غرم الله مقصود
September 6th, 2015, 21:02
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- رأيناك يا أيلان، ما تبقى منك، على الأقل، بعدما فارقتنا روحك، جُرف جسدك على الشاطئ، ووجهك منكفئ على الرمال، قبل أن يحملك ضابط الشرطة التركي بذراعيه، أخوك، غالب وأمك ريحان عُثر عليهما في مكان قريب.
http://i.cdn.turner.com/dr/cnnarabic/cnnarabic/release/sites/default/files/styles/landscape_780x440/public/image/150902101851-03-migrant-crisis-exlarge-169.jpg?itok=aI2oen1_
هارون مغول زميل بمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، وهو مؤلف وكاتب، يمكنك تتبع نشاطه على تويتر عبر @hsmoghul، وهذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
غرقت أسرتك وهم يحاولون الفرار، آملين الوصول إلى كندا مرة أخرى، بعد أن رفضوا طلبك باللجوء السياسي، حتى عندما امتلأت رئتيك بالماء، كان يتضرع الملايين من المسلمين للقدير طلبا للارتقاء بالأمة، من أجل أمن وازدهار مجتمعنا العالمي.
لقد اشتعل غضبي في أيام كثيرة مثل هذه الأيام، وأنا أشاهد ما يحدث عاجزا من بعيد، أشاهد السوريين يشقون طريقهم إلى أوروبا هربا إلى الشمال عبر البلقان، يعبرون الأراضي التي توفي فيها أعداد هائلة من المسلمين منذ أقل من عقدين من الزمان. هناك عدد أكبر من اللاجئين الآن، أكثر من أي وقت مضى، أكثر من أعدادهم خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن ليس هناك حرب عالمية.
واحد من كل أربعة أشخاص في العالم مسلم، ويُتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى واحد من كل ثلاثة بحلول عام 2050، فلماذا أشعر بأنه كلما ازددنا عددا، ساء حالنا أكثر؟ نحن مثل زبد البحر، عرضة لتيارات لا نتحكم بها ولا نستطيع حتى تنبؤها، وبالتأكيد لا نساعدها.
ولذلك يذهب العديد من اللاجئين إلى أوروبا.. أوروبا التي تجد صعوبة في تقبل المجتمعات الإسلامية الموجودة فيها حاليا، يمكننا توقع أن يؤدي ارتفاع عدد اللاجئين إلى تمكين اليمينيين في جميع أنحاء أوروبا، سلوفاكيا على سبيل المثال، درست احتمال قبول "200 لاجئ" على شرط أن يكونوا من المسيحيين.
ولكن ليس لدى السوريين أي ملجأ آخر.
نعم، لقد سمحت لبنان بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وتستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين بالمقارنة بأي بلد آخر (متجاوزة حامل الرقم القياسي السابق، باكستان) وبالمقابل، أغنى الدول الإسلامية في العالم ودول الخليج العربية لم تعرض أي ملجئ، إسرائيل مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج، التي لا تكف عن تحذيرنا من الخطر الإيراني، ترفض أيضا فتح أبوابها لضحايا حليف إيران، بشار الأسد.
في مثل هذه اللحظات يتضح التناقض بين إسرائيل والديمقراطيات الغربية، إسرائيل لم تكتف برفض اللاجئين المسلمين، فقد رفضت أي لاجئ سوري، ومع ذلك أجد من الصعب جدا أن أفهم لماذا يتجاهل أغنى المسلمون إخوانهم في الدين، وأغلبيتهم مثلهم من العرب السنة.
ولكن السؤال ليس فقط "لماذا لا تقبل دول الخليج العربي الأطفال مثل أيلان وغالب؟" ولا حتى "لماذا لا تقدم الدول الإسلامية لأيلان وغالب نفس المزايا التي كان من الممكن أن تقدمها الدول الأوروبية لهما؟" والسؤال هو "لماذا يتوجب على أيلان وغالب، طفلان بريئان من أي جريمة، الفرار في المقام الأول؟"
وينبغي أن يكون الدرس المستفاد من الربيع العربي واضح، وهو أن القمع يؤدي إلى التطرف والتمرد، ولوقف التطرف والتمرد، انهوا القمع، قوموا بالعمل الشاق المطلوب لبناء مجتمعات متسامحة، ومع ذلك كان الدرس الذي تعلمه الأرستقراطيون يتمثل بعدم كونهم ديكتاتوريين بما فيه الكفاية. ستكون ثورة الشعب القادمة –والتي أعدكم بقدومها- أسوأ بكثير. بالرغم من فظاعة الوضع الآن، قد تكون سوريا مجرد مقدمة لصراعات أشد دمارا.
