استطلاع للاقتصادية : على الرغم من صعوبة وضعهم، إلا أن بساطة الرعاة ممتعة ومليئة بالمخاطر والقسوة، فهم متكيفون مع وضعهم إلى أبعد حد، من خلال أبسط الوسائل المعيشية. ''الاقتصادية'' استطلعت الوضع المعيشي لرعاة الأغنام والإبل في المناطق الواقعة شمالي محافظة رماح والصمان مرورا بمحافظة النعيرية والمراكز والهجر التابعة لها، حيث تكشفت بعض الخفايا والأسرار والمعاناة والمواقف الطريفة التي تواجههم وما فاضت به صدورهم من حكايات. يقول أحدهم ويدعى حسين يوسف: إن بعض الشباب من هواة صيد الطيور والصقور من سكان المنطقة أو من خارجها يستعينون بنا في إخبارهم بتحديد مواقع تجمعات الطيور المهاجرة وتحركاتها وما يبحثون عن صيده مثل الكروان أو الصقور أو الأرانب؛ بحكم تنقلنا المستمر من مكان إلى آخر، مقابل مبالغ مالية يقدمونها لنا مع بطاقات شحن مسبقة الدفع وهاتف محمول، للوصول إلى أهدافهم بأقل جهد ممكن، وكي نوفر عليهم معاناة البحث وضياع الوقت في تتبع الطيور، للحضور والاستمتاع بصيدها''. وأضاف: ''إن بعض هواة البر من سكان المنطقة أو من خارجها يكلفوننا كذلك بجمع محصول ''الفقع'' أو الكمأة أو ما يسمى بالزبيدي، وذلك بعد هطول الأمطار وأوقات ومواسم خروج هذا النبات الذي ينتشر في المناطق القريبة من محافظة النعيرية ويفضل تناوله كثيرون، وذلك مقابل مبالغ مالية كذلك''.
محمد الشهري من الرياض تصوير: مسفر الدوسري "الاقتصادية"
الوحدة هاجسهم .. وحاستهم السادسة مصدر للتنبؤ بأحوال الطقس
وفي مايلي مزيدا من التفاصيل:
حياتهم أشبه بالمغامرة الخطرة، ونمط معيشتهم القاسي يوحي بمشهد تراجيدي غير معتاد، ذلك أنهم متمسكون بالحياة أيا كان شكلها، ومتكيفون معها إلى أبعد حد، من خلال أبسط الوسائل المعيشية، وعلى الرغم من صعوبة وضعهم، إلا أن بساطتهم ممتعة ومليئة بنكهة الحياة. "الاقتصادية" استطلعت الوضع المعيشي لرعاة الأغنام والإبل في المناطق الواقعة شمالي محافظة رماح والصمان مرورا بمحافظة النعيرية والمراكز والهجر التابعة لها، حيث تكشفت بعض الخفايا والأسرار والمعاناة والمواقف الطريفة التي تواجههم وما فاضت به صدورهم من حكايا.
هواة البر والصيد مع رعاة الأغنام
وخلال هذه الجولة قال الراعي حسين يوسف: إن بعض الشباب من هواة صيد الطيور والصقور من سكان المنطقة أو من خارجها يستعينون بنا في إخبارهم عن تحديد مواقع تجمعات الطيور المهاجرة وتحركاتها وما يبحثون لصيدها مثل الكروان أو الصقور أو الأرانب؛ بحكم تنقلنا المستمر من مكان إلى آخر مقابل مبالغ مالية يقدمونها لنا مع بطاقات شحن مسبقة الدفع وهاتف محمول من أجل تبليغهم بالأماكن المحددة للوصول إلى أهدافهم بأقل جهد ممكن، ولكي نوفر عليهم معاناة البحث وضياع الوقت في تتبع الطيور للحضور وللاستمتاع بصيدها".
وأضاف: "إن بعض هواة البر من سكان المنطقة أو من خارجها يكلفوننا كذلك بجمع محصول الـ"الفقع" أو الكماه أو ما يسمى بالزبيدي، وذلك بعد هطول الأمطار وأوقات ومواسم خروج هذا النبات الذي ينتشر ظهوره في المناطق القريبة من محافظة النعيرية ويفضل تناوله الكثيرون، وذلك مقابل مبالغ مالية كذلك".
