الرباط - خالص جلبي (الأخبار) : أول كتاب قرأت لهذه الكاتبة المغربية الجريئة (فاطمة المرنيسي) كان (الحريم السياسي). أذكر جيدا من الكتاب تلك الفقرة حين تذكر أنها كانت أمام محل بائع خضار حين تم الحديث حول إمامة المرأة، وكيف استغرب القوم مثل هذا القول، الذي يعتبر باطلا من القوم وزورا.
هذا المفهوم حول المرأة، وكيف أنه لا تجوز لها الإمامة، يعتمدون فيه على حديث ورد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).
قامت السيدة فاطمة المرنيسي وهي (الفاسية) الخارجة من رحم الفكر التقليدي بمقاربة خاصة، دخلت بها إلى النص، بنفس طرق التقليديين، من محاولة معرفة (رواة) الحديث، لنعرف ملابسات مثل هذا الحديث، وأين قاله نبي الرحمة (ص)؟ وفي أي معرض؟ لنكتشف أنه أمر عاصره الرسول (ص)، حين تنازع الفرس على العرش في ظروف انقلابات غامضة ومنذرة، بحيث أنهم أدخلوا امرأة ضعيفة، وقد يكون رجلا ضعيفا طالما انحصرت في السلالة، إلى اللعبة السياسية.
هنا حين تنقل مثل هذه الأخبار إلى الرسول (ص)، نتوقع أنه يعلق على أن أمة بمثل هذه الفوضى الطاحنة، لن تنجح إن ولت رجلا أو امرأة.
مع هذا فإن فاطمة المرنيسي مضت خطوة أبعد، حين تكلمت عن السلطانات المنسيات ونقلت من الإرث اليمني نموذج الملكة أروى، وفي القرآن (يطلق عليها الناس بلقيس وليس ثمة بلقيس في القرآن). أذكر عن السيدة (حنان اللحام) السورية، التي كتبت في التفسير، وتوقفت عند قصة ملكة سبأ، أنها كانت أكثر حكمة من النبي سليمان، الذي أنذر وتوعد، بل أراد أن يذبح الهدهد، في جو عسكري محموم، ويسوق الناس إلى الذل (لنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)، كما نراه هذه الأيام مع جنون (بوتين) الروسي وتهديد تركيا بصواريخ إس 400، في الوقت الذي يأخذ أردوغان موقف ملكة سبأ في تهدئة الأمور لئلا تنفلت عن السيطرة. يقول المثل السوري (غلطة السكران على الصاحي) فكيف إذا كان صاحبنا قد دلق في أمعائه من الفودكا كؤوسا دهاقا؟ بالمناسبة ذكرت مجلة در شبيجل الألمانية أن الرجل أي بوتين هربت منه امرأته ولجأت إلى دير للرهبنة، كما حصل مع امرأة فرعون فقالت رب نجني من فرعون وعمله.
حنان اللحام نالت غضب الكثيرين، حين سلطت الضوء على هذه النقطة في الصراع، الذي دار بين حكومة سليمان وباب المندب. بل أذكر أن (داعية إسلامي كذا) اعتبرها خرجت عن الطريق تماما في هذا التفسير.
قصة ملكة سبأ تعتبر نموذجا لقيادة المرأة للمجتمع، وإمكانية أن توصل سفينة المجتمع إلى بر الأمان.
ولعل الأبحاث الأنثروبولوجية التي ذكرها (بيتر فارب) في كتابه (بنو الإنسان Humankind) تذهب إلى محاولة سبر قضية شائكة، لماذا توجه المجتمع الإنساني إلى نموذج (الباترياركي = الذكري الأبوي) ولم ينح في اتجاه (الماتريكي = الأمومي الأنثوي) بل ـ وهو الأصح ـ ولعله الذي سيكون للمستقبل، قيادة متزنة بين يدي المرأة والرجل، في رحلة تعاون واحترام متبادل، كما فعل (جوستن ترودو) في عام 2015م حين سئل لماذا كان عدد النساء في حكومته 15 فأجاب ضاحكا: لأننا في عام 2015؟
قصة تسلط الذكور على بوابات ومفاتيح المجتمع الإنساني، أرقت (نوال السعداوي) حين كتبت كتابها (الأنثى هي الأصل) وعبرت في لهجة لا تخل من الغضب، (لماذا كان الله دوما ذكرا)، والموضوع أكبر من أين جنسيا.