لذلك يبدو العالم الإسلامي منقسم، غير قادر على رعاية ذويه وغير قادر على حل صراعاته. لا ترفض المملكة العربية السعودية فقط مساعدة ضحايا الحرب في سوريا، ولكنها أيضا تخلق أزمة إنسانية في اليمن والتي لم يكترث لها أحد.
في مثل هذه الأيام، عندما يشعر المسلمون بالعجز والاشمئزاز والخزي.. فما الذي حل بنا؟ نحن غالبا ما نلوم الاستعمار، الإمبريالية، الاحتلال، ولكن ليس هذا هو المغزى، أجزاء أخرى كثيرة من العالم عانت التدخل الأجنبي أيضا، ثم لم تعد تعاني منه. الصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، أو الهند والبرازيل، الآن لديهم سيطرة أكثر على مصيرهم، وأصبحت هذه الدول توفر الكثير لشعوبها، وتوصف بأنها من القوى الصاعدة في العالم حيث تغير شيء ما بالنسبة لها في لحظة من الزمان، وإنه الشيء الذي يبدو أن الإسلام الحديث عاجز عن العثور عليه.
شعبنا يمزق بأمثال الأسد والبغدادي والسيسي والظواهري، يُجرف أضعفنا على الشواطئ ويفرون للنجاة بحياتهم ويجثمون خائفين تحت القصف الصاروخي أو السيارات المفخخة من حولهم، ولكن إذا كان هناك أي أمل ضئيل، فإنه يتمثل بأن مشاكلنا ليست كوارث طبيعية أو مآس غير متوقعة. إنها نتيجة الخطأ البشري، نتيجة نذالة الإنسان.
الدول الإسلامية ليست سيئة، ولكنها حُكمت بشكل سيء، إنها ليست متخلفة، ولكنها منعت من التقدم، ورغم أنها قد تكون على هذا النحو اليوم، فهذا لا يعني أنها يجب أن تكون على هذا الحال إلى الأبد.
http://i.cdn.turner.com/dr/cnnarabic/cnnarabic/release/sites/default/files/styles/landscape_780x440/public/image/150902101851-03-migrant-crisis-exlarge-169.jpg?itok=aI2oen1_
هارون مغول زميل بمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، وهو مؤلف وكاتب، يمكنك تتبع نشاطه على تويتر عبر @hsmoghul، وهذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
غرقت أسرتك وهم يحاولون الفرار، آملين الوصول إلى كندا مرة أخرى، بعد أن رفضوا طلبك باللجوء السياسي، حتى عندما امتلأت رئتيك بالماء، كان يتضرع الملايين من المسلمين للقدير طلبا للارتقاء بالأمة، من أجل أمن وازدهار مجتمعنا العالمي.
لقد اشتعل غضبي في أيام كثيرة مثل هذه الأيام، وأنا أشاهد ما يحدث عاجزا من بعيد، أشاهد السوريين يشقون طريقهم إلى أوروبا هربا إلى الشمال عبر البلقان، يعبرون الأراضي التي توفي فيها أعداد هائلة من المسلمين منذ أقل من عقدين من الزمان. هناك عدد أكبر من اللاجئين الآن، أكثر من أي وقت مضى، أكثر من أعدادهم خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن ليس هناك حرب عالمية.
واحد من كل أربعة أشخاص في العالم مسلم، ويُتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى واحد من كل ثلاثة بحلول عام 2050، فلماذا أشعر بأنه كلما ازددنا عددا، ساء حالنا أكثر؟ نحن مثل زبد البحر، عرضة لتيارات لا نتحكم بها ولا نستطيع حتى تنبؤها، وبالتأكيد لا نساعدها.
ولذلك يذهب العديد من اللاجئين إلى أوروبا.. أوروبا التي تجد صعوبة في تقبل المجتمعات الإسلامية الموجودة فيها حاليا، يمكننا توقع أن يؤدي ارتفاع عدد اللاجئين إلى تمكين اليمينيين في جميع أنحاء أوروبا، سلوفاكيا على سبيل المثال، درست احتمال قبول "200 لاجئ" على شرط أن يكونوا من المسيحيين.
