الجزائر/غرداية - محمد بن أحمد (الخبر) : يتعرض أكثر من ألف شخص تقريبا كل سنة للسعات الأفاعي والعقرب، أغلبهم في ولايات الجنوب. ويموت سنويا ما لا يقل عن 40 شخصا سنويا بسبب لسعات الأفاعي، بينما سجلت 46,762 حالة تسمم عقربي عام 2015، وأغلب الضحايا هم الجنود وعمال شركات النفط الموجودون في الصحراء.
يتذكر مولود جيدا ذلك اليوم الحزين، عندما فارق زميله خالد الحياة في قاعدة عسكرية كانت تقوم بحراسة الحدود الجنوبية بعد ساعتين من لسعة أفعى إفريقية قاتلة.
يقول محدثنا “كانت ليلة من ليالي شهر جويلية، حيث خرج خالد ابن الـ24 ربيعا من غرفته إلى موقع قريب لتدخين سيجارة، وفي غضون دقائق سمعنا صرخة خالد وأسرعنا إليه، فوجدنا أن أفعى يزيد طولها على متر قد لسعته في رجله اليمنى.. وبينما طارد زملاؤنا الأفعى وقتلوها وجلبوها معهم، اتصلنا بالقيادة لنقل خالد إلى أقرب وحدة طبية وإسعافه. وبعد نحو ساعة، وصلت سيارة إسعاف عسكرية. ورغم محاولات الطبيب، فارق خالد الحياة بعد ساعة من تلقيه للعلاج، وكان السبب هو أن الضحية بذل مجهودا كبيرا، وهو ما يمنع على من يصاب بلسعة من الشفاء”.
وتتكرر حالات لسعة العقارب والأفاعي والعناكب السامة يوميا في القواعد العسكرية ومواقع شركات النفط في الجنوب، فقد سجلت 988 لسعة أفعى عام 2011، و1102 حالة سنة 2010، حسب إحصائيات وزارة الصحة، علما بأن أكثر من 95 في المائة من الحالات سجلت في ولايات تمنراست إليزي، وأدرار، وبشار، وتندوف، وغرداية، وواد سوف وورڤلة، والبيض والأغواط. ولإنقاذ حياة الشخص المصاب، يتوجب التعرف على نوع الأفعى من أجل تحضير جرعة الترياق أو المصل المضاد.
حتى في أشد الأيام حرارة
تعمل وحدات الجيش والدرك، وشركات النفط الموجودة في الجنوب، وفقا لقواعد أمن مشددة من أجل حماية الأفراد من الأفاعي السامة. وتتضمن قواعد الأمان التي يتعلمها كل مجند في قوات الجيش والدرك في الشركات النفطية، الإلزام بارتداء الأحذية الثقيلة “رونجاس” حتى في أشد الأيام حرارة، لأن أغلب اللدغات تتم في الأطراف السفلية من الجسم، ومنع الجنود وعناصر الدرك والعمال من السير منفردين في الصحراء ليلا، وإلزامهم بتفتيش الملابس وأماكن النوم كل ليلة، مع تفتيش الأحذية قبل ارتدائها؛ لأن الأفاعي والعقارب الصغيرة قد تختفي داخلها، والتزام الهدوء والوقوف عند مواجهة أفعى.
وعلى الجنود في المناطق الصخرية حمل عصي معهم لتفتيش الصخور في كل لحظة عند المسير، وتمنع تعليمات الأمن المصاب بلسعة أفعى من الأكل والشرب قبل العلاج، والتوقف قدر المستطاع عن الحركة وعدم إجهاد الجسم.
تبدأ الإسعافات الأولية بربط العضو الذي تعرّض للسعة بشدة لمنع انتشار السم واستعمال الثلج فوق الجرح، ومحاولة إفراغه من أكبر كمية ممكنة من الدم لإزالة السم بواسطة إحداث جروح ومصها من طرف المسعفين، ويلجأ إلى هذا الحل في الحالات التي يتعذر فيها الحصول على العلاج في الوقت المناسب.
ومنذ عام 2010، نشرت عدة شركات نفطية، أهمها سوناطراك وقيادة الجيش، كميات كبيرة من المصل المضاد لسموم الأفاعي الأكثر انتشارا في الجزائر لحماية الجنود والعمال.
البدو الرحل يعيشون مع الأفعى ويصطادونها
لا يثير منظر الأفعى لدى أطفال البدو الرحل، خاصة التوارڤ في أقصى الجنوب، الكثير من الرعب؛ لأنها جزء من بيئة المنطقة التي يعيش فيها هؤلاء، بل إن بعض سكان المناطق يصطادون الأفاعي لحساب شركات نفط أجنبية، وأغلب ضحايا الأفاعي في العادة هم صيادو الضب أو السحلية الصحراوية، حيث يبحثون عنه في جحور مشابهة تماما لجحور الأفاعي. كما يتعرض سائقو المسافات الطويلة في الصحراء وعمال شركات النفط والجنود، لخطر العقارب والأفاعي، التي نادرا ما تهاجم ضحاياها في النهار.
