المنتقد
May 2nd, 2010, 00:47
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
عمرو بن العاص رضى الله عنه "داهية العرب "
هوعمرو بن العاص بن وائل السهمي قائد إسلامي عظيم تمتع بعقلية قيادية مميزة، بالإضافة لدهاء وذكاء مكنه من اجتياز العديد من المعارك والفوز بها، أعلن إسلامه في العام الثامن للهجرة مع كل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وفي الإسلام كان ابن العاص مجاهداً وبطلاً، يرفع سيفه لنصرته، عندما أعلن إسلامه قال عنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" { أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص }.
لقب "بداهية العرب" لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.
حياته
ولد عمرو بن العاص في الجاهلية والده هو العاص بن وائل أحد سادة العرب في الجاهلية، شرح الله صدره للإسلام في العام الثامن من الهجرة، ومنذ ذلك الحين كرس عمرو حياته لخدمة المسلمين فكان قائد فذ تمتع بذكاء ودهاء كبير، قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بتوليته قائداً على الكثير من البعثات والغزوات، فكان احد القادة في فتح الشام ويرجع له الفضل في فتح مصر.
عمرو قبل الإسلام
قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه كانت له إحدى المواقف مع النجاشي حاكم الحبشة والذي كان قد هاجر إليه عدد من المسلمون فراراً بدينهم من المشركين واضطهادهم لما عرف عن هذا الحاكم من العدل، ولكن قام المشركون بإرسال كل من عمرو بن العاص - كان صديقاً للنجاشي - وعبد الله بن ربيعة بالهدايا العظيمة القيمة إلى النجاشي من أجل أن يسلم لهم المسلمين الذين هاجروا ليحتموا به، فرفض النجاشي أن يسلمهم لهم دون أن يستمع من الطرف الأخر وهم المسلمين ولما استمع لهم رفض أن يسلمهم إلى عمرو وصاحبه.
قال له النجاشي ذات مرة : يا عمرو، كيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فوالله إنه لرسول الله حقًا، قال عمرو: أنت تقول ذلك؟ قال: أي والله، فأطعني، فخرج عمرو من الحبشة قاصدًا المدينة، وكان ذلك في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" فساروا جميعًا إلى المدينة، وأسلموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.......
قال عمرو بن العاص عندما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك لأبايعك، فبسط صلى الله عليه وسلم يمينه، قال عمرو فقبضت يدي، فقال عليه الصلاة والسلام: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال عليه الصلاة والسلام: تشترط بماذا؟، قلت: أن يغفر لي، قال صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟، وما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم"ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة".
عمرو رضى الله عنه قائداً حربياً
كانت أولى المهام التي أسندت له عقب إسلامه، حينما أرسله الرسول "صلى الله عليه وسلم" ليفرق جمعاً لقضاعة يريدون غزو المدينة، فسار عمرو على سرية "ذات السلاسل" في ثلاثمائة مجاهد، ولكن الأعداء كانوا أكثر عدداً، فقام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيساً على الجميع فقبل أبو عبيدة، وكتب الله النصر لجيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وفر الأعداء ورفض عمرو أن يتبعهم المسلمون، كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا ناراً للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله انه قال " كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم " فحمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حسن تدبيره.
بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وفي خلافة أبي بكر "رضي الله عنه"، قام بتوليته أميراً على واحداً من الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة ألاف مجاهد، ثم وصله مدد أخر فأصبح عداد جيشه سبعة ألاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معاً على أن يتولى كل قائد قيادة الجيش يوماً من أيام المعركة، وبالفعل تمكنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام، انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح.
فتح مصر ومسار الفتح
بعد أن توالت انتصارات وفتوحات عمرو بن العاص في الشام، توجه نظره إلى مصر، فرغب في فتحها فأرسل إلى الخليفة ليعرض عليه الأمر وكان حينها عمر بن الخطاب متولياً الخلافة، وبعد تفكير وتردد أقتنع عمر بن الخطاب بفكرة عمرو.
