رقية زايد السيابي
December 11th, 2017, 14:12
مسقط - نصر البوسعيدي (أثير) : ظفار هذه المحافظة العمانية القديمة المليئة بالتاريخ والشواهد والأحداث، من كانت مقدسة لدى الحضارات القديمة ومعابدها، هذه الأرض الطيبة التي اعتبرها العهد القديم هبة الله ولبان العالم الذي يخرج من هذه البقعة المباركة كاغلى واهم سلعة في ذاك الزمان يتسابق لشحنها وشرائها كل الحضارات القديمة.
http://www.doraksa.com/mlffat/files/2585.jpg
لذلك لن نستغرب أبدا حينما نجد أن السجلات والأسفار واللوحات القديمة تشير إلى ظفار كونها أحد أهم منابع اللبان المقدس عبر العصور والأزمان للعالم أجمع.
فقد أشارت السجلات الفرعونية القديمة إلى اللبان الظفاري والعلاقات التجارية بين الجانبين مما يدلل لنا على أن ظفار عبر موانئها التاريخية كانت مزدهرة جدا وسوقا مشهورا للبان الذي كان الفراعنة يستوردونه منها لمعابدهم كون اللبان مادة مقدسة تحتاج لها كل المعابد للتقرب من الله وطرد الأرواح الشريرة حسب إيمانهم من المعابد والأماكن المقدسة ليبقى المكان طاهرا يفوح باللبان، بالإضافة إلى أهميته الكبيرة في صناعة العطور والأدوية.
ويشير الفصل العاشر من سفر التكوين وهو أول أسفار التوراة (أسفار موسى الخمسة)، وجزء من التوراة العبرية، والعهد القديم لدى المسيحيين إلى أن قحطان ابن سام قد سيطر على الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية وتحديدا في مكان يقال له (ميشا ) مثلما ورد في الفقرة الثلاثين، وقد ذكر المختصون بأن كل الأوصاف التي كتبت تشير إلى ظفار مثلما ورد ذكرها كذلك في الكتاب المقدس الإنجيل.
https://c3.staticflickr.com/6/5676/30816198202_0b51b37680_o.jpg
أما المخطوط الإسكندري والذي يعد من أوائل الخمسة مخطوطات للكتاب المقدس قبل حوالي 900م، قد أشار إلى ظفار بكلمة سوفار وهي الأقرب شبها لظفار في اللغة العربية برفقة الأوصاف المكانية.
ولم يغفل الأغريق والرومان من ذكر عمان وظفارها من أمثال بليني وهيروديتس وسترابو وغيرهم، بذكرهم للكثير من الأساطير والقصص الخيالية لوصف أرض اللبان .
وهذا إن دل فإنه يدل على أن ظفار وموانئها كانت عبر آلاف السنين الغابرة مركزا مهما ومزدهرا بالتجارة وتوافد السكان إليها،كميناء سمهرم الأثري الذي يعد من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، حيث كان هذا الميناء هو الأشهر قديما في تصدير اللبان إلى الحضارات المجاورة، وقد وجد رسم في أحد المعابد الفرعونية بوادي الملوك في مصر لرسم يعود إلى عهد الملكة حتشبسوت (القرن الخامس عشر قبل الميلاد) يشير إلى ميناء سمهرم والقافلة الفرعونية التي أتت للميناء من أجل استيراد اللبان العماني من ظفار وتحديدا من هذا الميناء لا سيما وهو الأشهر في تصدير اللبان في العصور القديمة والوسطى.
http://3.bp.blogspot.com/_4fRpMSRWkiw/SzAHz51tyxI/AAAAAAAAABc/s-ZFsdS9cSE/w1200-h630-p-k-no-nu/اللبان.jpg
ويشير بعض الباحثين إلى أن جرار اللبان العماني التي كانت ترسلها الملكة بلقيس إلى النبي سليمان كان يتم استيرادها من ميناء سمهرم، كذلك تشير الكتابات الجغرافية لليونانيين القدامى من أمثال بولينوس وأسترابو إلى سمهرم مما يؤكد أهمية ومكانة وقدم هذا الميناء باعتباره مركزا حيويا لتصدير اللبان أهم سلع العالم آنذاك.