أذكرمن نوال السعداوي المصرية أيضا نقاشها مع شيخ أزهري معمم، حول آية من سورة آل عمران، عن امرأة عمران ومريم، في قولها وليس الذكر كالأنثى. قال الشيخ انظري إلى أفضلية الرجل. والآية تنص على (الغيرية) وليس (الأفضلية)، لكن نوال السعداوي ومثلها أيضا المرنيسي ـ باعتبار القاعدة التي تنطلق منها ـ ليست إسلامية؛ فحصل الاضطراب، وبالتالي عدم القبول أيضا من المتدينين، ومنه نفهم لماذا خرج قادة الإصلاح الديني من قاعدة دينية صلبة، ليسحبوا البساط من تحت أقدام المتشددين من المتدينين، وليخرجوا للناس بدين عقلاني تنويري، وهو الذي سبحت أوربا باتجاهه.
أنا شخصيا درست الشريعة بجانب الطب بنفس الغرض، وبالتالي فإن كتاباتي لاقت رواجا في أوساط المتدينين، بل حيرت الآخرين أهو خطاب ديني أم لا ديني؟ بسبب اختلاط نصوص الكتابة بالقرآن والمفاهيم الإسلامية المنوعة.
والسؤال فعلا هو لماذا مضى المجتمع في اتجاه الذكر الفحل صاحب العضلات؟ وهذا أيضا ما بحثه (بيتر فارب) ليخلص إلى أن علة سيطرة الذكور على المجتمع هي بكلمة واحدة: العضلات والعراك.
في القرآن تم التعرض لهذه المسألة في موضعين، (الله جعل الملائكة إناثا ولهم الذكور) على لسان المشركين؛ فيتعجب من هذه النتيجة التي خلصوا بها؛ بل ذهب في سورة الأنعام إلى تقسيم عجيب وثني، حين بدأوا في توزيع الحصص على الأنعام حلال وحرام، بحيث سميت السورة كلها بالأنعام. والثاني وصف المرأة أنها تنشأ في الحلية وهي في الخصام غير مبين.
ولكن القرآن يحرر موضوع المرأة الجذري. إنها ليست السبب في الغواية؛ فلم تقدم تفاحة الخطيئة وليس من أفاع في القصة، ولا إبليس يقوم بحبك المؤامرة بين الحية والتفاحة والمرأة.
أذكر من هذه المصائب كيف يسوق بعض من السلفيين، أنه مما يقطع الصلاة مرور ثلاث، الحمار والكلب الأسود والمرأة. تأمل الكلب الأسود وليس أبيض زيادة في العنصرية؟
(فاطمة المرنيسي) حاولت عبثا الإصلاح، في مجتمع ذكوري فحولي أحول، يقفز بساق واحدة، كما في أسطورة (شق وسطيح) التي جاءت في السيرة؛ فأحدهما لاعظام في جسده، والثاني يقفز من أطرافه السفلية بساق واحدة، والقفز بهذه الصورة أقرب للمستحيل، وهذه هي المشكلة الإنسانية التي تعرضت لها نساء جريئات تمردن على وضع المرأة المهين في الشرق، وأردن إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي، بحيث يمشي المجتمع بساقين ويرى بعينين.
حاولت (المرنيسي) تدريب النساء على نحو عملي، وأظهرتها قناة (ديسكفري) وهي تروي قصص ألف ليلة وليلة، وكيف أن المرأة امتصت وحشية الرجل ببراعة، وهي تروي القصة خلف القصة بالمئات، حتى أعادته إلى الإنسانية فلم يعد يقتل كل ليلة امرأة.
هكذا كانت فاطمة المرنيسي (الإنسانة) التي أرادت أن تكون المرأة، كما بدأت أول خلق في رسم معالم الحضارة؛ فأدخلت الإنسان إليها لتعود من جديد فتصحح معالم الحضارة؛ فتكون إنسانية بالرحمة والحب، وهي أهم صفات المرأة مقابل الرجل القاسي الخشن، الذي مازال يقود الحضارة إلى الزلازل، كما نرى في لهيب الشرق الأوسط، بيد أناس غلاظ شداد لا يعصون الشيطان، وعتاة رجال المخابرات ما أمروهم ويفعلون ما يؤمرون.
