أيدي أشخاص معينين، يقول الحقوقي المصري إن الكثيرين يعتبرون القانون طائفيا ومضرا بالأجيال القادمة، وأول ما يدل على ذلك هو إصدار قانون خاص بتنظيم الكنائس بينما يفترض أن يكون القانون خاصا بكل المعابد الدينية ويعامل المصريين بسواسية بغض النظر عن ديانتهم، حسب المتحدث. ويضيف ابراهيم أن القانون يفرض شروطا من الصعب تحقيق بعضها للحصول على ترخيص من أجل ترميم أو بناء كنيسة، كما أنه يشترط أن تتناسب مساحة الكنيسة المقرر بناؤها في منطقة ما مع عدد المواطنين المسيحيين فيها بينما لا يُشترط ذلك فيما يتعلق بالمساجد. كما لم يوضح القانون المساحة أوالعدد ومن يقم بتحديد ذلك. بالإضافة إلى أن القانون يحصر أماكن الصلاة بالنسبة للمسيحيين في الكنائس فقط بينما يمكن للمسملين الصلاة في أي مكان. ويضيف ابراهيم انتقادا آخر للقانون الذي يربط بين ترخيص بناء الكنائس والتزام هذه "بمبادئ الدفاع عن الدولة". كل هذا يجعل الحقوقي المصري يؤمن أن القانون "جزء من فلسفة النظام المحافظ المتحالف مع التيار السلفي".
يشار إلى أن نواب حزب النور السلفي، وعددهم تسعة، لم يوافقوا على أي مادة من مواد القانون خلال مناقشة مشروعه. وكان عدد منهم قد أدلوا بتصريحات مفادها أن مصر يجب أن تيسر بناء وترميم الكنائس عندما ينتهي ما وصفوه بالتضييق على بناء المساجد في الغرب. ويقول الحقوقي المصري اسحاق ابراهيم إن النظام المصري يقوم بإمساك العصا من الوسط، بحيث يحاول إرضاء الأقباط دون أن يغضب الإسلاميين المتشددين والشارع المصري المحافظ.
القانون الجديد قد يساهم في الرفع من شعبية الرئيس السيسي التي تراجعت مؤخرا.
لطالما أثار موضوع بناء الكنائس جدلا في مصر وعنفا طائفيا: فقبل القانون الجديد لم تعرف البلاد قانونا ينظم بناء الكنائس الجديدة، وهو ما كان يدفع بالمسيحيين خصوصا في الريف لتحويل بيوتهم لكنائس صغيرة أو للصلاة في الشارع، ما يؤدي لصراعات طائفية أحيانا، خصوصا في جنوب البلاد حيث يقطن العديد من المصريين المسيحيين. وسبق أن اندلعت الشهر الماضي عدة نزاعات طائفية بين مسلمين ومسيحيين في منطقتي المنيا وبني سويف على خلفية إقامة أقباط للصلاة في بيوت تم تحويلها لكنائس من دون الحصول على تصريح رسمي. وحدث أن قام مسلمون غاضبون بإحراق تلك المنازل في بعض الأحيان، احتجاجا على استخدامها ككنائس.
"نقلة حضارية"
من جهته ينفي الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الانجيلية في مصر وجود انقسام بين أقباط مصر حول القانون قائلا إن الكنائس الثلاث في مصر وافقت على القانون ويرى رجل الدين المصري أن القانون يشكل "نقلة حضارية" وينصف الأقباط الذين يطالبون به منذ مدة طويلة.
وفي تصريحات أدلى بها ل DWعربية، يخفف زكي من شأن الانتقادات التي وجهت للقانون معتبرا أنه قانون "غير مسيس ويعزز العيش المشترك والوحدة الكنيسية". كما يعتبره خطوة كبيرة نحو الأمام، "إذ كنا في السابق ننتظر سنوات طويلة للحصول على ترخيص لبناء كنيسة رغم استيفائنا لكل الشروط المعقدة، ثم يتم رفض بنائها نهاية الأمر، فإن القانون الجديد يحدد مدة أربعة أشهر لاتخاذ قرار بإعطاء الترخيص من عدمه وإذا كان القرار هو الرفض يجب أن يكون مسببا ومكتوبا". ويرى رجل الدين المصري أن القانون الجديد سيرفع من شعبية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسيكسب مجددا المواطنين الأقباط إلى جانبه. ويعلق ابراهيم على موقف رجال الدين المسيحيين الإيجابي من القانون بالقول: "إن رجال الدين ينطلقون من حسن نية ومن الاعتقاد بأن سلوك الدولة مع الأقباط سيختلف عن الماضي".
