الرياض - حمود الضويحي (الرياض نت) : كان مجرد الركوب في السيارة عند بداية قدومها للمملكة حلماً يراود الكثير من الناس، الذين سلبت ألبابهم بطلعتها البهية وسرعة مسيرها، فكيف بمن يمتلك واحدة منها؟، فقد كان ذلك ضرباً من خيال، وأماني تختلج في صدور كثير منهم، فقد كانت السيارات وقت ورودها خاصة بالدولة والشركات التي تعمل لديها، وما علم هؤلاء بأنّ عقوداً من الزمن كانت الفاصل بينهم وبين أمانيهم؛ فقد انتشرت في طول البلاد وعرضها كانتشار النار في الهشيم، وصارت في متناول الجميع، وتعددت أنواعها، وتبدلت قساوتها إلى رفاهية وسلاسة في المسير بعد أن استبدلت الطرق الصحراوية الوعرة بطرق الإسفلت الناعمة، وانتشرت الوكالات التي تستورد العديد من السيارات الجديدة بمختلف الماركات من أكثر من دولة.
معرض سيارات في الغرابي وسط الرياض في بداية الثمانينيات الهجرية - الرياض
وكانت السيارات الأمريكية من نوع "فورد" أول السيارات وروداً إلى المملكة، التي انتشرت بشكل سريع في أواخر الأربعينيات الميلادية وبداية الخمسينيات، وكان سعر السيارة في تلك الفترة (9000) ريال، وهو مبلغ كبير بمقياس ذلك الزمن، أما المستعمل فقد كانت مسيرة البيع والشراء فيه طويلة، اعتمدت في بدايتها على البساطة بين الناس، قبل أن تفتح المعارض الخاصة بالبيع والشراء والاستبدال أبوابها لاستقبال الزبائن الباحثين عن السيارات المستعملة التي تفي باحتياجاتهم، ويتناسب ثمنها مع ما لديهم من مدخرات جمعوها لتقلبات الزمن، وكانت بداية المعارض البسيطة قد انطلقت من العاصمة الرياض، التي شهدت افتتاح أول معرض للسيارات في حي "ثليم"، واستمرت تلك المسيرة منذ البداية وحتى يومنا هذا.
محرّج أمام الشريطية في معرض سيارات والبيع بنظام «سكر في ماء»
أشهرها في الرياض: «حمزه»، «النصر»، «الإحساء»، «التاج»، «الفلاح».. و«غدير الغدير» أول من فتح «التشليح»،
أغلى سيارة جديدة «فورد» بتسعة آلاف ريال و«الشريطية» يتبايعون وراعيها ما استلم فلوسه
البدايات الأولى
بدأ إنشاء المعارض وزاد المعروض من السيارات فيها بعد فتح الباب على مصراعيه لاستيرادها؛ نظراً لتحسن الحالة الاقتصادية في البلاد، وانتشار المصانع العملاقة لصناعة السيارات، والزج بما تنتجه في الأسواق التي تستوعب مثل هذا الكم الهائل من الإنتاج، لكن قبل ذلك كانت السيارات نادرة الوجود وقليلة، حيث إنّ كل قرية لا يتعدى عدد السيارات فيها أصابع اليد الواحدة، فقد كان الذين يبيعون "تنكات" وقود السيارات "البنزين" يعرفون جميع سائقي السيارات التي تمر بقرب من محالهم التي افتتحوها في الطرق الرئيسة، مثل: طريق الحجاز القديم، الذي يصل العاصمة الرياض بالطائف ومكة المكرمة وجدة، ولم يكن هؤلاء الباعة يعرفون أنواع السيارات، وإنما يعرفونها بصفاتها أو بأسماء سائقيها، فإذا ما جاء أحد هؤلاء السائقين وعبأ سيارته، ولم يكن معه نقود فيتم تسجيل عدد ما عبأ من تنكات في ورقة، فيكتب البائع مثلاً:"عند فلان راعي بريده قيمة ثلاث تنكات"، أو "عند راعي الفورت الأحمر أربع تنكات ونصف"، أو "راعي الفورت الأخضر"، أو "عند حمزة الحجازي تنكتين"، وهكذا.