في اليوم الأخير من نوفمبر 2015 ماتت هذه السيدة الفاضلة، بعد صراع طويل مع المرض وهي بعمر الـ 75 عاما، ولكن بقريب من هذا الرقم في الإنتاج المعرفي من مقالات وكتب وأبحاث وفي أكثر من لغة فطوبى لها من مقام.
مصر تكرّم الراحلة المرنيسي وتخلّد ذكرى اغتيال بنجلون
مصر - طارق بنهدا (هسبريس) : التفاتة ثقافية وفكرية كبيرة تلك التي شهدها مبنى المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة من خلال احتفائه، مساء الجمعة، برموز الفكر والثقافة والسياسة والفن في المغرب، إذ تم استقبال وفد المغربي يضم ثلة من المفكرين والمثقفين والفنانين والإعلاميين من طرف نظرائهم المصريين؛ فيما أعلن تكريم الكاتبة المغربية وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي. كما شهد الموعد تخليد الذكرى السنوية الأربعين لاغتيال الزعيم اليساري عمر بنجلون.
واعتبر الوفد المغربي ذكر اسم بنجلون وسط مبنى المجلس الأعى للثقافة “سابقة من نوعها”، إذ قام المؤرخ والكاتب حسن أوريد بتقديم الشاعر المصري المعروف أحمد عبد المعطي حجازي، أمام الحاضرين، مذكرا بأنه نظم قصيدة رثاء في حق الزعيم النقابي والسياسي اليساري، في احتفالية نظمت عام 1975، بعد 40 يوما من اغتياله.
ووقفت القاعة، التي امتلأت بنخبة من رجال الفكر والثقافة من مصر، بحضور وزير الثقافة المصري، وسفير المغرب في القاهرة، تخليدا للذكرى السنوية الأربعين لرحيل عمر بنجلون، ليأخذ الشاعر حجازي الكلمة التي قال فيها: “إننا في مصر مدينون لعمر بنجلون، كما أن المغاربة مدينون له، ونحييه دائما لأنه والمغاربة لم يتأخروا في النضال من أجل الحرية والعقل والكرامة”.
وأجمعت تدخلات المثقفين المصريين على ضرورة التعاون الثقافي بين البلدين؛ فيما وقف الحاضرون عند رحيل الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، التي توفيت نهاية نونبر المنصرم، فتم الإعلان عن تنظيم احتفالية فكرية خلال الأسبوع القادم بالقاهرة، تخص إصدارات وأعمال الراحلة. كما دعا مثقفون وكتاب مصريون إلى ضرورة نشر أعمال الراحلة ضمن سلسلات فكرية بمصر.
السفير المغربي في القاهرة، محمد سعد العلمي، وفي تعليقه على زيارة الوفد المغربي، قال إنه جاء “حاملا رسالة ود وإخاء ومحبة، تأكيدا للوشائج التي ربطت الشعبين.. والتي تتجدد اليوم وتتأكد”، مضيفا: “كلنا إرادة راسخة لتقوية العلاقات الثنائية وتثمينها لتشمل مختلف المجالات وترتقي إلى آفاق أرحب”؛ فيما شدد على أن ما وصفها بـ”القوة الناعمة” في البلدين “لها دور أساسي في تثبيت تلك العلاقات”.
وتابع العلمي قائلا إن “الثقافة والفن تبني الجسور التي لا تنقطع بين البلدين، وترسي الأرضية الصلبة لتعاون شامل”، فيما اعتبر أن “السياسة تتغير، لكن الثقافة تظل دائما الضمان لرسوخ العلاقات بين البلدين”، قبل أن يدعو المصريين إلى القيام بزيارات مماثلة إلى المغرب، تشمل المفكرين والمثقفين والفنانين. “الطريق مرجو أن تكون واعدة ومبشرة، وسيكون الأمر كذلك لأنها إرادتنا جميعا”، يضيف العلمي.
المؤرخ والكاتب المغربي حسن أوريد عرج في كلمته على دور مصر في المنطقة، والذي قال إنه “محوري في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض والعالم العربي”، فيما توقف عند ما وصفها بـ”الكبوات”؛ قائلا: “تأثرنا بما تعيشه مصر من ظروف استثنائية، ومعركتنا هي المعركة التي تخوضها.. هناك أمل كبير، ونجاح مصر من نجاحنا. كما أن نجاح المغرب من ناجح مصر”.