وقد تم اكتشاف بعض الآثار في ميناء سمهرم من خلال عمليات التنقيب يعود تاريخها إلى الـ 2300 ق.م.
وقد كسب هذا الميناء مكانته التاريخية لأنه كان مرسى للكثير من السفن التجارية التي تأتيه من مختلف حضارات دول العالم السائدة آنذاك لا سيما الفرعونية والرومانية والذين كانوا يتوافدون على ظفار لاستيراد اللبان والعطور والأعشاب الطبية والبخور، بالإضافة إلى كل ذلك فقد كان الميناء بحق همزة الوصل بين القارة الهندية والأفريقية والأوروبية.
http://www.baitalzubair.com/wp-content/uploads/2016/07/11.jpg
وأما مدينة البليد أقدم المدن العمانية في محافظة ظفار فيعود تاريخها إلى أواخر الألفية الخامسة قبل الميلاد حسب المكتشفات الأثرية التي تبين على أن الموقع كان ميناء نشطا خاصة في تجارة اللبان، ولذلك أدرج الموقع من ضمن مواقع التراث العالمي برفقة سمهرم والتي تتبع منظمة اليونيسكو.
فقد كان ميناء البليد ميناء حيويا وبخاصة في تجارة اللبان وتصل إليه السفن القادمة من الهند والصين والعراق وبلاد فارس وأفريقيا وأوروبا.
أما بالنسبة لظفار في العصر الإسلامي فتذكر المصادر التاريخية أنه وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام أرسل ابو بكر موفده عكرمة إلى ظفار للتأكد والاطمئنان بعدم اهتزاز مكانة الدين الإسلامي بين قبائل المهرة والأزد، وبعدها زحف إلى حضرموت وعين سعيد بن لبيد واليا على الإقليم كله، وظل هكذا الحال باختلاف الأسماء في العهد الأموي والعباسي إضافة إلى القرامطة في عام 900م.
ولأن ظفار لبان العالم وعطر التاريخ بلا منازع فقد اهتم الجغرافيون العرب كذلك بزيارتها وتدوين وصفها في كتاباتهم كالإصطخري، كما تحدث تقريبا كل الجغرافيين العرب القدامى عن مدينة مرباط التي كانت عاصمة إقليم ظفار كونها مركزا أساسيا لمرسى السفن التجارية لتجارة اللبان والخيول العربية، برفقة مدينة البليد وميناء خور روري الأثري (سمهرم) والذي بني تقريبا في القرن الأول ق.م.
https://www.arab-ency.com/servers/gallery/7208-1.jpg
وقد ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل معلومات جيدة عن ظفار فقد ذكر على سبيل المثال وفاة الأمير راشد بن أحمد بن عبده بظفار في عام 1096م، وذكر كذلك بان قبيلة القمر في عام 1116م، طلبوا مساعدة من أهل ظفار الذين هبوا لنجدتهم.
أما الإدريسي فقد ذكر بأن حاكم ظفار في عام 1145م، كان اسمه أحمد المنجوي.
وفي الجانب الآخر تشير بعض المصادر التاريخية الى أن التاجر أحمد بن محمد الحميري الحبوضي الذي كان طموحا للحكم وذكيا مثلما أشار إلى ذلك ابن خلدون وابن الأثير وابن المجاور قد استولى على حكم ظفار في عام 1207م، بعدما اغتال ابن المنجوي هيبوب آخر حاكم من أسرة المنجوي.
والحبوضي نفسه لا توجد الكثير من المصادر تتحدث عن فترة حكمه بتفاصيلها وكل ما كتب عن ذلك دونه ابن مجاور فقد دون انه في عام 1219م وصل بعض البدو من اليمامة لبيع الخيول في ظفار واستقبلهم الحبوضي بكل حفاوة.
https://modo3.com/thumbs/fit630x300/140566/1479073929/محافظة_ظفار_في_سلطنة_عمان.jpg
ولا ننسى أن نشير إلى أنه وبعد وفاة الحبوضي تولى الحكم أمير اسمه محمد بن علي القلعي الذي استمد لقبه من قلعة حلب مثلما يشير س.ب.مايلز، وقد توفي هذا الأمير في عام 1232م، وتولى بعدها حكم ظفار أبو بكر محمد بن عمر الهزاز الذي قتل سنة 1254م، وخلف ولدين كان الوصي عليهما أحمد بن علي الظفاري.
