وأكد المحلل الاقتصادي عبد الوهاب أبو داهش أن الإشكالية الحالية أن النفط يمول أنشطة الاقتصاد، موضحا أن كل ريال ينفق لا نستفيد إلا من 60 هللة منه والـ40 هللة موزعة على أكثر من قطاع بصورة فساد أو تحويلات الأجانب، وجميعها أرقام واضح أنها لا تبشر بالخير.
العربية.نت
أوضح في تصريحات لصحيفة ''الاقتصادية" السعودية، أن كل دولار ينفق في أمريكا يعود بمضاعف 1.8 أو دولارين تقريبا، وبذلك كل دولار يكون له عائد يصل إلى نسبة تتراوح بين 80% و100%، بينما عوائد الاقتصاد السعودي تنخفض 40%.
وأضاف: "لدينا عجوزات في الموازنة غير النفطية، وفي الموازنة العامة للدولة نحن نحقق فوائض منذ 2003 إلى الآن، لكن في الميزانية غير النفطية نجد أن هناك عجوزات متراكمة منذ عام 2002 وحتى الآن".
تمويل على حساب الأجيال القادمة
وتابع أبو داهش أن ''هذا يدل على أن الاقتصاد السعودي يفتقد إلى التنمية المستدامة، أي لا توجد لدينا تنمية مستدامة يمكن الاعتداد والوثوق فيها، بمعنى أنه ما دامت أسعار النفط مرتفعة ستظل الحكومة تموّل على حساب الأجيال القادمة''.
واستدرك: لا يمكن وضع خطط للـ20 سنة المقبلة بهذه الوضعية أبدا، أي خطط قائمة للـ20 سنة المقبلة تفترض تحفظا في أسعار النفط وتفترض عقلانية وترشيدا من المجتمع، حيث إن خطط التنمية الأخيرة كان مبالغ فيها، وكانت تتحدث عن نمو في إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 5%.
ولفت إلى أن الخطة الخمسية الأخيرة كانت متفائلة جدا في توقعاتها وأرقامها، حيث توقعت 5% نموا في الناتج المحلي الإجمالي وهي معدلات ضخمة، اليوم مستحيل ولا نعتقد أن ينمو اقتصادنا بهذه الصورة، حيث إن النمو يتوقع أن يكون في حدود 3%، بينما في الخطة تجاوزت التوقعات 5%.
وطالب وزارة المالية بنشر ميزانية نفطية وميزانية غير نفطية من خلال إيضاح الإيرادات من القطاعات غير النفطية، والنفقات من القطاعات غير النفطية، حيث إننا نحتاج إلى تلك الأرقام لوضع اليد على مكمن الخلل ومعالجته، كما أننا نحتاج إلى أرقام ودراسات عن الاقتصاد السعودي، خاصة في معدلات الادخار والاستهلاك والإنفاق الأسري، حيث إنها جميعا أرقام غائبة وليست موجودة، مع العلم أن هذه الأرقام تمكننا من وضع الحلول؛ لأن مثل هذه الأرقام في أدراج المسؤولين ولا تنشر، مؤكدا أن أي دولة في العالم تمتلك هذه الأرقام.
خطط خمسية
ولفت إلى ضرورة مراجعة الخطط الخمسية لتحقيق أهدافها؛ لأنها بنيت على أرقام متفائلة، وضرورة نشر موازنة نفطية وموازنة غير نفطية لمعرفة أداء القطاع غير النفطي، كما نحتاج إلى المزيد من الأرقام الدقيقة والتي تشمل معدلات الإنفاق والادخار، والدخل والإنفاق الأسري لنتمكن من وضع الحلول، ومن المفترض نشرها بشكل دوري من الجهات الحكومية لمعرفة مكامن الخلل ومعالجتها؛ لأن هناك خللا في كفاءة التشغيل وخللا في الإنفاق الحكومي لعدم تحقيقه عوائد جيدة، ولذلك نحتاج إلى المزيد من الأرقام والإحصائيات والدراسات، والتي تم إخفاؤها لمخاوف من إساءة تفسيرها إعلاميا، لوجود خلل من قبل صانعي القرار في تفسير الأرقام إعلاميا.
حملات إعلامية توعوية
وقال أبو داهش إن هناك مشكلة في الإعلام وعدم قدرته على تفسير الأرقام الاقتصادية، كما نحتاج من القطاع الحكومي إلى أن يقوم بحملات إعلامية توعوية على هذه الأرقام دون تحميل الإعلام فقط أو صانعي القرار أسباب المشكلة؛ لأن الجهات الحكومية يجب أن تكون قادرة على نشر هذه الأرقام وشرحها بصورة لا تقبل التأويل؛ لأنه لا يمكن نشر أرقام دون وجود تقرير إعلامي مفصل لها؛ وذلك لخلق وعي اقتصادي كامل، كما لا نقبل أن تظل الأرقام حبيسة من مخاوف إساءة شرحها وفهمها، وفي ذات الوقت لا تستطيع الجهات الحكومية أن تقدم أرقاما مرفق بها تقارير تفصلها بشكل لا يقبل التأويل.