وأشار يوسف إلى أن هذه المهمات التي يقدمونها تزيد من الدخل الشهري، حيث يحصلون على إخبارية تواجد الطيور من 50 ريالا إلى 80 ريالا مع بطاقتي شحن مسبقة الدفع بقيمة عشرة ريال، وذلك بحسب كثرة الطيور المتواجدة أو قلتها، وأحيانا يؤجلون الدفع حتى يوفقوا في صيدها، في حال جمع الفقع نحصل على 30 ريالا إلى 50 ريالا بحسب ما تجود به نفوس الأشخاص الذين كلفونا بجمعه لهم، وإذا كانت الكمية كبيرة فإنهم يعطون 100 ريال، وهناك من يزيد وآخرون من يدفعون أقل"، مبينا أنهم يستمرون في التعامل مع الأفراد الذين يدفعون لهم أكثر، وإن الأفراد الذين يدفعون أقل فإن التعامل معه نجعله عند الحاجة فقط.
غرفة راعي أغنام كما تبدو من الداخل و «الراديو» وسيلة التسلية الوحيدة
رحلة الرعي اليومية
وعن أسلوب الرعي ومدته، فإن الجميع أكدوا أن رعي الأغنام والخروج بها يوميا أمر ضروري وليس له علاقة بتوافر المرعى والأعشاب، سواء من حيث ندرة تواجد الكلأ أو كثرته؛ لأنهم جميعا لا يستغنون عن تغذية تلك الأغنام من الشعير والأعلاف الخضراء الأخرى كالبرسيم وغيره طوال موسم السنة.
وقال نافع دفع الله: "إن الرعي بحد ذاته ليس الهدف منه تغذية الأغنام والمواشي حتى الشبع، ولكن الهدف منه هو أن تمشي وتلتهم بعض النباتات التي تخرجها الأرض؛ لما فيها من فوائد عالية تمنح جسم الحيوان الأملاح المعدنية والفيتامينات المتنوعة اللازمة، وعند الانتهاء من الرعي نقدم لها البرسيم والشعير، وهو الغذاء الأكثر استخداما لدى معظم الرعاة".
وأضاف: "إن الرعي يكون على فترتين صباحية وفترة مسائية، وفي هاتين الفترتين نكون يوميا في الأجواء الصافية، أما في حالة الأمطار أو الرياح القوية فإن الرعي يتوقف حتى اليوم المقبل، وتزداد ساعات الرعي في وقت الشتاء والربيع، حيث نخرج بالقطيع من الصباح وحتى قبل الظهر بساعة ونجعلها تشرب ما تحتاج إليه من الماء، وبعد صلاة العصر نذهب بها للرعي إلى مكان آخر ونكون بصحبتها حتى قرب المغرب، ولكن في وقت الصيف فإننا نقوم بإخراج القطيع للرعي لمدة ساعتين في الصباح وساعتين بعد الظهر؛ وذلك لنريحها بين هاتين الفترتين لشرب الماء الذي يكثر شربه في هذا الفصل". من جهته، أوضح كمال عوض الله، أن هناك بعض الدواب من تواصل الفترتين كلتيهما رعي كالإبل؛ كونها لا تحتاج إلى شرب الماء كثيرا فإن وجدت الماء شربت وإلا واصلت في الرعي إلى غروب الشمس، بخلاف الأغنام التي لا بد لها من فترة راحة.
أحد رعاة الأغنام يتحدث للزميل المحرر
رعاة الأغنام وما يشتهون
وأوضح بعض رعاة الأغنام أنهم يعانون توافر الملابس المناسبة التي تساعدهم على تأدية عملهم، وهنا قال كمال عوض الله: "إن حياة راعي الغنم في ظل الظروف القاسية صعبة جدا، ولكن في الظروف التي نعيش فيها في المملكة نوعا ما أفضل بكثير من رعاة الأغنام في دول الأخرى؛ فالخير متوافر والحمد لله، ولكن ما ينقصنا توافر الملابس المناسبة، حيث إن التعامل مع الأغنام يتطلب تغير الملابس بشكل شبة متكرر حتى يستطيعوا الراحة في النوم.