و قام ابن العاص بإعداد العدد والعتاد من أجل التوجه لفتح مصر فسار على رأس جيش مكون من أربعة ألاف مقاتل فقط، ولكن بعد أن قام الخليفة باستشارة كبار الصحابة في الأمر رأوا ألا يدخل المسلمين في حرب قاسية، وقام عمر بن الخطاب بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص جاء فيها " إذا بلغتك رسالتي قبل دخولك مصر فارجع، و إلا فسر على بركة الله"، وحين وصل البريد إلى عمرو بن العاص وفطن إلى ما في الرسالة، فلم يتسلمها حتى بلغ العريش، فاستلمها وفضها ثم سأل رجاله: انحن في مصر الآن أم في فلسطين؟، فأجابوا : نحن في مصر ، فقال : إذن نسير في سبيلنا كما يأمر أمير المؤمنين".
توالت انتصارات عمرو فدخل بجيشه إلى مدينة الفرما والتي شهدت أول اشتباك بين الروم والمسلمين، ثم فتح بلبيس وقهر قائدها الروماني ارطبون الذي كان قائداً للقدس وفر منها، وبعد أن وصل المدد لجيش عمرو تابع فتوحاته لأم دنين، ثم حاصر حصن بابليون حيث المقوقس حاكم مصر من قبل هرقل، لمدة سبعة أشهر وبعد أن قبل المقوقس دفع الجزية غضب منه هرقل واستدعاه إلى القسطنطينية ونفاه، فأنتهز المسلمون الفرصة وهاجموا حصون بابليون مما اضطر الروم إلى الموافقة على الصلح ودفع الجزية.
توالت فتوحات عمرو بن العاص بعد ذلك في المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ أسوار الإسكندرية فحاصرها وبها أكثر من خمسين ألفاً من الروم، وخلال فترة الحصار هذه مات هرقل وجاء أخوه بعده مقتنعاً بأن لا أمل له في الانتصار على المسلمين، فأستدعى المقوقس من منفاه وكلفه بمفاوضة المسلمين للصلح.
وجاءت عدد من البنود في اتفاقية الصلح هذه منها: أن تدفع الجزية عن كل رجل ديناران ماعدا الشيخ العاجز والصغير، وأن يرحل الروم بأموالهم ومتاعهم عن المدينة، وأن يحترم المسلمون حين يدخلونها كنائس المسيحيين فيها، وان يرسل الروم مئة وخمسين مقاتلاً وخمسين من أمرائهم رهائن لتنفيذ الشروط، وقام عمرو بن العاص بإرسال رسول إلى الخليفة عمر ليبلغه بشارة الفتح، وقد مهد فتح الشام لفتح مصر وذلك بعد ما علمه الروم والأقباط من قوة المسلمين.
جامع عمرو بن العاص فى عهده
قضى عمرو بن العاص في فتح مصر ثلاث سنوات، وقد استقبله أهلها بالكثير من الفرح والترحيب لما عانوه من قسوة الروم وظلمهم، وقد كانوا خير العون لعمرو بن العاص ضد الروم، وكان عمرو يقول لهم: يا أهل مصر لقد أخبرنا نبينا أن الله سيفتح علينا مصر وأوصانا بأهلها خيرا، حيث قال الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم": ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا، فان لهم ذمة ورحما.
وقد كان عهد ولاية عمرو على مصر عهد رخاء وازدهار فكان يحب شعبها ويحبوه وينعموا في ظل حكمه بالعدل والحرية، وفيها قام بتخطيط مدينة الفسطاط، وأعاد حفر خليج تراجان الموصل إلى البحر الأحمر لنقل الغنائم إلى الحجاز بحراً، وانشأ بها جامع سمي باسمه وما يزال جامع عمرو بن العاص قائماً إلى الآن بمصر، وظل عمرو والياً على مصر حتى جاء عثمان على الخلافة وقام بعزله.
اللقاء الثاني بين الروم والمسلمين
كان الأقباط في فترة حكم الروم يعانون من قسوتهم واضطهادهم، وإجبارهم على ترك مذهبهم واعتناق المذهب الرومي، فجاءت إحدى المواقف الهامة والتي أكدت على مدى احترام المسلمين للديانات الأخرى، فقد كان للأقباط رئيس ديني يدعى بنيامين حين تعرض للقهر من الروم اضطر للفرار، وعندما علم المسلمون بالأمر بعد الفتح أرسلوا إليه ليبلغوه انه في أمان، وعندما عاد أحسنوا استقباله وأكرموه، وولوه رئاسة القبط، وهو الأمر الذي نال استحسان وإعجاب الأقباط بالمسلمين، فأحسنوا التعامل معهم.
