مداخلة من الدكتور النجيمي في حوار الشيخ الفوزان وآل الشيخ:
أنت تتفق مع فكر القاعدة اتفاقا كاملا !




قرأت مقالين لمحمد بن عبداللطيف آل الشيخ أحدهما لأحد عشر رجب 1429هـ بعنوان: (دعاة التحريض)، والثاني بتاريخ 19 رجب 1429هـ بعنوان: (أريد جواباً واضحاً يا شيخ الفوزان).

ملخص المقال الأول: أن محمد بن عبداللطيف يعيب على الشيخين صالح الفوزان، وعبدالرحمن البراك ما أسماه بالمناصحة العلنية.. وقال: إن الأصل في النصيحة لولاة الأمر أن تكون سرية، وشن هجوماً على من أسماهم بالصحويين، وقال إنه لا يريد تكميم الأفواه ولا يقف ضد النقد غير أنه يرى أن النقد العلني من أصحاب الفضيلة العلماء توقيع عن رب العالمين وليس مجرد نصيحة إنسانية كما زعم الكاتب، وقال إنها تهيئ الأجواء للإرهاب.

وملخص الثاني: أنه يريد جواباً من الشيخ الفوزان على سؤال مهم هل النصيحة لولي الأمر سرية أم علنية؟ وطلب من الشيخ جواباً مباشراً على هذا السؤال، كما أنه يتساءل عن سبب استخدام الشيخ الأوراق الرسمية للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وقال إنه لا تخلو جريدة إلا وللشيخ فيها رد أو هجوم على أحد الكتّاب، وتساءل هل الشيخ متحدث رسمي باسم الهيئة أم لا؟ أم أنها آراء شخصية..؟!

الجواب: قلت في مناسبات كثيرة بأن الإرهاب الديني والإرهاب التغريبي الليبرالي يتفقان في ثلاث نقاط رئيسة:

الأولى: التهوين من قدر العلماء، وهذا أس الفتنة ومنبع الشر؛ لأن العلماء إذا هانوا في أعين العامة أصبحوا يتقون فتواهم من كل حدب وصوب. وهنا يبدأ الناس بتلقي فتاوى المتشددين والغلاة وعلماء السوء والرؤوس الجهال من القنوات والمواقع الإلكترونية، فيقع الضلال والفتنة وهذا واضح في المقالين الذين كتبهما محمد بن عبداللطيف، وهو بهذا يتفق مع القاعدة اتفاقاً كاملاً، فالقاعدة قد نالت من الشخصين في مواقعهما ومؤلفاتهما كما فعل محمد بن عبداللطيف وزيادة، وهذا منهج الناصريين والبعثيين والقوميين العرب وفلول اليسار في الأربعينيات والخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. فقد كتبوا ضد العلماء في المجلات والجرائد واستهانوا بهم حتى في الأفلام ودور السينما وحرضوا الحكام الظالمين على قتلهم وشنقهم، كما فعل سلفهم من الخوارج الذين كفروا وقتلوا أئمتهم كما قتلوا عثمان وعلياً وخباب وغيرهم.

النقطة الثانية: يؤلبون الناس على العلماء وينسبونهم إلى التنقيص، فالقاعديون يصفونهم بأنهم علماء سلطة وأنهم مرتشون وأصحاب رواتب من الدولة، وكذا التغريبيون الليبراليون يصفونهم بالصحويين والتحريضيين وبعلماء الحيض والنفاس، كما قال أحدهم في حوار معي في قناة (اقرأ) ومحمد بن عبداللطيف وابن بخيت من هذا القبيل، فمن قرأ المقالين الذين كتبهما محمد بن عبداللطيف يخيل له أننا أمام إرهابيين ولسنا أمام عالمين جليلين من علماء المسلمين شهد لهما القاصي والداني، عملا أستاذين في كليات الشريعة وأصول الدين والمعهد العالي لأكثر من ثلاثين عاماً، وحصلا على أعلى الدرجات العلمية، فكلاهما بدرجة أستاذ وليس مدرساً كما يقول محمد بن عبداللطيف جهلاً وتحريضاً منه وكأن الدولة بأجهزتها الأمنية لم تكتشف هذين التحريضيين. وقد وفق محمد بن عبداللطيف إلى هذا الاكتشاف الذي يشبه اكتشاف محمد داود في أفغانستان، وما أدراك ما محمد داود!! وسأفرد له مقالاً فيما بعد لأبين وجه الشبه بين المحمدين.

