الرياض، رياض الخميس (الرياض) قال د. عبد الله بن محمد الحمدان المشرف على كرسي تقنيات وتصنيع التمور بجامعة الملك سعود، والباحث الرئيسي في مشروع "إنتاج رطب مجمد فائق الجودة من أصناف مختارة من التمور السعودية" الممول من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية: مع توفر الأساليب التقنية، وكذلك الإمكانات بدأ الكثير في اللجوء لحفظ البلح والرطب منزلياً عن طريق التبريد أو التجميد. ونظراً لقصر موسم الرطب ولرغبة المواطنين والمقيمين تناوله طازجاً فقد درج بعض منتجي التمور وكذلك المواطنون إلى حفظ الرطب في مجمدات ليمكن استهلاكها طازجة خلال العام وخاصة في شهر رمضان المبارك.
http://s.alriyadh.com/2012/08/12/img/890779558469.jpg
ويذكر الدكتور الحمدان أنه وُجد من التجارب المعملية أن زمن تجميد ثمار الرطب (أي وصول درجة حرارة داخل الثمرة إلى درجة حرارة التجميد المطلوبة) تفاوت بشكل كبير جداً من عدة دقائق (التجميد بالنيتروجين) إلى عدة ساعات (التجميد الفردي بالهواء السريع) وإلى عدة أيام في حالة التجميد التقليدي. وهذا بالطبع يؤثر بشكل كبير على جودة المنتج ومدى تشابه خواصه مع المنتج الطازج. فكلما قلت فترة التجميد قلت أيضاً حجم البللورات المجمدة بينما التجميد البطيء تزيد حجم البللورات الثلجية بين الخلايا فيلاحظ في الحالة الأخيرة زيادة تهتك نسيج البلح والرطب عند إذابة هذه الثمار.
اقتباس:
72٪ من الأسر السعودية تجمد البلح والرطب منزلياً.. و43% منها تفضل السكري و22% البرحي
ويرى أنه لم تكن هناك لدى أجدادنا وسيلة لحفظ الرطب والبلح لفترة أطول من عدة أيام أو أسابيع؛ نظراً لمحدودية التقنات والإمكانات الموجودة في ذلك الوقت. وكانت الطريقة الوحيدة لحفظ التمور هي بعد اكتمال نضجها وجفافه والذي يطلق عليه "
كنز أو
ضمد التمور". ونظراً لاحتواء هذه التمور كاملة النضج على نسبة عالية من السكر ومنخفضة من الماء فقد أمكن الحفاظ عليها طوال السنة في مرحلة النضج هذه.
وبين الدكتور الحمدان في سياق حديثه ل"الرياض ": أن المملكة تعد من أوائل الدول المنتجة للتمور في العالم. إلا أنه يلاحظ أنه ومع الزيادة الكبيرة في إنتاج التمور بالمملكة حيث تضاعف الإنتاج أكثر من ثلاث مرات خلال ربع القرن المنصرم حتى وصل الإنتاج إلى قريب من المليون طن.
وتقدر بعض المصادر أن استهلاك البلح والرطب يصل إلى 50% من الإنتاج والباقي من التمور كاملة النضج (الجافة) فيخزن (يكنز) ويستهلك طوال العام. في ذروة موسم البلح والرطب تهبط الأسعار إلى مستوى متدن في ذروة الموسم مما يؤثر على دخول المزارعين. ولذلك فالتجميد يعتبر مفيداً للمزارعين لتوازن السوق، وكذلك للمستهلكين بتناوله خارج الموسم. إلا أنه يلاحظ أن عمليات التجميد المتبعة لدى معظم مجمدي التمور الافتقار لبعض الأسس الهامة للتجميد التي يستحسن اتباعها للحصول على أعلى جودة ممكنة من الرطب المجمد. فعندما يلجأ المواطنون إلى التجميد المنزلي باجتهادات شخصية وأحياناً خاطئة فتؤثر بالتالي على جودة الرطب المجمد. لذا فيعمد هذا الموضوع إلى توضيح الطرق الناجعة لتجميد الرطب.
وأضاف في سياق حديثه : من المعلوم أن درجة حرارة التجميد لأغلب الثلاجات والمجمدات في السوق المحلية تصل فقط إلى –18 درجة مئوية وهو ما يطلق عليه بالتبريد الفائق (Super cooling). حيث تشير الأبحاث التي أجريت من خلال كرسي تقنيات وتصنيع التمور في معامل الهندسة الغذائية بقسم الهندسة الزراعية بجامعة الملك سعود إلى أنه من الناحية التقنية فإن درجة التجمد الابتدائية للرطب أقل من تلك الموجودة في هذه المجمدات، فهي تتراوح ما بين –20 إلى –35 درجة مئوية. ودلت نتائج تلك الأبحاث على إمكانية الاحتفاظ بجودة ولون الرطب المجمد مقارنة بالرطب الطازج للموسم الذي يليه. ولقد أثبتت هذه التجارب أهمية التجميد الفائق ومن ثم تخزينها تحت درجة حرارة ( -30 درجة مئوية) في الاحتفاظ بخصائص التمور الطازجة.
