محمود توفيق
April 5th, 2008, 19:44
جاء أخيرًا القنّاصُ الماهر المعروف، بعد أن استدعيناهُ من البرّ الغربيِّ للنهر ؛ ليخلِّص العزبة من هجمات الذئاب الضارية التي تهاجم خِرافنا ليلاً.
استُقبِلَ استقبالاً كريماً، يليق بالأكفاء، ومشى بيننا مثل طاووس... أخذ المتفق عليه مقدَّما، قبل أن يضع حاجياته.
مكث فترة في كوخه الذي أقيم له على مشارف العزبة، كلَّ يوم، يَذرعُ الأرض حولها ليلاً كأنه جنيّ لا يُرى إلا في الدلجة، حاملاً بندقيته، يتلفت، وينظر بعينَي صقر، ولا يخسأ تصويبه أبداً!... وفي منتصف الليل يعود بمشيته المهيبة الوَقع، ويأوي إلى كوخه حاملاً من الذيل ثعلباً أو ثعلبين قد اقتنصهما.
كانت الثعالبُ مقدوراً عليها على أي حال؛ كل مدة بعيدة تسرق قليلاً من الدجاجات، لكن الغيظ كل الغيظ من تلك الذئاب الشرسة التي تكبِّدُنا خسائر فادحة .
.. بعد مدَّة، نبَّهنا الرجل للذئاب بكلّ أدب، فقال: إنه سيفرغ لها قريباً.
وقد بان عليه الضيق من تنبيهنا، فسكتنا حتى لا نزعج القناص فيتركنا وحدنا وهذه الضواري التي تطلُّ علينا بالليل من كل فجٍّ حوْل العزبة، حتى لمنا أنفسنا على أن نبَّهناه.
.. مرّ موسم الشتاء كلُّه، ونحن بلعنا ألسنتنا ولازلنا متيقنين من أنه سيفرغ للذئاب حتماً، ونؤكد على بعضنا البعض ألاّ نثير مزاجه بالسؤال عن ( متى ).
غير أنه في صباحٍ ما، خرج من الكوخ، وتمطَّى، وابتسم لوجه الشمس، ثم أخرج جوَالاتٍ[1] مليئة بالفراء، وحمَّلها على العربة، وتحرَّك حصانه مسرعاً، وهو يبتسم لمن كانت تشقُّ طريقها بينهم وسلاحه في حِجره .
ومضى بعيداً، ونحن لا زلنا ننتظر عودته من يومها، فالذئاب من يوم أن رحل قد ازدادت جرأة؛ وكأنها شمتت بنا في رحيله.
الأهل حولي الذين لا يعرفون ثمن الفِراء يتخرّصون في أمره حتى يومنا هذا رغم مضيّ شهر، بينما أنا الذي ملَّ الحديث الساذج، شردت منهم و أنا أتابع برنامجاً حوارياً في التلفاز عن.. الذكرى الخامسة لغزو العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجُوَالات -في اسخدامها العاميّ- هي الغرائر أو الجوالق؛ أوعية من خيش يوضع فيها القمح.
استُقبِلَ استقبالاً كريماً، يليق بالأكفاء، ومشى بيننا مثل طاووس... أخذ المتفق عليه مقدَّما، قبل أن يضع حاجياته.
مكث فترة في كوخه الذي أقيم له على مشارف العزبة، كلَّ يوم، يَذرعُ الأرض حولها ليلاً كأنه جنيّ لا يُرى إلا في الدلجة، حاملاً بندقيته، يتلفت، وينظر بعينَي صقر، ولا يخسأ تصويبه أبداً!... وفي منتصف الليل يعود بمشيته المهيبة الوَقع، ويأوي إلى كوخه حاملاً من الذيل ثعلباً أو ثعلبين قد اقتنصهما.
كانت الثعالبُ مقدوراً عليها على أي حال؛ كل مدة بعيدة تسرق قليلاً من الدجاجات، لكن الغيظ كل الغيظ من تلك الذئاب الشرسة التي تكبِّدُنا خسائر فادحة .
.. بعد مدَّة، نبَّهنا الرجل للذئاب بكلّ أدب، فقال: إنه سيفرغ لها قريباً.
وقد بان عليه الضيق من تنبيهنا، فسكتنا حتى لا نزعج القناص فيتركنا وحدنا وهذه الضواري التي تطلُّ علينا بالليل من كل فجٍّ حوْل العزبة، حتى لمنا أنفسنا على أن نبَّهناه.
.. مرّ موسم الشتاء كلُّه، ونحن بلعنا ألسنتنا ولازلنا متيقنين من أنه سيفرغ للذئاب حتماً، ونؤكد على بعضنا البعض ألاّ نثير مزاجه بالسؤال عن ( متى ).
غير أنه في صباحٍ ما، خرج من الكوخ، وتمطَّى، وابتسم لوجه الشمس، ثم أخرج جوَالاتٍ[1] مليئة بالفراء، وحمَّلها على العربة، وتحرَّك حصانه مسرعاً، وهو يبتسم لمن كانت تشقُّ طريقها بينهم وسلاحه في حِجره .
ومضى بعيداً، ونحن لا زلنا ننتظر عودته من يومها، فالذئاب من يوم أن رحل قد ازدادت جرأة؛ وكأنها شمتت بنا في رحيله.
الأهل حولي الذين لا يعرفون ثمن الفِراء يتخرّصون في أمره حتى يومنا هذا رغم مضيّ شهر، بينما أنا الذي ملَّ الحديث الساذج، شردت منهم و أنا أتابع برنامجاً حوارياً في التلفاز عن.. الذكرى الخامسة لغزو العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجُوَالات -في اسخدامها العاميّ- هي الغرائر أو الجوالق؛ أوعية من خيش يوضع فيها القمح.