وبعد سنوات من ذلك استطاع الرسوليون حكم ظفار مثلما ذكره الخزرجي مؤرخ الأسرة الرسولية حينما قال بشكل اختصره لكم:
”لقد حدثت مجاعة رهيبة في حضرموت مما حدا حاكمها إلى الاتصال بسالم بن إدريس الحبوضي ومقابل مساعدته تنحى له عن حصن شبام وغيره من الحصون مما جعل سالم ابن إدريس يتصور انه باستيلائه على تلك المواقع قد أصبح حاكم البلاد – ظفار -، وبعد ذلك حدث أن تحطمت سفينة للأمير الرسولي المظفر وهي متجهة لبلاد فارس، فاستولى عليها الحبوضي مما جعل الحاكم الرسولي يعلن الحرب ويبعث بقائده شهاب الدين غازي لاحتلال ظفار واسترداد من تم سلبه من السفينة ودارت المعركة الأولى ولم ينجح الرسوليون بالنيل من ظفار، ثم جهزوا حملة أخرى والتقى الجيشان بالقرب من ريسوت في قرية عوقد وتم قتل الحبوضي سالم بن إدريس ومعه 300 من جنوده، وبذلك تمكن الرسوليون من احتلال ظفار في عام 1278م، واستمر حكمهم لظفار قرابة 150 سنة في الفترة التي زار فيها الرحال المعروف ماركو بولو ظفار الذي قال عنها:
“ظفار بلد عريق وجميل ويقع على منطقة تبعد مسافة 500 ميل إلى الشمال الشرقي من الشحر، وسكانها عرب، وهي تطل على البحر ولها ميناء جميل يتيح لحركة نشطة بين السفن ويقوم التجار بنقل أعداد كبيرة من الخيول العربية إلى الأسواق ويربحون من ورائها أرباحا طائلة، وللبلدة قرى ومناطق كثيرة تابعة لسلطتها، وهي تنتج كميات هائلة من اللبان، وسوف أقص عليكم كيف يتم إنتاج هذه المادة فأشجار اللبان تشبه أشجار التنوب الصغيرة ويتم شق شقوق في مواضع عديدة فيها بالسكين ومن تلك الشقوق ينبثق اللبان وأحيانا يسيل اللبان من شجرته من تلقاء نفسه عند اشتداد حرارة الشمس”.
https://d2a0do11gpvbrl.cloudfront.net/t.php?y=album_image&wx=930&p=http://st.wthr.ws/sites/default/files/ظفار%20خريف.jpg
وكذلك اشار الرحالة المعروف ابن بطوطة بمعلومات قيمة عن ظفار حينما دون بأن حاكمها وقت زيارته كان اسمه ناصر بن الملك المغيث.
وهكذا نجد من حين وآخر بعض المعلومات التاريخية المهمة عن ظفار ومن تعاقب في حكمها كسعيد بن شماسه، ومحمد بن أحمد القرا، وناصرالدين محمد بن عمر الظفاري، وبدر الشهاب الجيرلي، والمظفر يوسف بن منصور الذي مات في عام 1446م ، لتدخل بعدها ظفار بعد نصف قرن تحت سلسلة من هجمات المستعمر الغاشم البرتغالي الذي أذعن في القتل بمذابح بربرية طوال الساحل العماني، وكان أهل ظفار حينها يقاومون بكل قوة البرتغاليين وخاصة في مرباط وجزر الحلانيات وتحديدا في عام 1553م، حينما مني البرتغاليون بقيادة فرناندس بهزيمة كبيرة على يد ابناء ظفار.
http://www.atheer.om/wp-content/uploads/2017/11/3023A426-92D0-487E-981A-CFA27D4EA01D-780x405.jpeg
ومن جانب آخر كان أئمة عمان في فترات حكمهم القوية يسيرون ولاتهم وقضاتهم إلى ظفار وكان هذا الامتداد بين مد وجزر ولكن للأسف لم يذكر المؤرخون العمانيون القدامى كثيرا عن ظفار واعتقد بأن ذلك يعود إلى أن مسرح الأحداث التاريخية المفصلية من تاريخ عمان السياسي كان يتمركز نحو صحار والرستاق ونزوى ومسقط.