وأضاف: "نحن محرومون من الفاكهة بشكل كبير، وإننا نشتهي بعضا منها ولكننا لا نستطيع طلب الملابس التي نريد أو الفاكهة التي نشتهي من صاحب الماشية مع علمنا بأن معظم أصحاب المواشي طيبون بطبعهم إلا ما ندر؛ ولذلك نخشى من أن يقوم بخصم تكلفتها من رواتبنا الشهرية التي نكد لجمعها وإرسالها إلى أبنائنا في ارض الوطن".
ما يزعج رعاة الأغنام
وعندما سألنا بعض الرعاة عن أبرز ما يضايقهم في العمل أوضحوا، أن الأمور التي تزعجهم في العمل كثيرة، منها الوحدة التي يعيشونها، وخاصة أوقات الليل والزواحف السامة والموت المفاجئ لبعض أفراد القطيع والمواشي التي يرعونها، وهنا قال الراعي كمال عوض الله "إن عيش الإنسان وحيدا أمر مزعج في هذه الأماكن المقفرة بعيدا عن الناس ولكن طلب الرزق يتطلب تحمل ذلك والصبر على متاعب مهنتنا واجب لنستطيع الاستمرار في هذا العمل الذي لا نعرف أن نجيد غيره".
وأضاف عوض الله: "إن جهاز الراديو الذي يعمل بالبطاريات يسليه كثيرا ويجعله يتابع الأحداث التي تجري حول العالم"، وعن كيفية الحصول على هذا الراديو قال إننا لم نقم بشرائه ولكن راعي الماشية هو من منحنا أيها لكي نتسلى ونستأنس به، حيث أصبحنا عند الرعاة الآخرين الذين لا يملكون جهاز راديو مصدرا للأخبار وللمعلومات التي نسمع بها". من جهته، قال الراعي نافع دفع الله: "إن أكثر الأوقات التي تجعلنا نشعر بالملل هو وقت الليل، عند عودتنا من رحلة الرعي إلى مكان مبيتنا"، موضحا أن فترة الصباح ينشغلون برعي الأغنام ومراقبتها ومتابعتها.
وأضاف: "إننا نفرح كثيرا إذا اتجه نحونا سواء عابر سبيل أو من الرعاة الآخرين القريبين منهم أو أي شخص من عامة الناس الذين يرغبون في الشراء، قائلا: "إن أكثر ما يزعج الرعاة في البر هي الحيوانات الزاحفة، وخاصة الأفاعي والعقارب السامة فهي تلحق بعض الخسائر لأصحاب الأغنام، وخاصة إذا تعرض أي من أفراد القطيع للدغتها وينتج منها حصول حالات موت مفاجئة تسبب لنا حرجا كبيرا مع مالك القطيع، حيث إن منهم من يتفهم ذلك ومنهم من يوبخنا قليلا على إهمالنا".
وقال دفع الله: "إن الكثير من أصحاب قطعان الأغنام والإبل يفرحون كثيرا عندما يقوم أي راعٍ بقتل أفعى أو ثعبان، وكذلك نحن؛ لأننا نخشاها في أوقات الربيع والخريف كثيرا، وهو الوقت الذي يكثر ظهورها فيه، ولكن في أوقات البرد الشديد والحر الشديد تختفي، ونصبح خلال هذه المرحلة مستعدين لمواجهة أمراض تقلبات الأجواء التي تتسبب في حدوث بعض الوفيات المفاجئة، على الرغم من إجراءات التطعيم الوقائية التي نحرص عليها.
أجرة رعاة الأغنام والإبل
وحول الدخل الشهري لهذه العمالة التي تمتهن رعي الأغنام والإبل، قال الراعي عثمان يوسف: "إن رواتب الرعاة بشكل عام تعتمد على صاحب الحلال وعدد القطيع ونوعه، وكذلك على جنسية الراعي، فالرعاة السودانيون وهي أكثر العمالة المهتمين برعي الأغنام يليها اليمني، فإذا كان الراعي الغنم سودانيا أو يمنيا فإن راتبه لا يقل عن 1200 ريال وإذا كان راعي الغنم من جنسية أخرى كالبنجلاديشي أو غيرها فإن راتبه لا يتعدى ألف ريال"، مبينا أن هناك جنسيات أخرى كالإثيوبيين والصوماليين والباكستانيين وهم قليل.