خرج أخيرا إلى العلن قانون خاص ببناء وترميم الكنائس في مصر، الذي يعتبر من طرف البعض أنه جاء متأخرا بمائة وستين سنة. وجاء القانون بعد سلسلة مفاوضات بين ممثلي الكنائس المسيحية الثلاث في مصر والحكومة المصرية عرفت الكثير من الصعوبات والتعديلات لمسودة القانون المقترحة. وبينما يرى البعض أن إصدار القانون في ذاته يشكل انتصارا لأقباط مصر ومكسبا كبيرا بعد عقود من المطالبة بقانون ينظم بناء وترميم كنائسهم، يرى فيه حقوقيون مصريون تكريسا للتمييز الممارس ضد أقباط مصر. فهل يسعى النظام المصري من خلال هذا القانون التقرب من الإسلاميين المتشددين؟ وهل يساهم القانون الجديد في رفع شعبية الرئيس المصري التي عرفت تراجعا في الآونة الأخيرة؟
انقسام في صفوف الأقباط
يشكل المسيحيون نحو 10 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم قرابة 90 مليون نسمة حسب تقديرات غير رسمية. ويوجد في مصر 2869 كنيسة بحسب أرقام رسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2011. ولطالما شكل موضوع ترخيص المباني والشهادات المطلوبة له أبرز نقاط الخلاف بين الدولة والكنائس في مصر، وهي النقطة نفسها التي أثارت جدلا في القانون الجديد أيضا، حيث ينص هذا القانون الذي يتكون من تسعة مواد أصلية وثلاث مواد تمهيدية، على أن يتقدم الممثلون القانونيون للطوائف المسيحية المعترف بها في مصر، وأبرزها الأرثوذكسية، بطلبات البناء أو الترميم أو التوسيع أو التعلية إلى المحافظ الذي يقع الطلب في محافظته. وبينما حظي القانون بترحيب رجال الدين المسيحيين، فإنه لقي معارضة وانتقادات شديدة من نواب مسيحين في مجلس النواب الذي أصدر القانون، حيث وصفه أحد النواب المسيحيين ب"السم القاتل".
ويقول إسحاق ابراهيم وهو خبير في الشأن القبطي وباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في مقابلة أجرتها معه DWعربية، إن على القانون تحفظات كثيرة من طرف الأقباط، سواء على طريقة إخراجه أو مواده. ويشرح أن القانون صدر دون إجراء حوار مجتمعي حوله، حيث تم الاكتفاء بمناقشات طويلة سرية بين رجال الدين والحكومة وأحيل مشروع القانون على مجلس النواب ليتم إصداره بعد ثلاثة أيام من ذلك.