والشيخ الفوزان الذي يتهكم به محمد بن عبداللطيف من الموقعين على قرار هيئة كبار العلماء عام 1411هـ الذي أجاز استخدام القوات الأجنبية في تحرير الكويت. كما أن الشيخ الفوزان قد وقع على ستة قرارات لهيئة كبار العلماء في حكم التفجيرات والتخريب التي جرت في المملكة وغيرها من البلدان الإسلامية، وإذا أردت المزيد فراجع: فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة، وتبرئة دعوة وأتباع دعوة محمد بن عبدالوهاب من تهمة التطرف والإرهاب تأليف الشيخ محمد بن حسين القحطاني، وتقديم سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء. كما أن لشيخنا الشيخ عبدالرحمن البراك فتاوى كثيرة تحرم الخروج على ولاة الأمر، كما أن له تقديماً جميلاً لكتاب ضوابط تكفير المعين للدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين.

النقطة الثالثة: محاولة إقصاء العلماء عن الحديث في الشأن العام وإنكار المنكرات بدعوى أنهم يثيرون الفتن؛ لأنهم موقعون عن رب العالمين، أو أنهم لا يفهمون الواقع فكأنهم يقولون ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وفي ذلك يقول محمد بن عبداللطيف: (وأنا هنا لا أقف ضد النقد ولا أقول بتكميم الأفواه، غير أن هناك فرقاً بين أن تنتقد وأنت تنطلق من أنك أحد الموقعين عن رب العالمين وتسمي نفسك في موقعك على شبكة الإنترنت سماحة الشيخ الدكتور، وبين أن تقول هذا مجرد رأي إنساني قابل للصواب والخطأ). فانظر أيها القارئ إلى هذه العلنية المكشوفة والإقصائية وهذا ليس مستغرباً ممن رضعوا من ثدي البعثية والناصرية واليسار والقوميين العرب.

وفي الجانب الآخر، القاعدة تقول: العلماء لا يفهمون الواقع لهذا نستفتيهم في العبادات والأمور المالية أما قضايا الجهاد والولاء والبراء والتكفير والتفجير، فإنا نلجأ للعلماء العارفين بالواقع كأبي محمد المقدسي، وابن لادن، والظواهري، وأبي قتادة وأشباههم من الرؤوس الجاهلة. فانظر أيها القارئ يا رحمك الله كيف يتقن الإرهاب على تشويه سمعة العلماء لكن أحدهما في أقصى اليمين والآخر في أقصى درجات اليسار، كالخوارج والمعتزلة والجهمية والحشاشين وغلاة الشيعة.

ثم نقول ما هو الأمر الذي أنكره الشيخان على ولي الأمر بذاته أي الملك وولي عهده - حفظهما الله - أو غيرهما من أهل الحل والعقد. والذي أعرفه أن الشيخين أصدرا بيانات حول ممارسات خاطئة في بعض الصحف ومن بعض الكتاب، فثارت ثائرتكم لأنهم اقتربوا من عشكم فاعتبرتم أن انتقاد بعض وسائل الإعلام هو انتقاد لولي الأمر علماً أن العالمين وغيرهما إذا انتقدا بعض الممارسات في بعض الأجهزة الإعلامية فإنما يؤكدان على الطاعة لولي الأمر وأن ذلك التقصير عدم التزام بأوامر ولي الأمر، والملك قد انتقد بعض الصحف التي تنشر صوراً عارية للنساء، كما أن الأمير نايف قد انتقد بعض الكتاب والصحفيين الذين ينالون من أجهزة الدولة الشرعية كالهيئات.