“هناك حقيقة راسخة تفيد بأن شعور المغاربة حيال مصر يتسم بالحب العميق لأرض الكنانة وبلد الأهرامات”، يضيف أوريد، الذي أكد أن “هذا الشعور متواتر عبر الأجيال ويعم شرائح عدة من المجتمع المغربي”، وأضاف أن “المغرب ارتبط بعلاقات إستراتجية مع مصر”، قائلا: “لا ننسى احتضانها لمثقفينا وسياسيينا، وأنها مدت لهم يد العون. ولا ننسى كيف صدح عاليا من هنا في القاهرة الزعيم علال الفاسي، منددا بعزل ونفي الملك الراحل محمد الخامس”.
من جهته، اعتبر وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، أن زيارة الوفد المغربي إلى مصر، التي وصفها بـ”الكريمة”، “خطوة لتعميق العلاقة بين مصر والمغرب”، مشددا على أن “هذه العلاقة لم تقتصر على الزيارات، بل إن هناك كتابا ومثقفين من المغرب يقيمون بمصر ويثرون الحياة الثقافية بأعمالهم الأدبية”؛ فيما أكد وجود حي يضم المغاربة بمدينة الإسكندرية.
وعرف الموعد الثقافي إلقاء شهادات كتاب ومثقفين وفنانين مغاربة ومصريين، توقفت في مجملها عند تثمين المشترك الثقافي بين المغرب ومصر وضرورة الحفاظ عليه لصالح الأجيال الحالية والقادمة؛ فيما قدم مطربون مغاربة عروضا فنية، وفي مقدمتهم الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، والمطرب فؤاد الزبادي، والفنانة كريمة الصقلي.
هذا المفهوم حول المرأة، وكيف أنه لا تجوز لها الإمامة، يعتمدون فيه على حديث ورد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).
قامت السيدة فاطمة المرنيسي وهي (الفاسية) الخارجة من رحم الفكر التقليدي بمقاربة خاصة، دخلت بها إلى النص، بنفس طرق التقليديين، من محاولة معرفة (رواة) الحديث، لنعرف ملابسات مثل هذا الحديث، وأين قاله نبي الرحمة (ص)؟ وفي أي معرض؟ لنكتشف أنه أمر عاصره الرسول (ص)، حين تنازع الفرس على العرش في ظروف انقلابات غامضة ومنذرة، بحيث أنهم أدخلوا امرأة ضعيفة، وقد يكون رجلا ضعيفا طالما انحصرت في السلالة، إلى اللعبة السياسية.
هنا حين تنقل مثل هذه الأخبار إلى الرسول (ص)، نتوقع أنه يعلق على أن أمة بمثل هذه الفوضى الطاحنة، لن تنجح إن ولت رجلا أو امرأة.
مع هذا فإن فاطمة المرنيسي مضت خطوة أبعد، حين تكلمت عن السلطانات المنسيات ونقلت من الإرث اليمني نموذج الملكة أروى، وفي القرآن (يطلق عليها الناس بلقيس وليس ثمة بلقيس في القرآن). أذكر عن السيدة (حنان اللحام) السورية، التي كتبت في التفسير، وتوقفت عند قصة ملكة سبأ، أنها كانت أكثر حكمة من النبي سليمان، الذي أنذر وتوعد، بل أراد أن يذبح الهدهد، في جو عسكري محموم، ويسوق الناس إلى الذل (لنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)، كما نراه هذه الأيام مع جنون (بوتين) الروسي وتهديد تركيا بصواريخ إس 400، في الوقت الذي يأخذ أردوغان موقف ملكة سبأ في تهدئة الأمور لئلا تنفلت عن السيطرة. يقول المثل السوري (غلطة السكران على الصاحي) فكيف إذا كان صاحبنا قد دلق في أمعائه من الفودكا كؤوسا دهاقا؟ بالمناسبة ذكرت مجلة در شبيجل الألمانية أن الرجل أي بوتين هربت منه امرأته ولجأت إلى دير للرهبنة، كما حصل مع امرأة فرعون فقالت رب نجني من فرعون وعمله.
حنان اللحام نالت غضب الكثيرين، حين سلطت الضوء على هذه النقطة في الصراع، الذي دار بين حكومة سليمان وباب المندب. بل أذكر أن (داعية إسلامي كذا) اعتبرها خرجت عن الطريق تماما في هذا التفسير.
قصة ملكة سبأ تعتبر نموذجا لقيادة المرأة للمجتمع، وإمكانية أن توصل سفينة المجتمع إلى بر الأمان.