صياد الأفاعي
يقول صياد الأفاعي “عبد الباقي.ب”، من المنيعة بولاية غرداية: “بعض الناس يستغربون من سبب تغطية سكان الصحراء كل أجسامهم وارتداء العمامة، حتى في أشد الأيام حرارة؛ والسبب هو أن تغطية الجسم بالكامل وارتداء حذاء يعد أفضل وسيلة للوقاية من الأفعى والعقرب، ولهذا يتردي التوارڤ ملابس كثيفة في الصيف كما في الشتاء، وقد تعلمنا ونحن صغار في البادية أنه في حالة تأخر مص الدم من جرح الشخص المصاب، فلابد من بتر الجزء المصاب من جسمه، ولهذا يحمل البدو السيوف والخناجر دائما، التي تستعمل كذلك في كي الجرح. ولإيقاف انتشار السم في مناطق الجسم، يسخن سكين لدرجه الاحمرار في النار ويوضع على مكان اللدغ، ويجب أن يتم العلاج بعد دقائق من الإصابة”.
الأفعى تقتل في دقائق
يضيف عبد الباقي، اكتشف القائمون على موقع قاعدة حياة تابعة لشركة نفط أجنبية عام 2001 في شمال عين صالح، أن الموقع يعج بالمئات من الأفاعي، حيث بات من المستحيل إقامة قاعدة حياة في هذا المكان، وعملنا قبل سنوات مع شركة “شلومبيرجي” الأمريكية النفطية في تطهير منطقة قاعدة الحياة الواقعة شمال عين صالح من مئات الأفاعي التي منعت إقامة العمال في المنطقة. وتم توظيف عبد الباقي كصائد أفاعي من قبل الشركة التي بحثت عن صيادي الثعابين، وكنا نتقاضى 500 دينار مقابل كل أفعى نصطادها، و1000 دينار مقابل كل وكر ندمره. وأخطر أنواع الأفاعي التي تعاملت معها، هي “بوڤاعة” أو الڤرعة، وهي نوع من الكوبرا الصغيرة ويمكن لهذه الأفعى التي يصل طولها إلى 80 سنتمترا أن تقفز إلى علو 50 سنتمترا، وبعد مترين وهي قاتلة، حيث يمكن لسمّها قتل بعير في غضون نصف ساعة.
مطاردة
تبدأ مطاردة الأفعى، حسب محدثنا، بعد اكتشاف أثرها ولا يمكن لغير المختص أن يكتشف أثر الأفعى في الصحراء بسهولة، والأثر هو عبارة عن فضلات أو بقايا جلد الأفعى، حيث تغير الأخيرة جلدها كل فصل ربيع، أو آثار زحف الأفعى، ونقوم بصيد الأفعى بعد تتبع أثر زحفها فوق الرمال، وليس من السهل على غير الخبير تحديد اتجاه سير الأفعى، لأن أثرها يتشابه حد التطابق.
بعد الوصول إلى جحر الأفعى، نقوم بإدخال ملقاط حديدي كبير يزيد طوله عن متر تقريباً، أو أداة أخرى يستعملها الأمريكيون في صيد الأفاعي، وهي تشبه الملقاط، في الوقت نفسه أحمل في يدي الثانية قضيبا حديديا رفيعا للتصدي لأي محالة خداع من الأفعى أو تدخل أفعى ثانية، فقد حدث هذا معي عندما حاولت صيد إحدى الأفاعي، فهاجمتني أفعى ثانية، فاضطررت للفرار. بعد الإمساك بالأفعى، توضع في صندوق حديدي أو برميل، لإزالة السم منها.
الأفعى أرحم من العقرب
بالرغم من الرعب الذي تمثله الأفعى في أذهان الناس، إلا أن القاتل الأول من الحشرات وحتى الحيوانات في الجزائر، هي العقرب.
فحسب دراسة أجرتها مديرية الوقاية في وزارة الصحة، سجلت 46762 حالة تسمم عقربي عام 2015. وأشارت الدراسة إلى أن 90 في المائة من حالات التسمم العقربي وقعت في أحياء فقيرة أو مناطق ريفية. وتحتل ولاية ورڤلة المرتبة الأولى وطنيا، بتسجيل 2866 حالة تسمم عام 2015، و3 حالات وفاة في السنة نفسها، إضافة إلى ولايات ورڤلة والوادي وتمنراست، وبشار، وتندوف، وإليزي وأدرار، حيث سجلت بها 22 ألف حالة. وبالرجوع إلى السنوات الماضية، قتلت العقارب أكثر من 412 شخص بين عامي 2003 و2013، حسب دراسة أعدها معهد باستور.