جاءت المعركة الثانية بين المسلمين والروم بعد أن علم ملك الروم أن الحامية الإسلامية بالإسكندرية قليلة العدد، فانتهز هذه الفرصة وأرسل بثلاثمائة سفينة محملة بالجنود، وتمكن من اختراق الإسكندرية واحتلالها وعقد العزم على السير إلى الفسطاط، وعندما علم عمرو بن العاص بذلك عاد من الحجاز سريعاً وجمع الجيش من أجل لقاء الروم ودحرهم، وبالفعل تمكن عمرو من قيادة جيشه نحو النصر فكانت الغلبة لجيش المسلمين، ولم يكتفي أبن العاص بهذا بل سارع بملاحقة الروم الهاربين باتجاه الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً وفتحها، وكسر شوكة الروم وأخرجهم منها، كما قام بمساعدة أهل الإسكندرية لاسترداد ما فقدوه نتيجة لظلم الروم والفساد الذي قاموا به أثناء فترة احتلالهم للمدينة.
بعد معركة الإسكندرية، وأثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بعزل عمرو عن ولاية مصر وولي عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم في عهد معاوية بن أبي سفيان عاد إليها عمرو مرة أخرى واستمر والياً عليها حتى وفاته.
ذكاء عمرو ودهاؤه:-
كان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية..
حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:
" سبحان الله..
ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد....
كما كان بالغ الجرأة مقداما..
ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن، فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..
ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر، قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمررضى الله عنه:-
" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.
وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.
واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه، وحذق بديهته، ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..
اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..
ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.
وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة، كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!
ودخل على القائد وقال له:
لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!
فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..
وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..
ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،
وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..
وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..
وفاته رضى الله عنه
وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..
وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:-
".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..
ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..
ثم رفع بصره الى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:
" اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر،والا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!
وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت الى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله الا الله محمد رسول الله..
والسلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
عمرو بن العاص رضى الله عنه "داهية العرب "
هوعمرو بن العاص بن وائل السهمي قائد إسلامي عظيم تمتع بعقلية قيادية مميزة، بالإضافة لدهاء وذكاء مكنه من اجتياز العديد من المعارك والفوز بها، أعلن إسلامه في العام الثامن للهجرة مع كل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وفي الإسلام كان ابن العاص مجاهداً وبطلاً، يرفع سيفه لنصرته، عندما أعلن إسلامه قال عنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" { أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص }.
لقب "بداهية العرب" لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.
حياته
ولد عمرو بن العاص في الجاهلية والده هو العاص بن وائل أحد سادة العرب في الجاهلية، شرح الله صدره للإسلام في العام الثامن من الهجرة، ومنذ ذلك الحين كرس عمرو حياته لخدمة المسلمين فكان قائد فذ تمتع بذكاء ودهاء كبير، قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بتوليته قائداً على الكثير من البعثات والغزوات، فكان احد القادة في فتح الشام ويرجع له الفضل في فتح مصر.
عمرو قبل الإسلام
قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه كانت له إحدى المواقف مع النجاشي حاكم الحبشة والذي كان قد هاجر إليه عدد من المسلمون فراراً بدينهم من المشركين واضطهادهم لما عرف عن هذا الحاكم من العدل، ولكن قام المشركون بإرسال كل من عمرو بن العاص - كان صديقاً للنجاشي - وعبد الله بن ربيعة بالهدايا العظيمة القيمة إلى النجاشي من أجل أن يسلم لهم المسلمين الذين هاجروا ليحتموا به، فرفض النجاشي أن يسلمهم لهم دون أن يستمع من الطرف الأخر وهم المسلمين ولما استمع لهم رفض أن يسلمهم إلى عمرو وصاحبه.
قال له النجاشي ذات مرة : يا عمرو، كيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فوالله إنه لرسول الله حقًا، قال عمرو: أنت تقول ذلك؟ قال: أي والله، فأطعني، فخرج عمرو من الحبشة قاصدًا المدينة، وكان ذلك في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" فساروا جميعًا إلى المدينة، وأسلموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.......