رخص سير السيارات قديماً
أول معرض في «ثليم» ثم انتقل إلى «الغرابي» وتزايدت في «الملز» واستقرت حالياً في «الشفا» و«النسيم»
ثقة متبادلة
وكطريقة طريفة للحساب تعكس مدى الثقة التي كانت متبادلة بين الناس؛ فقد كان الشيخ عبدالرحمن بن ضويحي -رحمه الله- يبيع "التنك" قد سمح للسائقين من زبائنه الذين يصلون إلى "مرات" متأخرين بعد منتصف الليل أن يفتحوا باب "الحوش" الملحق بالمحل، ويعبئوا سياراتهم من "البنزين"، وينطلقوا إلى وجهتهم، ويحاسبوه على ذلك عند العودة إليه بعد يومين أو ثلاثة، وإذا أصبح ودخل الحوش عرف من أتى منهم وتزود من الوقود، ويسجل على كل واحد منهم مقدار ما أخذ من "تنك" بنزين، علماً بأنّ الجميع لا يقرأ ولا يكتب!، فقد اتفق معهم مسبقاً بأن خصص لكل واحد منهم برميل، ورصها بالقرب من الجدار، وكل برميل عليه حبل معلق بمسمار في الجدار، ومتدلي على البرميل، وكل منهم يعرف برميله، فإذا أتى في الليل فتح الحوش وعبأ "تنكة"، ومن ثم يعقد في الحبل عقده، وإذا عبأ ثانية عقد عقدة أخرى، وهكذا حتى يملأ خزان سيارته، ومن ثم ينطلق إلى حال سبيله، وعند الصباح يأتي صاحب البنزين ومعه أحد الغلمان الذين يحسنون القراءة والكتابة، فيطلب منه أن يسجل في الدفتر على فلان تنكتين، وعلى صاحب البرميل الثاني ثلاث، فكل عقدة تعني "تنكة"، وبعد التسجبل يحل العقد، وعند رجوع السيارات وأصحابها يتم تسديد ما عليه من قيمة "تنك" البنزين من دون نقاش؛ مما يعكس ما كان الناس عليه من بساطة وثقة متبادلة.
أماكن تعبئة الوقود «القازخانة»
أول معرض
كان أول معرض عرفته الرياض يقع في "حوش" مستأجر بحي "ثليم" بالبطحاء، وبعد حاجة الملاك للأرض تحول هذا المعرض إلى شارع "الغرابي"، وافتتحت بجانبه عدد من المعارض، ولما كثرت وصارت تزاحم السكان ونتيجة طبيعية للتوسع والتنظيم؛ تم نقل هذه المعارض إلى حي "الملز" المنشأ حديثاً، ولكنها لم تستقر طويلاً، وأخيراً وبعد التوسع السريع للمدينة فقد تم نقل المعارض من حي "الملز" إلى مكانين جديدين ولا زالا فيه حتى الآن، وهما حي "الشفاء" وحي "النسيم"، ومن أشهر تلك المعارض في بداياتها معرض "حمزة" ومعرض "النصر" بالملز، ومعرض "الإحساء" بالملز، ومعرض "التاج" ومعرض "الفلاح"، وقد كانت تلك المعارض يزاول فيها البيع والشراء، وخدمة المكاتبات بين البائع والمشتري، ونقل الملكية، وتتحصل على سعي من المشتري بنسبة معينة تفرض على البائع وتؤخذ منه عند البيع، وتقدم كذلك خدمة تسجيل السيارات في المرور، وكان الناس يبيعون ويشترون من دون الحاجة إلى عرض السيارات بالمعرض، وذلك عن طريق إبداء الرغبة ببيع ما لديهم من سيارات لدى المقربين لديهم من الأهل، والأقارب، والأصدقاء، وغالباً ما يجد زبوناً يشتري السيارة.