ولعل الأبحاث الأنثروبولوجية التي ذكرها (بيتر فارب) في كتابه (بنو الإنسان Humankind) تذهب إلى محاولة سبر قضية شائكة، لماذا توجه المجتمع الإنساني إلى نموذج (الباترياركي = الذكري الأبوي) ولم ينح في اتجاه (الماتريكي = الأمومي الأنثوي) بل ـ وهو الأصح ـ ولعله الذي سيكون للمستقبل، قيادة متزنة بين يدي المرأة والرجل، في رحلة تعاون واحترام متبادل، كما فعل (جوستن ترودو) في عام 2015م حين سئل لماذا كان عدد النساء في حكومته 15 فأجاب ضاحكا: لأننا في عام 2015؟
قصة تسلط الذكور على بوابات ومفاتيح المجتمع الإنساني، أرقت (نوال السعداوي) حين كتبت كتابها (الأنثى هي الأصل) وعبرت في لهجة لا تخل من الغضب، (لماذا كان الله دوما ذكرا)، والموضوع أكبر من أين جنسيا.
أذكرمن نوال السعداوي المصرية أيضا نقاشها مع شيخ أزهري معمم، حول آية من سورة آل عمران، عن امرأة عمران ومريم، في قولها وليس الذكر كالأنثى. قال الشيخ انظري إلى أفضلية الرجل. والآية تنص على (الغيرية) وليس (الأفضلية)، لكن نوال السعداوي ومثلها أيضا المرنيسي ـ باعتبار القاعدة التي تنطلق منها ـ ليست إسلامية؛ فحصل الاضطراب، وبالتالي عدم القبول أيضا من المتدينين، ومنه نفهم لماذا خرج قادة الإصلاح الديني من قاعدة دينية صلبة، ليسحبوا البساط من تحت أقدام المتشددين من المتدينين، وليخرجوا للناس بدين عقلاني تنويري، وهو الذي سبحت أوربا باتجاهه.
أنا شخصيا درست الشريعة بجانب الطب بنفس الغرض، وبالتالي فإن كتاباتي لاقت رواجا في أوساط المتدينين، بل حيرت الآخرين أهو خطاب ديني أم لا ديني؟ بسبب اختلاط نصوص الكتابة بالقرآن والمفاهيم الإسلامية المنوعة.
والسؤال فعلا هو لماذا مضى المجتمع في اتجاه الذكر الفحل صاحب العضلات؟ وهذا أيضا ما بحثه (بيتر فارب) ليخلص إلى أن علة سيطرة الذكور على المجتمع هي بكلمة واحدة: العضلات والعراك.
في القرآن تم التعرض لهذه المسألة في موضعين، (الله جعل الملائكة إناثا ولهم الذكور) على لسان المشركين؛ فيتعجب من هذه النتيجة التي خلصوا بها؛ بل ذهب في سورة الأنعام إلى تقسيم عجيب وثني، حين بدأوا في توزيع الحصص على الأنعام حلال وحرام، بحيث سميت السورة كلها بالأنعام. والثاني وصف المرأة أنها تنشأ في الحلية وهي في الخصام غير مبين.
ولكن القرآن يحرر موضوع المرأة الجذري. إنها ليست السبب في الغواية؛ فلم تقدم تفاحة الخطيئة وليس من أفاع في القصة، ولا إبليس يقوم بحبك المؤامرة بين الحية والتفاحة والمرأة.
أذكر من هذه المصائب كيف يسوق بعض من السلفيين، أنه مما يقطع الصلاة مرور ثلاث، الحمار والكلب الأسود والمرأة. تأمل الكلب الأسود وليس أبيض زيادة في العنصرية؟
(فاطمة المرنيسي) حاولت عبثا الإصلاح، في مجتمع ذكوري فحولي أحول، يقفز بساق واحدة، كما في أسطورة (شق وسطيح) التي جاءت في السيرة؛ فأحدهما لاعظام في جسده، والثاني يقفز من أطرافه السفلية بساق واحدة، والقفز بهذه الصورة أقرب للمستحيل، وهذه هي المشكلة الإنسانية التي تعرضت لها نساء جريئات تمردن على وضع المرأة المهين في الشرق، وأردن إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي، بحيث يمشي المجتمع بساقين ويرى بعينين.
