تونس - محمد علي خليفة (الإخبارية) : يضرب الشيخ الثمانيني حمّادي الملولي كفّا بكفّ متحسرا على الوضع الذي آلت إليه مدينة سوسة العتيقة بعد أن أطاحت التجاوزات العمرانية بإرث المدينة التاريخي: "لم أعد أعرفها ولا أرى خصوصياتها التي تميزت بها على امتداد عقود".
يوجّه الملولي- رئيس جمعية "ذاكرة سوسة"–أصابعالاتهام إلى ثلاثة أطراف على الأقل؛ "البلدية" والمعهد الوطني للتراث والحكومات التي تعاقبت منذ 2011 دون أن تضع خطة لإنقاذ المدينة. تلك الأطراف تقر بتقصيرها، لكنّها تعزوه إلى "قلة الإمكانات والموارد"، فيما ترى هيئات مدافعة عن إرث سوسة أن تداخل الصلاحيات بين تلك الجهات يحول دون ضبط المخالفين وإزالة التعديات. وتسارعت وتيرة الانهيار بسبب ضعف العقوبة في مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية المعدلة وغياب الإرادة السياسية لمحاسبة المخالفين، فضلا عن المحاكمات السياسية التي أعقبت ثورة 14 يناير 2011.
على وقع التجاوزات وسرقات الآثار، تواجه سوسة رهان البقاء ضمن قائمة التراث العالمي لـ "اليونسكو"، التي صُنفت ضمنها سنة 1988 (انظر الإطار 1). مذّاك باتت تفقد ضوابط ومحدّدات التصنيف يوما بعد يوم، وتحديدا في السنوات الأربع الأخيرة في غياب رقابةالبلدية، شح الموارد وإخفاقها في تنفيذ قرارات هدم المباني التي تشوّه المدينة، حسبما يوثق هذا التحقيق بعد سنة من التقصي.
قصر ملك الصنهاجيين المعز ابن باديس (1008- 1061م) الذي يتوسط "نهج الأغالبة" – الشارع الرئيس–بات اليوم مهجورا دون أي عناية،باستثناء ترميمات بالاسمنتقام بها عملة بناء بإشراف أعوان المعهد الوطني للتراث في مخالفة لنظام ترميم المباني الأثرية وفق لوائح اليونسكو. وقد كان هذا القصرمسرحا لعملية دهم أمنية في شباط 2015 بعد انكشاف أمر عصابة اشترت القصر الذي كان مملوكا لأحد الخواص الذي اشتراه من الدولة إضافة إلى ستة منازل أخرى بالمدينة،لتهريب كميات كبيرة من القطع الأثرية.
قصة هذه المنازل، هي الوحيدة التي ينظر القضاء التونسي فيها اليوم(وهي القضية الوحيدة التي رفعها المعهد الوطني للتراث ضدّ مالكي هذه المنازل بتهمة سرقة التراث وتهريبه) ولم يبتّ بشأنها بعد في حين اكتفت الجمعيات المهتمة بشأن المدينة العتيقة في سوسة بتقديم "لفت نظر" إلى المعهد الوطني للتراث كلّما لاحظت تجاوزات دون أن تصل ملاحظاتها إلى أنظار القضاء التونسي.
هنا تؤكد عضو النيابة الخصوصية لبلدية سوسة المدينة نجاة النابلي عياد أنّ الجمعيات والأشخاص الذين يرغبون في "لفت نظر الجهات الرسمية يواجهون صعوبة في التوجه إلى الجهة المعينة، لتداخل صلاحيات الأطراف المسؤولة عن المدينة العتيقة".
تتّبع معد التحقيق تضاريس نهج الأغالبة –الذي يمتدّ على نحو ثلاثمائة متر - الذي خضع للترميم بإشراف مصالح بلدية سوسة، وكالة التهذيب والتجديد العمراني بين يوليو/ تموز وأكتوبر/ تشرين الأول 2014. فوثّق طمس عشرات المباني الموجودة على طرفي الشارع) وإنشاء ثلاثة مبان طفيلية (دكاكين تم اقتطاعها من منزل أثري وهو دار بوعاشور) دون مراعاة خصوصية المدينة العمرانية.كما رصد حالات ترميم عشوائية بعيدا عن محددات وشروط حفظ التراث المتبعة؛في هذا الشارع الذي يحتوي 83 مبنا (مقهى و17 محلا تجاريا و65 منزلا) طالت الترميمات 58 مبنى منها بما لا يستجيب لخصوصية المدينة العمرانية وفق لوائح "اليونسكو".(انظر الإطار 3)
58 عدد المباني التي تم ترميمها من أصل 65 منزلا تمثل أبرز مكونات الشارع الذي يضم 83 مبنى.
هذه الجردةتتماهى مع تقديرات مصالح بلدية سوسة المدينة التي كشفتأواخر 2012 أنّ بين 60 إلى 70 %من واجهات المباني ذات الصبغة الأثرية تعرضتللتشويه جزئيا أو كليّا.
زاوية سيدي عبد القادر الصوفية تشهد منذ 18 شهرا أعمال ترميم بإشراف المعهد الوطني للتراث،مع أنّ الترميم لا يشمل سوى غرفتين من أصل أربعة،لإزالة "طمس" جانب من الجليز – البلاط - بدعوى تركيب صندوق للتيار الكهربائي. على بعد أمتار منها، تجد منزلا حديث العهد لم يتجاوز عمره السنتان وفق معاينة معد التحقيق، مكوّن من طابقين، في مخالفة لقواعد اليونسكو التي تنص على "أن يقتصر مثال تهيئة المنازل على طابق أرضي وطابق أعلى فقط".
من بين التشوهات التي وثقها معد التحقيق استعمال نوافذ من الأليمنيوم وطلاء جدران المباني واستعمال الجليز (البلاط) على واجهاتها، وكذلك إدخالأبواب حديدية وقرميد أندلسي لا علاقة له بطابع المدينة.
(أنظر الجدول) اسف اصل التقرير
تلك التجاوزاتدفعت ممثلي الجمعيات المدنية ومنها جمعية "سوسة غدا" و"جمعية دار
على أنّ الجمعيات المدافعة عن "سوسة العتيقة" تعاني بدورها من الضعف؛ذلك أنّ جمعية صيانة مدينة سوسة– التي تتابع مشاريع صيانة المدينة- "غائبة" تماما، فهي شبه منحلّة منذ أربع سنوات، إذ لم تجر انتخابات جديدة لاختيار أعضائها.(انظر الإطار 4)
تصنيف سوسة ضمن قائمة "اليونسكو" كان على أساس معيار أنها تمثل خصوصية معمارية تعكس مرحلة تاريخية معينة (مرحلة الدولة الأغلبية في القرنين الثاني والثالث للهجرة).(إطار 5)
تحتضغط فقهاء القانون والمهتمين بالحفاظ على الطابع التراثي لسوسة عدّل المشرع التونسي في 25 أيار/ مايو 2011 مواد مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية (24 فبراير/ شباط 1994)، بحيث غلّظ العقوبات على المخالفين.
تتضمن المجلة (القانون) حزمة تشريعات تحدّدالحالات التي يحق فيها للحكومةالتدخل لحماية المواقع الأثرية والتجاوزات التي تستوجب العقاب. (انظر المؤطّر 2).
لكن رغم التنقيح،فإن الانتهاكات لا تزال مستمرة لدرجة أنّ الجمعيات المهتمة بمدينة سوسة العتيقة أطلقت صيحة فزع منذ سنة 2012،ذلك أنّ القضاء لم ينظر في أي قضية تهمّ مدينة سوسة العتيقة إلا في قضية المنازل الستّة وشبهة سرقة الآثار وتهريبها هناك.
بيد أن الخبير القانوني المتخصص في التراث وليد الكشباطي يؤكّد أنّ الإشكال ليس في نصّ القوانين المنظمة لحماية التراث بل في عدم توفّر آليات لتطبيقها وعدم وجود إرادة سياسية لذلك. يضاف لذلك ضعف الوعي العام بأهمية المواقع الأثرية وأهمية تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي.
التجاوزات في سوسة - بخلاف الضوابط التي وضعتها "اليونسكو"ـ تمثلت وفق مشاهدات معد التحقيق بتفاقم ظاهرة البناء العشوائي للمحلات التجارية واستعمال أشكال وألوان دخيلة على النمط المعماري المميز لها.كذلك تشويه المظهر الجمالي لها بكتابات على الحائط وتركيز اللوحات الإشهارية وتعليق البضاعة على الأسوار وتركيز أجهزة التبريد على السور الشرقي،إلى جانب تغيير صبغة المحلات وتجاوز الارتفاع الأقصى المسموح به (ارتفاع السور الذي يبلغ حوالي 12 مترا).ورصد أيضا تشويه النمط المعماري باستخدام مواد للترميم لا تستجيب لمواصفات يحددها المعهد الوطني للتراث.
"الوضع يستوجب فعلا إطلاق صيحة فزع، فالتجاوزات لا تكاد تُحصى، والبلدية عاجزة والمعهد الوطني للتراث غائب"، هكذا يُعلّق عضو جمعية "سوسة غدا" فيصل عبيّد المهتمة بملف المدينة العتيقة.
ويشتكي عبيّد من أنّ العمارات المحيطة بسور المدينة العتيقة غير قانونية، طارحا"نقطة استفهام كبيرة عن كيفية حصولها على رخص للبناء لأنّ "قوانين" منظمة الأمم المتحدة للتربيةوالعلوم والثقافة (اليونسكو) تنصّ على أنّ هذه المباني– المقدر عددها بالعشرات -يجب أن تبعد أكثر من 200 متر عن محيط السور،وأن لا تتجاوز ارتفاع السور.
ولا تملك مصالح بلدية سوسة الرقم المحدّد لهذه المباني المحيطة بسور المدينة العتيقة من جهاته الأربع. منها منشآت وإدارات عمومية كالإدارة الجهوية للصحة والوكالة العقارية للسكنى والمحكمة الابتدائية فضلا عن محلات تجارية كبرى وشقق سكنية ومكاتب لا يفصلها عن سور المدينة العتيقة سوى الطريق الرئيسة المحيطة به والمؤدية إلى وسط المدينة، إذ أن معظم هذه المباني قائمة قبل إدراج المدينة على لائحة التراث العالمي)
بحسب عبيّد وتوثيق معد التحقيق، فإنّ عدّة مبان لا تكاد تبعد 50 مترا فحسب عن محيط سور المدينة وبعضهايرتفع ثلاثة أضعاف ارتفاع السور.تجاوزات أخرى تتمثل في الهدم وإعادة البناء دون ترخيص وتغيير صبغة معالم أثرية مثل زاوية الزقاق ودار بوعاشور.
عضو النيابة الخصوصية لبلدية سوسة المدينة نجاة النابلي عياد تقول إنّ "بلدية سوسة مقصرة ولم تفعل شيئا حيال هذه المباني المخالفة"رغمصدور قرارات منذ العام 2009 تقضي بترجيع هذه المباني ثمانية أمتار للخلف.على أنعياد تقرّ بأنّ "تطبيق ذلك عمليا كان أمرا مستحيلا لذلك غضت البلدية النظر عنها".
وترى أنّ "التجاوزات داخل سور المدينة العتيقة تُعدّ أخطر من تلك الواقعة خارجه، لأنّ المنازل داخل السور صغيرة ويضطر أهلها إلى التوسع عموديا – بما يخالف لوائح اليونسكوبخصوص مثال التهيئة العمرانية الذي ينص على أن لا يتجاوز أي مبنى داخل المدينة العتيقة طابقا أرضيا وطابقا علويا واحدا".
إدارة سلطة البلدية ترفض الحديث مع معد التحقيق.
لكن يبدو أنّ القضية أكثر تعقيدا من مجرد الإشارة إلى غضّ نظر من طرف السلطة البلدية في سوسة، إذ تؤكد مصادر داخل البلديّة رفضت الإفصاح عن هويتها وجود إشكال تقني يحول دون قيام المعهد الوطني للتراث – وهو شريك في عملية اتخاذ قرار الترخيص – بالدور المناط به في الاعتراض على منح الرخص وفي مراقبة سير الأشغال.
ويؤكد عضو جمعية "سوسة غدا" فيصل عبيد أنّ "هناك غيابا كلّيا للمعهد الوطني للتراث، وحتى ممثله في سوسة مهندس وليس مؤرّخا كما تنص على ذلك القوانين الترتيبيةالتي بمقتضاها تم إنشاء المعهد الوطني للتراث.
معدّ التحقيق تأكّد من أنممثل المعهد المشرف على أشغال الترميم والصيانة مهندس متخصص في الآثار وليس مؤرخا.
في الطرف المقابل، يؤكد الأستاذ محمد اللواتي الممثل العلمي للمعهد الوطني للتراث بسوسة، الذي واجهناه بكل هذه المعطيات، "أن لا أحد ينفي أنّ هناك تجاوزات اليوم في المدينة العتيقة".
وبحسب اللواتي فإنّ إمكانات المعهد الوطني للتراث ضعيفة فالميزانية المرصودة لسنة 2014 لا تتجاوز 150 ألف دينار / 80 ألف دولارمخصصة لولاية سوسة في حين تُقدّر حاجاته بأربعة أضعاف هذا المبلغ، فضلا عن عدم توفر سيارة خاصة بالمعهد ما يعيق مهمة الرقابة خاصة في المناطق النائية وفق ما يؤكده ممثل المعهد بسوسة.
غير أنّ رئيس جمعية "دار الحرفي المبدع" مراد البحري يعتبر أنّ المعهد "ضالع في التجاوزات الحاصلة بامتناعه عن التدخل وبغض النظر عن حالة الدمار التي تعيشها المدينة منذ سنة 2011 إذ عمّت حالة الانفلات بالتخلي عن شرطة التراتيب البلدية" وهي شرطة تتبع للبلدية ومكلفة بمتابعة المخالفات العمرانية وكتابة التقارير ورفعها إلى البلدية وكذلك تنفيذ قرارات الهدم الصادرة عن البلدية بحق المباني المخالفة.
غياب الرقابة البلدية
يغيب دور البلدية في الرقابة بعد أن أصبح أعوان التراتيب البلدية يتبعون لوزارة الداخلية، وهو قرار اتُخذ بعد 14 كانون ثاني/ يناير2011 بدعوى أنّ الجانب الأمني بات ذا أولوية على ما سواه من مشمولات الوزارة، ومن ثمة زادت حالة الانفلات وغابت الرقابة وضعفت سلطة البلدية وتفاقمت التجاوزات.
هذه الحقيقة لا ينكرها العاملون في البلدية ويعتبرون أنّها "شرّ لا بدّ منه" اعتبارا لأنّ هناك "أولويات" في العمل البلدي وأن هناك ظرفا مخصوصا حتّم الالتفات إلى الجانب الأمني وإهمال الجانب التراثي "المهمل أصلا" وفق عبارة أحدهم.
وضعية خطرة... لكن
ورغم كل التجاوزات يؤكّد مدير الأشغال ببلدية سوسة معز نعيجة أن مدينة سوسة العتيقة لا تزال مصنفة من بين 966 موقعا في قائمة التراث العالميوليست في قائمة الخمسة وثلاثين موقعا المعرضة إلى خطر خروجها من هذه القائمة حسب الاجتماع الأخير للهيئة العالمية المختصة في هذا المجالالمنعقد في أكتوبر تشرين الأول 2012.
لكنه يشير إلى الوضعية الخطرة التي تعيشها المدينة العتيقة مستعرضا أبرز الانتهاكات والتجاوزات متعددة المظاهر في ظل غياب رؤية استراتيجية على المستوى الوطني للتعامل مع التراث الحي وتقصير الرقابة الإدارية حسب تأكيده.
ولا تُسقط منظمة اليونسكو المواقع المصنفة دون أن تدرجها مسبقا ولمدة طويلة تصل إلى ثلاث سنواتعلى قائمة تحذيرية تسمى بقائمة المعالم المهددة، وهذا لم يحصل قطعا للمدينة العتيقة بسوسة حتى كتابة هذا التحقيق. غير أنّ ما يحدث على الميدان من تجاوزات بات يمثّل مقدمات بارزة لاتخاذ مثل هذا القرار إذا ما تواصل نسق التجاوزات على ما هو عليهوفق ما يؤكده ناشطون في المجتمع المدني مهتمون بشأن المدينة العتيقة.
وقد نفت نجاة النابلي عياد أن تكون "اليونسكو" قد وجهت أي تحذير أو تهديد بسحب المدينة من قائمة التراث العالمي، وأوضحت أن "اليونسكو" أرسلت وفدا تابعا لها عام 2009 وأصدرت تقريرا أشارت فيه أساسا إلى تحفظات بخصوص الصيانة أكثر منها بخصوص التصرف وأشارت إلى تجاوزات خارج سور المدينة بالأساس، ونفت علاقة تقرير "اليونسكو" بمشروع صيانة المدينة العتيقة الذي تنفذه وكالة التجديد والتهذيب العمراني وهي منشأة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية أحدثت سنة 1981 تتولى تنفيذ سياسة الدولة في مجالي التهذيب والتجديد العمرانيين، تحت إشراف وزارة التجهيز.
البلدية : العين بصيرة واليد قصيرة
ينفي رئيس بلدية سوسة محمد المكني لدى مواجهته نفيا قطعيا الاتهامات الموجهة إلى القائمين على البلدية على امتداد السنوات الماضية بالتقصير في أي ملف. ويؤكد أنّ البلدية تتولى مراقبة الأشغال بصفة دورية لكنها تشكو ضعفا في الإمكانات، إذ تقلص الأعوان في البلدية إلى 8 أعوان من أصل 60 عونا بسبب إلحاق أعوان التراتيب البلدية بالسلك الأمني لوزارة الداخلية.
ويوضح المكني أنّ المراقبة تكون مرفقة بمحاضر معاينة تنص ـ في حال وجود مخالفات ـ على وقف الأشغال غير أن الترتيبات الإدارية لإعداد المحاضر تتطلب ثلاثة أيام على الأقل يستغلها القائمون بالأشغال على تسريع وتيرتها وربما استكمالها، وعندها تجد البلدية نفسها مجبرة على التعامل مع الأمر الواقع.
وبالاستفسار عن سبب إحجام البلدية عن القيام بعملية هدم لما تم بناؤه بصفة مخالفة لما هو معمول به يقول المكني إنّ ذلك غير ممكن، وإنّ البلدية "تأسف لتعرض معالم أثرية للانتهاك ولكن جانبا من المسؤولية يتحمله من باع هذه المنازل الأثرية لأنهم لا يثمنون قيمتها خاصة إذا تعدد الورثة".
غير أن رئيس البلدية لم ينكر وجود ضعف في التدخّل لكنه أكد أنّ البلدية ستعترض سبيل المخالفين عند استخراج وثائق تثبت ملكيتهم لتلك المنازل أو المحلات التجارية وهو ما يمنعهم من استغلالها قانونيا.
وفي اتصال بمكتب "اليونسكو" بتونس تمّ إبلاغ معد التحقيق أنّ مكتب اليونسكو في المغرب هو الذي يهتمّ بقضايا التراث والمواقع الأثرية وتصنيفها (على مستوى شمال إفريقيا) وقد حاول معد التحقيق مرارا الإتصال بمكتب اليونسكو المغرب للاستفسار عن تقييمه للوضع الحالي لمدينة سوسة العتيقة دون جدوى، إذ أن مكتب تونس الذي وعدبتسهيل الاتصال، لم يجد منه معد التحقيق سوى المماطلة رغم اتصالاتنا المتكررة.
