القاهرة - طارق الغزالى حرب (الأهرام) : لا أعتقد أن موضوعاً يمس جانباً مهماً وأساسياً من حياة الناس، قيل فيه كلام كثير غير دقيق، وسمعنا حوله ضجيجاً ولم نر طحناً مثل موضوع التأمين الصحى. السؤال هنا هو لماذا لا نتقدم خطوة واحدة حقيقية إلى الأمام على طريق التغطية الصحية المقبولة للمواطنين، ولماذا حتى كتابة هذه السطور يُعانى المصرى غنياً كان أو فقيراً أشد المعاناة عندما يبتليه الله بمرض أو حادث؟.
منذ سنوات طويلة والمسئولون يدغدغون مشاعر الناس بالحديث عن مشروع جديد للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل، فى الوقت الذى لم تتخذ فيه الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات حينما بدأ الحديث الجدى عن هذا القانون، وإلى الآن لم تتخذ أي خطوة ذات قيمة، ولو حتى من أجل تمهيد الطريق أمام تحقيق هذا الهدف.. وفى نفس الوقت يتعرض فيه هذا القانون، الذي تمت إعادة كتابته بصورة شاملة بعد ثورة 25 يناير بواسطة لجنة محترمة من الأطباء والخبراء فى المجال وبعض السياسيين من أحزاب مختلفة وقانونيين، إلى انتقادات شديدة تصل إلى حد الافتراءات والأكاذيب.
لقد قرأت فى صحيفة الأهرام عدد 29 نوفمبر الماضي مقالاً للدكتورة سلوى العنتري تصف فيه القانون بنص كلماتها بأنه «سيئ السمعة ويرتبط بسعي الحكومات المتعاقبة لخصخصة نظام التأمين الصحى وتحويله من نظام خدمى يستهدف الوفاء بحق المواطنين فى الصحة إلى نظام ربحي يحول هذا الحق إلى سلعه تُباع وتُشترى ولا يتمكن من الحصول عليها إلا القادرون».. واستمرت في سرد سلبيات لا وجود لها في مسودة القانون، إلى الدرجة التى ظننت فيها أنها تكتب عن قانون لا أعرف عنه شيئاً، وأنا أحد المشاركين الأساسيين فى لجنة إعداده منذ نشأتها فى أوائل عام 2011 وحتى الآن .
لقد قامت اللجنة التي كانت تجتمع بصورة دورية على مدى عهود سبعة وزراء صحة متتابعين بتغيير شبه كامل لما كان قد تم اقتراحه من مسودة في الفترة التي سبقت ثورة يناير، وأدخلت العديد من التغييرات والتحسينات عليه.. وكانت اللجنة تأخذ في الاعتبار وبكل الجدية الآراء التي يسمعها أعضاء اللجنة في حوارات مجتمعية كثيرة جرى تنظيمها مع فئات المجتمع المختلفة، ذهبت اللجنة بكاملها إليهم في مقار نقاباتهم عمال وفلاحين ومحامين ومهندسين وتجاريين وأطباء وغيرهم. بالتأكيد فإن الكاتبة لا تعرف أننا درسنا أثناء إعداد القانون نماذج دول عديدة بها تجارب ناجحة للتأمين الصحي ليس من بينها أمريكا لحداثة عهده، وبالتأكيد ليس بينها انجلترا التي دعت إلى اتباعها لأنه لا يوجد لديها نظام تأمين صحى أصلاً .
هناك كثيرون يستسهلون الكلام الذى يدغدغ مشاعر الفقراء والبسطاء والمُزايدة عليهم، وهناك على الجانب الآخر مواطنون مصريون آخرون لا يألون جهداً فى تشويه نظام التأمين الصحى الحالى، ويستهزئون بالقانون الجديد ويحاولون إعاقة إقراره من زاوية أخرى، لأنهم أصحاب المصلحة في بقاء الأمور على ماهى عليه، واستغلال معاناة الناس المرضية لتحقيق مكاسب شخصية، ليستمر الوضع المهزلة القائم فى بلادنا حالياً، وهو أن 75% تقريباً مما يُنفق على الصحة فى مصر يخرج من جيوب المواطنين، والباقي تتكفل به الدولة، وهو وضع بائس لامثيل له فى أى بلد من بلاد العالم.