قال عمرو بن العاص عندما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك لأبايعك، فبسط صلى الله عليه وسلم يمينه، قال عمرو فقبضت يدي، فقال عليه الصلاة والسلام: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال عليه الصلاة والسلام: تشترط بماذا؟، قلت: أن يغفر لي، قال صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟، وما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم"ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة".
عمرو رضى الله عنه قائداً حربياً
كانت أولى المهام التي أسندت له عقب إسلامه، حينما أرسله الرسول "صلى الله عليه وسلم" ليفرق جمعاً لقضاعة يريدون غزو المدينة، فسار عمرو على سرية "ذات السلاسل" في ثلاثمائة مجاهد، ولكن الأعداء كانوا أكثر عدداً، فقام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيساً على الجميع فقبل أبو عبيدة، وكتب الله النصر لجيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وفر الأعداء ورفض عمرو أن يتبعهم المسلمون، كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا ناراً للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله انه قال " كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم " فحمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حسن تدبيره.
بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وفي خلافة أبي بكر "رضي الله عنه"، قام بتوليته أميراً على واحداً من الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة ألاف مجاهد، ثم وصله مدد أخر فأصبح عداد جيشه سبعة ألاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معاً على أن يتولى كل قائد قيادة الجيش يوماً من أيام المعركة، وبالفعل تمكنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام، انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح.
فتح مصر ومسار الفتح
بعد أن توالت انتصارات وفتوحات عمرو بن العاص في الشام، توجه نظره إلى مصر، فرغب في فتحها فأرسل إلى الخليفة ليعرض عليه الأمر وكان حينها عمر بن الخطاب متولياً الخلافة، وبعد تفكير وتردد أقتنع عمر بن الخطاب بفكرة عمرو.
و قام ابن العاص بإعداد العدد والعتاد من أجل التوجه لفتح مصر فسار على رأس جيش مكون من أربعة ألاف مقاتل فقط، ولكن بعد أن قام الخليفة باستشارة كبار الصحابة في الأمر رأوا ألا يدخل المسلمين في حرب قاسية، وقام عمر بن الخطاب بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص جاء فيها " إذا بلغتك رسالتي قبل دخولك مصر فارجع، و إلا فسر على بركة الله"، وحين وصل البريد إلى عمرو بن العاص وفطن إلى ما في الرسالة، فلم يتسلمها حتى بلغ العريش، فاستلمها وفضها ثم سأل رجاله: انحن في مصر الآن أم في فلسطين؟، فأجابوا : نحن في مصر ، فقال : إذن نسير في سبيلنا كما يأمر أمير المؤمنين".
توالت انتصارات عمرو فدخل بجيشه إلى مدينة الفرما والتي شهدت أول اشتباك بين الروم والمسلمين، ثم فتح بلبيس وقهر قائدها الروماني ارطبون الذي كان قائداً للقدس وفر منها، وبعد أن وصل المدد لجيش عمرو تابع فتوحاته لأم دنين، ثم حاصر حصن بابليون حيث المقوقس حاكم مصر من قبل هرقل، لمدة سبعة أشهر وبعد أن قبل المقوقس دفع الجزية غضب منه هرقل واستدعاه إلى القسطنطينية ونفاه، فأنتهز المسلمون الفرصة وهاجموا حصون بابليون مما اضطر الروم إلى الموافقة على الصلح ودفع الجزية.
توالت فتوحات عمرو بن العاص بعد ذلك في المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى حتى بلغ أسوار الإسكندرية فحاصرها وبها أكثر من خمسين ألفاً من الروم، وخلال فترة الحصار هذه مات هرقل وجاء أخوه بعده مقتنعاً بأن لا أمل له في الانتصار على المسلمين، فأستدعى المقوقس من منفاه وكلفه بمفاوضة المسلمين للصلح.
