بيروت (رويترز) : كيف يمكن لامرأة محجبة أن تنظر إلى جسدها؟ كيف ترى الجسد الآخر؟ كيف تتعاطى مع مجتمع منفتح تعيش فيه؟ هل الحجاب هو تحد أم انقياد؟ هذه الأسئلة الجريئة وغيرها تطرحها الكاتبة والناقدة مايا الحاج في روايتها الأولى "بوركيني" (إعترافات محجبة) الصادرة عن منشورات ضفاف ومنشورات الإختلاف في بيروت.
تقترب رواية مايا الحاج الواقعة في 175 صفحة من القطع الوسط بخفة من عوالم المرأة الحميمة من خلال شخصية فنانة تهوى رسم الأجساد والعري الأنثوي في وقت اختارت أن تغلق هي جسدها وتغطيه. والبطلة هذه تسيطر وحدها على مجريات الأحداث فيما تبدو الشخصيات الأخرى ظلالا لها أو ربما مجرد أطياف.
إنها شخصية جديدة بل مدهشة في جرأتها وازدواجيتها وتمزقها واغترابها عن نفسها. هي تكسر الصورة النمطية للمرأة المحجبة في الأعمال الإبداعية العربية كأن تقول البطلة "أنا كائن يعشق المفاجآت ويهوى المخاطرة. وأعلم جيدا أن الطبيعة التي تسير بنظام دقيق هي نفسها لا تحب إلا من يخرق نظامها ولا تمجد إلا من يخرج عن مألوفها مبتكرا كل ما هو جديد ومدهش. رسامة مجنونة ومحجبة؟ ما هذا التناقض الغريب؟ هذه الإستفهامات لا أعرف سببها حتى الآن...".
لا تكف الكاتبة عن طرح أسئلة قد لا تجد لها أجوبة. هكذا تنتقل شكوكها وأسئلتها وصراعاتها إلى القارئ الذي يجد نفسه فجأة شريكا في هذه الرواية وليس مجرد متلق.
أسئلة البطلة لا تنتهي. هي اعتقدت أن الإيمان قد يجيب على أسئلتها الوجودية لكنها اكتشفت أن شكوكها فطرية فالتجأت إلى الفن لعله يخفف من وطأة قلقها لتجد أنها غرقت أكثر في دوامة أسئلة لا تنتهي "الفنون تمنح المعرفة لكنها لا تنزع من قلبك الخوف ولا تمنحه الطمأنينة. شاهدت ما شاهدت من أفلام السينما وزرت ما زرت من المعارض وقرأت ما قرأت من كتب الفلسفة والروايات لكنني لم أجد جوابا في أي منها لأصغر سؤال يلح علي منذ أن وعيت على هذه الدنيا."
قد يبدو عنوان الرواية "بوركيني" غريبا لكن العنوان الفرعي "اعترافات محجبة" يأتي ليسلط الضوء عليه قبل أن يتضح في الرواية "في أحيان كثيرة أتعجب من حياتي التي تعج بهذا الكم من المتناقضات. ولو أردت أن أضع لهذه الحياة التي أعيشها عنوانا لما وجدت أفضل من "بوركيني" ذاك الإسم الذي اشتقته أسترالية مسلمة من كلمتين متناقضتين "برقع" و"بيكيني" لتطلقة على زي سباحة صممته لنفسها ولكل امرأة يمنعها حجابها من مرافقة أصدقائها وأسرتها في رحلاتهم البحرية.
وكم شاهدت هذا البوركيني (البيكيني الشرعي) لدى صديقات لي محجبات يعشن في بلدان لا مسابح نسائية فيها. لكنني لم أستطع أن أتصور نفسي أرتديه يوما. فإما البيكيني في مسابح النساء وإما لا نزول في الماء. فما أحب في السباحة هو أن يغمرني الماء وتتلألأ حباته على جسدي. أنا أعيش فعلا بين عالمين.. بين ملابسي المحتشمة وأفكاري المتحررة.. بين حجاب رأس يغطيني وأجساد عارية تستهويني.. بين البرقع والبيكيني".
تدخل الرواية في العوالم الداخلية الحميمة للمرأة التي تعيش تحت حجابها صراعات عنيفة لا يعلم بها أحد غيرها. هي تكشف عن مشاعر المحجبة وأحاسيسها من خلال محطات عدة منها تحولها اليومي أمام المرآة من امرأة تضج أنوثة إلى امرأة بلا شعر وبلا تضاريس وأمام رجل تحبه وترغب به في وقت يمنعها حجابها من أن تمنحه جسدها أو أن تكشفه أمامه.