وزاد : وفي استطلاع ميداني قام فريق مشروع التجميد بدراسة مسحية على مستوى المملكة للتعرف على مرئيات كل من المستهلكين والمزارعين والمحلات عن تجميد بيع الرطب. بينت نتائج الدراسة أن 72.5% من الأسر تقوم بتجميد البلح والرطب منزلياً. وهذه في الحقيقة نسبة عالية تطرح أهمية الموضوع والاهتمام به وتوضيح أفضل الطرق المتبعة للتجميد. كما أنها تشجع فرصاً استثمارية في هذا المجال، ووفق اصدارنا العلمي "النخيل والتمور" فان نسبة من يفضل شراء الرطب المجمد العالي الجودة من السوق حوالي 52%، كما بين أغلب المستهلكين تفضيلهم لرطب السكري بنسبة 43% يليه البرحي بنسبة 22%، كما لوحظ أن حوالي 95.8% من الأسر يستهلكون الرطب في شهر رمضان الكريم وبمعدل يزيد على 40% من الاستهلاك السنوي من الرطب لهذه الأسر. ولهذا جانب تسويقي هام يجدر الانتباه له سواء على مستوى المملكة أو المسلمين في شتى أنحاء المعمورة.
سرعة التجميد ودرجة الحرارة المنخفضة مهمان للمحافظة على جودة المنتج
ويعتبر الدكتور الحمدان أن التجميد من أفضل طرق الحفظ للعديد من المنتجات الغذائية، حيث يحتفظ المنتج المجمد بجودته العالية المشابهة للمنتج الطازج. وأيضاً يعتبر من الطرق السهلة والنظيفة للحفظ. ومن الجانب الآخر فالمجمد (الفريزر) بالطبع أعلى سعراً وكذلك استهلاكاً للكهرباء. وتعتبر سرعة التجميد من أهم العوامل الأساسية المؤثرة على جودة الرطب بالمحافظة على قوامها وخصائصها الطازجة. ولدرجة حرارة التجميد كذلك تأثير واضح على فترة صلاحية المنتج المجمد. فمثلاً الكرز يمكن أن تزيد فترة صلاحيته من 4 شهور إلى 18 شهر عندما تكون درجة حرارة المجمد –18 درجة مئوية مقارنة ب 12 درجة مئوية .
وهناك أبحاث مكثفة تجرى حالياً لدراسة إطالة فترة صلاحية التمور بمراحل نضجها المختلفة والاستفادة المثلى منها. فهناك عدة مشاريع بحثية بعضها اكتمل والآخر جار العمل به ممولة من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أحدها بعنوان "إنتاج رطب مجمد فائق الجودة من أصناف مختارة من التمور السعودية" تشارك فيه مجموعة من أعضاء هيئة التدريس من أقسام الهندسة الزراعية وعلوم الغذاء والتغذية والاقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعود لإجراء دراسات مكثفة للحصول على بلح ومنصف ورطب مجمد بجودة عالية يستمر تخزينه إلى عام كامل. اهتم هذا البحث بالجوانب الهندسية والفنية والخواص الطبيعية والحرارية للتمور وكذلك الجوانب التغذوية والجودة للرطب المجمد، بالإضافة إلى الجدوى الاقتصادية لمشروع تجميد تجاري. وهناك عدد من الأبحاث الأخرى التي تجرى حالياً في معامل هندسة التصنيع الغذائي بقسم الهندسة الزراعية لبحث تطوير تقنية تبريد البلح والرطب بتقنيات خاصة للحصول على أعلى جودة ممكنة للمنتج. وهذا المشروع حيوي وهام لمزارعي المملكة لامتصاص فائض الإنتاج خلال الموسم، للمستهلكين لتوفير رطب ومنصف وبلح عالي الجودة على مدار السنة. كذلك حيوي وهام للاقتصاد الوطني كمحصول استراتيجي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحاصيل الزراعية الاستراتيجية إذا اهتم واعتني بها وتم دعمها فتكون رافداً هاماً للاقتصاد الوطني خاصة في الأزمات -لا سمح الله-. ففي ماليزيا وخلال أزمة التمور الاقتصادية منذ عدة سنوات ساهم في دعم اقتصاد ماليزيا وثباته أمام الانهيارات الاقتصادية زراعتهم ودعمهم لزيت النخيل حيث كان الرافد الثاني لاقتصادهم هناك ولم يتأثر بعوامل الكساد آنذاك. لذلك يتم التركيز الآن على هذا المنتج الاستراتيجي حتى أصبحت ماليزيا أول دولة في العالم في إنتاج وتصنيع زيوت النخيل. ولعل كون هناك مناسبة أخرى للحديث عن تجربة ماليزيا في هذا المجال فهي جديرة بالتوقف عندها طويلاً واستفادة المملكة من هذه التجربة. ومن خلال مناقشتي مع المسئولين هناك فهم هناك يرحبون كثيراً بعرض تجربتهم ولبيان الخطوات الطويلة التي قطعوها والجهود الكبيرة التي عملت حتى وصلوا إلى هذا المستوى، واستفادة المملكة منها في مجال نخيل التمر.
ويختم حديثه: أما طرق الحفظ الأخرى الممكنة للتمور في طور البلح فيمكن الحفاظ على طور البلح بتخزينه فوق درجة حرارة التجمد وبأقل درجة تبريد ممكنة. ويعتبر التبريد عاملاً مهماً وناجحاً لإطالة فترة حفظ البلح إلى عدة أسابيع. مع أهمية مراعاة استخدام العبوات المناسبة لتقليل الاكتساب الرطوبي (الذي يسبب الفساد والعفن) أو الفقد الرطوبي (الذي يسبب الجفاف) من البلح وذلك باستخدام عبوات غير منفذة لبخار الماء. وهناك مشروع بحثي آخر من ضمن البحوث الوطنية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تسعى لتطوير هذه التقنات. ونتمنى أن يستفيد القطاع الخاص من هذا نتائج هذه المشروعات الضخمة والإمكانيات التي تم توفيرها لخدمة هذا القطاع لما فيه مصلحتهم والوطن ككل.