عقد إصلاح سيارة مصدومة في التسعينيات هجرية
مبايعات وشهود على الورق لأكثر من مشترٍ ثم تنقل الملكية للأخير في «قلم المرور»
كتابة المبايعة
وبعد شراء السيارة يذهب إلى من يحسن الكتابة من المتطوعين، ويكتبون عقد مبايعة، يوضحون فيه نوع السيارة، ورقم لوحتها، وأوصافها، ويبينون ما فيها من عيوب -إن وجدت-، ومن ثم يذكرون الثمن، ويشهدون على هذا العقد كاتبه وبعض الحضور، ومن ثم يسلم المشتري دراهمه كاملة بعد انتهاء الكتابة للبائع، الذي يسلم بدوره المشتري مفاتيح السيارة، ورخصة سير السيارة، والعقد يحمله معه كدليل على الشراء عند الذهاب إلى المرور، الذي كان يسمى آنذاك ب"قلم المرور"؛ ليسجل رخصة سير السيارة باسمه، التي كانت عبارة عن دفتر من (16) صفحة مسجل بالصفحة الأولى اسم من صدرت باسمه السيارة وبتوقيع مفوض المرور، وتلصق في هذه الصفحة طوابع الرسوم، التي كانت في بدايتها (55) قرشاً، والتي ارتفعت مع تقادم السنين إلى (5) ريالات، ثم (25) ريالاً، و(45) ريالاً، و(50) ريالاً، و(100) ريالاً، وهكذا، أما باقي الصفحات فقد تم تقسيمها إلى "التأشيرات"، وهي تجديد الرخصة، ثم انتقال الملكية، ثم إيضاحات، وقد يتم بيع السيارة إلى العديد من الأشخاص بموجب العقد المكتوب بين المتبايعين الأولين، حيث يكتب المشتري عقد بيع جديد لشخص آخر بموجب العقد الأول، ويحتفظ بكلا العقدين، ومن ثم يبيعها إلى شخص ثالث، ورابع، وهكذا، وعندما يذهب إلى المرور يذهب بملف كامل من المبايعات، وتسجل رخصة السير باسم المشتري الأخير، حسب تاريخ عقد البيع الأخير.
أحد مكاتبات بيع سيارة في عام 1380هـ
رخصة سير السيارة من (16) صفحة بقيمة (25) قرشاً.. والغشيم يقول: «وجهوني، وخلوني»!
"سكر في ماء"!
كانت السيارات التي تعرض للبيع بالمعارض في بداية ورود السيارات وانتشارها قليلة العدد، وربما لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، وتزايد الاستيراد وكثر المقبلون على الشراء، خاصةً للسيارات المستعملة التي يعرضها أصحابها لاستبدالها بسيارة جديدة، وصارت الحاجة ملحة إلى تنظيم "حراج" للسيارات، فنظم كل معرض ساحة أمام معرضه، ووظف "محرج" على السيارة التي يريد صاحبها بيعها، بحيث ينزل صاحب السيارة منها، ويسلمها للمحرج بعد أن يبين له معلومات بسيطة عنها، مثل: نوعها، وموديلها، ليكمل المحرج المهمة، فيبدأ بالتحريج بكلمة عامية دارجة آنذاك: "بكم نقول، من يسوم، من يفتح الباب"، فيجيبه أحد، ويردف قائلاً: "الموتر سكر في ماء" إشارة الى أنّ الحراج على السيارة بعلاتها، بحيث يشتريها المشتري من دون ضمان أنّها نظيفة، فترى "الشريطية" -من يشتري السيارة ليتكسبوا منها فيبيعوها بعد شرائها بوقت قليل بربح يسير- يدورون عليها، ويتفحصونها بدقة، ومن ثم يقول أحدهم ب(100) ريال، ويزيد الثاني ب(200)، وثالث، ورابع، فيتصاعد المبلغ من المئات إلى الآلاف، وبعد أن يقف "السوم" يتجه المحرج بنظره إلى البائع مخاطباً إياه: "هاه، نبيعه، الله يرزقه"، وغالباً ما يومىء برأسه إليه موافقاً، فتتم البيعة، ويذهب البائع مع المشتري للمعرض، وتتم الكتابة، ويدفع المشتري "السعي" -أجرة المحرج والمعرض-، ويتم نقل ملكية السيارة إلى المشتري من إدارة المرور.
وقد سببت تلك المعارض في تلك الفترة بحراجاته اليومية قلقاً وإزعاجاً للسكان؛ مما جعل هذه المعارض تتنقل من مكان إلى مكان في الرياض ومعظم مدن المملكة، من أجل راحة المواطنين، حيث خصصت لهم أماكن بعيدة عن الأحياء السكنية.