تكتب مايا الحاج روايتها الأولى بلغة حميمة تتناسب وجو الرواية فتمنح القارئ شعورا بأنها تبوح له بأسرار قد يسمعها لأول مرة فيغدو هو غير قادر على أن يترك النص الذي يحمله بين يديه.
إن البطلة هنا حين تمردت وضعت الحجاب وهذا ما يتنافى مع عادات عائلتها العلمانية ما عدا الجدة التي تسرب إيمانها إلى حفيدتها وهي طفلة.
الزمن الفعلي للرواية هو أسبوع واحد يصل فيه تشنجها وقلقها واضطرابها إلى الذروة.. أسبوع يفصلها عن افتتاح معرضها الفردي الأول. وما بين نظرتها إلى أجساد النساء في لوحاتها ونظرتها إلى جسدها تهب أسئلة جديدة يتحول معها الجسد إلى ساحة تتصارع فيها الملائكة والشياطين.
وتتساءل "هل أترك بيتي بشعري الناعم المُفرد بعد خمس سنوات من حجبه لسبب لا أعرفه أم أنني أضع المنديل الكحلي المزدان بالورود؟ هل أخرج بين الناس بالجسد المتخفف من ثقل ملابسه أم اُبقي على احتشامي؟ هل أظهر بوجهي الموديلياني الرقيق أم بوجهي الشاحب والمقفل؟... أضع المنديل على رأسي وأنزعه. أراقب قسمات وجهي السريعة في المرآة. إنها تتبدل بل تصل إلى حد التناقض في أقل من ثانية. من المرح إلى الحزم من البراءة إلى الجدية من الجاذبية إلى اللاتعبير...".
تنطلق الأحداث من مشهد استيقاظ الراوية. مشهد يذكر بالولادة وكل استيقاظ هو ولادة كما تقول الكاتبة "يتسلل نور الظهيرة من بين الستائر فيوقظني. جسدي متكور على نفسه كأنه بحجم الكرسي الذي جلست عليه. أفتح عيني ببطء. أحرك كتفي اللتين أثقلهما الإرهاق. يداي يابستان كجذعين من خشب. يبدو أنني غفوت من غير أن أشعر فضغط ثقلي على يدي حتى فقدت إحساسي بهما. لا أقوى على تحريكهما ولا أرغب في المحاولة."
تحاول البطلة التي لا أسم لها كما بقية الشخصيات والأمكنة أن تهرب من هواجس تملكتها فجأة عن جسدها وإيمانها. تختار أن تقضي وقت استراحتها مع حبيبها في مقهى بحري هادئ فيأتي ظهور حبيبته السابقة في المكان نفسه ليقضي على ما تبقى من توازنها.
تلك المرأة الفاتنة بجسدها الممشوق وشعرها الطويل وسحنتها الذهبية توعي في البطلة المحجبة رغبة في كشف جمالها وأنوثتها وجاذبيتها المختبئة تحت الحجاب. وشيئا فشيئا تستيقظ الفنانة التي في داخلها لتصف المرأة- الغريمة كأنها لوحة جميلة.
وتدريجيا تبدأ بجملة مقارنات بينها وبين الغريمة "ما يظهر من جسدها أكثر مما هو مستور. تقف تحت أشعة شمس ما بعد الظهر وهي تتوهج كقطعة من ذهب... حضورها طاغٍ كصحراء عظيمة. وما أنا بوجهي الأبيض المقفل من كل الجهات سوى مكعّب ثلج كالذي اخرجته للتوّ من كوب العصير... ملابسها تكشف الجزء الأكبر من جسدها إنها تكاد تطير من فرط خفتها أو الأصحّ خفّة ملابسها. أما أنا فأبدو ثقيلة. جاثمة على الكرسي مثل كيس من الخيش."
تعيش البطلة في ما يشبه "الإنمحاء" أمام امرأة تضج أنوثة وجمالا وتقول "للحظات شعرت بأنني أكثر هشاشة من فراشة. أنني كائن ضئيل. أنني حبة رمل لا تُرى... إنها تبتلعني وأنا أجلس أمامها ذاهلة وساخطة".
وبعد عودتها إلى غرفتها تحاول أن تنتقم من غريمتها الجميلة فترتدي فستانا أحمر مثيرا كانت قد اشترته لترتديه بعد زواجها من خطيبها وتقف أمام المرآة لتتحول الرسامة إلى "موديل" تستعرض كل أنوثتها "بقدرة قادر تفجرّت فيّ الأنوثة كتفجّر ينبوع في صخرة... أدقّق في نفسي.. ملامحي.. قسماتي.. منعطفات جسدي الذي اشتد بياضه من طول الخباء."