نتيجة لهذا المأزق فكرت فى أن أطرح نقاطاً حول موضوع صحة المواطنين بعد سنوات من انتظار نتائج محاولات تغيير الواقع البائس لم تثمر شيئاً حقيقياً يلمسه الناس حتى الآن للأسباب التى أوضحت بعضها:
بمعنى آخر فإن التغطية الطبية للمواطنين المصريين هي حصيلة نظامين : التأمين الصحى الاجتماعى الشامل ( وهذا له وسائل تمويله المختلفة التى يشارك فيها مُتلقى الخدمة بنسبة من دخله بالإضافة إلى طرق أخرى للتمويل ) ونظام الخدمة الطبية القومية الذي تموله ميزانية الدولة بما لا يقل عن 3% من إجمالى الدخل القومى الذى نص عليه الدستور، مع ضرورة إعمال مبادئ الشفافية والمصارحة فى تحديد الرقم الحقيقى لهذا الدخل.
يتم البدء فى تنفيذ المبادئ الأساسية لقانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذى تم إعداده، بإنشاء الهيئات الثلاث التى نص عليها القانون، وفصل التمويل عن الخدمة عن مراقبة جودتها، وكذلك بإقرار نسبة ما يتحمله المنتفعون وأصحاب الأعمال ونسبة المساهمات بعد مناقشتها وإقرارها من البرلمان، وليتم ذلك فور إقراره ليحل محل نظام التأمين الصحى الموجود حالياً، والمُفترض نظرياً أنه يغطى نحو60% من المواطنين، مع الموافقة على تدبير موارد إضافية له، وضم العديد من المستشفيات الكبيرة والمتخصصة تحت مظلته، على طريق إنهاء حالة التفتت الشاذة لتصنيف المستشفيات التى يشهدها الواقع الطبى المصرى الآن، وحتى تستعيد كلمة التأمين الصحي السمعة الطيبة التى تستحقها، والتى هى أبعد ماتكون عنها الآن.
يتم فى الوقت نفسه عملية سريعة وحازمة لإعادة تقييم شهادات التخصص للأطباء فى مختلف فروع الطب، ليكون للتدريب مكان مواز للتعليم النظرى، وأن يُعاد النظر فى سياسات تكليف الأطباء وفى كوادرهم المالية المُهترئة، وأن يوضع حد لفوضى العلاج الخاص الذى فاق كل تصور فى عشوائيته بل وجرائمه، وأن يكون لنقابة الأطباء دور واضح وفعال فى ذلك.
منذ سنوات طويلة والمسئولون يدغدغون مشاعر الناس بالحديث عن مشروع جديد للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل، فى الوقت الذى لم تتخذ فيه الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات حينما بدأ الحديث الجدى عن هذا القانون، وإلى الآن لم تتخذ أي خطوة ذات قيمة، ولو حتى من أجل تمهيد الطريق أمام تحقيق هذا الهدف.. وفى نفس الوقت يتعرض فيه هذا القانون، الذي تمت إعادة كتابته بصورة شاملة بعد ثورة 25 يناير بواسطة لجنة محترمة من الأطباء والخبراء فى المجال وبعض السياسيين من أحزاب مختلفة وقانونيين، إلى انتقادات شديدة تصل إلى حد الافتراءات والأكاذيب.
لقد قرأت فى صحيفة الأهرام عدد 29 نوفمبر الماضي مقالاً للدكتورة سلوى العنتري تصف فيه القانون بنص كلماتها بأنه «سيئ السمعة ويرتبط بسعي الحكومات المتعاقبة لخصخصة نظام التأمين الصحى وتحويله من نظام خدمى يستهدف الوفاء بحق المواطنين فى الصحة إلى نظام ربحي يحول هذا الحق إلى سلعه تُباع وتُشترى ولا يتمكن من الحصول عليها إلا القادرون».. واستمرت في سرد سلبيات لا وجود لها في مسودة القانون، إلى الدرجة التى ظننت فيها أنها تكتب عن قانون لا أعرف عنه شيئاً، وأنا أحد المشاركين الأساسيين فى لجنة إعداده منذ نشأتها فى أوائل عام 2011 وحتى الآن .