القانون الجديد يسهل عملية الترخيص لبناء وترميم الكنائس في مصر
قانون طائفي
وبينما يرى بعض المتفائلين أن القانون سيزيل الكثير من المشكلات الطائفية لأن بناء وترميم الكنائس سيكون في إطار قانون واضح وليس في أيدي أشخاص معينين، يقول الحقوقي المصري إن الكثيرين يعتبرون القانون طائفيا ومضرا بالأجيال القادمة، وأول ما يدل على ذلك هو إصدار قانون خاص بتنظيم الكنائس بينما يفترض أن يكون القانون خاصا بكل المعابد الدينية ويعامل المصريين بسواسية بغض النظر عن ديانتهم، حسب المتحدث. ويضيف ابراهيم أن القانون يفرض شروطا من الصعب تحقيق بعضها للحصول على ترخيص من أجل ترميم أو بناء كنيسة، كما أنه يشترط أن تتناسب مساحة الكنيسة المقرر بناؤها في منطقة ما مع عدد المواطنين المسيحيين فيها بينما لا يُشترط ذلك فيما يتعلق بالمساجد. كما لم يوضح القانون المساحة أوالعدد ومن يقم بتحديد ذلك. بالإضافة إلى أن القانون يحصر أماكن الصلاة بالنسبة للمسيحيين في الكنائس فقط بينما يمكن للمسملين الصلاة في أي مكان. ويضيف ابراهيم انتقادا آخر للقانون الذي يربط بين ترخيص بناء الكنائس والتزام هذه "بمبادئ الدفاع عن الدولة". كل هذا يجعل الحقوقي المصري يؤمن أن القانون "جزء من فلسفة النظام المحافظ المتحالف مع التيار السلفي".
يشار إلى أن نواب حزب النور السلفي، وعددهم تسعة، لم يوافقوا على أي مادة من مواد القانون خلال مناقشة مشروعه. وكان عدد منهم قد أدلوا بتصريحات مفادها أن مصر يجب أن تيسر بناء وترميم الكنائس عندما ينتهي ما وصفوه بالتضييق على بناء المساجد في الغرب. ويقول الحقوقي المصري اسحاق ابراهيم إن النظام المصري يقوم بإمساك العصا من الوسط، بحيث يحاول إرضاء الأقباط دون أن يغضب الإسلاميين المتشددين والشارع المصري المحافظ.
القانون الجديد قد يساهم في الرفع من شعبية الرئيس السيسي التي تراجعت مؤخرا.
لطالما أثار موضوع بناء الكنائس جدلا في مصر وعنفا طائفيا: فقبل القانون الجديد لم تعرف البلاد قانونا ينظم بناء الكنائس الجديدة، وهو ما كان يدفع بالمسيحيين خصوصا في الريف لتحويل بيوتهم لكنائس صغيرة أو للصلاة في الشارع، ما يؤدي لصراعات طائفية أحيانا، خصوصا في جنوب البلاد حيث يقطن العديد من المصريين المسيحيين. وسبق أن اندلعت الشهر الماضي عدة نزاعات طائفية بين مسلمين ومسيحيين في منطقتي المنيا وبني سويف على خلفية إقامة أقباط للصلاة في بيوت تم تحويلها لكنائس من دون الحصول على تصريح رسمي. وحدث أن قام مسلمون غاضبون بإحراق تلك المنازل في بعض الأحيان، احتجاجا على استخدامها ككنائس.
"نقلة حضارية"
من جهته ينفي الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الانجيلية في مصر وجود انقسام بين أقباط مصر حول القانون قائلا إن الكنائس الثلاث في مصر وافقت على القانون ويرى رجل الدين المصري أن القانون يشكل "نقلة حضارية" وينصف الأقباط الذين يطالبون به منذ مدة طويلة.
وفي تصريحات أدلى بها ل DWعربية، يخفف زكي من شأن الانتقادات التي وجهت للقانون معتبرا أنه قانون "غير مسيس ويعزز العيش المشترك والوحدة الكنيسية". كما يعتبره خطوة كبيرة نحو الأمام، "إذ كنا في السابق ننتظر سنوات طويلة للحصول على ترخيص لبناء كنيسة رغم استيفائنا لكل الشروط المعقدة، ثم يتم رفض بنائها نهاية الأمر، فإن القانون الجديد يحدد مدة أربعة أشهر لاتخاذ قرار بإعطاء الترخيص من عدمه وإذا كان القرار هو الرفض يجب أن يكون مسببا ومكتوبا". ويرى رجل الدين المصري أن القانون الجديد سيرفع من شعبية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسيكسب مجددا المواطنين الأقباط إلى جانبه. ويعلق ابراهيم على موقف رجال الدين المسيحيين الإيجابي من القانون بالقول: "إن رجال الدين ينطلقون من حسن نية ومن الاعتقاد بأن سلوك الدولة مع الأقباط سيختلف عن الماضي".