ولكن التواصل العميق بين الأئمة وكل أجزاء عمان كان بلا شك كبيرا جدا ويكفي أن نذكر بأن الإمام الصلت بن مالك الخروصي الذي تولى أمر عمان في عام 237هـ ، لم تكن نجدته لأهل سقطرى ليخلصهم من ظلم الأحباش إلا أكبر دليل لوحدة عمان من شمالها لجنوبها وللصلات الكبيرة للوجود العماني في سقطرى نفسها التي كانت أساسا تتبع الامتداد العماني وصولا بعهد اليعاربة وحتى عهد الإمبراطورية العمانية التي أسسها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، تلك الإمبراطورية التي كانت بقوتها تربط بالسلام والتعايش وازدهار التجارة ممالكها بين القارة الآسيوية والأفريقية على السواء.
وكانت طفار ولا زالت عطر الجنوب الذي يتنفسه أهل عمان والتاريخ يشهد بذلك حتى وقت قريب فالنهضة لم ولن يقدر لها أن تكتمل إلا باكتمال النبض الظفاري الذي إن نبض بشهيق من جبل سمحان وجدت زفيره ينبض في جبال مسندم وكمزار.
http://www.atheer.om/wp-content/uploads/2017/11/3023A426-92D0-487E-981A-CFA27D4EA01D.jpeg
المراجع:
1 – مدن في الذاكرة العمانية، الشيخ أحمد بن سعود السيابي، الطبعة الأولى 2017م، مؤسسة ذاكرة عمان – سلطنة عمان – مسقط.
2 – أسياد البحار، حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، مطبعة النهضة 2015-2016م.
3 – بلدانه وقبائله. المؤلف: س. ب. مايلز. المترجم: الدكتور محمد أمين عبد الله. إصدار: وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عمان .
https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/mimg.haraj.com.sa/userfiles30/2017-10-20/729x561-1_-L2v9FfAFF0E430.jpg
http://www.doraksa.com/mlffat/files/2585.jpg
لذلك لن نستغرب أبدا حينما نجد أن السجلات والأسفار واللوحات القديمة تشير إلى ظفار كونها أحد أهم منابع اللبان المقدس عبر العصور والأزمان للعالم أجمع.
فقد أشارت السجلات الفرعونية القديمة إلى اللبان الظفاري والعلاقات التجارية بين الجانبين مما يدلل لنا على أن ظفار عبر موانئها التاريخية كانت مزدهرة جدا وسوقا مشهورا للبان الذي كان الفراعنة يستوردونه منها لمعابدهم كون اللبان مادة مقدسة تحتاج لها كل المعابد للتقرب من الله وطرد الأرواح الشريرة حسب إيمانهم من المعابد والأماكن المقدسة ليبقى المكان طاهرا يفوح باللبان، بالإضافة إلى أهميته الكبيرة في صناعة العطور والأدوية.
ويشير الفصل العاشر من سفر التكوين وهو أول أسفار التوراة (أسفار موسى الخمسة)، وجزء من التوراة العبرية، والعهد القديم لدى المسيحيين إلى أن قحطان ابن سام قد سيطر على الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية وتحديدا في مكان يقال له (ميشا ) مثلما ورد في الفقرة الثلاثين، وقد ذكر المختصون بأن كل الأوصاف التي كتبت تشير إلى ظفار مثلما ورد ذكرها كذلك في الكتاب المقدس الإنجيل.
https://c3.staticflickr.com/6/5676/30816198202_0b51b37680_o.jpg
أما المخطوط الإسكندري والذي يعد من أوائل الخمسة مخطوطات للكتاب المقدس قبل حوالي 900م، قد أشار إلى ظفار بكلمة سوفار وهي الأقرب شبها لظفار في اللغة العربية برفقة الأوصاف المكانية.
