منذ أربعة عقود والجارية البغدادية كهرمانة، إحدى بطلات ألف ليلة وليلة، تصب الماء في الجرار الاربعين على مفترق طرق الكرّادة.
كهرمانة واجهت القصف والإهمال ثم التشويه، لكن خبر رحيل نحاتها محمد غني حكمت ربما يكون الحدث الأكثر إيلاماً لها.
وهي الآن لا تملك سوى أن تذرف الدموعَ على نحاتِها محمد غني حكمت الذي وافته المنيةُ في عمانَ على بعدِ آلافِ الكيلومتراتِ من مدينةِ بغداد.
"كهرمانة" التي ظلتْ تحرسُ جرارَها الاربعينَ وسطَ العاصمةِ بغدادَ منذ سبعيناتِ القرنِ الماضي، ترك تقلب المُناخِ ودوران دولاب السنين آثاراً على جسدِها، وبدل أن يتم اصلاحُها تمَت تغطيتُها بقطعةِ قماشٍ.. سبقَت ذلكَ عمليةُ طلاء التمثال المصنوع من البرونز بطلاء الأسوار الحديدية الرخيص.
ويرى نحات عراقي أن عملية الطلاء لإخفاء العيوب ليست إلا تشويهاً رخيصاً، وعملية ترقيع بائسة بعلبة طلاء لا تساوى 10 آلاف، مؤكداً أن هناك فساداً مالياً وإدارياً لكن لا يجب أن يصل الى الذوق العام.
أما صابر العيساوي أمين بغداد فيقول: "كانت أمانة بغداد تمتلك ورشة لعمل النصب والتماثيل، هذه الورشة ذهبت قبل أكثر من 15 سنة الى وزارة الثقافة وتم خصخصتها ونحن نحتاج الى ورشة لدعم النحت والفنانين".
وتتوسطُ "كهرمانة" مفترقَ الكرادةِ الشرقية، وعلى بعد بضعة أمتارٍ منها تقفُ دوريةٌ من الشرطةِ العراقية. مفارقةٌ تعيد إلى الأذهان أصل الحكاية حين صبت الجارية البغدادية الزيت الحار على اللصوص المختبئين في الجرار. لصوصُ ألفِ ليلةٍ وليلة وليس لصوص هذه الأيام.
عمرُ حكاية "كهرمانة" يعود الى ما قبل تاريخ بناء بغداد، وهي شاهدٌ على حِقب وعصور وحكام وثورات، مرت بها مرور الكرام، لكن يبدو أن السواد الذي جُللتْ به "كهرمانة" سيرافقُها طويلاً، بعدَ أن أصبح له سببان، الاولُ حاجتُها للصيانة والثاني رحيل محمد غني حكمت.
العربية = بغداد - طارق ماهر