وجاءت عدد من البنود في اتفاقية الصلح هذه منها: أن تدفع الجزية عن كل رجل ديناران ماعدا الشيخ العاجز والصغير، وأن يرحل الروم بأموالهم ومتاعهم عن المدينة، وأن يحترم المسلمون حين يدخلونها كنائس المسيحيين فيها، وان يرسل الروم مئة وخمسين مقاتلاً وخمسين من أمرائهم رهائن لتنفيذ الشروط، وقام عمرو بن العاص بإرسال رسول إلى الخليفة عمر ليبلغه بشارة الفتح، وقد مهد فتح الشام لفتح مصر وذلك بعد ما علمه الروم والأقباط من قوة المسلمين.
جامع عمرو بن العاص فى عهده
قضى عمرو بن العاص في فتح مصر ثلاث سنوات، وقد استقبله أهلها بالكثير من الفرح والترحيب لما عانوه من قسوة الروم وظلمهم، وقد كانوا خير العون لعمرو بن العاص ضد الروم، وكان عمرو يقول لهم: يا أهل مصر لقد أخبرنا نبينا أن الله سيفتح علينا مصر وأوصانا بأهلها خيرا، حيث قال الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم": ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا، فان لهم ذمة ورحما.
وقد كان عهد ولاية عمرو على مصر عهد رخاء وازدهار فكان يحب شعبها ويحبوه وينعموا في ظل حكمه بالعدل والحرية، وفيها قام بتخطيط مدينة الفسطاط، وأعاد حفر خليج تراجان الموصل إلى البحر الأحمر لنقل الغنائم إلى الحجاز بحراً، وانشأ بها جامع سمي باسمه وما يزال جامع عمرو بن العاص قائماً إلى الآن بمصر، وظل عمرو والياً على مصر حتى جاء عثمان على الخلافة وقام بعزله.
اللقاء الثاني بين الروم والمسلمين
كان الأقباط في فترة حكم الروم يعانون من قسوتهم واضطهادهم، وإجبارهم على ترك مذهبهم واعتناق المذهب الرومي، فجاءت إحدى المواقف الهامة والتي أكدت على مدى احترام المسلمين للديانات الأخرى، فقد كان للأقباط رئيس ديني يدعى بنيامين حين تعرض للقهر من الروم اضطر للفرار، وعندما علم المسلمون بالأمر بعد الفتح أرسلوا إليه ليبلغوه انه في أمان، وعندما عاد أحسنوا استقباله وأكرموه، وولوه رئاسة القبط، وهو الأمر الذي نال استحسان وإعجاب الأقباط بالمسلمين، فأحسنوا التعامل معهم.
جاءت المعركة الثانية بين المسلمين والروم بعد أن علم ملك الروم أن الحامية الإسلامية بالإسكندرية قليلة العدد، فانتهز هذه الفرصة وأرسل بثلاثمائة سفينة محملة بالجنود، وتمكن من اختراق الإسكندرية واحتلالها وعقد العزم على السير إلى الفسطاط، وعندما علم عمرو بن العاص بذلك عاد من الحجاز سريعاً وجمع الجيش من أجل لقاء الروم ودحرهم، وبالفعل تمكن عمرو من قيادة جيشه نحو النصر فكانت الغلبة لجيش المسلمين، ولم يكتفي أبن العاص بهذا بل سارع بملاحقة الروم الهاربين باتجاه الإسكندرية، وفرض عليها حصاراً وفتحها، وكسر شوكة الروم وأخرجهم منها، كما قام بمساعدة أهل الإسكندرية لاسترداد ما فقدوه نتيجة لظلم الروم والفساد الذي قاموا به أثناء فترة احتلالهم للمدينة.
بعد معركة الإسكندرية، وأثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بعزل عمرو عن ولاية مصر وولي عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم في عهد معاوية بن أبي سفيان عاد إليها عمرو مرة أخرى واستمر والياً عليها حتى وفاته.
ذكاء عمرو ودهاؤه:-
كان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية..
حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:
" سبحان الله..
ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد....
كما كان بالغ الجرأة مقداما..
ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن، فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..
ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر، قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمررضى الله عنه:-
" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.
وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.
واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه، وحذق بديهته، ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..
اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..
ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.
وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة، كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!
ودخل على القائد وقال له:
لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!
فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..
وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..
ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،
وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..
وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..
وفاته رضى الله عنه
وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..
وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:-
".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..
ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..
ثم رفع بصره الى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:
" اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر،والا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!
وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت الى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله الا الله محمد رسول الله..
والسلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،