ولم يغفل الأغريق والرومان من ذكر عمان وظفارها من أمثال بليني وهيروديتس وسترابو وغيرهم، بذكرهم للكثير من الأساطير والقصص الخيالية لوصف أرض اللبان .
وهذا إن دل فإنه يدل على أن ظفار وموانئها كانت عبر آلاف السنين الغابرة مركزا مهما ومزدهرا بالتجارة وتوافد السكان إليها،كميناء سمهرم الأثري الذي يعد من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، حيث كان هذا الميناء هو الأشهر قديما في تصدير اللبان إلى الحضارات المجاورة، وقد وجد رسم في أحد المعابد الفرعونية بوادي الملوك في مصر لرسم يعود إلى عهد الملكة حتشبسوت (القرن الخامس عشر قبل الميلاد) يشير إلى ميناء سمهرم والقافلة الفرعونية التي أتت للميناء من أجل استيراد اللبان العماني من ظفار وتحديدا من هذا الميناء لا سيما وهو الأشهر في تصدير اللبان في العصور القديمة والوسطى.
http://3.bp.blogspot.com/_4fRpMSRWkiw/SzAHz51tyxI/AAAAAAAAABc/s-ZFsdS9cSE/w1200-h630-p-k-no-nu/اللبان.jpg
ويشير بعض الباحثين إلى أن جرار اللبان العماني التي كانت ترسلها الملكة بلقيس إلى النبي سليمان كان يتم استيرادها من ميناء سمهرم، كذلك تشير الكتابات الجغرافية لليونانيين القدامى من أمثال بولينوس وأسترابو إلى سمهرم مما يؤكد أهمية ومكانة وقدم هذا الميناء باعتباره مركزا حيويا لتصدير اللبان أهم سلع العالم آنذاك.
وقد تم اكتشاف بعض الآثار في ميناء سمهرم من خلال عمليات التنقيب يعود تاريخها إلى الـ 2300 ق.م.
وقد كسب هذا الميناء مكانته التاريخية لأنه كان مرسى للكثير من السفن التجارية التي تأتيه من مختلف حضارات دول العالم السائدة آنذاك لا سيما الفرعونية والرومانية والذين كانوا يتوافدون على ظفار لاستيراد اللبان والعطور والأعشاب الطبية والبخور، بالإضافة إلى كل ذلك فقد كان الميناء بحق همزة الوصل بين القارة الهندية والأفريقية والأوروبية.
http://www.baitalzubair.com/wp-content/uploads/2016/07/11.jpg
وأما مدينة البليد أقدم المدن العمانية في محافظة ظفار فيعود تاريخها إلى أواخر الألفية الخامسة قبل الميلاد حسب المكتشفات الأثرية التي تبين على أن الموقع كان ميناء نشطا خاصة في تجارة اللبان، ولذلك أدرج الموقع من ضمن مواقع التراث العالمي برفقة سمهرم والتي تتبع منظمة اليونيسكو.
فقد كان ميناء البليد ميناء حيويا وبخاصة في تجارة اللبان وتصل إليه السفن القادمة من الهند والصين والعراق وبلاد فارس وأفريقيا وأوروبا.
أما بالنسبة لظفار في العصر الإسلامي فتذكر المصادر التاريخية أنه وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام أرسل ابو بكر موفده عكرمة إلى ظفار للتأكد والاطمئنان بعدم اهتزاز مكانة الدين الإسلامي بين قبائل المهرة والأزد، وبعدها زحف إلى حضرموت وعين سعيد بن لبيد واليا على الإقليم كله، وظل هكذا الحال باختلاف الأسماء في العهد الأموي والعباسي إضافة إلى القرامطة في عام 900م.