"بوركيني" رواية تغوص في فلسفة الحجاب وتأثيره السيكولوجي على المرأة. هي إذا رواية اللحظة الراهنة تكتبها مايا الحاج بأسلوب انسيابي يلامس بعمق امورا حميمة للمرأة المحجبة حتى يغدو صراعها هو صراع كل امرأة وكل رجل. إنه صراع وجودي يعني كل إنسان تائه بين أفكاره وواقعه وبين التزاماته ورغباته.
تقترب رواية مايا الحاج الواقعة في 175 صفحة من القطع الوسط بخفة من عوالم المرأة الحميمة من خلال شخصية فنانة تهوى رسم الأجساد والعري الأنثوي في وقت اختارت أن تغلق هي جسدها وتغطيه. والبطلة هذه تسيطر وحدها على مجريات الأحداث فيما تبدو الشخصيات الأخرى ظلالا لها أو ربما مجرد أطياف.
إنها شخصية جديدة بل مدهشة في جرأتها وازدواجيتها وتمزقها واغترابها عن نفسها. هي تكسر الصورة النمطية للمرأة المحجبة في الأعمال الإبداعية العربية كأن تقول البطلة "أنا كائن يعشق المفاجآت ويهوى المخاطرة. وأعلم جيدا أن الطبيعة التي تسير بنظام دقيق هي نفسها لا تحب إلا من يخرق نظامها ولا تمجد إلا من يخرج عن مألوفها مبتكرا كل ما هو جديد ومدهش. رسامة مجنونة ومحجبة؟ ما هذا التناقض الغريب؟ هذه الإستفهامات لا أعرف سببها حتى الآن...".
لا تكف الكاتبة عن طرح أسئلة قد لا تجد لها أجوبة. هكذا تنتقل شكوكها وأسئلتها وصراعاتها إلى القارئ الذي يجد نفسه فجأة شريكا في هذه الرواية وليس مجرد متلق.
أسئلة البطلة لا تنتهي. هي اعتقدت أن الإيمان قد يجيب على أسئلتها الوجودية لكنها اكتشفت أن شكوكها فطرية فالتجأت إلى الفن لعله يخفف من وطأة قلقها لتجد أنها غرقت أكثر في دوامة أسئلة لا تنتهي "الفنون تمنح المعرفة لكنها لا تنزع من قلبك الخوف ولا تمنحه الطمأنينة. شاهدت ما شاهدت من أفلام السينما وزرت ما زرت من المعارض وقرأت ما قرأت من كتب الفلسفة والروايات لكنني لم أجد جوابا في أي منها لأصغر سؤال يلح علي منذ أن وعيت على هذه الدنيا."
قد يبدو عنوان الرواية "بوركيني" غريبا لكن العنوان الفرعي "اعترافات محجبة" يأتي ليسلط الضوء عليه قبل أن يتضح في الرواية "في أحيان كثيرة أتعجب من حياتي التي تعج بهذا الكم من المتناقضات. ولو أردت أن أضع لهذه الحياة التي أعيشها عنوانا لما وجدت أفضل من "بوركيني" ذاك الإسم الذي اشتقته أسترالية مسلمة من كلمتين متناقضتين "برقع" و"بيكيني" لتطلقة على زي سباحة صممته لنفسها ولكل امرأة يمنعها حجابها من مرافقة أصدقائها وأسرتها في رحلاتهم البحرية.
وكم شاهدت هذا البوركيني (البيكيني الشرعي) لدى صديقات لي محجبات يعشن في بلدان لا مسابح نسائية فيها. لكنني لم أستطع أن أتصور نفسي أرتديه يوما. فإما البيكيني في مسابح النساء وإما لا نزول في الماء. فما أحب في السباحة هو أن يغمرني الماء وتتلألأ حباته على جسدي. أنا أعيش فعلا بين عالمين.. بين ملابسي المحتشمة وأفكاري المتحررة.. بين حجاب رأس يغطيني وأجساد عارية تستهويني.. بين البرقع والبيكيني".
تدخل الرواية في العوالم الداخلية الحميمة للمرأة التي تعيش تحت حجابها صراعات عنيفة لا يعلم بها أحد غيرها. هي تكشف عن مشاعر المحجبة وأحاسيسها من خلال محطات عدة منها تحولها اليومي أمام المرآة من امرأة تضج أنوثة إلى امرأة بلا شعر وبلا تضاريس وأمام رجل تحبه وترغب به في وقت يمنعها حجابها من أن تمنحه جسدها أو أن تكشفه أمامه.
تكتب مايا الحاج روايتها الأولى بلغة حميمة تتناسب وجو الرواية فتمنح القارئ شعورا بأنها تبوح له بأسرار قد يسمعها لأول مرة فيغدو هو غير قادر على أن يترك النص الذي يحمله بين يديه.
إن البطلة هنا حين تمردت وضعت الحجاب وهذا ما يتنافى مع عادات عائلتها العلمانية ما عدا الجدة التي تسرب إيمانها إلى حفيدتها وهي طفلة.