توقيع مفوض قلم المرور وطوابع الرسوم في رخصة السير
بداية التشليح
لم يكن يعرف أصحاب السيارات إلاّ قطع الغيار الجديدة، فإذا ما تعطلت سيارة فيتم إصلاحها واستبدال القطعة المتعطلة والمستهلكة بقطعة أخرى جديدة، يحضرونها من وكيل الاستيراد للسيارة، ولم يكونوا يعرفون استخدام القطع من السيارات القديمة، فقد كانت السيارات في بداية ورودها تعمل بكل قوة ولعدة سنين، من دون أن تتغير أو تعجز عن المسير؛ وذلك لجودة الصناعة ومحافظتهم وعنايتهم بها، فالكل لا يستغني عن سيارته، فهي تعمل ولم يعرف الناس معنى "تشليح" السيارات، إلاّ بعد أن عبدت الطرق وصارت تمشي بسرعة فائقة؛ مما يعرضها للانقلاب أو للاصطدام ببعضها البعض، فصارت السيارة إذا انقلبت أو اصطدمت بأخرى يصعب على أصحاب الورش -على بدائيتها- سمكرتها، فيتم بيعها "تشليح"، وأول "تشليح" عرفته العاصمة الرياض كان لشخص يدعى "غدير الغدير" من أهالي القصب بالوشم، وكان موقعه في حي "العود"، حيث صار يشتري هذه النوعية من السيارات، ويفككها ويبيع الصالح منها كقطع غيار، ومن ثم انتشرت هذه "التشاليح" وصار لها روادها ممن يطلبون هذه القطع، التي تجمع بين القطعة الأصلية والثمن المنخفض، قياساً بسعرها الأصلي لو اشتراها من وكالة السيارات.
بداية دخول السيارات إلى مدن المملكة شهدت مواقف طريفة وذكريات لا تنسى
سيارة «القطّة» ما يدور كفرها إلاّ ب«الثلاثة».. والمركبة الجديدة جابت أجل «الحمار»!
"وجه لي السيارة"!
كان العديد من الناس الذين يشترون السيارات لا يحسنون القيادة فلم يكن هناك متخصصون لتعليم القيادة، وإنما تحكم ذلك الخبرة والتجربة، فتجد من ينوي أن يشتري سيارة يسأل كثيراً من أصدقائه عن كيفية القيادة، فيشرح له ذلك نظرياً، فيحفظ ذلك عن ظهر قلب، وعندما يشتري السيارة تجده مزهواً بنفسه، فيوحي للبائع أنه يعرف القيادة، ويطلب مفاتيح السيارة بعد أن يدفع إليه ثمنها، ولكنه يطلب منه طلباً أخيراً قبل أن يذهب، فيقول له: "وجه لي السيارة"، أي يطلب من البائع أن يرجع السيارة عن الحائط ويوجهها إلى الأرض الفاضية، ومن ثم يركب السيارة، و"يعشق القير"، ويذهب يقود السيارة، ولأول مرة في حياته فقد استفاد من الدروس النظرية التي تلقاها من أصدقائه، وهاهو يطبقها عملياً من دون حاجة أحد لتعليمه، وبعد عدة أيام تجده من المتمرسين في القيادة، وإن كان قد مرّ بعدد من المواقف الطريفة كأن يصطدم ب"عاير جدار" أو يدهس أحد الحيوانات في طريقه، أو "يغرز" في أحد الرمال فتعلق سيارته ويستنجد بمن يسعفه.
دعاية سيارة (دوج) موديل 1959م 1379هـ
وقاصمة الظهر إذا وقف أحدهم أمام بيته فلا يستطيع تحريك سيارته حتى يستنجد بأهل الخبرة لكي يعمل حركة "الريوس"، وهي ترجيع السيارة وتوجيهها إلى الأرض الفاضية، فعملية "الريوس" كانت من أصعب فنون القيادة، خاصة لكبار السن -حتى وقتنا الحالي- خصوصاً لمن لم يتعلم قيادة السيارة إلاّ في الكبر ممن أجبرتهم ظروف الحياة على أن يقودوا السيارة بأنفسهم بعد أن كبر الأولاد، وذهبوا عنه لطلب العلم في مدن أخرى، وغادروا القرية أو التحقوا في الأعمال بعيداً عنه. ومن القصص الطريفة أيضاً قصة ثلاثة من المعلمين الذين تعيّنوا حديثاً في مدرسة بأحد قرى "السر" بمنطقة الدوادمي، الذين اشتروا سيارة جديدة ب "القطّة" ودفع كل واحد منهم "الثلث"، ولم يكن يحسن القيادة إلاّ واحد منهم، ولكنه كان لا يستطيع أن يقودها بحرية إذ لابد من حضورهم جميعاً، وركوبهم السيارة، فقد اشترطوا بينهم قبل الشراء على أن لا يدور كفر السيارة إلاّ وهي تحملهم جميعاً؛ مما قلل الإفادة منها، فكانت معظم الوقت واقفة، فهي تقلهم من قريتهم إلى القرية التي فيها مدرستهم، ومن ثم يعودون نهاية الأسبوع، ولكن الوضع لم يستمر طويلاً، فقد طفح الكيل بمن يعرف القيادة الذي استدان مالاَ واشترى نصيب الاثنين، وحرر السيارة من قبضتهم، وصار يستفيد منها طوال الوقت، بدلاً من وقوفها بالأيام من دون فائدة أو حراك.