ولأن ظفار لبان العالم وعطر التاريخ بلا منازع فقد اهتم الجغرافيون العرب كذلك بزيارتها وتدوين وصفها في كتاباتهم كالإصطخري، كما تحدث تقريبا كل الجغرافيين العرب القدامى عن مدينة مرباط التي كانت عاصمة إقليم ظفار كونها مركزا أساسيا لمرسى السفن التجارية لتجارة اللبان والخيول العربية، برفقة مدينة البليد وميناء خور روري الأثري (سمهرم) والذي بني تقريبا في القرن الأول ق.م.
https://www.arab-ency.com/servers/gallery/7208-1.jpg
وقد ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل معلومات جيدة عن ظفار فقد ذكر على سبيل المثال وفاة الأمير راشد بن أحمد بن عبده بظفار في عام 1096م، وذكر كذلك بان قبيلة القمر في عام 1116م، طلبوا مساعدة من أهل ظفار الذين هبوا لنجدتهم.
أما الإدريسي فقد ذكر بأن حاكم ظفار في عام 1145م، كان اسمه أحمد المنجوي.
وفي الجانب الآخر تشير بعض المصادر التاريخية الى أن التاجر أحمد بن محمد الحميري الحبوضي الذي كان طموحا للحكم وذكيا مثلما أشار إلى ذلك ابن خلدون وابن الأثير وابن المجاور قد استولى على حكم ظفار في عام 1207م، بعدما اغتال ابن المنجوي هيبوب آخر حاكم من أسرة المنجوي.
والحبوضي نفسه لا توجد الكثير من المصادر تتحدث عن فترة حكمه بتفاصيلها وكل ما كتب عن ذلك دونه ابن مجاور فقد دون انه في عام 1219م وصل بعض البدو من اليمامة لبيع الخيول في ظفار واستقبلهم الحبوضي بكل حفاوة.
https://modo3.com/thumbs/fit630x300/140566/1479073929/محافظة_ظفار_في_سلطنة_عمان.jpg
ولا ننسى أن نشير إلى أنه وبعد وفاة الحبوضي تولى الحكم أمير اسمه محمد بن علي القلعي الذي استمد لقبه من قلعة حلب مثلما يشير س.ب.مايلز، وقد توفي هذا الأمير في عام 1232م، وتولى بعدها حكم ظفار أبو بكر محمد بن عمر الهزاز الذي قتل سنة 1254م، وخلف ولدين كان الوصي عليهما أحمد بن علي الظفاري.
وبعد سنوات من ذلك استطاع الرسوليون حكم ظفار مثلما ذكره الخزرجي مؤرخ الأسرة الرسولية حينما قال بشكل اختصره لكم:
”لقد حدثت مجاعة رهيبة في حضرموت مما حدا حاكمها إلى الاتصال بسالم بن إدريس الحبوضي ومقابل مساعدته تنحى له عن حصن شبام وغيره من الحصون مما جعل سالم ابن إدريس يتصور انه باستيلائه على تلك المواقع قد أصبح حاكم البلاد – ظفار -، وبعد ذلك حدث أن تحطمت سفينة للأمير الرسولي المظفر وهي متجهة لبلاد فارس، فاستولى عليها الحبوضي مما جعل الحاكم الرسولي يعلن الحرب ويبعث بقائده شهاب الدين غازي لاحتلال ظفار واسترداد من تم سلبه من السفينة ودارت المعركة الأولى ولم ينجح الرسوليون بالنيل من ظفار، ثم جهزوا حملة أخرى والتقى الجيشان بالقرب من ريسوت في قرية عوقد وتم قتل الحبوضي سالم بن إدريس ومعه 300 من جنوده، وبذلك تمكن الرسوليون من احتلال ظفار في عام 1278م، واستمر حكمهم لظفار قرابة 150 سنة في الفترة التي زار فيها الرحال المعروف ماركو بولو ظفار الذي قال عنها:
“ظفار بلد عريق وجميل ويقع على منطقة تبعد مسافة 500 ميل إلى الشمال الشرقي من الشحر، وسكانها عرب، وهي تطل على البحر ولها ميناء جميل يتيح لحركة نشطة بين السفن ويقوم التجار بنقل أعداد كبيرة من الخيول العربية إلى الأسواق ويربحون من ورائها أرباحا طائلة، وللبلدة قرى ومناطق كثيرة تابعة لسلطتها، وهي تنتج كميات هائلة من اللبان، وسوف أقص عليكم كيف يتم إنتاج هذه المادة فأشجار اللبان تشبه أشجار التنوب الصغيرة ويتم شق شقوق في مواضع عديدة فيها بالسكين ومن تلك الشقوق ينبثق اللبان وأحيانا يسيل اللبان من شجرته من تلقاء نفسه عند اشتداد حرارة الشمس”.