(أنظر الجدول) اسف اصل التقرير
يوجّه الملولي- رئيس جمعية "ذاكرة سوسة"–أصابعالاتهام إلى ثلاثة أطراف على الأقل؛ "البلدية" والمعهد الوطني للتراث والحكومات التي تعاقبت منذ 2011 دون أن تضع خطة لإنقاذ المدينة. تلك الأطراف تقر بتقصيرها، لكنّها تعزوه إلى "قلة الإمكانات والموارد"، فيما ترى هيئات مدافعة عن إرث سوسة أن تداخل الصلاحيات بين تلك الجهات يحول دون ضبط المخالفين وإزالة التعديات. وتسارعت وتيرة الانهيار بسبب ضعف العقوبة في مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية المعدلة وغياب الإرادة السياسية لمحاسبة المخالفين، فضلا عن المحاكمات السياسية التي أعقبت ثورة 14 يناير 2011.
على وقع التجاوزات وسرقات الآثار، تواجه سوسة رهان البقاء ضمن قائمة التراث العالمي لـ "اليونسكو"، التي صُنفت ضمنها سنة 1988 (انظر الإطار 1). مذّاك باتت تفقد ضوابط ومحدّدات التصنيف يوما بعد يوم، وتحديدا في السنوات الأربع الأخيرة في غياب رقابةالبلدية، شح الموارد وإخفاقها في تنفيذ قرارات هدم المباني التي تشوّه المدينة، حسبما يوثق هذا التحقيق بعد سنة من التقصي.
تجاوزات وسرقات
قصر ملك الصنهاجيين المعز ابن باديس (1008- 1061م) الذي يتوسط "نهج الأغالبة" – الشارع الرئيس–بات اليوم مهجورا دون أي عناية،باستثناء ترميمات بالاسمنتقام بها عملة بناء بإشراف أعوان المعهد الوطني للتراث في مخالفة لنظام ترميم المباني الأثرية وفق لوائح اليونسكو. وقد كان هذا القصرمسرحا لعملية دهم أمنية في شباط 2015 بعد انكشاف أمر عصابة اشترت القصر الذي كان مملوكا لأحد الخواص الذي اشتراه من الدولة إضافة إلى ستة منازل أخرى بالمدينة،لتهريب كميات كبيرة من القطع الأثرية.
قصة هذه المنازل، هي الوحيدة التي ينظر القضاء التونسي فيها اليوم(وهي القضية الوحيدة التي رفعها المعهد الوطني للتراث ضدّ مالكي هذه المنازل بتهمة سرقة التراث وتهريبه) ولم يبتّ بشأنها بعد في حين اكتفت الجمعيات المهتمة بشأن المدينة العتيقة في سوسة بتقديم "لفت نظر" إلى المعهد الوطني للتراث كلّما لاحظت تجاوزات دون أن تصل ملاحظاتها إلى أنظار القضاء التونسي.
هنا تؤكد عضو النيابة الخصوصية لبلدية سوسة المدينة نجاة النابلي عياد أنّ الجمعيات والأشخاص الذين يرغبون في "لفت نظر الجهات الرسمية يواجهون صعوبة في التوجه إلى الجهة المعينة، لتداخل صلاحيات الأطراف المسؤولة عن المدينة العتيقة".
ترميم وهدم
تتّبع معد التحقيق تضاريس نهج الأغالبة –الذي يمتدّ على نحو ثلاثمائة متر - الذي خضع للترميم بإشراف مصالح بلدية سوسة، وكالة التهذيب والتجديد العمراني بين يوليو/ تموز وأكتوبر/ تشرين الأول 2014. فوثّق طمس عشرات المباني الموجودة على طرفي الشارع) وإنشاء ثلاثة مبان طفيلية (دكاكين تم اقتطاعها من منزل أثري وهو دار بوعاشور) دون مراعاة خصوصية المدينة العمرانية.كما رصد حالات ترميم عشوائية بعيدا عن محددات وشروط حفظ التراث المتبعة؛في هذا الشارع الذي يحتوي 83 مبنا (مقهى و17 محلا تجاريا و65 منزلا) طالت الترميمات 58 مبنى منها بما لا يستجيب لخصوصية المدينة العمرانية وفق لوائح "اليونسكو".(انظر الإطار 3)
58 عدد المباني التي تم ترميمها من أصل 65 منزلا تمثل أبرز مكونات الشارع الذي يضم 83 مبنى.
هذه الجردةتتماهى مع تقديرات مصالح بلدية سوسة المدينة التي كشفتأواخر 2012 أنّ بين 60 إلى 70 %من واجهات المباني ذات الصبغة الأثرية تعرضتللتشويه جزئيا أو كليّا.