لقد قامت اللجنة التي كانت تجتمع بصورة دورية على مدى عهود سبعة وزراء صحة متتابعين بتغيير شبه كامل لما كان قد تم اقتراحه من مسودة في الفترة التي سبقت ثورة يناير، وأدخلت العديد من التغييرات والتحسينات عليه.. وكانت اللجنة تأخذ في الاعتبار وبكل الجدية الآراء التي يسمعها أعضاء اللجنة في حوارات مجتمعية كثيرة جرى تنظيمها مع فئات المجتمع المختلفة، ذهبت اللجنة بكاملها إليهم في مقار نقاباتهم عمال وفلاحين ومحامين ومهندسين وتجاريين وأطباء وغيرهم. بالتأكيد فإن الكاتبة لا تعرف أننا درسنا أثناء إعداد القانون نماذج دول عديدة بها تجارب ناجحة للتأمين الصحي ليس من بينها أمريكا لحداثة عهده، وبالتأكيد ليس بينها انجلترا التي دعت إلى اتباعها لأنه لا يوجد لديها نظام تأمين صحى أصلاً .
هناك كثيرون يستسهلون الكلام الذى يدغدغ مشاعر الفقراء والبسطاء والمُزايدة عليهم، وهناك على الجانب الآخر مواطنون مصريون آخرون لا يألون جهداً فى تشويه نظام التأمين الصحى الحالى، ويستهزئون بالقانون الجديد ويحاولون إعاقة إقراره من زاوية أخرى، لأنهم أصحاب المصلحة في بقاء الأمور على ماهى عليه، واستغلال معاناة الناس المرضية لتحقيق مكاسب شخصية، ليستمر الوضع المهزلة القائم فى بلادنا حالياً، وهو أن 75% تقريباً مما يُنفق على الصحة فى مصر يخرج من جيوب المواطنين، والباقي تتكفل به الدولة، وهو وضع بائس لامثيل له فى أى بلد من بلاد العالم.
نتيجة لهذا المأزق فكرت فى أن أطرح نقاطاً حول موضوع صحة المواطنين بعد سنوات من انتظار نتائج محاولات تغيير الواقع البائس لم تثمر شيئاً حقيقياً يلمسه الناس حتى الآن للأسباب التى أوضحت بعضها:
1- تغطية جميع المصريين بنظام تأمين صحى اجتماعى شامل هو «حلم» يجب أن نسعى لتحقيقه ولا نتخلى عنه وإن استغرق ذلك سنوات، ولكن تحقيق هذا الحلم بالصورة التى نرجوها وتتفق مع معايير الجودة فى ظل الظروف المالية والأحوال الطبية والبنية الأساسية، بشراً وحجراً على أرض الواقع المصرى هو ضرب من الخيال وخداع النفس. فالأهم من مجرد الإتاحة الشكلية للخدمة هو جودتها وتحقيق الرضا الكامل عنها.. أقول أنه حلم لأن تكلفة تطبيق هذا التأمين بطريقة مُرضية حسب الدراسات العلمية والاكتوارية لن تقل عن مائة مليار جنيه تزداد بنسبة معينة سنوياً، ولا أعتقد أن النظام الحالى والحكومة لديهم الإرادة السياسية لإنفاق هذا المبلغ على صحة المواطنين فى الوقت الحالى وأن تضمن استدامته، وإن كان ذلك ممكناً فى رأيى، وتلك قصة أخرى.
2- التغطية الصحية للمواطنين ليست بالضرورة نظام التأمين الصحي، فهناك نظم أخرى تتولى فيها الدولة علاج المواطنين بالعيادات والمستشفيات التى تتبعها، وتنفق على ذلك من حصيلة الضرائب التى تجمعها من المواطنين، وهو ما يحدث في انجلترا على سبيل المثال ويُعرف بنظام الخدمة الطبية القومية، ويمكن أن يكون هذا هو المخرج الآن لعلاج الفقراء ومحدودي الدخل من الفئات التي يصعب حصرها بما فيهم العاطلون عن العمل والذين لا مأوى لهم، وتلك الشريحة تقترب نسبتهم من 40% من المواطنين، على أن تُشارك جميع الجهات التي تمتلك مؤسسات طبية سواء وزارة الصحة أو الجامعات أو القوات المسلحة أو غيرها في هذا النظام، بتخصيص نسبة من أسرتها للعلاج المجاني فى كل مُنشأة طبية بالقانون تتحمل تكلفته موازنة الدولة، وتُحدد اللوائح والقوانين شروط العلاج بهذا النظام وكيفية التأكد من وصوله إلى مُستحقيه بنفس الدرجة من الجودة التى يلقاها الخاضعون لنظام التأمين الصحي الذي يُطبق على النسبة الأكبر من المواطنين..
