لندن، دمشق – – نشرت صحيفة "ذي إنديبندينت" البريطانية مقالاً لكبير محرريها روبرت فيسك بعث به من دمشق، حول عمليات القصف التي تشهدها ضواحي العاصمة السورية بعد أن استمرت مدافع جبل قاسيون بإطلاق النار ليلاً ونهاراً، وقال ان عمليات الاختطاف في بيوت تسلط الاضواء على الانقسام الطائفي الذي اصبح اكثر سوءا بسبب اعمال العنف في الدولة المجاورة. هذا نصه:
http://cdn10.alquds.com/assets/defau...g?m=1345895150
"ظلت مدافع جبل قاسيون تطلق حممها بلا هوادة على ضواحي داريا وكفار سوسة والقدم ونهر عايشة طوال الليل وطوال النهار. فكان ذلك دليلاً على أن اعداء الرئيس بشار الأسد قد عادوا مرة أخرى الى الضواحي الدمشقية بعد ان تمكنت القوات الحكومية من إستعادة السيطرة على دمشق الشهر الماضي.
امس لوحظ إختفاء الأهالي من شارع كفر سوسة الطويل المعروف بأنه مكان إقامة الطبقة المتوسطة الجديدة إضافة الى الأكواخ القديمة وبعضها بني باستخدام الاخشاب ويعود تاريخه الى مئة وخمسين عاماً منذ العهد العثماني، وظلت طرقاته الضيقة ملعباً للثوار السوريين. ويدل وجود أكياس الرمال الجديدة المطلية باللون الأبيض ووجود الجنود وقوات الميليشيا لحراسة الطريق على أن المعركة قد عادت لتنشب أنيابها في دمشق.
ومع أن المدفعية المقامة على الجبل المطل على المدينة كانت تطلق قذائفها على داريا فيما قام جنود الحكومة بأعمال الدورية في أزقة كفر سوسة من دون أن يكون لهم أثر ملحوظ، بينما بدا أن المقاتلين المسلحين الذين يشتبكون مع الجيش النظامي قد مارسوا تكتيكاتهم المعتادة: الإنسحاب ثم العودة للقتال في يوم آخر. غير أن الصحافة إستمرت تعلي الصوت بإنتصارات الجيش، فيما تروي القذائف التي تتردد عبر المدينة حكاية أخرى: أن القتال لم ينته بعد وأن الأمن الذي تعهدت الحكومة بتحقيقه لم يجد أرضاً صلبة له.
ولما كانت هجمات سلاح الجو السوري تقتصر الى حد كبير على العمل في المناطق الشمالية، فقد حذرت فرنسا من أنها قد تنظر في موضوع فرض حظر جزئي للطيار فوق سوريا. وقد حقق الجيش على وجه التحديد فوزاً "المعركة الاخيرة" على العاصمة، التي تبجحت بها المعارضة انتصر فيها الجيش بصورة اكيدة في شهر تموز (يوليو)، لكن السياسة المفلسة القائمة على اجتياح المدينة - وهي دليل على سذاجة الجيش السوري الحر - اعقبتها هجمات كر وفر للقناصة تتكرر في حلب. وفي مثل هذه الحالة فإن تغدو الدبابات عديمة الفائدة وتصير نيران القذائف دليلاً على العقم.
عادة ما تفشل الشعارات في الحروب في الكشف عن الحقيقة. ففي حلب حيث تدعي الحكومة أنها حققت الإنتصار، ما زالت المعارك مستمرة. وفي دمشق التي تعتقد الحكومة أنها تتحكم فيها يدرك المرء فو وصوله الى حدود المدينة ان القناصين يواصلون أعمالهم. وقال لي صديق سوري مسيحي: "ما كنت أظن قط أن أرى سوريا تنقلب الى هذا الدرك السيء. كان لدينا في سوريا نوع من الصيغة السحرية للحفاظ على التوازن بين جميع الأقليات. والإخلال بهذا التوازن يعني ضياع سوريا".
هذا الرأي لا يمثل ناحية بعينها في العاصمة. فقد توجهنا الى مسجد الدرويشية وإتجهنا يميناً قرب الكنيسة السورية وكانت المطاعم مليئة بالمسيحيين والمسلمين والأسعار موائمة للطبقة المتوسطة من الزبائن، وإن كانوا يشعرون أن النزاع الطائفي في المناطق الريفية السورية لم يصل الى دمشق اكثر مما وصل اليه في حلب.
لكنني في بعض الأحيان أشعر بهذه الفروقات في مهدها – وهي تذكرني بحروب البلقان أو بتلك الملاحظات العشوائية من اصدقاء عن تصميم السنة على تدمير العلويين اذا أطيح بالأسد- لكنها لم تظهر في المدن الكبرى بعد. وتعتبر طرطوس اكثر المدن السورية أمناً في سوريا بينما الاقل أمنا فيها هي إدلب وبعدها حمص. هذه هي حقائق الامور، وليس تحذيرات الغرب، التي يعيشها السوريون. وفي المقهى الذي تناولت فيه طعام الغداء أمس كان إمام روسي يزور البلاد يثني على مزايا الاسلام في مجتمع علماني على مسمع مضيفيه الحكوميين – وإن لم يفعل ذلك فما الذي يمكن ان يفعله غير ذلك؟ -وفي غضون ذلك حاول صديقي أن يشرح أسباب عدم امكان الإطاحة بالأسد.
قال: "هناك ثلاثة ملايين علوي سيتعرضون للقتل الى جانب المسيحيين والأقليات الأخرى. وستشهد البلاد حمامات دماء". والواقع أنني سمعت هذا الكلام من قبل مصاحباً للمديح المعتاد للنظام السوري في التعليم والرعاية الصحية.
جولة حول الطريق الدائري المحيط بدمشق تبين مدى تأثير الحرب على المدينة. لقد تعرض مبنيان لوزارتين للأمن لهجوم بسيارات مفخخة الشهر الماضي وأحيطتا بأسلاك شائكة ورجال مسلحين. وتقيم مراكز الشرطة في العاصمة جدراناً من الخرسانة المسلحة للحماية ارتفاعها 14 قدماً حتى أن المشهد أصبح يعيد الى الذاكرة ما حدث في بغداد.
لا ريب في أن السيارات المفخخة سلاح من أسلحة القتال إضافة الى القاذفات النفاثة والقناصين والدبابات من طراز "تي–72". وإلا فكيف يمكنك ان تنتصر؟.