زاوية سيدي عبد القادر الصوفية تشهد منذ 18 شهرا أعمال ترميم بإشراف المعهد الوطني للتراث،مع أنّ الترميم لا يشمل سوى غرفتين من أصل أربعة،لإزالة "طمس" جانب من الجليز – البلاط - بدعوى تركيب صندوق للتيار الكهربائي. على بعد أمتار منها، تجد منزلا حديث العهد لم يتجاوز عمره السنتان وفق معاينة معد التحقيق، مكوّن من طابقين، في مخالفة لقواعد اليونسكو التي تنص على "أن يقتصر مثال تهيئة المنازل على طابق أرضي وطابق أعلى فقط".
من بين التشوهات التي وثقها معد التحقيق استعمال نوافذ من الأليمنيوم وطلاء جدران المباني واستعمال الجليز (البلاط) على واجهاتها، وكذلك إدخالأبواب حديدية وقرميد أندلسي لا علاقة له بطابع المدينة.
(أنظر الجدول) اسف اصل التقرير
تلك التجاوزاتدفعت ممثلي الجمعيات المدنية ومنها جمعية "سوسة غدا" و"جمعية دار
الحرفي المُبدع" إلى دقّ ناقوس الخطر.
على أنّ الجمعيات المدافعة عن "سوسة العتيقة" تعاني بدورها من الضعف؛ذلك أنّ جمعية صيانة مدينة سوسة– التي تتابع مشاريع صيانة المدينة- "غائبة" تماما، فهي شبه منحلّة منذ أربع سنوات، إذ لم تجر انتخابات جديدة لاختيار أعضائها.(انظر الإطار 4)
ثغرات قانونية
تصنيف سوسة ضمن قائمة "اليونسكو" كان على أساس معيار أنها تمثل خصوصية معمارية تعكس مرحلة تاريخية معينة (مرحلة الدولة الأغلبية في القرنين الثاني والثالث للهجرة).(إطار 5)
تحتضغط فقهاء القانون والمهتمين بالحفاظ على الطابع التراثي لسوسة عدّل المشرع التونسي في 25 أيار/ مايو 2011 مواد مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية (24 فبراير/ شباط 1994)، بحيث غلّظ العقوبات على المخالفين.
تتضمن المجلة (القانون) حزمة تشريعات تحدّدالحالات التي يحق فيها للحكومةالتدخل لحماية المواقع الأثرية والتجاوزات التي تستوجب العقاب. (انظر المؤطّر 2).
لكن رغم التنقيح،فإن الانتهاكات لا تزال مستمرة لدرجة أنّ الجمعيات المهتمة بمدينة سوسة العتيقة أطلقت صيحة فزع منذ سنة 2012،ذلك أنّ القضاء لم ينظر في أي قضية تهمّ مدينة سوسة العتيقة إلا في قضية المنازل الستّة وشبهة سرقة الآثار وتهريبها هناك.
بيد أن الخبير القانوني المتخصص في التراث وليد الكشباطي يؤكّد أنّ الإشكال ليس في نصّ القوانين المنظمة لحماية التراث بل في عدم توفّر آليات لتطبيقها وعدم وجود إرادة سياسية لذلك. يضاف لذلك ضعف الوعي العام بأهمية المواقع الأثرية وأهمية تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي.
خروق... وتحذيرات
التجاوزات في سوسة - بخلاف الضوابط التي وضعتها "اليونسكو"ـ تمثلت وفق مشاهدات معد التحقيق بتفاقم ظاهرة البناء العشوائي للمحلات التجارية واستعمال أشكال وألوان دخيلة على النمط المعماري المميز لها.كذلك تشويه المظهر الجمالي لها بكتابات على الحائط وتركيز اللوحات الإشهارية وتعليق البضاعة على الأسوار وتركيز أجهزة التبريد على السور الشرقي،إلى جانب تغيير صبغة المحلات وتجاوز الارتفاع الأقصى المسموح به (ارتفاع السور الذي يبلغ حوالي 12 مترا).ورصد أيضا تشويه النمط المعماري باستخدام مواد للترميم لا تستجيب لمواصفات يحددها المعهد الوطني للتراث.
"الوضع يستوجب فعلا إطلاق صيحة فزع، فالتجاوزات لا تكاد تُحصى، والبلدية عاجزة والمعهد الوطني للتراث غائب"، هكذا يُعلّق عضو جمعية "سوسة غدا" فيصل عبيّد المهتمة بملف المدينة العتيقة.
ويشتكي عبيّد من أنّ العمارات المحيطة بسور المدينة العتيقة غير قانونية، طارحا"نقطة استفهام كبيرة عن كيفية حصولها على رخص للبناء لأنّ "قوانين" منظمة الأمم المتحدة للتربيةوالعلوم والثقافة (اليونسكو) تنصّ على أنّ هذه المباني– المقدر عددها بالعشرات -يجب أن تبعد أكثر من 200 متر عن محيط السور،وأن لا تتجاوز ارتفاع السور.
ولا تملك مصالح بلدية سوسة الرقم المحدّد لهذه المباني المحيطة بسور المدينة العتيقة من جهاته الأربع. منها منشآت وإدارات عمومية كالإدارة الجهوية للصحة والوكالة العقارية للسكنى والمحكمة الابتدائية فضلا عن محلات تجارية كبرى وشقق سكنية ومكاتب لا يفصلها عن سور المدينة العتيقة سوى الطريق الرئيسة المحيطة به والمؤدية إلى وسط المدينة، إذ أن معظم هذه المباني قائمة قبل إدراج المدينة على لائحة التراث العالمي)
بحسب عبيّد وتوثيق معد التحقيق، فإنّ عدّة مبان لا تكاد تبعد 50 مترا فحسب عن محيط سور المدينة وبعضهايرتفع ثلاثة أضعاف ارتفاع السور.تجاوزات أخرى تتمثل في الهدم وإعادة البناء دون ترخيص وتغيير صبغة معالم أثرية مثل زاوية الزقاق ودار بوعاشور.
عضو النيابة الخصوصية لبلدية سوسة المدينة نجاة النابلي عياد تقول إنّ "بلدية سوسة مقصرة ولم تفعل شيئا حيال هذه المباني المخالفة"رغمصدور قرارات منذ العام 2009 تقضي بترجيع هذه المباني ثمانية أمتار للخلف.على أنعياد تقرّ بأنّ "تطبيق ذلك عمليا كان أمرا مستحيلا لذلك غضت البلدية النظر عنها".
وترى أنّ "التجاوزات داخل سور المدينة العتيقة تُعدّ أخطر من تلك الواقعة خارجه، لأنّ المنازل داخل السور صغيرة ويضطر أهلها إلى التوسع عموديا – بما يخالف لوائح اليونسكوبخصوص مثال التهيئة العمرانية الذي ينص على أن لا يتجاوز أي مبنى داخل المدينة العتيقة طابقا أرضيا وطابقا علويا واحدا".
ضعف... أم تواطؤ؟
إدارة سلطة البلدية ترفض الحديث مع معد التحقيق.
لكن يبدو أنّ القضية أكثر تعقيدا من مجرد الإشارة إلى غضّ نظر من طرف السلطة البلدية في سوسة، إذ تؤكد مصادر داخل البلديّة رفضت الإفصاح عن هويتها وجود إشكال تقني يحول دون قيام المعهد الوطني للتراث – وهو شريك في عملية اتخاذ قرار الترخيص – بالدور المناط به في الاعتراض على منح الرخص وفي مراقبة سير الأشغال.
ويؤكد عضو جمعية "سوسة غدا" فيصل عبيد أنّ "هناك غيابا كلّيا للمعهد الوطني للتراث، وحتى ممثله في سوسة مهندس وليس مؤرّخا كما تنص على ذلك القوانين الترتيبيةالتي بمقتضاها تم إنشاء المعهد الوطني للتراث.
معدّ التحقيق تأكّد من أنممثل المعهد المشرف على أشغال الترميم والصيانة مهندس متخصص في الآثار وليس مؤرخا.
في الطرف المقابل، يؤكد الأستاذ محمد اللواتي الممثل العلمي للمعهد الوطني للتراث بسوسة، الذي واجهناه بكل هذه المعطيات، "أن لا أحد ينفي أنّ هناك تجاوزات اليوم في المدينة العتيقة".
وبحسب اللواتي فإنّ إمكانات المعهد الوطني للتراث ضعيفة فالميزانية المرصودة لسنة 2014 لا تتجاوز 150 ألف دينار / 80 ألف دولارمخصصة لولاية سوسة في حين تُقدّر حاجاته بأربعة أضعاف هذا المبلغ، فضلا عن عدم توفر سيارة خاصة بالمعهد ما يعيق مهمة الرقابة خاصة في المناطق النائية وفق ما يؤكده ممثل المعهد بسوسة.
غير أنّ رئيس جمعية "دار الحرفي المبدع" مراد البحري يعتبر أنّ المعهد "ضالع في التجاوزات الحاصلة بامتناعه عن التدخل وبغض النظر عن حالة الدمار التي تعيشها المدينة منذ سنة 2011 إذ عمّت حالة الانفلات بالتخلي عن شرطة التراتيب البلدية" وهي شرطة تتبع للبلدية ومكلفة بمتابعة المخالفات العمرانية وكتابة التقارير ورفعها إلى البلدية وكذلك تنفيذ قرارات الهدم الصادرة عن البلدية بحق المباني المخالفة.
غياب الرقابة البلدية
يغيب دور البلدية في الرقابة بعد أن أصبح أعوان التراتيب البلدية يتبعون لوزارة الداخلية، وهو قرار اتُخذ بعد 14 كانون ثاني/ يناير2011 بدعوى أنّ الجانب الأمني بات ذا أولوية على ما سواه من مشمولات الوزارة، ومن ثمة زادت حالة الانفلات وغابت الرقابة وضعفت سلطة البلدية وتفاقمت التجاوزات.
هذه الحقيقة لا ينكرها العاملون في البلدية ويعتبرون أنّها "شرّ لا بدّ منه" اعتبارا لأنّ هناك "أولويات" في العمل البلدي وأن هناك ظرفا مخصوصا حتّم الالتفات إلى الجانب الأمني وإهمال الجانب التراثي "المهمل أصلا" وفق عبارة أحدهم.