https://d2a0do11gpvbrl.cloudfront.net/t.php?y=album_image&wx=930&p=http://st.wthr.ws/sites/default/files/ظفار%20خريف.jpg
وكذلك اشار الرحالة المعروف ابن بطوطة بمعلومات قيمة عن ظفار حينما دون بأن حاكمها وقت زيارته كان اسمه ناصر بن الملك المغيث.
وهكذا نجد من حين وآخر بعض المعلومات التاريخية المهمة عن ظفار ومن تعاقب في حكمها كسعيد بن شماسه، ومحمد بن أحمد القرا، وناصرالدين محمد بن عمر الظفاري، وبدر الشهاب الجيرلي، والمظفر يوسف بن منصور الذي مات في عام 1446م ، لتدخل بعدها ظفار بعد نصف قرن تحت سلسلة من هجمات المستعمر الغاشم البرتغالي الذي أذعن في القتل بمذابح بربرية طوال الساحل العماني، وكان أهل ظفار حينها يقاومون بكل قوة البرتغاليين وخاصة في مرباط وجزر الحلانيات وتحديدا في عام 1553م، حينما مني البرتغاليون بقيادة فرناندس بهزيمة كبيرة على يد ابناء ظفار.
http://www.atheer.om/wp-content/uploads/2017/11/3023A426-92D0-487E-981A-CFA27D4EA01D-780x405.jpeg
ومن جانب آخر كان أئمة عمان في فترات حكمهم القوية يسيرون ولاتهم وقضاتهم إلى ظفار وكان هذا الامتداد بين مد وجزر ولكن للأسف لم يذكر المؤرخون العمانيون القدامى كثيرا عن ظفار واعتقد بأن ذلك يعود إلى أن مسرح الأحداث التاريخية المفصلية من تاريخ عمان السياسي كان يتمركز نحو صحار والرستاق ونزوى ومسقط.
ولكن التواصل العميق بين الأئمة وكل أجزاء عمان كان بلا شك كبيرا جدا ويكفي أن نذكر بأن الإمام الصلت بن مالك الخروصي الذي تولى أمر عمان في عام 237هـ ، لم تكن نجدته لأهل سقطرى ليخلصهم من ظلم الأحباش إلا أكبر دليل لوحدة عمان من شمالها لجنوبها وللصلات الكبيرة للوجود العماني في سقطرى نفسها التي كانت أساسا تتبع الامتداد العماني وصولا بعهد اليعاربة وحتى عهد الإمبراطورية العمانية التي أسسها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، تلك الإمبراطورية التي كانت بقوتها تربط بالسلام والتعايش وازدهار التجارة ممالكها بين القارة الآسيوية والأفريقية على السواء.
وكانت طفار ولا زالت عطر الجنوب الذي يتنفسه أهل عمان والتاريخ يشهد بذلك حتى وقت قريب فالنهضة لم ولن يقدر لها أن تكتمل إلا باكتمال النبض الظفاري الذي إن نبض بشهيق من جبل سمحان وجدت زفيره ينبض في جبال مسندم وكمزار.
http://www.atheer.om/wp-content/uploads/2017/11/3023A426-92D0-487E-981A-CFA27D4EA01D.jpeg
المراجع:
1 – مدن في الذاكرة العمانية، الشيخ أحمد بن سعود السيابي، الطبعة الأولى 2017م، مؤسسة ذاكرة عمان – سلطنة عمان – مسقط.
2 – أسياد البحار، حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، مطبعة النهضة 2015-2016م.
3 – بلدانه وقبائله. المؤلف: س. ب. مايلز. المترجم: الدكتور محمد أمين عبد الله. إصدار: وزارة التراث القومي والثقافة – سلطنة عمان .
https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/mimg.haraj.com.sa/userfiles30/2017-10-20/729x561-1_-L2v9FfAFF0E430.jpg