وأضاف: "إن هذه الرواتب تتحكم فيها عوامل أخرى، فإذا كان القطيع الذي يتم رعيه من الأغنام فإن الراتب يكون في حدود ألف ريال، أما إن زاد قطيع الأغنام عن 150 رأسا فإن الراتب يكون قرابة 1500 ريال كحد أقصى وإن تخطى عدد القطيع 200 رأس فإن قيمة الراتب تكون 1800 ريال يضاف إليها رأس من القطيع كل عام، وأضاف: "إن لرعاة الإبل رواتب تختلف عن رعاة الأغنام فرواتب رعاة الإبل أعلى، حيث تبدأ من ألفي ريال وتصل أحيانا إلى 2500 ريال للذين يملكون إبلا تعدادها يتجاوز الـ100 رأس.
الأغنام والأحوال الجوية
وعن كيفية مواجهة تقلبات الأحوال الجوية المناسبة للخروج ورعي الأغنام، قال الراعي حسين يوسف: "إن معظم رعاة الأغنام، وخاصة من الجالية السودانية الذين تعلموا هذه المهنة وتوارثوها أبا عن جد ولديهم خبرة في المهنة بإمكانهم التنبؤ بالأحوال الجوية عن طريق تصرفات وسلوك الأغنام والإبل، ولكن الذين ليس لديهم خبرة فهم يجهلون الكثير من هذه الأمور، فمثلا عندما نلاحظ أن القطيع بدأ في التجمع حول بعضه ووضعت الشياه صغارها داخل تجمعها فإن ذلك يدلنا على أن هنالك هبوبا لرياح شديدة أو غبار كثيف.
وأضاف: "إذا لاحظنا كثرة صياح الأغنام في الصباح وقبل ظهور الفجر فإن ذلك يدلنا على أنها في حاجة إلى ماء وأن اليوم سيكون شديد الحرارة، كما نعرف إذا بدأت بعض الشياه ترتعد وتشعر بالقشعريرة البرد فإن ذلك يدل على قرب هطول أمطار غزيرة، وهذه التصرفات والمظاهر السلوكية التي نلاحظها تساعدنا كثيرا في حسن التصرف معها، وذلك من خلال توفير المكان المناسب قبل هطول الأمطار أو زيادة الماء لها في أوقات الحر الشديد".
وقال يوسف: "إن أكثر سلوك يلاحظه راعي الإبل، وخاصة بعد فصل الشتاء هو كثرة تثاؤبها ونومها علي جنب فإن ذلك يدلنا على قرب موسم الربيع، وهناك أمور أخرى كثيرة نلاحظها على القطيع، ومنها معرفة بعض أنواع الأمراض من سلوك الأغنام وغيرها".
محمد الشهري من الرياض تصوير: مسفر الدوسري "الاقتصادية"
الوحدة هاجسهم .. وحاستهم السادسة مصدر للتنبؤ بأحوال الطقس
وفي مايلي مزيدا من التفاصيل:
حياتهم أشبه بالمغامرة الخطرة، ونمط معيشتهم القاسي يوحي بمشهد تراجيدي غير معتاد، ذلك أنهم متمسكون بالحياة أيا كان شكلها، ومتكيفون معها إلى أبعد حد، من خلال أبسط الوسائل المعيشية، وعلى الرغم من صعوبة وضعهم، إلا أن بساطتهم ممتعة ومليئة بنكهة الحياة. "الاقتصادية" استطلعت الوضع المعيشي لرعاة الأغنام والإبل في المناطق الواقعة شمالي محافظة رماح والصمان مرورا بمحافظة النعيرية والمراكز والهجر التابعة لها، حيث تكشفت بعض الخفايا والأسرار والمعاناة والمواقف الطريفة التي تواجههم وما فاضت به صدورهم من حكايا.
هواة البر والصيد مع رعاة الأغنام
وخلال هذه الجولة قال الراعي حسين يوسف: إن بعض الشباب من هواة صيد الطيور والصقور من سكان المنطقة أو من خارجها يستعينون بنا في إخبارهم عن تحديد مواقع تجمعات الطيور المهاجرة وتحركاتها وما يبحثون لصيدها مثل الكروان أو الصقور أو الأرانب؛ بحكم تنقلنا المستمر من مكان إلى آخر مقابل مبالغ مالية يقدمونها لنا مع بطاقات شحن مسبقة الدفع وهاتف محمول من أجل تبليغهم بالأماكن المحددة للوصول إلى أهدافهم بأقل جهد ممكن، ولكي نوفر عليهم معاناة البحث وضياع الوقت في تتبع الطيور للحضور وللاستمتاع بصيدها".
وأضاف: "إن بعض هواة البر من سكان المنطقة أو من خارجها يكلفوننا كذلك بجمع محصول الـ"الفقع" أو الكماه أو ما يسمى بالزبيدي، وذلك بعد هطول الأمطار وأوقات ومواسم خروج هذا النبات الذي ينتشر ظهوره في المناطق القريبة من محافظة النعيرية ويفضل تناوله الكثيرون، وذلك مقابل مبالغ مالية كذلك".
وأشار يوسف إلى أن هذه المهمات التي يقدمونها تزيد من الدخل الشهري، حيث يحصلون على إخبارية تواجد الطيور من 50 ريالا إلى 80 ريالا مع بطاقتي شحن مسبقة الدفع بقيمة عشرة ريال، وذلك بحسب كثرة الطيور المتواجدة أو قلتها، وأحيانا يؤجلون الدفع حتى يوفقوا في صيدها، في حال جمع الفقع نحصل على 30 ريالا إلى 50 ريالا بحسب ما تجود به نفوس الأشخاص الذين كلفونا بجمعه لهم، وإذا كانت الكمية كبيرة فإنهم يعطون 100 ريال، وهناك من يزيد وآخرون من يدفعون أقل"، مبينا أنهم يستمرون في التعامل مع الأفراد الذين يدفعون لهم أكثر، وإن الأفراد الذين يدفعون أقل فإن التعامل معه نجعله عند الحاجة فقط.
غرفة راعي أغنام كما تبدو من الداخل و «الراديو» وسيلة التسلية الوحيدة
رحلة الرعي اليومية
وعن أسلوب الرعي ومدته، فإن الجميع أكدوا أن رعي الأغنام والخروج بها يوميا أمر ضروري وليس له علاقة بتوافر المرعى والأعشاب، سواء من حيث ندرة تواجد الكلأ أو كثرته؛ لأنهم جميعا لا يستغنون عن تغذية تلك الأغنام من الشعير والأعلاف الخضراء الأخرى كالبرسيم وغيره طوال موسم السنة.
وقال نافع دفع الله: "إن الرعي بحد ذاته ليس الهدف منه تغذية الأغنام والمواشي حتى الشبع، ولكن الهدف منه هو أن تمشي وتلتهم بعض النباتات التي تخرجها الأرض؛ لما فيها من فوائد عالية تمنح جسم الحيوان الأملاح المعدنية والفيتامينات المتنوعة اللازمة، وعند الانتهاء من الرعي نقدم لها البرسيم والشعير، وهو الغذاء الأكثر استخداما لدى معظم الرعاة".
وأضاف: "إن الرعي يكون على فترتين صباحية وفترة مسائية، وفي هاتين الفترتين نكون يوميا في الأجواء الصافية، أما في حالة الأمطار أو الرياح القوية فإن الرعي يتوقف حتى اليوم المقبل، وتزداد ساعات الرعي في وقت الشتاء والربيع، حيث نخرج بالقطيع من الصباح وحتى قبل الظهر بساعة ونجعلها تشرب ما تحتاج إليه من الماء، وبعد صلاة العصر نذهب بها للرعي إلى مكان آخر ونكون بصحبتها حتى قرب المغرب، ولكن في وقت الصيف فإننا نقوم بإخراج القطيع للرعي لمدة ساعتين في الصباح وساعتين بعد الظهر؛ وذلك لنريحها بين هاتين الفترتين لشرب الماء الذي يكثر شربه في هذا الفصل". من جهته، أوضح كمال عوض الله، أن هناك بعض الدواب من تواصل الفترتين كلتيهما رعي كالإبل؛ كونها لا تحتاج إلى شرب الماء كثيرا فإن وجدت الماء شربت وإلا واصلت في الرعي إلى غروب الشمس، بخلاف الأغنام التي لا بد لها من فترة راحة.
أحد رعاة الأغنام يتحدث للزميل المحرر
رعاة الأغنام وما يشتهون
وأوضح بعض رعاة الأغنام أنهم يعانون توافر الملابس المناسبة التي تساعدهم على تأدية عملهم، وهنا قال كمال عوض الله: "إن حياة راعي الغنم في ظل الظروف القاسية صعبة جدا، ولكن في الظروف التي نعيش فيها في المملكة نوعا ما أفضل بكثير من رعاة الأغنام في دول الأخرى؛ فالخير متوافر والحمد لله، ولكن ما ينقصنا توافر الملابس المناسبة، حيث إن التعامل مع الأغنام يتطلب تغير الملابس بشكل شبة متكرر حتى يستطيعوا الراحة في النوم.
وأضاف: "نحن محرومون من الفاكهة بشكل كبير، وإننا نشتهي بعضا منها ولكننا لا نستطيع طلب الملابس التي نريد أو الفاكهة التي نشتهي من صاحب الماشية مع علمنا بأن معظم أصحاب المواشي طيبون بطبعهم إلا ما ندر؛ ولذلك نخشى من أن يقوم بخصم تكلفتها من رواتبنا الشهرية التي نكد لجمعها وإرسالها إلى أبنائنا في ارض الوطن".
ما يزعج رعاة الأغنام
وعندما سألنا بعض الرعاة عن أبرز ما يضايقهم في العمل أوضحوا، أن الأمور التي تزعجهم في العمل كثيرة، منها الوحدة التي يعيشونها، وخاصة أوقات الليل والزواحف السامة والموت المفاجئ لبعض أفراد القطيع والمواشي التي يرعونها، وهنا قال الراعي كمال عوض الله "إن عيش الإنسان وحيدا أمر مزعج في هذه الأماكن المقفرة بعيدا عن الناس ولكن طلب الرزق يتطلب تحمل ذلك والصبر على متاعب مهنتنا واجب لنستطيع الاستمرار في هذا العمل الذي لا نعرف أن نجيد غيره".
وأضاف عوض الله: "إن جهاز الراديو الذي يعمل بالبطاريات يسليه كثيرا ويجعله يتابع الأحداث التي تجري حول العالم"، وعن كيفية الحصول على هذا الراديو قال إننا لم نقم بشرائه ولكن راعي الماشية هو من منحنا أيها لكي نتسلى ونستأنس به، حيث أصبحنا عند الرعاة الآخرين الذين لا يملكون جهاز راديو مصدرا للأخبار وللمعلومات التي نسمع بها". من جهته، قال الراعي نافع دفع الله: "إن أكثر الأوقات التي تجعلنا نشعر بالملل هو وقت الليل، عند عودتنا من رحلة الرعي إلى مكان مبيتنا"، موضحا أن فترة الصباح ينشغلون برعي الأغنام ومراقبتها ومتابعتها.
وأضاف: "إننا نفرح كثيرا إذا اتجه نحونا سواء عابر سبيل أو من الرعاة الآخرين القريبين منهم أو أي شخص من عامة الناس الذين يرغبون في الشراء، قائلا: "إن أكثر ما يزعج الرعاة في البر هي الحيوانات الزاحفة، وخاصة الأفاعي والعقارب السامة فهي تلحق بعض الخسائر لأصحاب الأغنام، وخاصة إذا تعرض أي من أفراد القطيع للدغتها وينتج منها حصول حالات موت مفاجئة تسبب لنا حرجا كبيرا مع مالك القطيع، حيث إن منهم من يتفهم ذلك ومنهم من يوبخنا قليلا على إهمالنا".