ثم هنا وقفة، لماذا أنكرتم على الهيئات والمراكز الصيفية وبعض الوزارات وأبحتم لأنفسكم الإنكار بل التشهير في كافة وسائل الإعلام؟! أليس هذا خروجاً وإنكاراً على ولي الأمر، ثم اتهمتم التعليم الذي يشرف عليه ولي الأمر بنفسه وهو رئيس مجلس التعليم العالي، وولي العهد هو رئيس تطوير المناهج وفيهم صفوة من الأمراء والعلماء والأكاديميين؟! فلماذا لم تتحرك عقيرتك لما نقدت هذه الأجهزة التي يشرف عليها الملك بنفسه وولي عهده، أليس هذا خروجاً وتشهيراً بولي الأمر بل واستعداء العالم على بلدكم وولي أمرها خاصة المناهج التي زعمتم أنها تخرج إرهابيين وحلقات تحفيظ القرآن التي يحظر احتفالاتها أمراء المناطق؟! أليس هذا نيلاً وتشهيراً لولي الأمر؟! ثم دع عنك موضوع القضاء الذي يكون ولي الأمر قمته ورأسه وهو الذي يختار رئيس المجلس الأعلى للقضاء ويعينه بل وزير العدل يعين بأمر ملكي، فلماذا سلطتم ألسنتكم الحداد على هذا الصرح؟! أليس هذا خروجاً على ولي الأمر، بل شجعتم كتاباً يتكلمون في قضايا ما زالت مطروحة أمام القضاء لم يفصل فيها وهذا جريمة عالمية في كل العالم أن يتكلم في قضية لم يفصل فيها القضاء، فكيف تسوغ لأنفسكم الكلام في هذا أعلى تأويلكم أجران وعلى كلامنا وزران!!. ولم نر لك عقيرة ولا لساناً كأن لك أذناً من طين وأخرى من عجين، أليس هؤلاء تحريضيين على بلدك وولي أمرك:

أحرام على بلابله الدوح

حلال للطير من كل جنس..؟!


ثم نقول لك في سؤالك الذي تلقفته وكأنك فزت بذيل الذئب الذي لم يجبك عليه الشيخ صالح، نقول تعال نذكر المسألة على فرض أنها وقعت على أنها لم تقع من الشيخين، فالإنكار على ولي الأمر يكون سراً كما هو معلوم بينه وبين الوالي كما دلّ عليه حديث أسامة بن زيد لما سألوه ألا تنكر على هذا - يعني عثمان - قال أأنكر عليه أمامكم إنما أعظم سراً بيني وبينه. واتفق أهل السنة أن الإنكار باليد لا يكون مع ولي الأمر إنما بالوعظ والتبيين إلا في حالات ضيقة وهي إذا ترتب عليها ضياع حق أو تلبس باطل أو كتمان حق يعتبر به العامة ويقلل به العامة، كما ورد عن الإمام أحمد وموقفه من الحاكم الذي أراد أن يقرر عقيدة الجهمية في خلق القرآن، فلم يسكن أحمد بل أعلن القول الحق في القرآن ولم يكتف بالإنكار في مجلس المناظرة أمام ولي الأمر بل رويت عنه روايات كثيرة بتصريحه بخطأ قائل ذلك. وأيضاً كثير من أئمة السلف في بيان الحق كابن تيمية لما أنكر على السلطان الناصر أمام الناس عندما فر من حربه ضد التتار وأمره بنصرة المسلمين أو تركهم لمن يتولى أمرهم ويرفع لواءهم.. بل لا يبعد عنك وأظنك تجهله ولا تعلمه ما أخرجه مسلم في صحيحه أن أحد الصحابة قال للأمير في مجلس الناس: أيها الأمير أريد أن أحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ما هو (وكان الأمير هو ابن زياد) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (شر الرعاء الحطمة)، فقال: اسكت إنما أنت من نخالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لم يكن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخالة إنما النخالة فيمن جاء بعدهم. وهذا ما أظنك تعرف معناه وهو شر الرعاء الحطمة يعني يأمره بإحسان رعاية العامة ولا يأخذهم بالقوة والقهر. ثم حديث أبي بكرة في المسند لما دخل على معاوية بن أبي سفيان على مرأى ومسمع من الحضور، قال له: أحدثك أيها الأمير بحديث رسول الله ثم ساق له حديث الرؤية (أن النبي وزن بأمته ثم أبو بكر ثم عمر ثم جاء قوم من بعدهم يكونون ملوكاً أو ملكهم عضوضاً)، يقصد بذلك معاوية على مرأى ومسمع. أليس هذا إنكاراً وكذلك حديث أبي سعيد الخدري لما أنكر على عبدالملك ابن مروان تقديم الخطبة على الصلاة في العيد، بل في بعض الروايات جذبه من ردائه فقام رجل فقال: إنما الخطبة بعد الصلاة.. فقال أبو سعيد أما هذا فقد أدى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره) الحديث، و هذا في مصلى العيد أمام الناس كلهم.. وغيرها الكثير من النصوص في مواقف السلف التي تجهلها قطعاً، فالمرء إن تكلم فيما لا يحسن أساء.

ثم إنك تجعل تدخل ولي المرأة في سفرها وأن الدولة تسأل عن ذلك تجعله كهتك لكرامة المرأة لم لا تجعله من باب إكرامها والخوف عليها وحفظ رعايتها وحوطها مما قد يسوؤها. ثم أليس هذا تدخلاً في شؤون ولي الأمر الذي أوقع هذا القانون؟! ثم إن تاريخ الإسلام يعمل بالحديث الذي لا تجهله (لا تسافر امرأة إلا بمحرم من أهلها) فهذا تاريخ الإسلام الذي زعمت جهلاً أو تجاهلاً أنه ليس فيه ذلك.

ألم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل بالذهاب للحج مع امرأته وترك الجهاد حتى لا تسافر بلا محرم؟!. عجيب ألم تسمع بهذا أم أنه ذر في الرماد في العيون والتجاهل عن الحق الواضح، ثم متى كان التاريخ حجة على شرع الله وهذا إجماع من علماء المسلمين على أن المرأة ينبغي أن تسافر بمحرم من أهلها، ثم هذه جرأة وتشكيك في الشرع وتحكيم لقانون وضعه قدوتك الغربيون وتفضيل حقوق الإنسان المزعومة على شرع الله.

أليس الشرع أمر بسفرها بمحرم أليس هذا تحريضاً على ثوابت الأمة وإرهاب لفكر الأمة وتحطيم لرموزها وخروجاً عليها.

فأيها أشد ما تفعله أنت أم ما قاله الشيخان؟!. لقد أسفر الصبح لذي عينين. ثم احتجاجك بمنظمات حقوق الإنسان وخوفك منها أليس هذا تحريضاً على بلدك وولي أمرها الذي سن هذا القانون وكأنك تستعدي المنظمات على المملكة، ثم إن هذه المنظمات هل هي معصومة قولها حجة، عجباً لذي البهتان وهذه المنظمات تسمح باتخاذ الخليل، دافعت عنهم في مؤتمر السكان في القاهرة وبعضها يدعو للزواج المثلي وأكثرها ينكر على المملكة تطبيق الحدود، فهل أنت توافقهم في كل هذا أم هي حجة تتذرع بها. ثم متى كانت هذه المنظمات محايدة وشعوب المسلمين تنتهك حقوقهم في كل بلد تقريباً وأعراضهم ودماؤهم حلال لغيرهم، ونحن نحتكم لشرع الله ونرقب الله ونخاف الله عز وجل ولا نرضى بديننا بدلا ولا نخاف من هذه المنظمات، فاختر لنفسك طريقاً فإما أن تكون منهم أو ممن يرضى شرع الله كاملاً، وصدق المثل: رمتني بدائها وانسلت..

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم


ووداعاً لمن رهن نفسه لمنظمات حقوق الإنسان، ثم إن العجب لا ينقضي عندما قلت لماذا الشيخ يكتب على ورق رسمي للهيئة؟ فما هو المانع من ذلك؟ وما هو مثار العجب هنا؟

إننا نعلم أن الشيخ يقوم بدوره العلمي والشرعي المكلف به من قبل ولي الأمر وهو الإفتاء في المسائل العلمية والرد على من يخالف الثوابت الشرعية التي تعاقد عليها أبناء هذا البلد مع ولاة أمرهم منذ أن تأسس هذا الكيان المبارك على يد الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب الذي يفترض أنك تنافح عن منهجه وتتصدى لمن يتعرض له بالذم والقدح، ولكن المصيبة أنك في الصف المضاد لمنهجه فيا للمصيبة ويا للحسرة..

أ.د محمد بن يحيى النجيمي