لندن - خولة الكريع (الحياة) : ما أن نصل إلى شهر آذار (مارس)، وبالتحديد إلى الثامن منه، حتى تبدأ الصحافة العربية والعالمية بالحديث عن المرأة، وعن أهمية دورها في المجتمع، وضرورة تمكينها والاحتفال بإنجازات الكثير من النساء اللاتي استطعن أن يصبحن قدوة لغيرهن من النساء، من خلال إنتاجهن العملي المميز.
وعلى رغم أني امرأة عاملة، إلا أنني لست من أنصار تخصيص يوم للاحتفال بالمرأة والتذكير بها، فهي ليست أقلية ليتم التنبيه على أهمية وجودها، فالمرأة سواءً أكانت عاملة أم لا، هي تشكل نصف المجتمع، وهي ليست مرضاً كالسرطان أو التوحد أو غيره من الأمراض التي نحتاج أن نخصص لها يوماً للتوعية عنها، كما أن المرأة ليست كائناً قابلاً للانقراض كالشجرة التي نخصص لها يوماً لمنع التصحر والاهتمام بازديادها.
وبالتالي، فأنا لا تستهويني فكرة أن يكون للمرأة يوم للاحتفال بها، ولا أرى أنه من العدل التركيز على إنجاز المرأة العملية والمهنية فقط، لأن هناك نساءً عظيمات بكل معنى الكلمة لم تكن لهن مهنة سوى تربية جيل من العظماء، وإخراج قادة من الرجال والنساء، من دون أن نعلم عن أسمائهن.
كل رجل عظيم يحترم المرأة ويثمّن دورها هو إنجاز لامرأة عظيمة أنشأته بهذا الشكل، وأنشأت في داخله احترام المرأة الأخرى وتثمين إنسانيتها وعطائها. وكل رجل يمتلك نظرة قاصرة عن المرأة، أو يرى أنه وصي عليها أو على فضيلتها، هو فشل لامرأة لم تتمكن من تربيته بالصورة الصحيحة عندما كان طفلاً تحت وصايتها.
المرأة المتعلمة الواعية هي الركيزة الأولى والأساسية في إنشاء مجتمع متحضّر.
قد لا يحب الكثير ممن يسمون أنفسهم مناصرين للمرأة رؤيتي هذه، وقد أُتّهم بأنني أرغب في حصر دور المرأة في العمل داخل المنزل وتربية النشء، ولكن ليس هذا ما أصبو إليه، فقط أريد العدالة في تسليط الضوء على عمل المرأة في التربية، والذي هو أهم وأعظم وأكثر تعقيداً من أي عمل آخر قد تقوم به.
ظهر برنامج حاول إظهار أهمية المرأة وعملها كأم، فتظاهر المذيع بأنه رئيس شركة مهمة، وأنه يبحث عن مدير تنفيذي لهذه الشركة، فانهالت عليه الطلبات من موظفين وموظفات حاصلين على شهادات عليا من جامعات عريقة، أتوا لعمل المقابلة الشخصية طامحين بالحصول على هذا المركز المرموق، وأثناء المقابلة مع المتقدمين كلاً على حدة، بدأ يشرح لهم طبيعة العمل المناط لهم، وبدأ القول إن طبيعة العمل تتطلب العمل على مدار الساعة من دون وجود أوقات محددة للقدوم والانصراف، ومن دون إجازات في نهاية الأسبوع، وهذا العمل قد يتطلب ألا يكون لك مكتب محدد، فيجب عليك إنجاز عملك واقفاً أو جالساً في أي مكان، ويحق لهذه الشركة طلب أي عمل منك، في أي لحظة، ويجب أن تقابل من في هذه الشركة بروح جميلة، وابتسامة دائمة، وأن تقدم الدعم المعنوي، والنصح والإرشاد المستمر لمن في هذه الشركة.