وقال دفع الله: "إن الكثير من أصحاب قطعان الأغنام والإبل يفرحون كثيرا عندما يقوم أي راعٍ بقتل أفعى أو ثعبان، وكذلك نحن؛ لأننا نخشاها في أوقات الربيع والخريف كثيرا، وهو الوقت الذي يكثر ظهورها فيه، ولكن في أوقات البرد الشديد والحر الشديد تختفي، ونصبح خلال هذه المرحلة مستعدين لمواجهة أمراض تقلبات الأجواء التي تتسبب في حدوث بعض الوفيات المفاجئة، على الرغم من إجراءات التطعيم الوقائية التي نحرص عليها.
أجرة رعاة الأغنام والإبل
وحول الدخل الشهري لهذه العمالة التي تمتهن رعي الأغنام والإبل، قال الراعي عثمان يوسف: "إن رواتب الرعاة بشكل عام تعتمد على صاحب الحلال وعدد القطيع ونوعه، وكذلك على جنسية الراعي، فالرعاة السودانيون وهي أكثر العمالة المهتمين برعي الأغنام يليها اليمني، فإذا كان الراعي الغنم سودانيا أو يمنيا فإن راتبه لا يقل عن 1200 ريال وإذا كان راعي الغنم من جنسية أخرى كالبنجلاديشي أو غيرها فإن راتبه لا يتعدى ألف ريال"، مبينا أن هناك جنسيات أخرى كالإثيوبيين والصوماليين والباكستانيين وهم قليل.
وأضاف: "إن هذه الرواتب تتحكم فيها عوامل أخرى، فإذا كان القطيع الذي يتم رعيه من الأغنام فإن الراتب يكون في حدود ألف ريال، أما إن زاد قطيع الأغنام عن 150 رأسا فإن الراتب يكون قرابة 1500 ريال كحد أقصى وإن تخطى عدد القطيع 200 رأس فإن قيمة الراتب تكون 1800 ريال يضاف إليها رأس من القطيع كل عام، وأضاف: "إن لرعاة الإبل رواتب تختلف عن رعاة الأغنام فرواتب رعاة الإبل أعلى، حيث تبدأ من ألفي ريال وتصل أحيانا إلى 2500 ريال للذين يملكون إبلا تعدادها يتجاوز الـ100 رأس.
الأغنام والأحوال الجوية
وعن كيفية مواجهة تقلبات الأحوال الجوية المناسبة للخروج ورعي الأغنام، قال الراعي حسين يوسف: "إن معظم رعاة الأغنام، وخاصة من الجالية السودانية الذين تعلموا هذه المهنة وتوارثوها أبا عن جد ولديهم خبرة في المهنة بإمكانهم التنبؤ بالأحوال الجوية عن طريق تصرفات وسلوك الأغنام والإبل، ولكن الذين ليس لديهم خبرة فهم يجهلون الكثير من هذه الأمور، فمثلا عندما نلاحظ أن القطيع بدأ في التجمع حول بعضه ووضعت الشياه صغارها داخل تجمعها فإن ذلك يدلنا على أن هنالك هبوبا لرياح شديدة أو غبار كثيف.
وأضاف: "إذا لاحظنا كثرة صياح الأغنام في الصباح وقبل ظهور الفجر فإن ذلك يدلنا على أنها في حاجة إلى ماء وأن اليوم سيكون شديد الحرارة، كما نعرف إذا بدأت بعض الشياه ترتعد وتشعر بالقشعريرة البرد فإن ذلك يدل على قرب هطول أمطار غزيرة، وهذه التصرفات والمظاهر السلوكية التي نلاحظها تساعدنا كثيرا في حسن التصرف معها، وذلك من خلال توفير المكان المناسب قبل هطول الأمطار أو زيادة الماء لها في أوقات الحر الشديد".
وقال يوسف: "إن أكثر سلوك يلاحظه راعي الإبل، وخاصة بعد فصل الشتاء هو كثرة تثاؤبها ونومها علي جنب فإن ذلك يدلنا على قرب موسم الربيع، وهناك أمور أخرى كثيرة نلاحظها على القطيع، ومنها معرفة بعض أنواع الأمراض من سلوك الأغنام وغيرها".
قيم هذا المقال