الزمن الفعلي للرواية هو أسبوع واحد يصل فيه تشنجها وقلقها واضطرابها إلى الذروة.. أسبوع يفصلها عن افتتاح معرضها الفردي الأول. وما بين نظرتها إلى أجساد النساء في لوحاتها ونظرتها إلى جسدها تهب أسئلة جديدة يتحول معها الجسد إلى ساحة تتصارع فيها الملائكة والشياطين.
وتتساءل "هل أترك بيتي بشعري الناعم المُفرد بعد خمس سنوات من حجبه لسبب لا أعرفه أم أنني أضع المنديل الكحلي المزدان بالورود؟ هل أخرج بين الناس بالجسد المتخفف من ثقل ملابسه أم اُبقي على احتشامي؟ هل أظهر بوجهي الموديلياني الرقيق أم بوجهي الشاحب والمقفل؟... أضع المنديل على رأسي وأنزعه. أراقب قسمات وجهي السريعة في المرآة. إنها تتبدل بل تصل إلى حد التناقض في أقل من ثانية. من المرح إلى الحزم من البراءة إلى الجدية من الجاذبية إلى اللاتعبير...".
تنطلق الأحداث من مشهد استيقاظ الراوية. مشهد يذكر بالولادة وكل استيقاظ هو ولادة كما تقول الكاتبة "يتسلل نور الظهيرة من بين الستائر فيوقظني. جسدي متكور على نفسه كأنه بحجم الكرسي الذي جلست عليه. أفتح عيني ببطء. أحرك كتفي اللتين أثقلهما الإرهاق. يداي يابستان كجذعين من خشب. يبدو أنني غفوت من غير أن أشعر فضغط ثقلي على يدي حتى فقدت إحساسي بهما. لا أقوى على تحريكهما ولا أرغب في المحاولة."
تحاول البطلة التي لا أسم لها كما بقية الشخصيات والأمكنة أن تهرب من هواجس تملكتها فجأة عن جسدها وإيمانها. تختار أن تقضي وقت استراحتها مع حبيبها في مقهى بحري هادئ فيأتي ظهور حبيبته السابقة في المكان نفسه ليقضي على ما تبقى من توازنها.
تلك المرأة الفاتنة بجسدها الممشوق وشعرها الطويل وسحنتها الذهبية توعي في البطلة المحجبة رغبة في كشف جمالها وأنوثتها وجاذبيتها المختبئة تحت الحجاب. وشيئا فشيئا تستيقظ الفنانة التي في داخلها لتصف المرأة- الغريمة كأنها لوحة جميلة.
وتدريجيا تبدأ بجملة مقارنات بينها وبين الغريمة "ما يظهر من جسدها أكثر مما هو مستور. تقف تحت أشعة شمس ما بعد الظهر وهي تتوهج كقطعة من ذهب... حضورها طاغٍ كصحراء عظيمة. وما أنا بوجهي الأبيض المقفل من كل الجهات سوى مكعّب ثلج كالذي اخرجته للتوّ من كوب العصير... ملابسها تكشف الجزء الأكبر من جسدها إنها تكاد تطير من فرط خفتها أو الأصحّ خفّة ملابسها. أما أنا فأبدو ثقيلة. جاثمة على الكرسي مثل كيس من الخيش."
تعيش البطلة في ما يشبه "الإنمحاء" أمام امرأة تضج أنوثة وجمالا وتقول "للحظات شعرت بأنني أكثر هشاشة من فراشة. أنني كائن ضئيل. أنني حبة رمل لا تُرى... إنها تبتلعني وأنا أجلس أمامها ذاهلة وساخطة".
وبعد عودتها إلى غرفتها تحاول أن تنتقم من غريمتها الجميلة فترتدي فستانا أحمر مثيرا كانت قد اشترته لترتديه بعد زواجها من خطيبها وتقف أمام المرآة لتتحول الرسامة إلى "موديل" تستعرض كل أنوثتها "بقدرة قادر تفجرّت فيّ الأنوثة كتفجّر ينبوع في صخرة... أدقّق في نفسي.. ملامحي.. قسماتي.. منعطفات جسدي الذي اشتد بياضه من طول الخباء."
"بوركيني" رواية تغوص في فلسفة الحجاب وتأثيره السيكولوجي على المرأة. هي إذا رواية اللحظة الراهنة تكتبها مايا الحاج بأسلوب انسيابي يلامس بعمق امورا حميمة للمرأة المحجبة حتى يغدو صراعها هو صراع كل امرأة وكل رجل. إنه صراع وجودي يعني كل إنسان تائه بين أفكاره وواقعه وبين التزاماته ورغباته.