إعلان سيارة تويوتا بنظام التقسيط
جزاء سنمار
بعد أن ظهرت السيارات ورأى أحد المزارعين قدرتها على التحميل، وقطع المسافات في وقت قصير، ومركبها المريح، وقيادتها التي كانت متعة لمن يقودها مقارنة بالدواب؛ قرر الاستغناء عن "حماره" الذي ألفه من سنين، وكان مركوبه من بيته إلى مزرعته والسوق، واستبدله بسيارة جديدة من أحد معارض السيارات في المدينة المجاورة، دفع فيها الكثير، وأنشأ لها "معشاش" -أي مظلة من أعواد الأثل-، وسقفها بجريد النخل؛ لحمايتها من حرارة الشمس، وفي يوم من الأيام تذكر حماره الذي لم يعد بحاجة إليه، فتوجه إليه في حظيرة البيت، وأخذ معه "محش" وهو أداة حادة ذات أسنان كبيرة تستعمل لجز الحشائش من "البر"، وركب على ظهره وتوجه إلى أحد الشعاب القريبة من القرية، ولحظه عدد من أطفال القرية فتبعوه، لينظروا أين يذهب؟، وقد ظنوا أنّه قد ذهب ليحضر بعض الحشائش، ولكن المفاجأة عقدت ألسنتهم، فقد نزل صاحب الحمار عن ظهره وأضجعه أرضاً ثم ذبحه ب"المحش"، فظل يرفس حتى فارق الحياة، ومن ثم عاد أدراجه إلى بيته، وعرف الأطفال معنى "جزاء سنمار" على الطبيعة، فقد رأى المزارع بأنّ الحمار الذي أمضى عمره وأفناه في خدمته طوال سنين صار عبئاً عليه، فأراد أن يتخلص منه، وكأنّه قد اختار له "الموت الرحيم" بدلاً من أن يطلقه في الصحراء، ليواجه شبح الجوع، والظمأ، والحيوانات المفترسة، ولا زال هؤلاء الصغار حتى يومنا الحالي يتذكرون تلك الحادثة المخيفة، وصارت من الماضي القاسي الذي لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة.
جزاء سنمار
بعد أن ظهرت السيارات ورأى أحد المزارعين قدرتها على التحميل، وقطع المسافات في وقت قصير، ومركبها المريح، وقيادتها التي كانت متعة لمن يقودها مقارنة بالدواب؛ قرر الاستغناء عن "حماره" الذي ألفه من سنين، وكان مركوبه من بيته إلى مزرعته والسوق، واستبدله بسيارة جديدة من أحد معارض السيارات في المدينة المجاورة، دفع فيها الكثير، وأنشأ لها "معشاش" -أي مظلة من أعواد الأثل-، وسقفها بجريد النخل؛ لحمايتها من حرارة الشمس، وفي يوم من الأيام تذكر حماره الذي لم يعد بحاجة إليه، فتوجه إليه في حظيرة البيت، وأخذ معه "محش" وهو أداة حادة ذات أسنان كبيرة تستعمل لجز الحشائش من "البر"، وركب على ظهره وتوجه إلى أحد الشعاب القريبة من القرية، ولحظه عدد من أطفال القرية فتبعوه، لينظروا أين يذهب؟، وقد ظنوا أنّه قد ذهب ليحضر بعض الحشائش، ولكن المفاجأة عقدت ألسنتهم، فقد نزل صاحب الحمار عن ظهره وأضجعه أرضاً ثم ذبحه ب"المحش"، فظل يرفس حتى فارق الحياة، ومن ثم عاد أدراجه إلى بيته، وعرف الأطفال معنى "جزاء سنمار" على الطبيعة، فقد رأى المزارع بأنّ الحمار الذي أمضى عمره وأفناه في خدمته طوال سنين صار عبئاً عليه، فأراد أن يتخلص منه، وكأنّه قد اختار له "الموت الرحيم" بدلاً من أن يطلقه في الصحراء، ليواجه شبح الجوع، والظمأ، والحيوانات المفترسة، ولا زال هؤلاء الصغار حتى يومنا الحالي يتذكرون تلك الحادثة المخيفة، وصارت من الماضي القاسي الذي لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة.