الكويت - يوسف بوفيجلين (دي دبليو DW) -- الصفقات التي أبرمتها وستبرمها فرنسا مع دول الخليج تشير إلى تعاظم الدور الفرنسي في المنطقة، فهل يأتي ذلك على حساب الحلفاء التقليدين لتلك الدول بعد أن أصاب الفتور العلاقات السعودية الأمريكية؟ وأين تقف ألمانيا من كل ذلك؟
"التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تواجه باريس أيضاً... ولن نقف متفرجين إزاء الفوضى التي تحدث في المنطقة "، هذا ما أكده الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند من الرياض بعد حضوره، كضيف شرف، قمة مجلس التعاون الخليجي التي خصص جدول أعمالها للأزمة اليمنية وللدور الإيراني في المنطقة في ظل الاتفاق النووي المرتقب بين إيران والغرب. وبذالك فإن أولاند، الذي أصبح أول زعيم غربي يحضر القمة الخليجية، قد وضع منطقة الخليج الغنية بالنفط كأولوية ضمن توجهات السياسة الفرنسية، كيف لا وقد وقع قبلها بساعات على اتفاق مع قطر لبيعها 24 مقاتلة رفال بقيمة 6,3 مليار يورو، فيما يدور الحديث عن اتفاق مماثل ستبرمه باريس مع ابوظبي، بالإضافة إلى عقد صفقات في مجال الدفاع قد تصل إلى عشرين مليار دولار مع الرياض، كما أكد ذالك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
الدور الفرنسي المتعاظم في منطقة الخليج يطرح أسئلة عديدة بشأن مستقبل تقاسم النفوذ بين القوى العالمية التقليدية في المنطقة، خاصة بعد الفتور الذي أصاب العلاقات الأمريكية السعودية. لكن هل سينعكس ذلك على دور الاتحاد الأوربي في المنطقة؟ وأين تقف ألمانيا من كل هذا؟
قطر توقع على اتفاقية لشراء 24 طائرة رافال من فرنسا
التوافق السياسي ثمن للاستثمارات
"اتفاقات ستقرع ناقوس الخطر في أروقة الحكومة البريطانية"، هذا ما عبر عنه الكاتب الصحفي هيو طوملينسون في مقال نشرته صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان "فرنسا تحل محل بريطانيا كأهم حليف أوروبي لدول الخليج". فالسياسة المتشددة التي اتبعتها فرنسا في المحادثات مع إيران وموقفها من مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد ودعمها للمعارضة السورية بالإضافة إلى تقديمها الدعم الاستخباراتي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، كل ذلك خلق توافقا سياسيا بين فرنسا ودول الخليج، كما يؤكد سلمان نمر رئيس الملتقى الخليجي للدراسات الإستراتيجية. واعتبر نمر في حوار مع DWعربية أن "أي توافق سياسي بين بلدين هو البداية الحقيقية لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، وهناك نشاط سياسي فرنسي كبير داعم لمواقف دول الخليج ومتعاون معها في حل مشاكلها، و من ينشط أكثر يحصل على المكاسب السياسية والاقتصادية".
وقد عبرت السعودية عن امتعاضها من مواقف حلفائها الأمريكيين والبريطانيين تجاه العديد من قضايا المنطقة، فإلى جانب سعي لندن وواشنطن لإبرام اتفاق نووي مع إيران ورفع العقوبات عليها، وهو أمر تتوجس منه دول الخليج، رفض الرئيس الأمريكي باراك اوباما عام 2013 القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد، وهو ذات الموقف الذي اتخذه البرلمان البريطاني، "ما جعل ثقة السعودية بحلفائها التقليديين تهتز"، كما يؤكد ذالك سيباستيان زونس، خبير القضايا الخليجية في المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية.
الضمانات الدفاعية الأمريكية تشكل ركيزة استراتيجية بالنسبة لدول الخليج،
كا يؤكد الدكتور عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث.
ضمان الأمن لا تعوضه الصفقات
لكن يبدو أن الاهتزاز الذي أصاب ثقة السعوديين في الحليف التقليدي لا يعني بالضرورة تقزيم دوره في رسم سياسة المنطقة، فالتعاون الأمريكي – الخليجي يحمل بعدا استراتيجيا، وتطورعلى مدى فترة زمنية طويلة نسبيا. اذ أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية الكبرى في كل من السعودية والإمارات العربية والكويت وعُمان وقطر، وهو الأمر الذي يشكل ركيزة إستراتيجية لضمان أمن دول المنطقة، بمعنى أن "الضمانات الدفاعية الأمريكية لازالت تشكل احدى الأسس المهمة في الحسابات الإستراتيجية لدول منطقة الخليج العربي، بجانب القدرات العسكرية الوطنية والقدرات العسكرية الخليجية الجماعية"، كما يوضح ذالك الدكتور عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث.
ويؤكد الدكتور صقر أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي أو بشكل انفرادي، كما هو الحال مع فرنسا وبريطانيا، لازال يفتقد لهذا البعد الاستراتيجي. فالقدرات العسكرية لدول الاتحاد الأوربي لتوفير حماية او ضمانات لدول الخليج هي قدرات محدودة بالمقارنة مع القدرات الأمريكية الهائلة. لذا فإن "دول الاتحاد الأوروبي تلعب دور الداعم للضمانات وليس دور الضامن الأساسي الذي لازالت الولايات المتحدة تحتفظ به رغم كل الخلافات القائمة بينها وبين دول الخليج".
"لا يمكننا الحديث إذن عن إعادة تقسيم نفوذ الدول الكبرى التقليدية في المنطقة"، كما يوضح سيباستيان زونس، خبير القضايا الخليجية في المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية في حوار مع DWعربية. ويضيف زونس أن "الدور الأمريكي، امنيا وسياسيا واقتصاديا، هو الأكبر والمسيطر على منطقة الخليج، وسيبقى كذالك، فيما يأتي الأوربيون في الدرجة الثانية من ناحية الترتيب".
حقوق الانسان في السعودية تأخذ باهتمام مؤسسات المجتمع المدني في المانيا
بين المبادئ وغياب استراتيجية
مقارنة بالدور الأمريكي والبريطاني والفرنسي في دول الخليج فإن الدور الألماني يبقى ضعيفا، حتى وإن سجل التبادل التجاري بين المانيا والسعودية نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية. "النفوذ السياسي لألمانيا في المنطقة يبقى محدودا، ويعود ذلك إلى عدم وضوح الإستراتيجية الألمانية تجاه قضايا الشرق الأوسط مقارنة بفاعلين أوروبيين آخرين مثل فرنسا وبريطانيا"، حسب الخبير زونس.
ويبدوا أن الموقف الألماني من قضايا حقوق الإنسان في دول الخليج قد ساهم بدوره أيضا في مستوى حجم التعاون بين برلين ودول الخليج، إذ أن هذا الملف قد تم طرحه بشكل متكرر كلما كشف النقاب عن صفقة أسلحة ألمانية إلى تلك الدول. "فوضعية حقوق الإنسان المتدهورة في الخليج تحظى باهتمام كبير في سياسة ألمانيا وفي الإعلام الألماني" كما يؤكد الخبير الألماني سيباستيان زونس، ويضيف: "لقد لاحظنا كيف تفاعل الرأي العام الألماني مع قضية رائف بدوي!". ففي استطلاع للرأي أجراه معهد "امنيد" ونشرته صحيفة بيلد الألمانية في شهر يناير الماضي اعتبر 60 بالمائة من الألمان المستطلعة آراؤهم انه يتوجب على برلين عدم مواصلة علاقاتها التجارية مع الرياض "بسبب انتهاكات حقوق الإنسان" كما ارتفعت هذه النسبة الى مستوى 78 بالمائة حول مسألة بيع الأسلحة بالتحديد.
"التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تواجه باريس أيضاً... ولن نقف متفرجين إزاء الفوضى التي تحدث في المنطقة "، هذا ما أكده الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند من الرياض بعد حضوره، كضيف شرف، قمة مجلس التعاون الخليجي التي خصص جدول أعمالها للأزمة اليمنية وللدور الإيراني في المنطقة في ظل الاتفاق النووي المرتقب بين إيران والغرب. وبذالك فإن أولاند، الذي أصبح أول زعيم غربي يحضر القمة الخليجية، قد وضع منطقة الخليج الغنية بالنفط كأولوية ضمن توجهات السياسة الفرنسية، كيف لا وقد وقع قبلها بساعات على اتفاق مع قطر لبيعها 24 مقاتلة رفال بقيمة 6,3 مليار يورو، فيما يدور الحديث عن اتفاق مماثل ستبرمه باريس مع ابوظبي، بالإضافة إلى عقد صفقات في مجال الدفاع قد تصل إلى عشرين مليار دولار مع الرياض، كما أكد ذالك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
الدور الفرنسي المتعاظم في منطقة الخليج يطرح أسئلة عديدة بشأن مستقبل تقاسم النفوذ بين القوى العالمية التقليدية في المنطقة، خاصة بعد الفتور الذي أصاب العلاقات الأمريكية السعودية. لكن هل سينعكس ذلك على دور الاتحاد الأوربي في المنطقة؟ وأين تقف ألمانيا من كل هذا؟
قطر توقع على اتفاقية لشراء 24 طائرة رافال من فرنسا
التوافق السياسي ثمن للاستثمارات
"اتفاقات ستقرع ناقوس الخطر في أروقة الحكومة البريطانية"، هذا ما عبر عنه الكاتب الصحفي هيو طوملينسون في مقال نشرته صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان "فرنسا تحل محل بريطانيا كأهم حليف أوروبي لدول الخليج". فالسياسة المتشددة التي اتبعتها فرنسا في المحادثات مع إيران وموقفها من مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد ودعمها للمعارضة السورية بالإضافة إلى تقديمها الدعم الاستخباراتي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، كل ذلك خلق توافقا سياسيا بين فرنسا ودول الخليج، كما يؤكد سلمان نمر رئيس الملتقى الخليجي للدراسات الإستراتيجية. واعتبر نمر في حوار مع DWعربية أن "أي توافق سياسي بين بلدين هو البداية الحقيقية لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، وهناك نشاط سياسي فرنسي كبير داعم لمواقف دول الخليج ومتعاون معها في حل مشاكلها، و من ينشط أكثر يحصل على المكاسب السياسية والاقتصادية".