أما إذا مرض أحد موظفي الشركة فيجب عليك الإشراف على علاجه وملازمته حتى يتم شفاؤه، وسلسلة طويلة من المتطلبات الأخرى، طبعاً الاندهاش والتعجب بدا واضحاً على وجوه المتقدمين للعمل، لدرجة أن بعضهم اتهم المذيع الذي تظاهر بأنه رئيس لتلك الشركة بأن ما يطلبه عمل ينافي حقوق العمل وغير قانوني، والبعض الآخر في خضم اندهاشه تساءل عن حجم الراتب الشهري لوظيفة منهكة مثل هذه؟ فكانت الإجابة المفاجئة أن هذه الوظيفة من دون راتب، وأن المردود المعنوي في رؤية موظفي تلك الشركة سعداء هو المكافأة لهذا العمل الشاق المتواصل.
الكاتبة : خولة الكريع - الحياة
بالطبع خرج الجميع غاضباً من مقابلة العمل العجيبة هذه، ظناً منهم أن رئيس هذه الشركة يعاني من اختلال عقلي، حتى أبلغهم أن هناك الملايين ممن يقومون بهذا العمل ويقومون به بتفانٍ وسعادة ومن دون شكوى أو ملل، وهؤلاء هن الأمهات في العالم.
تساقطت دموع العديد ممن تقدموا لهذه الوظيفة عندما أدركوا بالفعل أن هذا هو دور المرأة في أسرتها، لذا أجد من الظلم بمكان أن يقتصر ما يسمى بيوم المرأة على الاحتفال والإشارة إلى إنجازاتها المهنية فقط.
أنا على إدراك أن هناك تمييزاً وعنصرية ضد المرأة العاملة في جميع دول العالم، فهي ما زالت تعاني حتى في أكثر دول العالم تقدماً من عدم المساواة في الأجور والمناصب الوظيفية القيادية على جميع المستويات، ولكن هذا برأيي لا يجب أن يكون سبباً في أن نتجاهل عملها الآخر الذي تقوم به، ولكن لا أُفضِّلُ أن نخصص يوماً للاحتفال بالمرأة، فوجودها في حياتنا هو احتفال بحد ذاته.
ولو تغيّر مسمى يوم المرأة العالمي إلى يوم الإنسان، ليحتفل الإنسان من رجال ونساء بقدرتهم على إعمار الأرض والنهوض بالحضارة الإنسانية على كوكب الأرض لكنت أول المشجعين له، أما يوم المرأة العالمي فبرأيي أنه ينطوي على العنصرية المغلّفة التي تحدثت عنها في مقالة سابقة.
وعلى رغم أني امرأة عاملة، إلا أنني لست من أنصار تخصيص يوم للاحتفال بالمرأة والتذكير بها، فهي ليست أقلية ليتم التنبيه على أهمية وجودها، فالمرأة سواءً أكانت عاملة أم لا، هي تشكل نصف المجتمع، وهي ليست مرضاً كالسرطان أو التوحد أو غيره من الأمراض التي نحتاج أن نخصص لها يوماً للتوعية عنها، كما أن المرأة ليست كائناً قابلاً للانقراض كالشجرة التي نخصص لها يوماً لمنع التصحر والاهتمام بازديادها.
وبالتالي، فأنا لا تستهويني فكرة أن يكون للمرأة يوم للاحتفال بها، ولا أرى أنه من العدل التركيز على إنجاز المرأة العملية والمهنية فقط، لأن هناك نساءً عظيمات بكل معنى الكلمة لم تكن لهن مهنة سوى تربية جيل من العظماء، وإخراج قادة من الرجال والنساء، من دون أن نعلم عن أسمائهن.
كل رجل عظيم يحترم المرأة ويثمّن دورها هو إنجاز لامرأة عظيمة أنشأته بهذا الشكل، وأنشأت في داخله احترام المرأة الأخرى وتثمين إنسانيتها وعطائها. وكل رجل يمتلك نظرة قاصرة عن المرأة، أو يرى أنه وصي عليها أو على فضيلتها، هو فشل لامرأة لم تتمكن من تربيته بالصورة الصحيحة عندما كان طفلاً تحت وصايتها.
المرأة المتعلمة الواعية هي الركيزة الأولى والأساسية في إنشاء مجتمع متحضّر.