يتذكر مولود جيدا ذلك اليوم الحزين، عندما فارق زميله خالد الحياة في قاعدة عسكرية كانت تقوم بحراسة الحدود الجنوبية بعد ساعتين من لسعة أفعى إفريقية قاتلة.
يقول محدثنا “كانت ليلة من ليالي شهر جويلية، حيث خرج خالد ابن الـ24 ربيعا من غرفته إلى موقع قريب لتدخين سيجارة، وفي غضون دقائق سمعنا صرخة خالد وأسرعنا إليه، فوجدنا أن أفعى يزيد طولها على متر قد لسعته في رجله اليمنى.. وبينما طارد زملاؤنا الأفعى وقتلوها وجلبوها معهم، اتصلنا بالقيادة لنقل خالد إلى أقرب وحدة طبية وإسعافه. وبعد نحو ساعة، وصلت سيارة إسعاف عسكرية. ورغم محاولات الطبيب، فارق خالد الحياة بعد ساعة من تلقيه للعلاج، وكان السبب هو أن الضحية بذل مجهودا كبيرا، وهو ما يمنع على من يصاب بلسعة من الشفاء”.
وتتكرر حالات لسعة العقارب والأفاعي والعناكب السامة يوميا في القواعد العسكرية ومواقع شركات النفط في الجنوب، فقد سجلت 988 لسعة أفعى عام 2011، و1102 حالة سنة 2010، حسب إحصائيات وزارة الصحة، علما بأن أكثر من 95 في المائة من الحالات سجلت في ولايات تمنراست إليزي، وأدرار، وبشار، وتندوف، وغرداية، وواد سوف وورڤلة، والبيض والأغواط. ولإنقاذ حياة الشخص المصاب، يتوجب التعرف على نوع الأفعى من أجل تحضير جرعة الترياق أو المصل المضاد.
الأحذية الثقيلة
حتى في أشد الأيام حرارة
تعمل وحدات الجيش والدرك، وشركات النفط الموجودة في الجنوب، وفقا لقواعد أمن مشددة من أجل حماية الأفراد من الأفاعي السامة. وتتضمن قواعد الأمان التي يتعلمها كل مجند في قوات الجيش والدرك في الشركات النفطية، الإلزام بارتداء الأحذية الثقيلة “رونجاس” حتى في أشد الأيام حرارة، لأن أغلب اللدغات تتم في الأطراف السفلية من الجسم، ومنع الجنود وعناصر الدرك والعمال من السير منفردين في الصحراء ليلا، وإلزامهم بتفتيش الملابس وأماكن النوم كل ليلة، مع تفتيش الأحذية قبل ارتدائها؛ لأن الأفاعي والعقارب الصغيرة قد تختفي داخلها، والتزام الهدوء والوقوف عند مواجهة أفعى.
وعلى الجنود في المناطق الصخرية حمل عصي معهم لتفتيش الصخور في كل لحظة عند المسير، وتمنع تعليمات الأمن المصاب بلسعة أفعى من الأكل والشرب قبل العلاج، والتوقف قدر المستطاع عن الحركة وعدم إجهاد الجسم.
تبدأ الإسعافات الأولية بربط العضو الذي تعرّض للسعة بشدة لمنع انتشار السم واستعمال الثلج فوق الجرح، ومحاولة إفراغه من أكبر كمية ممكنة من الدم لإزالة السم بواسطة إحداث جروح ومصها من طرف المسعفين، ويلجأ إلى هذا الحل في الحالات التي يتعذر فيها الحصول على العلاج في الوقت المناسب.
ومنذ عام 2010، نشرت عدة شركات نفطية، أهمها سوناطراك وقيادة الجيش، كميات كبيرة من المصل المضاد لسموم الأفاعي الأكثر انتشارا في الجزائر لحماية الجنود والعمال.
البدو الرحل يعيشون مع الأفعى ويصطادونها
لا يثير منظر الأفعى لدى أطفال البدو الرحل، خاصة التوارڤ في أقصى الجنوب، الكثير من الرعب؛ لأنها جزء من بيئة المنطقة التي يعيش فيها هؤلاء، بل إن بعض سكان المناطق يصطادون الأفاعي لحساب شركات نفط أجنبية، وأغلب ضحايا الأفاعي في العادة هم صيادو الضب أو السحلية الصحراوية، حيث يبحثون عنه في جحور مشابهة تماما لجحور الأفاعي. كما يتعرض سائقو المسافات الطويلة في الصحراء وعمال شركات النفط والجنود، لخطر العقارب والأفاعي، التي نادرا ما تهاجم ضحاياها في النهار.
صياد الأفاعي
يقول صياد الأفاعي “عبد الباقي.ب”، من المنيعة بولاية غرداية: “بعض الناس يستغربون من سبب تغطية سكان الصحراء كل أجسامهم وارتداء العمامة، حتى في أشد الأيام حرارة؛ والسبب هو أن تغطية الجسم بالكامل وارتداء حذاء يعد أفضل وسيلة للوقاية من الأفعى والعقرب، ولهذا يتردي التوارڤ ملابس كثيفة في الصيف كما في الشتاء، وقد تعلمنا ونحن صغار في البادية أنه في حالة تأخر مص الدم من جرح الشخص المصاب، فلابد من بتر الجزء المصاب من جسمه، ولهذا يحمل البدو السيوف والخناجر دائما، التي تستعمل كذلك في كي الجرح. ولإيقاف انتشار السم في مناطق الجسم، يسخن سكين لدرجه الاحمرار في النار ويوضع على مكان اللدغ، ويجب أن يتم العلاج بعد دقائق من الإصابة”.
الأفعى تقتل في دقائق
يضيف عبد الباقي، اكتشف القائمون على موقع قاعدة حياة تابعة لشركة نفط أجنبية عام 2001 في شمال عين صالح، أن الموقع يعج بالمئات من الأفاعي، حيث بات من المستحيل إقامة قاعدة حياة في هذا المكان، وعملنا قبل سنوات مع شركة “شلومبيرجي” الأمريكية النفطية في تطهير منطقة قاعدة الحياة الواقعة شمال عين صالح من مئات الأفاعي التي منعت إقامة العمال في المنطقة. وتم توظيف عبد الباقي كصائد أفاعي من قبل الشركة التي بحثت عن صيادي الثعابين، وكنا نتقاضى 500 دينار مقابل كل أفعى نصطادها، و1000 دينار مقابل كل وكر ندمره. وأخطر أنواع الأفاعي التي تعاملت معها، هي “بوڤاعة” أو الڤرعة، وهي نوع من الكوبرا الصغيرة ويمكن لهذه الأفعى التي يصل طولها إلى 80 سنتمترا أن تقفز إلى علو 50 سنتمترا، وبعد مترين وهي قاتلة، حيث يمكن لسمّها قتل بعير في غضون نصف ساعة.
مطاردة
تبدأ مطاردة الأفعى، حسب محدثنا، بعد اكتشاف أثرها ولا يمكن لغير المختص أن يكتشف أثر الأفعى في الصحراء بسهولة، والأثر هو عبارة عن فضلات أو بقايا جلد الأفعى، حيث تغير الأخيرة جلدها كل فصل ربيع، أو آثار زحف الأفعى، ونقوم بصيد الأفعى بعد تتبع أثر زحفها فوق الرمال، وليس من السهل على غير الخبير تحديد اتجاه سير الأفعى، لأن أثرها يتشابه حد التطابق.
بعد الوصول إلى جحر الأفعى، نقوم بإدخال ملقاط حديدي كبير يزيد طوله عن متر تقريباً، أو أداة أخرى يستعملها الأمريكيون في صيد الأفاعي، وهي تشبه الملقاط، في الوقت نفسه أحمل في يدي الثانية قضيبا حديديا رفيعا للتصدي لأي محالة خداع من الأفعى أو تدخل أفعى ثانية، فقد حدث هذا معي عندما حاولت صيد إحدى الأفاعي، فهاجمتني أفعى ثانية، فاضطررت للفرار. بعد الإمساك بالأفعى، توضع في صندوق حديدي أو برميل، لإزالة السم منها.
الأفعى أرحم من العقرب
بالرغم من الرعب الذي تمثله الأفعى في أذهان الناس، إلا أن القاتل الأول من الحشرات وحتى الحيوانات في الجزائر، هي العقرب.
فحسب دراسة أجرتها مديرية الوقاية في وزارة الصحة، سجلت 46762 حالة تسمم عقربي عام 2015. وأشارت الدراسة إلى أن 90 في المائة من حالات التسمم العقربي وقعت في أحياء فقيرة أو مناطق ريفية. وتحتل ولاية ورڤلة المرتبة الأولى وطنيا، بتسجيل 2866 حالة تسمم عام 2015، و3 حالات وفاة في السنة نفسها، إضافة إلى ولايات ورڤلة والوادي وتمنراست، وبشار، وتندوف، وإليزي وأدرار، حيث سجلت بها 22 ألف حالة. وبالرجوع إلى السنوات الماضية، قتلت العقارب أكثر من 412 شخص بين عامي 2003 و2013، حسب دراسة أعدها معهد باستور.