وضعية خطرة... لكن
ورغم كل التجاوزات يؤكّد مدير الأشغال ببلدية سوسة معز نعيجة أن مدينة سوسة العتيقة لا تزال مصنفة من بين 966 موقعا في قائمة التراث العالميوليست في قائمة الخمسة وثلاثين موقعا المعرضة إلى خطر خروجها من هذه القائمة حسب الاجتماع الأخير للهيئة العالمية المختصة في هذا المجالالمنعقد في أكتوبر تشرين الأول 2012.
لكنه يشير إلى الوضعية الخطرة التي تعيشها المدينة العتيقة مستعرضا أبرز الانتهاكات والتجاوزات متعددة المظاهر في ظل غياب رؤية استراتيجية على المستوى الوطني للتعامل مع التراث الحي وتقصير الرقابة الإدارية حسب تأكيده.
ولا تُسقط منظمة اليونسكو المواقع المصنفة دون أن تدرجها مسبقا ولمدة طويلة تصل إلى ثلاث سنواتعلى قائمة تحذيرية تسمى بقائمة المعالم المهددة، وهذا لم يحصل قطعا للمدينة العتيقة بسوسة حتى كتابة هذا التحقيق. غير أنّ ما يحدث على الميدان من تجاوزات بات يمثّل مقدمات بارزة لاتخاذ مثل هذا القرار إذا ما تواصل نسق التجاوزات على ما هو عليهوفق ما يؤكده ناشطون في المجتمع المدني مهتمون بشأن المدينة العتيقة.
وقد نفت نجاة النابلي عياد أن تكون "اليونسكو" قد وجهت أي تحذير أو تهديد بسحب المدينة من قائمة التراث العالمي، وأوضحت أن "اليونسكو" أرسلت وفدا تابعا لها عام 2009 وأصدرت تقريرا أشارت فيه أساسا إلى تحفظات بخصوص الصيانة أكثر منها بخصوص التصرف وأشارت إلى تجاوزات خارج سور المدينة بالأساس، ونفت علاقة تقرير "اليونسكو" بمشروع صيانة المدينة العتيقة الذي تنفذه وكالة التجديد والتهذيب العمراني وهي منشأة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية أحدثت سنة 1981 تتولى تنفيذ سياسة الدولة في مجالي التهذيب والتجديد العمرانيين، تحت إشراف وزارة التجهيز.
البلدية : العين بصيرة واليد قصيرة
ينفي رئيس بلدية سوسة محمد المكني لدى مواجهته نفيا قطعيا الاتهامات الموجهة إلى القائمين على البلدية على امتداد السنوات الماضية بالتقصير في أي ملف. ويؤكد أنّ البلدية تتولى مراقبة الأشغال بصفة دورية لكنها تشكو ضعفا في الإمكانات، إذ تقلص الأعوان في البلدية إلى 8 أعوان من أصل 60 عونا بسبب إلحاق أعوان التراتيب البلدية بالسلك الأمني لوزارة الداخلية.
ويوضح المكني أنّ المراقبة تكون مرفقة بمحاضر معاينة تنص ـ في حال وجود مخالفات ـ على وقف الأشغال غير أن الترتيبات الإدارية لإعداد المحاضر تتطلب ثلاثة أيام على الأقل يستغلها القائمون بالأشغال على تسريع وتيرتها وربما استكمالها، وعندها تجد البلدية نفسها مجبرة على التعامل مع الأمر الواقع.
وبالاستفسار عن سبب إحجام البلدية عن القيام بعملية هدم لما تم بناؤه بصفة مخالفة لما هو معمول به يقول المكني إنّ ذلك غير ممكن، وإنّ البلدية "تأسف لتعرض معالم أثرية للانتهاك ولكن جانبا من المسؤولية يتحمله من باع هذه المنازل الأثرية لأنهم لا يثمنون قيمتها خاصة إذا تعدد الورثة".
غير أن رئيس البلدية لم ينكر وجود ضعف في التدخّل لكنه أكد أنّ البلدية ستعترض سبيل المخالفين عند استخراج وثائق تثبت ملكيتهم لتلك المنازل أو المحلات التجارية وهو ما يمنعهم من استغلالها قانونيا.
وفي اتصال بمكتب "اليونسكو" بتونس تمّ إبلاغ معد التحقيق أنّ مكتب اليونسكو في المغرب هو الذي يهتمّ بقضايا التراث والمواقع الأثرية وتصنيفها (على مستوى شمال إفريقيا) وقد حاول معد التحقيق مرارا الإتصال بمكتب اليونسكو المغرب للاستفسار عن تقييمه للوضع الحالي لمدينة سوسة العتيقة دون جدوى، إذ أن مكتب تونس الذي وعدبتسهيل الاتصال، لم يجد منه معد التحقيق سوى المماطلة رغم اتصالاتنا المتكررة.
(أنظر الجدول) اسف اصل التقرير