وقد عبرت السعودية عن امتعاضها من مواقف حلفائها الأمريكيين والبريطانيين تجاه العديد من قضايا المنطقة، فإلى جانب سعي لندن وواشنطن لإبرام اتفاق نووي مع إيران ورفع العقوبات عليها، وهو أمر تتوجس منه دول الخليج، رفض الرئيس الأمريكي باراك اوباما عام 2013 القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد، وهو ذات الموقف الذي اتخذه البرلمان البريطاني، "ما جعل ثقة السعودية بحلفائها التقليديين تهتز"، كما يؤكد ذالك سيباستيان زونس، خبير القضايا الخليجية في المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية.
الضمانات الدفاعية الأمريكية تشكل ركيزة استراتيجية بالنسبة لدول الخليج،
كا يؤكد الدكتور عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث.
ضمان الأمن لا تعوضه الصفقات
لكن يبدو أن الاهتزاز الذي أصاب ثقة السعوديين في الحليف التقليدي لا يعني بالضرورة تقزيم دوره في رسم سياسة المنطقة، فالتعاون الأمريكي – الخليجي يحمل بعدا استراتيجيا، وتطورعلى مدى فترة زمنية طويلة نسبيا. اذ أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية الكبرى في كل من السعودية والإمارات العربية والكويت وعُمان وقطر، وهو الأمر الذي يشكل ركيزة إستراتيجية لضمان أمن دول المنطقة، بمعنى أن "الضمانات الدفاعية الأمريكية لازالت تشكل احدى الأسس المهمة في الحسابات الإستراتيجية لدول منطقة الخليج العربي، بجانب القدرات العسكرية الوطنية والقدرات العسكرية الخليجية الجماعية"، كما يوضح ذالك الدكتور عبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث.
ويؤكد الدكتور صقر أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي أو بشكل انفرادي، كما هو الحال مع فرنسا وبريطانيا، لازال يفتقد لهذا البعد الاستراتيجي. فالقدرات العسكرية لدول الاتحاد الأوربي لتوفير حماية او ضمانات لدول الخليج هي قدرات محدودة بالمقارنة مع القدرات الأمريكية الهائلة. لذا فإن "دول الاتحاد الأوروبي تلعب دور الداعم للضمانات وليس دور الضامن الأساسي الذي لازالت الولايات المتحدة تحتفظ به رغم كل الخلافات القائمة بينها وبين دول الخليج".
"لا يمكننا الحديث إذن عن إعادة تقسيم نفوذ الدول الكبرى التقليدية في المنطقة"، كما يوضح سيباستيان زونس، خبير القضايا الخليجية في المؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية في حوار مع DWعربية. ويضيف زونس أن "الدور الأمريكي، امنيا وسياسيا واقتصاديا، هو الأكبر والمسيطر على منطقة الخليج، وسيبقى كذالك، فيما يأتي الأوربيون في الدرجة الثانية من ناحية الترتيب".
حقوق الانسان في السعودية تأخذ باهتمام مؤسسات المجتمع المدني في المانيا
بين المبادئ وغياب استراتيجية
مقارنة بالدور الأمريكي والبريطاني والفرنسي في دول الخليج فإن الدور الألماني يبقى ضعيفا، حتى وإن سجل التبادل التجاري بين المانيا والسعودية نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية. "النفوذ السياسي لألمانيا في المنطقة يبقى محدودا، ويعود ذلك إلى عدم وضوح الإستراتيجية الألمانية تجاه قضايا الشرق الأوسط مقارنة بفاعلين أوروبيين آخرين مثل فرنسا وبريطانيا"، حسب الخبير زونس.
ويبدوا أن الموقف الألماني من قضايا حقوق الإنسان في دول الخليج قد ساهم بدوره أيضا في مستوى حجم التعاون بين برلين ودول الخليج، إذ أن هذا الملف قد تم طرحه بشكل متكرر كلما كشف النقاب عن صفقة أسلحة ألمانية إلى تلك الدول. "فوضعية حقوق الإنسان المتدهورة في الخليج تحظى باهتمام كبير في سياسة ألمانيا وفي الإعلام الألماني" كما يؤكد الخبير الألماني سيباستيان زونس، ويضيف: "لقد لاحظنا كيف تفاعل الرأي العام الألماني مع قضية رائف بدوي!". ففي استطلاع للرأي أجراه معهد "امنيد" ونشرته صحيفة بيلد الألمانية في شهر يناير الماضي اعتبر 60 بالمائة من الألمان المستطلعة آراؤهم انه يتوجب على برلين عدم مواصلة علاقاتها التجارية مع الرياض "بسبب انتهاكات حقوق الإنسان" كما ارتفعت هذه النسبة الى مستوى 78 بالمائة حول مسألة بيع الأسلحة بالتحديد.