ولكن ليس لدى السوريين أي ملجأ آخر.
نعم، لقد سمحت لبنان بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وتستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين بالمقارنة بأي بلد آخر (متجاوزة حامل الرقم القياسي السابق، باكستان) وبالمقابل، أغنى الدول الإسلامية في العالم ودول الخليج العربية لم تعرض أي ملجئ، إسرائيل مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج، التي لا تكف عن تحذيرنا من الخطر الإيراني، ترفض أيضا فتح أبوابها لضحايا حليف إيران، بشار الأسد.
في مثل هذه اللحظات يتضح التناقض بين إسرائيل والديمقراطيات الغربية، إسرائيل لم تكتف برفض اللاجئين المسلمين، فقد رفضت أي لاجئ سوري، ومع ذلك أجد من الصعب جدا أن أفهم لماذا يتجاهل أغنى المسلمون إخوانهم في الدين، وأغلبيتهم مثلهم من العرب السنة.
ولكن السؤال ليس فقط "لماذا لا تقبل دول الخليج العربي الأطفال مثل أيلان وغالب؟" ولا حتى "لماذا لا تقدم الدول الإسلامية لأيلان وغالب نفس المزايا التي كان من الممكن أن تقدمها الدول الأوروبية لهما؟" والسؤال هو "لماذا يتوجب على أيلان وغالب، طفلان بريئان من أي جريمة، الفرار في المقام الأول؟"
وينبغي أن يكون الدرس المستفاد من الربيع العربي واضح، وهو أن القمع يؤدي إلى التطرف والتمرد، ولوقف التطرف والتمرد، انهوا القمع، قوموا بالعمل الشاق المطلوب لبناء مجتمعات متسامحة، ومع ذلك كان الدرس الذي تعلمه الأرستقراطيون يتمثل بعدم كونهم ديكتاتوريين بما فيه الكفاية. ستكون ثورة الشعب القادمة –والتي أعدكم بقدومها- أسوأ بكثير. بالرغم من فظاعة الوضع الآن، قد تكون سوريا مجرد مقدمة لصراعات أشد دمارا.
لذلك يبدو العالم الإسلامي منقسم، غير قادر على رعاية ذويه وغير قادر على حل صراعاته. لا ترفض المملكة العربية السعودية فقط مساعدة ضحايا الحرب في سوريا، ولكنها أيضا تخلق أزمة إنسانية في اليمن والتي لم يكترث لها أحد.
في مثل هذه الأيام، عندما يشعر المسلمون بالعجز والاشمئزاز والخزي.. فما الذي حل بنا؟ نحن غالبا ما نلوم الاستعمار، الإمبريالية، الاحتلال، ولكن ليس هذا هو المغزى، أجزاء أخرى كثيرة من العالم عانت التدخل الأجنبي أيضا، ثم لم تعد تعاني منه. الصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، أو الهند والبرازيل، الآن لديهم سيطرة أكثر على مصيرهم، وأصبحت هذه الدول توفر الكثير لشعوبها، وتوصف بأنها من القوى الصاعدة في العالم حيث تغير شيء ما بالنسبة لها في لحظة من الزمان، وإنه الشيء الذي يبدو أن الإسلام الحديث عاجز عن العثور عليه.
شعبنا يمزق بأمثال الأسد والبغدادي والسيسي والظواهري، يُجرف أضعفنا على الشواطئ ويفرون للنجاة بحياتهم ويجثمون خائفين تحت القصف الصاروخي أو السيارات المفخخة من حولهم، ولكن إذا كان هناك أي أمل ضئيل، فإنه يتمثل بأن مشاكلنا ليست كوارث طبيعية أو مآس غير متوقعة. إنها نتيجة الخطأ البشري، نتيجة نذالة الإنسان.
الدول الإسلامية ليست سيئة، ولكنها حُكمت بشكل سيء، إنها ليست متخلفة، ولكنها منعت من التقدم، ورغم أنها قد تكون على هذا النحو اليوم، فهذا لا يعني أنها يجب أن تكون على هذا الحال إلى الأبد.