قد لا يحب الكثير ممن يسمون أنفسهم مناصرين للمرأة رؤيتي هذه، وقد أُتّهم بأنني أرغب في حصر دور المرأة في العمل داخل المنزل وتربية النشء، ولكن ليس هذا ما أصبو إليه، فقط أريد العدالة في تسليط الضوء على عمل المرأة في التربية، والذي هو أهم وأعظم وأكثر تعقيداً من أي عمل آخر قد تقوم به.
ظهر برنامج حاول إظهار أهمية المرأة وعملها كأم، فتظاهر المذيع بأنه رئيس شركة مهمة، وأنه يبحث عن مدير تنفيذي لهذه الشركة، فانهالت عليه الطلبات من موظفين وموظفات حاصلين على شهادات عليا من جامعات عريقة، أتوا لعمل المقابلة الشخصية طامحين بالحصول على هذا المركز المرموق، وأثناء المقابلة مع المتقدمين كلاً على حدة، بدأ يشرح لهم طبيعة العمل المناط لهم، وبدأ القول إن طبيعة العمل تتطلب العمل على مدار الساعة من دون وجود أوقات محددة للقدوم والانصراف، ومن دون إجازات في نهاية الأسبوع، وهذا العمل قد يتطلب ألا يكون لك مكتب محدد، فيجب عليك إنجاز عملك واقفاً أو جالساً في أي مكان، ويحق لهذه الشركة طلب أي عمل منك، في أي لحظة، ويجب أن تقابل من في هذه الشركة بروح جميلة، وابتسامة دائمة، وأن تقدم الدعم المعنوي، والنصح والإرشاد المستمر لمن في هذه الشركة.
أما إذا مرض أحد موظفي الشركة فيجب عليك الإشراف على علاجه وملازمته حتى يتم شفاؤه، وسلسلة طويلة من المتطلبات الأخرى، طبعاً الاندهاش والتعجب بدا واضحاً على وجوه المتقدمين للعمل، لدرجة أن بعضهم اتهم المذيع الذي تظاهر بأنه رئيس لتلك الشركة بأن ما يطلبه عمل ينافي حقوق العمل وغير قانوني، والبعض الآخر في خضم اندهاشه تساءل عن حجم الراتب الشهري لوظيفة منهكة مثل هذه؟ فكانت الإجابة المفاجئة أن هذه الوظيفة من دون راتب، وأن المردود المعنوي في رؤية موظفي تلك الشركة سعداء هو المكافأة لهذا العمل الشاق المتواصل.
الكاتبة : خولة الكريع - الحياة
بالطبع خرج الجميع غاضباً من مقابلة العمل العجيبة هذه، ظناً منهم أن رئيس هذه الشركة يعاني من اختلال عقلي، حتى أبلغهم أن هناك الملايين ممن يقومون بهذا العمل ويقومون به بتفانٍ وسعادة ومن دون شكوى أو ملل، وهؤلاء هن الأمهات في العالم.
تساقطت دموع العديد ممن تقدموا لهذه الوظيفة عندما أدركوا بالفعل أن هذا هو دور المرأة في أسرتها، لذا أجد من الظلم بمكان أن يقتصر ما يسمى بيوم المرأة على الاحتفال والإشارة إلى إنجازاتها المهنية فقط.
أنا على إدراك أن هناك تمييزاً وعنصرية ضد المرأة العاملة في جميع دول العالم، فهي ما زالت تعاني حتى في أكثر دول العالم تقدماً من عدم المساواة في الأجور والمناصب الوظيفية القيادية على جميع المستويات، ولكن هذا برأيي لا يجب أن يكون سبباً في أن نتجاهل عملها الآخر الذي تقوم به، ولكن لا أُفضِّلُ أن نخصص يوماً للاحتفال بالمرأة، فوجودها في حياتنا هو احتفال بحد ذاته.
ولو تغيّر مسمى يوم المرأة العالمي إلى يوم الإنسان، ليحتفل الإنسان من رجال ونساء بقدرتهم على إعمار الأرض والنهوض بالحضارة الإنسانية على كوكب الأرض لكنت أول المشجعين له، أما يوم المرأة العالمي فبرأيي أنه ينطوي على العنصرية المغلّفة التي تحدثت عنها في مقالة سابقة.