حاولت (المرنيسي) تدريب النساء على نحو عملي، وأظهرتها قناة (ديسكفري) وهي تروي قصص ألف ليلة وليلة، وكيف أن المرأة امتصت وحشية الرجل ببراعة، وهي تروي القصة خلف القصة بالمئات، حتى أعادته إلى الإنسانية فلم يعد يقتل كل ليلة امرأة.
هكذا كانت فاطمة المرنيسي (الإنسانة) التي أرادت أن تكون المرأة، كما بدأت أول خلق في رسم معالم الحضارة؛ فأدخلت الإنسان إليها لتعود من جديد فتصحح معالم الحضارة؛ فتكون إنسانية بالرحمة والحب، وهي أهم صفات المرأة مقابل الرجل القاسي الخشن، الذي مازال يقود الحضارة إلى الزلازل، كما نرى في لهيب الشرق الأوسط، بيد أناس غلاظ شداد لا يعصون الشيطان، وعتاة رجال المخابرات ما أمروهم ويفعلون ما يؤمرون.
في اليوم الأخير من نوفمبر 2015 ماتت هذه السيدة الفاضلة، بعد صراع طويل مع المرض وهي بعمر الـ 75 عاما، ولكن بقريب من هذا الرقم في الإنتاج المعرفي من مقالات وكتب وأبحاث وفي أكثر من لغة فطوبى لها من مقام.
بقلم الكاتب والمفكر: خالص جلبي
مركز الشيخ إبراهيم يحتفي بذكرى تأبين الباحثة الاجتماعية المغربية فاطمة المرنيسي السبت المقبل
المنامة (الأيام) : في مسار الاحتفاء بالرموز الأدبية، والاجتهادات الفكرية والعلمية للمبدعين، ينظم مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، حفل تأبين لذكرى عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، بعنوان أمسية محبة، وذلك يوم السبت الموافق ٩ يناير ٢٠١٦، ضمن الموسم الثقافي " الحالمون لا يمكن ترويضهم أبداً"، عند الساعة الثامنة مساء، في المركز.
وسيقدم نخبة من المثقفين والأدباء شهاداتهم وقراءاتهم حول اشتغالات الراحلة المرنيسي، وامتدادها للأصوات النسائية وتأثيرها النقدي على الوعي الإبداعي المنادي لقضايا المرأة، من جهة وترجمت معظم أعمالها الأكاديمية إلى اللغات العالمية من جهة أخرى، مستخدمة أدواتها التنظيرية والسوسيولوجية، إلى جانب محاورتها للتراث العربي الإسلامي والثقافة العربية والغربية في آن واحد، والحراك النسائي، كما سيسرد جانب من حياتها وأهم المؤلفات التي تناولتها بشكل مغاير وتحليلي عن المشهد الثقافي.
وعلى هامش الأمسية سيدشن كتاب "شهرزاد المغربية-شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي"، وهو من إصدار مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وإعداد وتحرير ياسين عدنان. ولابد من أن نعرج على سيرة الخالدة ذكراها المرينسي، التي رحلت في 30 نوفمبر 2015، في ألمانيا، والتي ترعرعت في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة.
وكانت المرنيسي من القليلات اللاتي حظين بحق التعليم في عهد الاحتلال الفرنسي، وذلك بفضل المدارس الحرة -الخارجة على نمط التعليم الفرنسي- التابعة للحركة الوطنية.
عملت المرنيسي باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط)، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
أسست مبادرة جمعوية من أجل حقوق المرأة تحت اسم "قوافل مدنية"، كما ساهمت في إطلاق تجمع "نساء، أسر، أطفال".
لها العديد من المؤلفات باللغة الفرنسية -ترجمت إلى لغات عديدة من بينها العربية والإنجليزية- من أهمها:
كما كتبت شبه سيرة ذاتية تحت عنوان "نساء على أجنحة الحلم".
نالت على جائزة أمير أستورياس للأدب (أرفع الجوائز الأدبية بإسبانيا) مناصفة مع سوزان سونتاغ، كما حازت على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة "الدين والحداثة"،
واختيرت عضوا في لجنة الحكماء لحوار الحضارات التي شكلتها اللجنة الأوروبية برئاسة رومانو برودي.
المنامة (الأيام) : في مسار الاحتفاء بالرموز الأدبية، والاجتهادات الفكرية والعلمية للمبدعين، ينظم مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، حفل تأبين لذكرى عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، بعنوان أمسية محبة، وذلك يوم السبت الموافق ٩ يناير ٢٠١٦، ضمن الموسم الثقافي " الحالمون لا يمكن ترويضهم أبداً"، عند الساعة الثامنة مساء، في المركز.
وسيقدم نخبة من المثقفين والأدباء شهاداتهم وقراءاتهم حول اشتغالات الراحلة المرنيسي، وامتدادها للأصوات النسائية وتأثيرها النقدي على الوعي الإبداعي المنادي لقضايا المرأة، من جهة وترجمت معظم أعمالها الأكاديمية إلى اللغات العالمية من جهة أخرى، مستخدمة أدواتها التنظيرية والسوسيولوجية، إلى جانب محاورتها للتراث العربي الإسلامي والثقافة العربية والغربية في آن واحد، والحراك النسائي، كما سيسرد جانب من حياتها وأهم المؤلفات التي تناولتها بشكل مغاير وتحليلي عن المشهد الثقافي.
وعلى هامش الأمسية سيدشن كتاب "شهرزاد المغربية-شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي"، وهو من إصدار مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وإعداد وتحرير ياسين عدنان. ولابد من أن نعرج على سيرة الخالدة ذكراها المرينسي، التي رحلت في 30 نوفمبر 2015، في ألمانيا، والتي ترعرعت في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة.
وكانت المرنيسي من القليلات اللاتي حظين بحق التعليم في عهد الاحتلال الفرنسي، وذلك بفضل المدارس الحرة -الخارجة على نمط التعليم الفرنسي- التابعة للحركة الوطنية.
عملت المرنيسي باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط)، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
أسست مبادرة جمعوية من أجل حقوق المرأة تحت اسم "قوافل مدنية"، كما ساهمت في إطلاق تجمع "نساء، أسر، أطفال".
لها العديد من المؤلفات باللغة الفرنسية -ترجمت إلى لغات عديدة من بينها العربية والإنجليزية- من أهمها:
- "الحريم السياسي"،
- "هل أنتم محصنون ضد الحريم"،
- "الجنس والأيديولوجيا والإسلام". إضافة إلى
- "ما وراء الحجاب"،
- "الإسلام والديمقراطية"،
- "شهرزاد ترحل الى الغرب"،
- "أحلام الحريم".
- "هل أنتم محصنون ضد الحريم"،
- "الجنس والأيديولوجيا والإسلام". إضافة إلى
- "ما وراء الحجاب"،
- "الإسلام والديمقراطية"،
- "شهرزاد ترحل الى الغرب"،
- "أحلام الحريم".
كما كتبت شبه سيرة ذاتية تحت عنوان "نساء على أجنحة الحلم".
نالت على جائزة أمير أستورياس للأدب (أرفع الجوائز الأدبية بإسبانيا) مناصفة مع سوزان سونتاغ، كما حازت على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة "الدين والحداثة"،
واختيرت عضوا في لجنة الحكماء لحوار الحضارات التي شكلتها اللجنة الأوروبية برئاسة رومانو برودي.
مصر تكرّم الراحلة المرنيسي وتخلّد ذكرى اغتيال بنجلون
مصر - طارق بنهدا (هسبريس) : التفاتة ثقافية وفكرية كبيرة تلك التي شهدها مبنى المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة من خلال احتفائه، مساء الجمعة، برموز الفكر والثقافة والسياسة والفن في المغرب، إذ تم استقبال وفد المغربي يضم ثلة من المفكرين والمثقفين والفنانين والإعلاميين من طرف نظرائهم المصريين؛ فيما أعلن تكريم الكاتبة المغربية وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي. كما شهد الموعد تخليد الذكرى السنوية الأربعين لاغتيال الزعيم اليساري عمر بنجلون.
واعتبر الوفد المغربي ذكر اسم بنجلون وسط مبنى المجلس الأعى للثقافة “سابقة من نوعها”، إذ قام المؤرخ والكاتب حسن أوريد بتقديم الشاعر المصري المعروف أحمد عبد المعطي حجازي، أمام الحاضرين، مذكرا بأنه نظم قصيدة رثاء في حق الزعيم النقابي والسياسي اليساري، في احتفالية نظمت عام 1975، بعد 40 يوما من اغتياله.