2- التغطية الصحية للمواطنين ليست بالضرورة نظام التأمين الصحي، فهناك نظم أخرى تتولى فيها الدولة علاج المواطنين بالعيادات والمستشفيات التى تتبعها، وتنفق على ذلك من حصيلة الضرائب التى تجمعها من المواطنين، وهو ما يحدث في انجلترا على سبيل المثال ويُعرف بنظام الخدمة الطبية القومية، ويمكن أن يكون هذا هو المخرج الآن لعلاج الفقراء ومحدودي الدخل من الفئات التي يصعب حصرها بما فيهم العاطلون عن العمل والذين لا مأوى لهم، وتلك الشريحة تقترب نسبتهم من 40% من المواطنين، على أن تُشارك جميع الجهات التي تمتلك مؤسسات طبية سواء وزارة الصحة أو الجامعات أو القوات المسلحة أو غيرها في هذا النظام، بتخصيص نسبة من أسرتها للعلاج المجاني فى كل مُنشأة طبية بالقانون تتحمل تكلفته موازنة الدولة، وتُحدد اللوائح والقوانين شروط العلاج بهذا النظام وكيفية التأكد من وصوله إلى مُستحقيه بنفس الدرجة من الجودة التى يلقاها الخاضعون لنظام التأمين الصحي الذي يُطبق على النسبة الأكبر من المواطنين..
بمعنى آخر فإن التغطية الطبية للمواطنين المصريين هي حصيلة نظامين : التأمين الصحى الاجتماعى الشامل ( وهذا له وسائل تمويله المختلفة التى يشارك فيها مُتلقى الخدمة بنسبة من دخله بالإضافة إلى طرق أخرى للتمويل ) ونظام الخدمة الطبية القومية الذي تموله ميزانية الدولة بما لا يقل عن 3% من إجمالى الدخل القومى الذى نص عليه الدستور، مع ضرورة إعمال مبادئ الشفافية والمصارحة فى تحديد الرقم الحقيقى لهذا الدخل.
يتم البدء فى تنفيذ المبادئ الأساسية لقانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذى تم إعداده، بإنشاء الهيئات الثلاث التى نص عليها القانون، وفصل التمويل عن الخدمة عن مراقبة جودتها، وكذلك بإقرار نسبة ما يتحمله المنتفعون وأصحاب الأعمال ونسبة المساهمات بعد مناقشتها وإقرارها من البرلمان، وليتم ذلك فور إقراره ليحل محل نظام التأمين الصحى الموجود حالياً، والمُفترض نظرياً أنه يغطى نحو60% من المواطنين، مع الموافقة على تدبير موارد إضافية له، وضم العديد من المستشفيات الكبيرة والمتخصصة تحت مظلته، على طريق إنهاء حالة التفتت الشاذة لتصنيف المستشفيات التى يشهدها الواقع الطبى المصرى الآن، وحتى تستعيد كلمة التأمين الصحي السمعة الطيبة التى تستحقها، والتى هى أبعد ماتكون عنها الآن.
يتم فى الوقت نفسه عملية سريعة وحازمة لإعادة تقييم شهادات التخصص للأطباء فى مختلف فروع الطب، ليكون للتدريب مكان مواز للتعليم النظرى، وأن يُعاد النظر فى سياسات تكليف الأطباء وفى كوادرهم المالية المُهترئة، وأن يوضع حد لفوضى العلاج الخاص الذى فاق كل تصور فى عشوائيته بل وجرائمه، وأن يكون لنقابة الأطباء دور واضح وفعال فى ذلك.