وأكد أن مثل هذه الأرقام لا يمكن أن تستمر، نظرا للآثار التي يمكن أن تنعكس على الاقتصاد السعودي.
رسوم على تحويلات الأجانب
وتطرق إلى تحويلات العمالة والمستثمرين الأجانب التي تشكل نحو 20% من الثغرات التي يتسرب منها الإنفاق الحكومي. وقال في نهاية الثمانينات اقترحت الحكومة فرض ضريبة على دخل الأجانب وتم الاحتجاج على المقترح؛ كونه في تلك الفترة لم تكن هناك كفاءات سعودية، إنما اليوم لدينا كفاءات سعودية للإحلال ويجب أن يتم حفظ المدخرات بفرض ضريبة دخل على الأجانب، أو فرض رسوم على التحويلات يذهب منها جزء للحكومة، مبينا أن الهدف من ذلك التشجيع على الاستثمار الداخلي والحد من خروج المبالغ الكبيرة، وتنظيم هذا القطاع لتكون هناك تشريعات وأنظمة مصاحبة لها، وبذلك نشجع الاستثمار الداخلي ويكون هناك نظام رقابي يحد من خروج المبالغ، وهي عوامل مهمة يجب أن تتوافر لدى أي مشرع، والوقت مواتٍ حاليا لفرض ضريبة الدخل على الأجانب لوجود كفاءات سعودية تستطيع الإحلال.
ونوه إلى طرق عدة لمعالجة القضية تبدأ من معالجة قضية الاستهلاك من خلال ترشيد كبير في استهلاك الطاقة والمياه، حيث لدينا تبديد كبير، ربما لأننا أرخص الدول العالمية بيعا للمشتقات البترولية، كذلك الدعم السنوي للكهرباء والذي يكلف نحو 13 مليار ريال سنويا بحسب هيئة تنظيم الكهرباء، وكذلك قطاع المياه. وبذلك هناك خلل على مستوى المجتمع في قضية الاستهلاك، ويجب أن نبدأ من خلال الفرد والمجتمع ولا بد من حملة ترشيد واسعة ليعي المواطن أن عليه الترشيد.
عدم فاعلية الإنفاق
من جانبه، أكد مدير مركز دراسة الجدوى الاقتصادية للاستشارات محمد محمود شمس أن الإنفاق الحكومي في جميع الدول يسمى العائد الاجتماعي على المجتمع، وهذا العائد الاجتماعي الاقتصادي لا تكون نتائجه واضحة في المدى القصير مثل التعليم الذي يعتبر جزءا من الإنفاق الحكومي، ولا نشعر بنتائج وأهمية التعليم إلا في المدى الطويل بعد تخرج الطلاب ودخولهم سوق العمل، ونستطيع القول إن مستوى التعليم المنخفض ومستوى المعلم المنخفض يؤدي إلى عدم فاعلية الإنفاق الحكومي على التعليم، وهذا ما ينطبق على الإنفاق الحكومي على التعليم في المملكة والعوائد المنخفضة والتي لا توازي ما ينفق على التعليم، وبذلك الإنفاق الحكومي على التعليم أكبر من العائد على هذا الإنفاق.
وتطرق إلى الدعم الحكومي للكهرباء والمياه وغيرها من أوجه الدعم، وضرورة وجود شركات عدة تقدم الكهرباء على سبيل المثال والذي سيسهم في خفض الإنفاق الحكومي وخفض التكاليف على المستهلكين، من خلال إنشاء شركات كهرباء محددة لخدمة مناطق معينة وقرى ومناطق صغيرة من الممكن المنافسة عليها.
انخفاض الإنتاجية
وأبان أن ما تنفقه الدولة في الميزانية لا يقابله عوائد بقدر حجم الإنفاق، نتيجة انخفاض الإنتاجية، التي تعتمد عليها أي دولة من خلال إنتاجية العامل المرتفعة التي تؤثر على أسعار الفائدة، موضحا أن إنتاجية العامل المرتفعة سيؤدي إلى الربح العالي في الشركات ويغطي التكاليف وبذلك لا ترفع الشركات أسعار السلع؛ لأن الربح كبير نظرا لإنتاجية العامل المرتفعة التي تنتج أكبر من المعدلات الطبيعية من الوحدات، وهذا يزيد الأرباح وبالتالي لا ترفع الشركات أسعار الوحدات، ولا يكون هناك تضخم، ولا يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة، وهذه منظومة اقتصادية مترابطة.