ووقفت القاعة، التي امتلأت بنخبة من رجال الفكر والثقافة من مصر، بحضور وزير الثقافة المصري، وسفير المغرب في القاهرة، تخليدا للذكرى السنوية الأربعين لرحيل عمر بنجلون، ليأخذ الشاعر حجازي الكلمة التي قال فيها: “إننا في مصر مدينون لعمر بنجلون، كما أن المغاربة مدينون له، ونحييه دائما لأنه والمغاربة لم يتأخروا في النضال من أجل الحرية والعقل والكرامة”.
وأجمعت تدخلات المثقفين المصريين على ضرورة التعاون الثقافي بين البلدين؛ فيما وقف الحاضرون عند رحيل الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، التي توفيت نهاية نونبر المنصرم، فتم الإعلان عن تنظيم احتفالية فكرية خلال الأسبوع القادم بالقاهرة، تخص إصدارات وأعمال الراحلة. كما دعا مثقفون وكتاب مصريون إلى ضرورة نشر أعمال الراحلة ضمن سلسلات فكرية بمصر.
السفير المغربي في القاهرة، محمد سعد العلمي، وفي تعليقه على زيارة الوفد المغربي، قال إنه جاء “حاملا رسالة ود وإخاء ومحبة، تأكيدا للوشائج التي ربطت الشعبين.. والتي تتجدد اليوم وتتأكد”، مضيفا: “كلنا إرادة راسخة لتقوية العلاقات الثنائية وتثمينها لتشمل مختلف المجالات وترتقي إلى آفاق أرحب”؛ فيما شدد على أن ما وصفها بـ”القوة الناعمة” في البلدين “لها دور أساسي في تثبيت تلك العلاقات”.
وتابع العلمي قائلا إن “الثقافة والفن تبني الجسور التي لا تنقطع بين البلدين، وترسي الأرضية الصلبة لتعاون شامل”، فيما اعتبر أن “السياسة تتغير، لكن الثقافة تظل دائما الضمان لرسوخ العلاقات بين البلدين”، قبل أن يدعو المصريين إلى القيام بزيارات مماثلة إلى المغرب، تشمل المفكرين والمثقفين والفنانين. “الطريق مرجو أن تكون واعدة ومبشرة، وسيكون الأمر كذلك لأنها إرادتنا جميعا”، يضيف العلمي.
المؤرخ والكاتب المغربي حسن أوريد عرج في كلمته على دور مصر في المنطقة، والذي قال إنه “محوري في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض والعالم العربي”، فيما توقف عند ما وصفها بـ”الكبوات”؛ قائلا: “تأثرنا بما تعيشه مصر من ظروف استثنائية، ومعركتنا هي المعركة التي تخوضها.. هناك أمل كبير، ونجاح مصر من نجاحنا. كما أن نجاح المغرب من ناجح مصر”.
“هناك حقيقة راسخة تفيد بأن شعور المغاربة حيال مصر يتسم بالحب العميق لأرض الكنانة وبلد الأهرامات”، يضيف أوريد، الذي أكد أن “هذا الشعور متواتر عبر الأجيال ويعم شرائح عدة من المجتمع المغربي”، وأضاف أن “المغرب ارتبط بعلاقات إستراتجية مع مصر”، قائلا: “لا ننسى احتضانها لمثقفينا وسياسيينا، وأنها مدت لهم يد العون. ولا ننسى كيف صدح عاليا من هنا في القاهرة الزعيم علال الفاسي، منددا بعزل ونفي الملك الراحل محمد الخامس”.
من جهته، اعتبر وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، أن زيارة الوفد المغربي إلى مصر، التي وصفها بـ”الكريمة”، “خطوة لتعميق العلاقة بين مصر والمغرب”، مشددا على أن “هذه العلاقة لم تقتصر على الزيارات، بل إن هناك كتابا ومثقفين من المغرب يقيمون بمصر ويثرون الحياة الثقافية بأعمالهم الأدبية”؛ فيما أكد وجود حي يضم المغاربة بمدينة الإسكندرية.
وعرف الموعد الثقافي إلقاء شهادات كتاب ومثقفين وفنانين مغاربة ومصريين، توقفت في مجملها عند تثمين المشترك الثقافي بين المغرب ومصر وضرورة الحفاظ عليه لصالح الأجيال الحالية والقادمة؛ فيما قدم مطربون مغاربة عروضا فنية، وفي مقدمتهم الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، والمطرب فؤاد الزبادي، والفنانة كريمة الصقلي.